الحلقة الثانية من دراسة نقدية في حوار ادبي مع الكاتبة فاديا الفقير
بقلم : جمال السائح
............................................................
ثم .. لنستمع الى السؤال الاول :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نعود في بداية حديثنا إلى طفولتك كيف كانت؟
...........................................................
مناقشة صيغة السؤال الاول :
استرسال ربما كان غريبا بعض الشيء
ومن قبل ان يدخل في عنوان للمحادثة
يستعيد وطره في الحديث
كما لو كان ثمة استرسال مسبق للكلام
لم نعهده في هذا الحوار
ولم يسبقنا اليه سوى ما كان ابتدر ..
من وقع للحديث
كنا وجدناه في اولياته هذه ...
مثل هذا السؤال الذي كان تردد في اول سماته
بداية جميلة ..
لكن كان بالامكان التلميح لها
بمباشرة لها ان تقطع مجالات الشك في طبيعة اللبس التي ...
لها ان توشح بداية الحوار ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جواب السؤال الاول :
* طفولتي قضيتها في حي بسيط بالعاصمة الأردنية عمان،وسط عائلة بسيطة،طفولة سعيدة بكل ماتحمل هذه الكلمة من معنى، أمي شركسية، وأبي بدوي عجرمي يسكن المدينة، وأمي تحب البدو والعرب بشكل لايوصف أكثر مايحب العرب أنفسهم، وكانت تصر ونحن أطفال إلى أخذنا عند مضارب قبيلتنا، وكثير من طفولتي قضيتها مع البدو، معظم فترات العطلة الصيفية أقضيها مع البدو، نزرع، نحصد، نسافر، ونركب الخيل، جزء من نسيج تشكيلي بدوية رحالة، إذا بقيت في مكان أكثر من عام ، لابد وأن أرحل، والغريب استقراري في جامعة در هام ثمان سنوات، ما شهدته في القبيلة علمني أشياء كثيرة، والبدو عندهم النظافة، وكيف أروي رواية، وسمعت للراوي في أخر مراحل وجوده، في الحقيقة أجمل فترات حياتي طفولتي ،لهذا السبب كتبت روايتي الثانية( أعمدة الملح) لأني أريد توثيق سيرة هولاء الناس الذين رحلوا لتكون ضد الإستشراق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناقشة جواب السؤال الاول:
............................................................
تبتعث الكاتبة حديثها عن طفولة
لها ان تعيشها في الاردن
في حي بسيط
هذا الكلام يوحي لنا ببساطة صاحبته
وبعمق النظرة المتوالدة لديها في اليوم
انسانة تحمل موروثها فوق راحتها
تعيش لاجله
تتغنى في ساعاته القديمة
وايامه التي كانت احتضنت طفولتها
لكنها لا تزعم انه يمثل منهاجها
او نظريتها الرؤيوية الحالية وان ..
وان حاولت تمثل ايامه
او استيعاب خلجاته القديمات
واستعادة حسن انتمائها له
او حتى وفائها لملاعبها الصغيرة
وازمنتها التي كانت متاحة لها في مظانها
لكنها تحيلنا الى مهجة التفكير
حين تخبرنا ببقائها 8 سنوات في جامعة درهام
المدة الاكبر في عمل
عمل خارج البلاد
خارج الوطن
ويتمايز بلغة اخرى
غير لغة البلاد
غير لغة القبيلة
وهي التي لم تتمرس البقاء في مكان لاكثر من سنة
ولا حتى في مضارب قبيلتها
والتي لا تستمر اكثر من العطلة الصيفية
هذا التمرد غير الموشوم بعلامة
نرى انها تشير اليه في بعض التواشيح والتذهيبات الكلامية
عطلتها الصيفية
كانت تستغلها بفعل اصرار امها
مع ان الاخيرة ما كانت بدوية
لكن اباها كان البدوي
مما يعزز لدينا ان الشاعرة
ولدت في موطن يحفل باب بدوي
وام شركسية
تحب مضارب البدو
ربما لانها هي الاخرى كانت تعيش قساوة الظرف
في الحياة الروسية
مهد صلاتها الاولى وملعب صباها
اقصد الام
مما تركها (يعني الام) ان تكثف خزينها الاساس
والذي كان له ان يتفاعل مع جذور الاب البدوية
في تكثيف رجولة بيئية
تزرعها الام قبل الاب
مع ان الاب موطنه كان في الاردن
والام غريبة
لكننا نرى ان الام تصر على رحلتها الى المضارب
واصطحابها لفادية
وانا لا ارى الا قوتها الثابتة في الكتابة
ورحلتها الى الغرب
وجرأتها على العيش لسنوات في مكان بعيد
عن موطنها الاصلي
ما كان منبثقا الا من اصالة مولدها
وقوة عيشها في طفولتها
وبأس يومياتها الممزوجة بمرح اللعب وعيش الصبا
ثم ..
