عفوا عفوا يا أجدادى شعراء الشعب
يا من نظموا عقد الكلمات بشكة سهم
أنا أعلم أن الشعر يواتيكم عفو الخاطر
عفو الخاطر
وسبقتونى فى هذا الفن : وداع الأحباب
خضتم أنهار الدمع وراء أحبتكم
بالاكتم بالدعوات مسار أحبتكم
من أسكلة الخرطوم الى الجبلين الى الرجاف
قاسيتم، وأنا يا شياخى قاسيت
كل السودان يقاسى يا شعراء الشعب
فدعونى أسمعكم شجوى
شجوى أدعوه قطار الغرب
اللافتة البيضاء عليها الإسم
باللون الأبيض باللغتين عليها الإسم
هذا بلدى والناس لهم ريح طيب
بسمات وتحايا ووداع ملتهب
كل الركاب لهم أحباب
هذى إمرأة تبكى
هذا رجل يخفى دمع العينين بأكمام الجلباب
"سلم للأهل ولا تقطع منا الجواب"
وارتج قطار الغرب، تمطى فى القضبان
ووصايا لاهثة تأتى وإشارات ودخان
وزغاريد فهناك عريس فى الركبان
ها نحن تركنا عاصمة الإقليم
ودخلنا وادى الصبر
كل الأشياء هنا لا لمعة تعلوها
كل الأشياء لها ألوان القبر
الصبر الصبر الصبر
الكوخ المائل لا يهوى
والشجر الذاوى ليس يموت
والناس لهم أعمار الحوت
أحياء لأن أبا ضاجع أما
أولدها فأسا يشدخ قلب الأرض
يحتاز كنوز الأرض ويبصقها دما
لتظل البورصة حاشدة والسوق يقام
وقطار الغرب يدمدم فى إرزام
تتساقط أغشية الصبر المترهل حين يجئ
ألوان الجدة فى وديان الصبر تضئ
والريح الناشط فى القيعان يمر
يا ويل الألوية الرخوة
يا ويل الصبر
ساعات الأكل تعارفنا
الصمت الجاثم فى الحجرات انزاح
وتبادلنا تسآل فضوليين
تحدثنا فى ساس يسوس
وتحذلقنا عن جهد الإنسان الضائع
فغرسنا كل الأنحاء مزارع
جئنا بالجرارات حرثناها
هذى الأرض الممتدة كالتاريخ
حبلى بالشبع وبالخصب المخضل
والناس هنا خيرات الأرض تناديهم
لا أذن تصيخ
دعنا منهم – وتدارسنا تحديد النسل
وتجولنا عبر الدرجات
عربات شائخة تتأرجح بالركاب
ومقاصير للنوم بها أغراب
الأولى خشخش فيها الصمت
والرابعة العجفاء بها إعياء
ضاعت تذكرة المرأة ذات محط
ورجال يكتتبون ورجرجة وضجيج
ومآذن فى الأفق المدخون تضيع
كوستى وأناس ينصرفون بلا توديع
وأناس يشتجرون على الكنبات
ها نحن دخلنا ما بين النهرين
الناس هنا جنس آخر
فقراء وثرثارون ولهجتهم فى لين القطن
والباعة ملحاحون وحلاقون
ولهم آذان تسمع رنة قرش فى المريخ
هذا نوع فى كل نواحى القطر تراه
على ليلى يطول أساك
منتعلاً وسامك قلبك الشاعر
و مطروداً أمام الريح
محتملاً جراحات الهوى الخاسر
و ممدوداً على سجادة التاريخ
مائدة لكل حزين
******
على ليلى تجرجر في الدواوين العتيقة
حزنك الشحاذ
تنشر راية العجز الذليل
عن المنى و الأخذ و الإنجاز
و تفتح صدرك الدامي لأجيال المحبين اليتامى
في شعاب الأرض
بأسماء الهوى العذري
تطعمهم تعازيك العفيفة عن
أحابيل الزمان و عن قصور اليد
و عن ذل السؤال و عن هوان الصد
و عن طول الجوى و الوجد
لو صد الحبيب و ضن
******
لأنك عند باب الرعب أحنيت الجبين رضى
قبلت شهادة الكتب القديمة و الرواة الخائنين
عن الهوى و الفن
و نمت على وسائدهم قرير العين محتقبا
غثاثة مجدك المخدوع
لأنك باسم إرضاء القبيل و سطوة الآخر
تركت هواك للأعداء
و لم تصمد هشاشة عظمك العذري للقتلة
( و إن صمدت لهول الموت في الصحراء)
******
لماذا و الخيول تصاهلت
شوقاُ إلى التسواح
و سيف شبابك الضاري
سنين الحد
و ألف مثابة للهاربين
على معاقل نجد
لماذا لم تعشش كالنسور مع هواك
على تعاظم نفرة و جماح؟
و لم تأخذ حياتك
من فخاخ الناهشين
و من يد السفاح؟
نهار الأمس ودعني الحبيب و راح
و باسم التضيحات الزائفات
مضى
و خلفني لزحف الشمس
و الأشباح
و باسمك أيها الوغد الزنيم
مضى قرير العين
مزهواً
بأكفان الرضاء العام
*******
أهينك ها أنا عبر القرون أهين حلمك
بالخلود العذب
أهين نذالة الكسب الذليل
على حساب القلب
أهين جميع من باعوا الشباب
و فرطوا في الحب
و من خفضوا الرؤوس و طأطأوا الهامات
و اعتذروا عن الأيام
أهين لك الرضاء العام