الحلقة التاسعة من شرح قصة (تباَ لك ايها الموت)
للسيدة المبدعة ماجدولين رفاعي
المنشورة على هذا الرابط في جريدة الاهالي
http://www.ahali-iraq.com/viewarticle.php?id=3534&pg=index&art=mp
...................................................................................................
بقلم جمال السائح
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
أتصّور أن الموت جميل وأنا أترفّق ساعدك!
تواصل الحلم الجميل
حتى الموت يصبح اجمل في الاحلام
حتى الاموات نعيش معهم في الاحلام اشواقا عذبة
ولو اننا لا نهادن الحديث عنهم في اليقظة
لاننا نعرف حقائقهم التي سبقونا اليها
لكننا وبضغط من الذوق الحسي
نجد انفسنا ان كل شيء يحلو لنا
حتى الممنوعات
والمعدومات من الشيئية
والفرضيات التي يختزلها واقع الازمة
وقضية الاعجاز غير المفصح عنه
في نطاق من المحاليات غير الممكنة
لكنها ممكنة طالما الطرف يسلط غزوه
في ثيمات لا مجال للوصول الى استثمارها
الا في عوالم غير عوالمنا
لانها سحب غير ممكنة
لكنها تكون ممكنة
كما يكون كل شيء للاطفال ممكنا
حتى القبض على نجيمات في السماء
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
خذني إليك!
لم تعرب عن توسلها
لكنها كانت تتوسل اليه
والى الان هي لا تسمع منه شيئا
لكنها تصغي اليه
كما يبدو لنا نحن الذين لا نسمع ما تسمعه منه
بل هذا الصمت من جانب البطل
كانت ماجدولين تحاول الابقاء عليه
في مجال من السحرية
كما لو كانت البطلة هي التي تسمع وحدها
وتظل تضفي على سحر الحوار الجواني
نطاقا من المجد
لا يسعنا نحن ان نفهم لغة الاخر الغائب
لكنه يسعنا ان نفهم لغة الحاضر
لان البطلة حاضرة بيننا
لكن البطل غير حاضر بيننا
الا في عالم البطلة الخاص
ونحن نسمع من البطلة ما تتصوره
لكن ليس بوسعنا ان نستمع الى ما يقوله البطل
او ما يستعرضه لها
هذه السحرية
في الحوار المدمج ما بين الاغماض والاستعلاء
فضلا عما يكون من تعارض ما بين السكون والحركة
يمثل دأبا لا يمكن الوثوق به
او العبور من خلاله
فعالم الغيب متسلط
يسمع ويرى
لكننا لا نسمع كلام شخوصه
ولا نراهم
لكن البطلة كان لها ان تختلس شعبة منه
لانها تعيش انعكاسا لضوئه
وهو ما يتجلى في عالمها الموهوم
وغيبوبتها
التي تؤهلها لاستيعاب شيء من غموضاته
يعني غموضات ذلك العالم
كما في الاحلام
نرى الموتى ونصغي اليهم
ونتحدث اليهم
لكن حين يهدنا الوجع
نثأر عبر اللسان له
ونحدث بالكلام ونحن نيام
والمستيقظون من حولنا
يسمعون لنا
ويصغون الى ما نقول
فيقولون اننا نعيش حلما
او كابوسا
او ..
فيحاولون ايقاظنا
فهم لا يسمعون ما نسمع
ولا يرون ما نرى
الواقع هنا لدى البطلة
هو اقرب الى مثل هذه الصورة !
في ازمة من التوازنات
والاتصالات
كمن يحدث في الهاتف
نسمع حديثه
لكن لا نسمع ما يقوله المتحدث اليه
لان اذنه لصق مسماع هاتفه
لكن
لو ارخينا شيئا من الحجب
وتسمعنا
والصقنا مسامعنا
كان لنا ان نسمع
لكن من حولها
اقصد حول البطلة
ومجتمعها
لم يحتمل من شعوره قدرا مؤديا به
الى فك طلاسمها
ومساعدتها
او ان يفهم ما يدور
هذه ازمة مجتمع باسره
لا يريد ان يرقى بنفسه
ويفهم شيئا من اسرار الغيب
او ان يحاول بلوغ شيء ما من علوم الكون
وفهم الغاز النفس الانسانية
لانه ركن الى الارض
وسكن في عدم انبعاثه من مشربه المغمور به !
فتكاسل
بينما البطلة
رغم ما تعيشه من اندحار
وضعف
الا انها كانت غالبت هذا الاخير
وتفوقت حتى على اليقظين من حولها
واصبحت احسن منهم
وافضليتها لا بد لها ان تكون في صدر القائمة
وقصب السبق كان لها
رغم ما يفهمه من حولها
من تفوقهم عليها
لكنه تفوق موهوم
تحمله استعلائيتهم الواهمة نفسها !
ليس الا
والا فهي كانت باسلة حتى في ارتمائها بين يدي حبيب راحل !