عود اخر الى هذا البقاء الصيفي ..
في مضارب قبيلة ابيها
والى اسباب استيحاءاتها الادبية الاكثر جرأة
والتي سنرى كيف يعرض اليها المحاور معهاه
والى دواع وسياسات جذرية في نشأتها الاولى
لنرى كيف ..
كان اتاح لها هذا البقاء الصيفي
فضلا عن ..
فرص تعلم الكثير من الاشياء
التي ربما لا يمكن ان تتعلمها الفتيات في المدن
سيما رياضات رجولية اكثر منها نسائية
نحصد نسافر نركب الخيل ..
ثم ان امها كانت تحب البدو كثيرا
مما يعزو علاقات امها بعائلة زوجها الى شيء من الصلة ..
ذات العلاقة السعيدة والاكيدة
يعني طفولة من دون نكد ومشاكل عائلية
هاذا الاخر بامكاني ان استوحيه
لانها هي الاخرى تؤكده
حينما تقول
طفولة سعيدة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى
وهذه من الاسباب الرائدة
في نشوء الانسان خير منشأ
وصولا به الى احسن نشأة عليا
وهو ما توصلت اليه فاديا الفقير
التي نشأت في عائلة بسيطة
من اب بدوي وام شركسي
عطلتها الصيفية ما كانت تقضيها في شوارع واشنطن
ولا في حدائق سويسرا
ولا في الميريديان او الهلتون او فوق برج ايفل
لكنها كانت تقضيها في مضارب قبيلة بدوية
تسلحت بانوثتها الى جانب قوتها
فبدويتها لم تنقض انوثتها
ولم تمنعها من السفر والجهاد والاخذ بقصب العلوم
وتسنم مبالغ فائقة في العظمة
لانها كانت امنت بعظمة الحياة السعيدة
وان بوسع الاسرة السعيدة
ان تلد اطفالا سعداء
يحتفظون بمستقبل سعيد مشرق لهم
مع اننا رأينا كيف تؤتي المعاناة
لدى ادباء واديبات
او مفكرين ومفكرات
وعلماء وعالمات
كل أكلها الدائم
لتنقلب تستحق فيما بعد كل اعجاب
حينما تلد كل ابداع واخر
لكننا هنا
نجد بساطة
وسعادة
لها ان تنتج عمق الابداع
وفي مكان اخر
بعيد عن موطئ الصبا وموطن الطفولة
ومن ثم
بلغة اخرى
كما سنرى فيما بعد
يعني ان يتم انتاجه وخلقه
بلغة اخرى
غير لغة البداوة
والعربية التي تعد اصلا مؤرخا لتاريخ البداوة
واصلا يؤكد عربية المرء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السؤال الثاني :
*هل لنا الاقتراب أكثر من فادية الفقير؟
............................................
مناقشة صيغة السؤال الثاني :
محاولة جادة ..
والاجمل اعتراف المحاور الضمني ..
ان محاولة العودة الى طفولتها
ما كانت تحاول الاقتراب من فادية اكثر
لذا عاد الان يطالبها ..
بان تقرّب للقراء نفس فادية اكثر
كما لو كان يطالبها بالحديث عنها ..
فاديا الكبيرة وليست الطفلة
فاديا اليوم وليس فاديا الصغيرة ..
أو فاديا الامس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جواب السؤال الثاني :
* أنا كاتبة عربية أردنية،أعيش في بريطانيا،أكتب باللغة الإنجليزية ، الظروف شاءت ،وأنا لم أشاء ، درست في بريطانيا الكتابة الإبداعية والنقدية،وحصلت على الدكتوراة في هذا المجال تحت إشراف الكاتب والناقد الشهير(مالكم قامبري malkem- gambrey) بعد ذلك عملت في عدة جامعات بداية إكسبلر وأكسفورد حتى درهام ،حاليا أشتغل في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية بجامعة درهام، وأعلم اللغة العربية والأدب العربي الحديث.
