دراسة نقدية في قصة المدعي
للكاتب الاستاذ القاص والروائي نزار الزين
بقلم : جمال السائح
(الحلقة السادسة)
هنا تجدون نص الاقصوصة :
المُدَّعي
أقصوصة بقلم : نزار ب. الزين*
*************
بلغ عوني في تحصيله العلمي المرحلة الثانوية ، و رغم نجاحه المتواصل ، لا زال يعاني من الخجل الشديد ، يرتبك إذا تكلم و يشتعل وجهه و يتصبب عرقا إذا سُؤل ، و خاصة إذا كان المدرس هو السائل ؛ حتى أصبح محل سخرية زملائه و تندر مدرسيه .
عانى عوني الكثير من حالة ضعفه هذه ، ثم بدأ يقاومها بالتبجح و الإدعاء سعيا وراء بعض الإحترام لشخصيته المهزوزة ، فوالده غني و صديق شخصي لوزير المعارف ، و عمه صديق مدير مدرسته هذه ( من الروح للروح ) ، أما والدته فهي صديقة أثيرة لزوجة رئيس الجمهورية .
و إذ لمس تغيرا في تعامل الزملاء ، طوَّر تبجحاته و إدعاءاته ، كان آخرها أن إبن عمته الطبيب أحضر له معظم أسئلة الإمتحانات الوشيكة !
ثم بدؤوا يتوسلون له و يتوددون للحصول عليها ...
و ذات يوم إستدعاه الأستاذ راشد ، مدرس اللغة الأجنبية إلى غرفته ..
عندما خرج من الغرفة كان مطأطئَ الرأس ، و علامات أصابع طويلة ملأت خديه ، أما راحتا يديه فكانتا متورمتين .
سأله أحد زملائه علامَ عوقب ؟ ، تصنع التجلد ثم أجابه بصوت نصفه بكاء : << أحدهم دسَّ عني فريَّة ، إتهمني بأنني أبيع الأسئلة لزملائي ، و لكن صبراً سيكون طرد الأستاذ راشد من جهاز التعليم كله على يدي ، قريبا جدا ستسمع خبر تسريحه !.. >>
----------------------------
*نزار بهاء الدين الزين
مغترب من أصل سوري
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
البريد : nizarzain@adelphia.net
الموقع : www.FreeArabi.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.................................................................
هنا المؤشرات الحقيقية
والبداية لكل فلتانه الامني :
و إذ لمس تغيرا في تعامل الزملاء ، طوَّر تبجحاته و إدعاءاته ، كان آخرها أن إبن عمته الطبيب أحضر له معظم أسئلة الإمتحانات الوشيكة !
..................................................................
وكان الظرف مؤاتيا :
ثم بدؤوا يتوسلون له و يتوددون للحصول عليها ...
..................................................................
ثم لنجد هنا علامات متوافقة مع ما كنا ذكرناه :
سأله أحد زملائه علامَ عوقب ؟ ، تصنع التجلد ثم أجابه بصوت نصفه بكاء : << أحدهم دسَّ عني فريَّة ، إتهمني بأنني أبيع الأسئلة لزملائي ، و لكن صبراً سيكون طرد الأستاذ راشد من جهاز التعليم كله على يدي ، قريبا جدا ستسمع خبر تسريحه !.. >>
.......................................................