لانها لا تعرف خيانة في الحب
حتى وبعد رحيله
فهي متمسكة به
لكن الارضيين من حولها
يحاولون ان يختانوا حتى في تصوير تصرفاتها
او تفسير سلوكياتها التي تعيشها في عالم الغيب
من خلال رؤيتهم لافعالها نفسها
والتي تسجل حضورها الارضي
لكن روحها باقية في استعلاء
وهم لا يشعرون انها تفوقهم بعدد سنوات الضوء !
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
أعطني بعض من موتك!
محاولة للتشبع من الطرب
والاغراق في انتعاش لمسهّد دون ان يتكالب عليه النعاس او التعب
تستدعي منه المؤاخذة
لانها تطالبه بما لا يمكنه تهيئته
هي لا تكترث للقوانين والنظم الكونية
لان في داخلها وجودها الذي يشتعل
ويلتهب
البعض من الموت
وليس الكل
البعض
لا تزال تعيش على المؤقت من التعاطي
تفهم ان طلب الموت كله امرا غير مجديا
وهو مستحيل
لانه ليس بيد حبيبها
لكنها تطالبه بوجه من وجوهه
لذا البعض منه هاهنا
يمثل وجها من وجوهه
او ما يعد مثيل له
من اشباهه
كي تقف الى جانبه
وتظل اكبر وقت ممكن الى حياله
كمن يطالب حارس السجن
ان يطيل من وقت لقائه بمسجونه
كي يحظى بقربه اكثر الوقت
وهنا مطالبتها تستوحي استجلاب رضا الغير
يعني انها لا تطالب الحبيب
لكنها تطالبه من حيث ان يتخلى عن شيء من موته
لها هي !
كي لا يحسبونه عليها وقت من مثل وقت اللقاء بمحبوس مثلا
كما لو غادر كل الزوار
وبقيت هي
فقال لها الحارس
ساخرجك فيما بعد
ابقي وتحدثي
لكن لا تحدثي صوتا
يعني سوف تحسبين على المسجونين
كما لو كنت احدهم
لكنها تتعاطى المغالبة
وتستعذب وحي المفاعلة معه
لكنه ما يزال في حكم غير الموجود
لتعلن عن وسيط في الحال
كما الوسيط من الحلول
هو ربان الموت
قلبها
واحساسها
كما لو انها تركت الزيارة
لكنها ظلت تعيش وحيها
وما زالت تردد الكلمات التي ترددت بينهما في اثنائها مثلا
هكذا الاحساس لديها
هنا كما لو كانت تستعتبه
يعني
ما ضرك لو اعطيتني بعض موتك
لانه لم يفعل
فبقي الطلب مؤججا
والعرض ملتهب الموجودية
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
لا أدري المدة التي قضيتها في واحة السكون والغياب عن الدنيا التي فجعتني بك..
تحاول ان تستميله
لتحدثه عن تضحياتها
والفترة التي قضتها هي معه الان ولحد الساعة
وهي ليست مضطرة الى البقاء معه طيلة هذه المدة
لكنها بقيت لاجله
كما المريض حين عيادته
فالزائر ليس مرغما للبقاء برفقة مريضه
لكنه يفعل لاعانته
حتى يضطر الى ان يخضع لقوانين المستشفى
وان ينام وقت اطفاء المصابيح
وهو لا يفعل في الاوقات العادية
خارج المستشفى
كما ان عليه ان يتناول من اكلها وشرابها
ربما كان عليه ان يخرج ويجلب ما ترضاه نفسه
لكنه لا يفعل
يشاطر مريضه الامر
ويظل الى جانبه
يقاسي معه ما يقاسي
من دون ان يضطر الى فعل ذلك
لكنه يفعل
لانه يحب مريضه
وهو ليعلن عن استعداده للتضحية لاجله
لذا فالامر يصبح بديهيا
بعد انعدام تغييب الحالة الخارجية
بفعل تقادم حالاته الداخلية
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
فتحت عيني هذا الصباح..
تفاجئنا بين الحين والاخر
والان تطلع علينا مثلما كانت تطلع علينا من قبل
لحظة بلحظة
والوشاح يتغير
واللون يتبدل
فهي الان تسرد له مذكراتها
كما لو انها صارت تلتقي به من خلف الاسلاك
او في السر دون العلن
او ان عمرها كان حقا قد ارتحل
وبعد ان مضت بها السنون
وصار الحكي بينها وبينه عادتها
يعني من جملة افعالها
وديدنها
لكن ما يؤرجح هذه النظرية
انها تقول هذا الصباح
يعني قرب عهدها بزمان الحدث الذي تتكلم عنه
لكنها انقلبت كساردة لزمن تقضى
وتحدثه كما لو كانت تكلمه على الهاتف
وتحدث راحلا كان ذهب في الامس
وهي اليوم تشرح له مكابداتها
وتحثه على الحركة
لانها رهن الوجع كانت قد غدت
ذلك ان الصباح بداية يوم
ويوم بدون الحبيب
سيكون صعبا عليها لا محالة
لانها لم تستيقظ عند الظهيرة
او في وقت الضحى او عند المساء
لكن
في انتظارها يوم كامل
مكابدة فراق
ووجع سيغرقها بالاسى
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
هللّ الجميع من حولي فرحين بعودتي للحياة..
