الفردوس المفقود

الفردوس المفقود

 

الفردوس المفقود

نزلتُ شَطكِ، بعدَ البينِ ولهانا
 
 
فذقتُ فيكِ من التبريحِ ألوانا
وسِرتُ فيكِ، غريباً ضلَّ سامرُهُ
 
 
داراً وشوْقاً وأحباباً وإخوانا
فلا اللسانُ لسانُ العُرْب نَعْرِفُهُ
 
 
ولا الزمانُ كما كنّا وما كانا
ولا الخمائلُ تُشْجينا بلابِلُها
 
 
ولا النخيلُ، سقاهُ الطَّلُّ، يلقانا
ولا المساجدُ يسعى في مآذِنِها
 
 
مع العشيّاتِ صوتُ اللهِ رَيّانا
****
كم فارسٍ فيكِ أوْفى المجدَ شرعتَهُ
 
 
وأوردَ الخيلَ ودياناً وشطآنا
وشاد للعُرْبِ أمجاداً مؤثّلةً
 
 
دانتْ لسطوتِهِ الدنيا وما دَانا
وهَلْهلَ الشعرَ، زفزافاً مقَاطِعُهُ
 
 
وفجّرَ الروضَ: أطيافاً وألحانا
يسعى إلى اللهِ في محرابِهِ وَرِعاً
 
 
وللجمالِ يَمدُّ الروحَ قُربانا
لمَ يَبقَ منكِ: سوى ذكرى تُؤرّقُنا
 
 
وغيرُ دارِ هوىً أصْغتْ لنجوانا
****
أكادُ أسمعُ فيها همسَ واجفةٍ
 
 
من الرقيبِ، تَمنّى طيبَ لُقيانا
اللهُ أكبرُ هذا الحسنُ أعرِفُهُ
 
 
ريّانَ يضحكُ أعطافاً وأجفانا
أثار فِيَّ شُجوناً، كنتُ أكتمُها
 
 
عَفّاً وأذكرُ وادي النيل هَيْمانا
فللعيونِ جمالٌ سِحرُهُ قدَرٌ
 
 
وللقدودِ إباءٌ يفضحُ البانا
فتلك دَعْدٌ، سوادُ الشَعْرِ كلَّلها
 
 
أختي: لقيتُكِ بَعْدَ الهجرِ أزْمانا
أختي لقيتُكِ، لكنْ أيْنَ سامُرنا
 
 
في السالفاتِ؟ فهذا البعدُ أشقانا
أختي لقيتُ: ولكنْ ليس تَعْرِفُني
 
 
فقد تباعدَ، بعد القُربِ حيَّانا
طُفنا بقرطبةَ الفيحاءَ نَسْألها
 
 
عن الجدودِ.. وعن آثارِ مَرْوانا
عن المساجد، قد طالت منائرُها
 
 
تُعانق السُحبَ تسبيحاً وعرفانا
وعن ملاعبَ كانتْ للهوى قُدُساً
 
 
وعن مسارحِ حُسنٍ كُنَّ بسْتانا
وعن حبيبٍ، يزِينُ التاجَ مِفْرقُهُ
 
 
والعِقدُ جال على النّهدين ظمآنا
أبو الوليد تَغَنّى في مرابِعِها
 
 
وأجَّجَ الشَوقَ: نيراناً وأشْجانا
لم يُنْسِه السجنُ أعطافاً مُرنَّحةً
 
 
ولا حبيباً بخمرِ الدَّلِّ نَشْوانا
فما تَغرّبَ، إلاّ عن ديارهمُ
 
 
والقلبُ ظلَّ بذاك الحبِّ ولهانا
فكم تَذكّرَ أيّامَ الهوى شَرِقاً
 
 
وكم تَذكّرَ: أعطافاً وأردانا
قد هاجَ منه هوى ولادةٍ شَجَناً
 
 
بَرْحاً وشوْقاً، وتغريداً وتَحْنانا
فأسْمَعَ الكونَ شِعْراً بالهوى عَطِراً
 
 
ولقّنَ الطيرَ شكواه فأشجانا
وعاشَ للحُسنِ يرعى الحسنَ في وَلَهٍ
 
 
وعاش للمجدِ يبني المجدَ ألوانا
تلكَ السماواتُ كُنّاها نُجمّلُها
 
 
بالحُبِّ حيناً وبالعلياء أحيانا
فرْدَوسُ مجدٍ أضاعَ الخَلْفُ رَوْعَتَهُ
 
 
من بعدِ ما كانَ للإسلامِ عنوانا
****
أبا الوليدِ أعِنِّي ضاعَ تالدُنا
 
 
وقد تَناوحَ أحجاراً وجُدرانا
هذي فلسطينُ كادتْ، والوغى دولٌ
 
 
تكونُ أندلساً أخرى وأحزانا
كنّا سُراةً تُخيف الكونَ وحدتُنا
 
 
واليومَ صرْنا لأهلِ الشركِ عُبدانا
نغدو على الذلِّ، أحزاباً مُفرَّقةً
 
 
ونحن كنّا لحزب اللهِ فرسانا
رماحُنا في جبين الشمسِ مُشرَعةٌ
 
 
والأرضُ كانت لخيلِ العُرب ميدانا
أبا الوليدِ، عَقَدْنا العزمَ أنّ لنا
 
 
في غَمرةِ الثأرِ ميعاداً وبرهانا
الجرحُ وحّدَنا، والثأرُ جَمّعنا
 
 
للنصر فيه إراداتٍ ووجدانا
لهفي على «القدسِ» في البأساء داميةً
 
 
نفديكِ يا قدسُ أرواحاً وأبدانا
سنجعل الأرضَ بركاناً نُفجّرهُ
 
 
في وجه باغٍ يراه اللهُ شيطانا
ويُنتسى العارُ في رأد الضحى فَنَرى
 
 
أنَّ العروبةَ تبني مجدَها الآنا
محمد أحمد محجوب
View sudan's Full Portfolio