وهو انه كان يعيش الخوف
يعيش الالم جراء الضرب
كان شجاعا للغاية في مثل هذه اللحظة
للغاية كان متعاليا على ذاته الضعيفة
امتلك سرعة في الاجابة
وقوة في البديهية
وغاية في السرعة والقوة والمتانة
انه يومه الحاقد على كل البشرية من حوله
حتى على من ساله
كان يحاول الانتقام منهم
لكن باسلوبه الخاص
الذي لم يكن قد اختاره بنفسه
لكن لما كان وجد منهم التشجيع
وراى منهم كل المحفزات
كان له ان يتواصل معه
بعد ان اكتشف انه طريقا يرضي اطماعهم
ويرضي بالتالي تطلعاته الشخصية
في الحصول على شخصية مستقلة
بل لها كل الهيبة والاحترام
والتقدير والمسؤولية
والاهتمام والعناية من قبل الاخرين
كان البكاء يعبر عن المه
وثورته الكامنة
وثورته المستقبلية
وحقده الموروث
والمه السابق
وانه كما لو كان يريد ان يقول لهذا الذي سأله
انتم السبب
كلكم السبب
حتى هذا الذي اعتدى علي وضربني
كلكم السبب فيما يحصل لي
ويجري علي من انسلاخ وامتهان
ادفع ثمنه
يوميا
في نفسي
وفي ذاتي
وهذه خارجية امامكم
علي ان ادفع ثمنها
ثمن حريتي
وثمن كرامتي
التي اشتريتها منكم
كان هذا ثمنها الواقعي
لاني انسان ممتهن
في داخلي
متعالي ما زلت في خارجي
كي اواصل العمل في مثل هذا النص المسرحي
كي لا انهي ما بدأته
كي اظل على تلازم معه
والله العالم متى ستكتشف كل اوراقي
لكن علي ان اناضل
من اجل ان تبقى طي الكتمان
وربما ساحقق لها الخلود
او ربما ستكون هذه الاكاذيب صادقة
ذات يوم
.........................................
ربما تمالكه مثل هذا الشعور
وتمالك امثاله
ممن يصنعون نفس ما يصنعه
بعدما يكونون قد اعتادوه
اثر مرانهم عليه
وتكسبهم مناعة في عدم اظهار زيف حيلهم
امام المستمع والمشاهد
اقصد
ربما كانت نفسه توحي له بصدق ما يقوله
وهو يعلم انه كاذب
ولكن ربما تحققت احلامه الزائفة
واوهامه الكاذبة
....................................................
لنجده حين الدفاع عن نفسه
انه يتقمص شخصية حكيم
وانه خال من كل الادعاءات
وانه لم يفعل ما كانت التهمة الموجهة اليه
تؤكد انه كان فعل ما فعل
لكنه كان يؤكد انها فرية
ومع انه كان يجرح نفسه
امام الطالب السائل
كثأر لنفسه
وانتقاما لها
لنفس ذاته المهزوزة
والتي لها ان تعود
لو اظهر شيئا من الضعف
وما كان سيكون الوضع في حينها
الا طامة كبرى له
لكنه استطاع ان يدافع عن نفسه
حتى لا يفقد هيبته لدى المدرسين
ولا يخسر مقعده في الصف
خوف الاخراج من المدرسة
او الترحيل
مع انه كان مفيدا له لو تم له اي ترحيل
الى مدرسة اخرى
لكنه كان يود ربح المعركة هنا اولا
وان لا يتنازل عن مبادئه
التي ارتكنت فيها كل مواقعه وبكافة شروطها
فكان له ان يجرح نفسه جرحا بسيطا
يدافع عن نزاهته
وانه ليس لمثله ان يجرح في احساسه
فان فعلتم بالامس
ما كنت لاصبر عليه في اليوم
هي مقاومة عن امسه
وتضاد في حربه مع امسه
انه يثأر لامسه الخؤون
لكنه يعود يفترس نظرات صاحبه المتوعدة
حين يتوعد مدرسه
فانه يجرح نفسه
من ثم يداويها
بنفس اللقاح
وبنفس السكين
هو يدعي النزاهة
لكنه في نفس الوقت
لا يتخلى عن ادعاءاته
ولا لاخر لحظة
ليعود يثبت وجوده
وان بوسعه ان يهزم المدرس
ويسرحه من المدرسة
بدلا من تسريحه هو
فيعود يلوح بنفس المعول
يصدم نظرات السائل
ثم يعيد اليها الحياة ثانية
انه يحرك الخيبة في تطلعات السائل
لقاء ما كان يعول عليه من تحقيق مطاليب
وايفاء بالتزاماته ووعوده
او بشخصيته التي رسمها له السائل
وغيره
في مخيلته (يعني السائل) ومخيلة زملائه
لان السائل ما كان الا نفرا
يمثل مجموعا
يمثل كل اقرانه من التلاميذ
وجميع زملائه
وفي خلالها
كان له ان يصدم توقعات السائل
ومن ثم يعيد اليه رشده
حين يوحي اليه ثانية
بانه ما زال عوني اليوم
وليس هو عوني الامس
كمن يتعرض الى السجن
ومن ثم يقول ويفخر
السجن للرجال
وهو يتضور في داخله
ويتصور العيش في داخل السجن
وكيف ستكون حياته خلف القضبان
لكنه يحاول التعالي على جراحه جميعا
وان يدفع عنه كل وحشية الضعف
الذي الم به
بشيء من القوة
كما نحدث ونقول
يعطي من الضعف قوة
فلا يحاول ان يكشف عن ضعفه
ويغطي كل سوءة هذا الضعف
بل يحاول مواراته
قدر ما استطاع الى مثله سبيلا
.............................................
