بين المتدارك والخبب!!!

هذا الموضوع تم نقاشه في شبكة فلسطين للحوار في بداية عام 2004
مريم العموري
منذ بدأت كتابة الأناشيد وأنا تستحوذ على طقوس قصائدي بضع إيقاعات وجدتها مأنوسة طيعة، يرغبها الملحن وويراوحها في نغماته. حتى خلتني في صنعتي هذه لم أعد أنظم إلا في بعض هذه الأوزان التي لا يتجاوز عددها أصابع الكف الواحدة.
ومع أنها لم يضق فضاؤها بي بعد.. إلا أنني أخشى أن تكون مطوّقتي بجدائلها في يوم ما، فتمسك عليّ أنفاسي.. ولا مفرّ حينها إلا إلى بداية أخرى.. تلك التي ظننت أني تجاوزتها منذ زمن.. لكن الحمد لله من قبل ومن بعد.
أحببت أن أبين بعض الذي يشتدّ في صدري وأنا أنظر بعين الآخر إلى أناشيد كتبتها للأطفال على امتداد سنوات ماضية.. وجدتني أراوح فيها بين بحرين أو ثلاثة، مع أني لم أكن مدركة لهذا الأمر فأنا كما قلت أكتب بالإيقاع ولا أنتبه إلى الأوزان -على علمي بالشائع منها- هذا إن جاز لي التفريق بينهما من جهة الموسيقى المؤثرة، وهنا أخص أناشيد الأطفال.
ولعل الذي لفت نظري إلى هذا الأمر-ومن دون أن يدري- أخي الشاعر خميس لطفي، حين طلبت منه أن يراجع لي بعض الأناشيد ويتحقق من سلامتها عروضيا، ففعل-جزاه الله ألف خير-.
ففي جانب، أدركت أني كتبت أغلبها على بحر واحد-وهذا كان داعي شهقاتي الحرّى في بداية مقالي-
ومن جانب آخر-هو مثار نقاش لا زال جاريا بيني وبين الأخ خميس- قلت، لا بد أن نشرك الإخوة والأخوات في المنتدى هذا الحديث ويشركوننا ما لديهم إن تكرموا علينا.. لعلي أجد عندهم ضالة الوزن الذي نظمت فيه.. فإن كان من المتدارك كما أُخبِرتُ  فإني يا لتعسي قد خرقته خرقا لا سبيل إلى رتقه، وكسّرته تكسيرا لا طاقة لي بجمعه، وقعدت أندب شعري على عالي تلته ..
فهل نشيدي هذا على المتدارك فعلا أم على بحر "كالخبب"؟؟
قد يقول قائل إنهما اسمان لنفس البحر.. وقد كان هذا مبلغ علمي أنا أيضا..
أنظروا مثلا إلى هذين المقطعين من نشيد كتبته بعنوان "مدرستي":
[يا مدرستي يا أغنيتي=يا أجملَ لحن في شفتي
كل صباح تشدو لغتي= فلتحيا تحيا مدرستي
فلتحيا تحيا مدرستي
دقّ الجرسُ فألزمُ صفي=أشبكُ كفَّ الصحبِ بكفـّي
و|ردّدُ مع كل رفاقي=لبلادي أروع أغنيةِ
فلتحيا تحيا مدرستي
عندما نظمت هذا الأغنية وغيرها لم أكن حقيقة أدري أي بحر هي، قلت: ربما بحر نسيته ..لكنما ساقتني إليه موسيقاه المنسابة السهلة والتي تصلح للغناء و خصوصا للأطفال..
لم يخطر ببالي أبدا أن يتعارض الانسياب الإيقاعي والبحر العروضي لاعتقادي أنهما مرآة للآخر، وأيهما اتخذت في وزن الشعر أبقى في مأمن من ميل أو خسران. فهل خذلتني ذائقتي الموسيقية فأوقعتني في شَرَك سحيق!!.
قبل سنة أو ما يزيد قرأت عن إيقاع الخبب، أو بحر الخبب، وإن كنا ألفنا الاسم كمسمى آخر للمتدارك، ولكن الخبب هنا بحر مختلف، له ميزتان "أن لا وتد فيه، والسببان الخفيف والثقيل فيه يحل كل منهما مكان الآخر"*. في حين أن باقي البحور بما فيها المتدارك لا بد أن تحتوي وتدا. ومن الذين ميزوا ذلك -كما علمت- الدكتور أحمد رجائي في كتابه "أوزان الألحان بلغة العروض".
معلومة:
السبب الخفيف: حرف متحرك +ساكن. مثل: لَو
السبب الثقيل: حرف متحرك + متحرك. مثل: دَمُ
الوتد: حرف متحرك+ متحرك+ ساكن. مثل: سَرَى.