................................................
مناقشة جواب السؤال الثاني :
عربية في بريطانيا
امر طبيعي
لكن الاكثر جمالية وغرابة
انها لا تكتب بلغتها
تكتب بلغة يفترض ان تتعرف الى كتاباتها اكثر
ربما اختصرت الطريق
فبدلا من ان تكتب بالعربية
ثم تعلم ان كتاباتها سوف لا تحوز على تلك الاهمية
الا حين ترجمتها
فهي اختصرت طريقها وعرجت الى لغة القوم
لغة .. هي الاخرى تحظى بعالمية فنية قاهرة
لانها وبالتالي
تعرب عن اسباب انتقائها للكتابة بمثل هذه اللغة
وهي التي عرجت على مضارب القبيلة في صباها
كي ترعى جموحها الفتي ونشوتها الصبيانية
حتى اذا ما استطالت بها السنين
عرجت الى مضارب غربية
تعيش بين خيام قبائلها المعاصرة
كي تلقي عليهم دراسات الادب العربي
كي تنقل اليهم ما حملته ذاكرتها عن صباها
وتترجم لهم صور الادب العربي
وتشرح لهم اياته
لكن بصورة اجمل وبلغة اخرى
لانها كاتبة
والكاتب يعلم كيف يستاق فنيات العمل الادبي
وهو الذي يفهم خرائده ومقاييسه وقيمه النوعية والفنية
ثم الظروف شاءت ولم تشأ هي
هي تلقي بعاتق مثل هذه الاسباب على الظروف
ولا تعرب عن رأيها في الحال
هل هو مدهش ام غير مدهش
يعني ان يكتب المرء بغير لغته
وهذا امر محير حقا
لان مثله يحتاج الى تسلط كاف ومنيف على لغة اخرى
سيما ان كانت الكتابة والنص يشتملان على استباحة ادبية
وليست مقالات عادية او كتابات صحفية او شروح معينة
ثم انها لا تشير الى كتابتها باللغة العربية
ولحد الان
لكن
هل كانت الظروف تحتم عليها الكتابة بالانكليزية
لان منحاها في الكتابة
ربما له ان يستثير بعض الخواطر والقرائح العربية
او غالبيتها
لاننا سنرى انها تكتب بصراحة
والصراحة العرب لا يحبونها
بل يحبون التدليس وتمجيد الرجال ليس الا
فكيف لو جاءتهم انثى بما يحمله قلم فاديا
ثم دراستها كانت في انكلترا
وعملها الحالي والتدريسي ايضا في انكلترا
لم تقتصر دراستها هناك على اكاديميات عادية
لكنها تجاوزتها الى الحصول على شهادات عالية
يحلم بها كل من هب ودب من الادباء والاديبات
ثم انها درست على يدي ابرع النقاد الانكليز
مالكم قابري ...
malkem- gambrey
بعدها راحت تنهمك بالتدريس
وبلغتهم الحية
هذا ما تفي به الاشارات والقرائن
لانها تنقلت بين عدة جامعات
اكسبلر واكسفورد
واخرها درهام
وكلها انكليزية تدرس بلغتها الانكليزية
ثم انها اختزلت واقعها
وارادت ان تكون هي الحلقة الوصل
والقاعدة الاشمل
حينما يتيسر لها وهي العملاقة في الادب
ان تلقي محاضراتها بلغة غير لغة قبيلتها
لتحدّث وبصورة المح
ومن خلالها ..
عن قبيلتها وعن ادابها العربية
ولكن بصورة اخرى
لتنقل وعي امة وبكاملها
عبر تعليمها للغتها
وعبر تدريسها لادابها العربية
بعد ان كانت تحاول نقل وعيها القبلي
الى المدينة
وتحاول التجانس ما بين المدينة وخارجها
واليوم بين بلدها وخارجه
وفي الامس كذلك
كانت تحاول مثله
وتشييد جسور الحرية والتواصل
ما بين الحضر والبدو
ما بين المدنية الشامخة والبدوية الاصيلة
فاديا
روح تهل في الشرق والغرب
قمر يطلع في الغرب
كما كان يطلع في الشرق
له ان يستطلع الانوار في المشرقين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع تحيات جمال السائح
Almawed2003@yahoo.com
www.postpoems.com/members/jamalalsaieh