ان هذه القصة تمثل ازمة الوعي الحضاري
في بلدان العالم جميعا
وعلى وجه التحديد
تتمثل في حكومات الدول النامية
او المنظمات البسيطة
او الشركات المالية المتواضعة
..................................................
والتي تحاول شق طريقها بكل بساطة
حين التفكير بطبيعة العمل
وفق مؤهلات كوادرها
وطاقات افرادها
وابداع موظفيها
فضلا عن مواهب القائمين عليها
وعلى ادارتها ...
.................................................
وهي نفسها
التي تحاول شق طريقها بكل صعوبة
لعالم الذئاب الذي يتربص
بها
ويترقب الانقضاض عليها
فتتمرن ان تكون مثله
ثم رويدا رويدا
تتقمص واقعه
وترتدي ملبسه
وتصبح هي الاخرى ذئبة
لكن بصورة اخرى
متمايزة
هذه المرة
مثل ما يقول القران
وسكنتم في مساكن الذين ظلموا انفسهم
فمستهم النار
يعني يعود الانسان ..
ليرتكب نفس تلك الحماقات
التي ارتكبها ذلك الانسان الذي ..
كان يتصدر سدة الحكم
لكنه يقوم بتوجيهها
وتبرير مواقفه
وان شروطه تضطره الى مثلها
وان ظروفه تحثه على مقارفتها
ولكن بوحي اخر
فكذب عوني
وادعاءاته
كان لها ان تشبه
كذب زملائه ومدرسيه
حين تندرهم عليه وسخريتهم منه
باعتبار ان هاتين الصفتين الاخيرتين
ما كانت تصدر الا من قبل اشخاص
كانوا يظنون انهم الاحسن
وان صاحبهم طالما كان هكذا
كان يجب عليهم معاملته هكذا
فما كان ادعاءهم بالاحسنية والاستعلائية ليتأتى
الا من كذب انفسهم على انفسهم نفسها
حتى صورت لهم ظاهرا خارجيا
يمكن تبرير اسبابه
ويمكن لهم التندر على حسابه
او السخرية من خلال معادلاته الخائنة
كما فعل عوني
حينما اصبح يبرر لنفسه مواقفه الكاذبة
حتى غدا يتقمصها
كذلك من يفعل السخرية والتندر
كان يتورع عنها في البداية
لكنه حين يفعلها مرة واخرى
ويلقى الترحيب من زملائه
والمدرسين
والمناصرة كذلك
له ان يصر على ما يفعله
لانه سيجد تاييد المدرسين له
وغيره من الطلبة
مبررا لا طائل الى رده
مع ان ذات الانسان
لها ان تلعب دورا في مثل هذه المسائل
ولها ان تفقه الاسباب
وان تحلل بمعزل عن رأي المجتمع
وهذا تأكيد اخر
من القصة
يذكرنا بضرورة ان يقوم الانسان
بتفعيل سلوكياته
وفقا لقناعاته الشخصية
والمتأتية من دراساته الحصيفة
وشخصيته الانسانية
واعتزازه بكرامة الانسان
وحقوقه وواجباته
وهكذا
فعوني اذنب واخطأ
وله مبرره حسبما يرى
بعد ان صار متقمصا لشخصية جديدة
هي نفس شخصية مجتمعه من حوله
لانه كان يمثل نفسيات من حوله
كان يمثل مرآة لهم
انا الذي اضحك عليكم
ما كنت الا ذواتكم التي تغرر بكم
ولقد سوّلت لكم بالامس
واغرتكم بالاعتداء على كرامتي
واوحت لكم بمبرر التفكه وغيره
واليوم توحي لي نفسها
مبررات غيرها
كي اواصل مقارعتكم
والسخرية منكم
والتندر عليكم
مثلما كنتم تفعلون بالامس
..............................................