--
واعتمادا على هاتين الميزتين فإن أوزان الخبب تكون:
فعلُن(- -) -= فع+ لُن= سبب خفيف+سبب خفيف
فَعِلُن(ب ب -)=فَعِ +لُن= سبب ثقيل + سبب خفيف
فاعِلُ(- ب ب)= فا+ عِلُ=سبب خفيف+سبب ثقيل
فَعِلَتُ(ب ب ب ب)=فَعِ +لَتُ=سبب ثقيل +سبب ثقيل

--
ولو قطعنا الأبيات السابقة لوجدناها تنتمي إلى إيقاع الخبب هذا.. فمثلا
دقّ الجرسُ فألزمُ صفي............أشبكُ كفَّ الصحبِ بكفـّي
- - /ب ب ب ب/ - ب ب /- - ...- ب ب/ - - /- ب ب/ - -

--
وكذلك لو قطعنا أنشودة للشاعر سليمان العيسى لوجدناها أيضا تنتمي إلى "الخبب" أو مجزوءه:
ماما ماما....يا أنغاما
- -/- -/....- -/ - -
تملؤ قلبي...بندى الحبِّ
- ب ب/- - ... ب ب -/- -
أنت نشيدي.....عيدكِ عيدي
- ب ب/- -....- ب ب/- -

--
على كل حال، هذا ما لدي الآن، ولعلي أستنير بآرائكم في هذا الشأن..
مع خالص التحية

--
رد ياسر علي

--
بعد رسالة طويلة كتبتها وقمت بإرسالها اكتشفت أن النت كان مقطوعاً فضاعت، لذلك سأكتب ما أتذكر منها هنا
أختي الكريمة مريم حفظها الله
لم أكن في السابق أدرك الفرق بين الخبب والمتدارك، ولم يخطر ذلك على بالي، وأصلاً لو لم يقم الأخفش بالاستدراك على الفراهيدي، ما كنت لأدرك ذلك مطلقاً:
متدارك للأخفش قولٌ
فعلن فعلن فعلن فعل

--
وأقول:
لقد بقيت مثلكم معتقلاً زنازين الوافر والكامل والهزج، وأحياناً المتقارب والمتدارك
وقليلاً ما اسرح إلى الطويل والبسيط اللين إذا نظمت عليهما سأضطر بعد أربعة أو خمسة أبيات إلى ورقة وقلم للتقطيع والوزن، فهما سهلان على المزاج، إلا انهما يطولان ويقصران أحياناً معي.
ونادراً ما أدخل إلى الخفيف، الذي نظمت يوم أمس في المكتب بيتين منه، إلا أن الانشغال وضيق الوقت والكسل، لم يدفعوني إلى المتابعة.
أما بالنسبة للمتدارك، فقد حصل أنه لم أكلف يوماً بأنشودة لأطفال أو مدرسة او عرس أو رابطة، غلا كتبتها على المتدارك لعلمي بسهولة تلحينه، اما أنه كان على الخبب فلم أدرك ذلك.. مثل أنشودة رابطة الطلاب المسلمين في لبنان، التي لحنها وغناها وسجلها أحمد قعبور (صاحب أناديكم - توفيق زياد)، وقبض عليها ألف دولار، أقبضت اجري تطوعاً (هذه للأخت ابتسام التي تدرك المغزى).. ومطلعها:
من نبض قلوب الأحباب
وبنهج نبي وكتاب
شطّرت بحرف من نور
عاشت رابطة الطلاب
عاشت.. عاشت..
عاشت رابطة الطلاب
** *
والآن على أن أراجع هذه الأناشيد لأعرف إن كانت على المتدارك أو الخبب.
وأشكر لك مرة أخرى، وأنا بانتظار ردود المتخصصين على هذا الموضوع، لنستفيد من خبرتهم وآرائهم