الصوت وانبعاثه
علامة من علامات الواقع
وليس من نسائج الحلم والمنام والخيال
رغم انه يحدث
لكنه غالبا ما يتم في عين الواقع والحقيقة
وهو اكبر دليل على نضجها
ازاء الرحيل
وانقضاء الوهج الذي له ان يساير طموحاتها
في الصباح
اقصد صباحها
لا اجد الكآبة
مع ما يمكن ان تعيشه
يعني تحس بها
لكنها تداري امرها
وتصبح كمن راح يعتاد امره
لكنه علامة تؤثر النصاعة في الوان العمر
وانها تعيش الحياة من اولها
والعمر ثانية
ومن جديد
منذ الصباح
لا تزال تحيا بامالها
وان حديثها الى حبيبها
كما لو كان الامر
لا يدل الا على ان اطماحها كانت قد تأتى وقوعها
يعني بلوغ اهدافها
بفعل انها انقلبت تستخدم ضروب الكلام بواقعياته
ومن دون عواطف
لان زمنا تصرم
وانها غدت تتوجع على ماض تليد
وربما هذا الصباح
ما كان الا بعد لأي من السنين
يعني ان اطماحها وحبها الماضي
الذي كانوا يضحكون منه
ويسخرون منها لقائه
في اليوم ارتهنوا برضوخهم لصحة مدعاها
مثلما يحدث لاحدهم
حين يسخر منه الجميع في ايام مراهقته
ويتندرون على اهدافه
وانه لا يمكن له ان يحقق اي واحدة منها
لكن بعد مرور السنوات
تجدهم يقفون امامه
فاغرين افواههم
من شدة العجب
يتطلعون الى صنع القدر
ومعجزاته
وانه بالفعل كان له ان يحقق منجزاته
تلك التي لم يصدق بتحقيقها هو ايما احد من حوله
بالامس كانوا يتندرون عليه
واليوم يعجبون بصنع الله
كيف له ان يريهم آياته في الافاق
وفي انفسهم من الخجل ازاءها
وهم يتآكلون
ويعبون من جرعات ندمهم
مثلما حدث ليوسف عليه السلام
حين استصغره اخوته
لكنهم ذهلوا وصدموا حين تفاجأوا بملكه
ومكانته ومقامه ووظيفته ومركزه الحساس والعظيم
وثرائه
ومسؤولياته
وسطوته
بعد ان كان فتى صغيرا يفكرون بالتخلص منه
لا يعيرونه اي اهتمام
ربما كان الامر يحتمل هذا
واقرب منه
وربما اكبر
وليكن !
لکنها عودة الى الحياة
في نظر الظاهر المشهود
لكن في نظرها شيء خليط من الابهام
له ان يحيرها ويكسبها صبغة من الحيرة والاكتئاب
تلك الحياة لها ان تحركها في اتجاهات مختلفة
ولكن من دون حبيب
يعني من دون هدفها الذي تريد
لكن بوسعها ان تصنع حبيبا اخر
هذا سؤال لم تجب عليه البطلة ولحد الان
لكن الصبح كان جوابا فاعلا لكن ضمنيا
والحياة نفسها جوابا اخر
لكن اكثر رشاقة واعتداد بانها ما زالت تمتلك حرية الحركة
وطيبة من حولها
تؤكد ان جمالياتها تصنع فيهم مثل هذا الاستأخاذ والاجتذاب اليها
يعني نبوغها غير المتكون في الاحداق
الا بفعل عواطف كانت ولما تزل
بوسعها ان تجتذبهم اليها في المرات القادمة
لكن حين يكون لها ان تقدم المزيد من المكاسب
في طريق تحقيق هدفها
لانها بقيت
وطالما فعلت
فهي على قيد الحياة
واذن
فامالها هي الاخرى لها ان تعيش
لكن خوفها
كان يكمن في ان فرح من حولها
بها من حيث يتصورون لها ذلك الوجود الذي يعيش في اذهانهم
لكن ان خالفتهم
فهل سيفرحون بها في المستقبل
او طلعت عليهم بما يمكن ان يكسبهم تجاهها شتى التساؤلات
فهل سيبقى مثل هذا الحب والود
ام انه فقط لاجل انها عادت
من دون هدفها
الذي لا يريدونه ان يظل معها
ولكن لو عادت به
فهل كان لهم ان يحتفلوا بعودتها الى الحياة ؟
سؤال يطرح نفسه ابدا ودائما
ان الاخرين من حولنا
دائما يؤيدون فينا التزامنا بما يعتقدون
لكن حين نخالفهم
ربما تحدث اشياء تخالف الستراتيجية العرفية المتعامل بها ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمت الحلقة التاسعة وتليها الحلقة العاشرة باذن الله
مع تحيات جمال السائح
2006-2
Almawed2003@yahoo.com
www.postpoems.com/members/jamalalsaieh