عوني
ضحية مجتمع باسره
كان الطلبة والمدرسين
يمثلون شريحة اساسية فيه
لكن
ربما يستطيع عوني
في المستقبل
ان يتغلب على ازمته
لو امتلك زمام العقل
وسيادة الذاتية
وقناعة راسخة
لا تفككها قناعات الاخرين
باعتباره
انه وطالما استطاع التغلب على نفسيته الضعيفة
سيكون بوسعه لو اراد
ان يقرر بمعزل عن الاخرين
وسيفهم ويعرف
ان حب الاخرين والقدرة على اجتذابهم
اشياء تقديرية
ونسبية
وهي ليست بالمؤثرات القوية
وهي تحدث تلقائيا
وفق موهبة الانسان
ولكن في الطريق الصحيح
يعني انه سيكون بوسعه
ان يحصل على شهرة
وتقدير مجتمع برمته
وليس مجتمع مدرسة صغير
ان هو تخطى ازمته الحالية
وتمكن من بلوغ اهدافه بدون وساطة نفسية خاطئة
وافعال مذمومة
تنخر شخصيته من الداخل
وهو يحس بها انها تتكامل من الخارج
وما كانت في الحقيقة الا منهارة
من الداخل
ومعرضة الى الانهدام والانهيار التامين
وفي اي لحظة مؤاتية
وممكنة
لذا
سيكون بوسع عوني
وامثال عوني
لو اعتمدوا على انفسهم
ان يحصلوا على الشهرة
والحظوة لدى الاخرين
واهتمام المجتمع بهم وعناية افراده بهم
لو انهم صححوا مسارهم
ووجهوا كل علومهم ومواهبهم
في الطريق الصحيح
لانهم سيصبحون اشخاص متميزين
بفعل صداقتهم وصراحتهم
ومثابراتهم التي سوف يكافئهم الله عليها
بان يجعل لهم في قلوب الذين آمنوا ودّا
ان الذين آمنوا سيجعل لهم الرحمن ودّاً
يعني خلصاء ومنافحين ومحبين وموالين واعوانا
يتحزبون لهم
ويدافعون عنهم
ومن دون ان يدفعوهم الى مثله
لان هؤلاء كان لهم ان يأتموا بهم
عن قناعة وخلوص واستعداد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشكلة عوني
مشكلة اجيال وليس مشكلة جيل واحد
مشكلة المادية وعدم خضوعها الى قرار اكيد
والى حل شامل
الى تعامل الانسان مع اخيه الانسان من منظوره المادي
وليس من منظوره الاخلاقي والانساني البليغين
فاليوم يعاني الانسان من سخط القريب والبعيد
بسبب من انشغالاتهم المادية
فبدا الاخ لا يفهم اخاه
لانه لا يشتمل على ماديات تنعم بمجمل الفائدة عليه
بينما انقلب معيار العلاقات كافة
يمثل تنويعا ماديا خطيرا ليس الا
وهذا ما انعكس على علاقات الشعوب
بعضها بالبعض الاخر
وبلدان ببلدان اخرى
وسياسات لها ان تعكس طبيعة علاقاتها
ووفقا للمعيار المصلحي والمنفعي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شكرا للاستاذ الكاتب القاص والروائي الكبير والاب المعطاء نزار بهاء الزين
وشكرا لما منحني من فرصة
كي اعبر عن خلجاتي تجاه نصه
الذي اتاح لي مثل هذه المنحة
كي اكتب وربما ابدع
انشاء الله
..................................................................
انتهت وبتوفيق من الله الحلقة السادسة وهي الاخيرة
من دراستي النقدية في قصة او اقصوصة المدعي
للاستاذ نزار الزين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع تحيات
جمال السائح
2006-02-20