--
رد خميس لطفي
أشكر الأخت مريم والأخ ياسر وأرجو من الإخوة الراغبين في مناقشة هذا الأمر أن يحاولوا الرجوع إلى مصادر ومراجع متخصصة في علم العروض وما يهمنا بالضبط أن نعرفه هو : هل يوجد بالفعل بحر مستقل يسمى الخبب ؟ وما هي تفعيلاته ؟
سأحاول بدوري أن أفعل ذلك لأن المرجع الذي لدي الآن (و أستعمله في حالات الطواريء) بسيط وهو كتاب يُدرس في الجامعة تأليف الدكتور غالب بن محمد الشاويش واسمه الكافي في علم العروض والقوافي ولونه أخضر وغالباً ما يضيع مني في البيت فأضطر للسؤال عنه قائلاً : من رأى ( الكتاب الأخضر ) يا أولاد ؟
المهم حسب ما يقوله كاتب هذا الكتاب فبحر المتدارك سمي كذلك لأن الأخفش قد تداركه على الخليل الذي أهمله ومنهم من سماه المحدث لحداثة عهده ومفتاحه هو :
حركات المحدث تنتقل / فعلن / فعلن /فعلن / فعلن
كما سماه بعضهم بالمخترع لأن الأخفش اخترعه .
وسماه بعضهم المتسق / وسمى أيضاً الشقيق ( شقيق المتقارب ) لأن كلاً منهما مكون من سبب خفيف ووتد مجموع وسماه آخرون ضرب أو دق أو صوت الناقوس وسمي أيضاً ركض لأنه يشبه صوت وقع أقدام الفرس على الأرض وسماه آخرون الخبب والذي هو نوع من السير السريع ..
المهم حدث معي تقريباً ما حدث مع الأخت مريم ( ولم أقل لها ذلك من قبل  ) فقد كتبت في الماضي قصيدة ( الكرسي الناطق ) :
خشبي أصليٌّ خشبي زان ** صممني نجارٌ فنان .
أفتخر بأني موجود ** ومقيم في كل مكان .
فأنا في الغرفة والمكتب ** وأنا في المطعم والبستان .
قد توجد جنبي طاولةٌ ** أنا والطاولة صديقان ............. إلخ .
ولم أقطع تلك القصيدة يومها لأنني كنت أظن أنها ليست بحاجة لتقطيع فنغمتها واضحة أو هكذا تبدو على الأقل ..
وبعدها بفترة كتبت أيضا قصيدة شطبناكم من جدولنا .. وتم نشرهما في المركز .
وفي أحد الأيام قررنا هنا في الشبكة أن نفتح موضوعاً عن العروض وبدأنا في البحر المتدارك .. ودهشت كثيراً يومها عندما اكتشفت أن القصيدتين المذكورتين أعلاه احتوتا على تفعيلات كتلك الموجودة في كثير من قصائد الأخت مريم :
/ب ب ب ب/ - ب ب /
فما كان مني إلا أن طلبت من الإخوة المسؤولين في المركز أن يحذفوا القصيدتين و أدركت يومها أن البحر المتدارك والذي كنت أظنه أسهل البحور لم يكن كذلك أبداً وأن نغمته خداعة نمرة واحد  وأن العوم في بحر غزة وهو هائج الأمواج قد يكون أفضل من العوم فيه  ( وهو بالتأكيد أفضل !! ) وعندما قرأت بعض قصائد الأخت مريم في الفترة الأخيرة اكتشفت أنها ( وقعت فيما وقعت فيه ) هذا إن جاز لي أن أقول ذلك فأنا بالفعل استغربت عندما بدأت تكلمني عن بحر الخبب والذي كنت أظن أنه المتدارك نفسه ..
المهم .. هذه هي قصتنا مع الخبب والتي لم تنته بعد ..
فحبذا لو شاركنا من استطاع في هذا البحث عن بحر الخبب .
وشكركم وجب

--
رد كمال
الله يعينكم يامعشر الشعراء
كل فكري انكم بطجوا هالقصيدة وزي ما تيجي تيجي لكن طلعت حكايتها حكاية
ومش مشكله كملوا نقاشكم ما بين مخبب ومقبب ومهبب المهم في النهاية ما تتوقفوا عن كتابة القصائد

--
رد د. أسامة الأشقر
هذا اللون الذي كتبت به مريم نشيدها وجرى خميس على نهج قريب منها في قصيدتيه اللتين طلب حذفهما من صفحة قصائده في المركز الفلسطيني للإعلام هو لون غنائي استحدثه بعض "أمراء " الطرب في العصر العباسي ؛ وهو مُطرب جدا وذو إيقاع سريع جميل ؛ وغالب الظن عندي أن هذا اللون أُلحِق إلحاقا بالخبب أو المتدارك لسهولة تحرير هذا الأيقاع الجديد وضم نسبته إليهما أو إلى أحدهما بزحافات جائزة وعلل مباحة وعندما قرأتُ كتابي الأخفش في العروض لم أجد ذكرا لهذا المتدارك رغم نسبة بعض الأكابر ذلك له وهذا ما جعلني أفترض أن المتدارك مما نسبه ملحّنون له بغرض تأصيل لحنهم عروضيا مما يساعد على انتشاره .
لكن بحر الخبب الذي ابتدعه الخليل إنما خرج لأنه وليد شرعي لدائرة عروضية وكان بحاجة إلى تسمية رغم أنه لم يُستعمل على قول نُسب للخليل .
ولكن الخليل أبى إلا أن يمثّل له بنظم يُنسب له أتى على إيقاعين:
الإيقاع الأول :
هذا عمرو يَستعفي مِن = زيدٍ عند الفَضْل القاضي
فَانْهَوْا عَمْراً إني أخشى = صَول اللَيث العادي الماضي
--
الإيقاع الثاني:
سُئلوا فَأبَوا فلقد بَخلوا =فَلَبئسَ لَعَمْركَ ما فعلوا
أبكيتَ على طَلَلٍ طَرَباً =فَشَجاكَ وأحزنك الطللُ

View nasheed's Full Portfolio