دراسة نقدية في فيديوكليب اغنية اخبارك ايه لمايا نصري
بقلم : جمال السائح
اغنية : اخبارك ايه
اداء المطربة والفنانة : مايا نصري
اخراج : طوني ابو الياس
انتاج : ريلاكس ان
اول ما يطالعنا في التسجيل المصور لاغنية اخبارك ايه للفنانة المطربة مايا نصري مشهد ينطلق بنا صوب الاساطير ونار الطقوس التي تتحرك شعلاتها وفق تناسق صارخ في لغته لكن المخرج لم يمنح المشاهد فرصة التطلع الى شيئية الاكسسوارات المتاحة في مساحة العرض المكشوفة امام نطاق التحديق بل باغته بعد ان اثاره للوهلات الاولى في مشهد يشع وللحظات بنارية تتوزع وفق تناسق موزع ــ رغم ان اللحظات هذه لا تطول لكن وضع النيران كان منظما ولو كان لتوهجه ان يغمر تنوعات المصادر المشعة فيه ..
لكني كما اخبرت فانه يباغتنا بانطلاقة تتحرك في خلالها فنانتنا حيث تتكاثف صورتها لتتحد وجودها المنبعث من اعماق الاسطورة , كما لو اراد ان يحكي لنا مغامرة اسطورية انطلقت وفق اتجاه تصاعدي اذ ان وجود مايا كان لينبعث من الاسفل الى الاعلى وليس العكس كما لو كانت انطلقت من فوهة مصباح سحري او عنق زجاجة كان غمرها الذوق اللا شعوري لكن حين تتكامل صورة المرأة لدينا وهي ما كانت الا فنانتنا مايا نصري فان التكتل العام للتصوير لم يستطع ان يوحي لنا ولادة لعنصر نسوي يحتل قالب الحيز المشهدي في حدث الاغنية المرئي لان المخرج لم يفعل الا ان كشف عن وجود مايا امامنا كما لو كانت موجودة بالفعل لكنها كانت غير مرئية وان كشف لنا عنها فانما كان يكشف عن صورة موجودة في مكانها وتنتظر ان تتحرك آلة التصوير باتجاهها ..
هنا اقصد ان المخرج لم يتطوع لان يحرك مايا حين الكشف عنها لكي يطلقها من بوتقة او حتى قارورة او حيز معين كأن تنهض من رقدة كانت تئن تحت وطأتها او تنتزع نفسها انتزاعا من هوة كانت تراوح في خللها لكنه ما قام به الا ان كشف عن وجودها وبالكامل ليثير فينا وعيا يسطع بحالة التجلي كي يحرك نفسا يعوم في اللاوعي وهو شخصية المطربة التي اراد لها ان تنبثق في عالم حكائي يحمل لغة الاسطورة ولغة الحكي البدائي لان الاسطورة هي اللغة المصاحبة للطقس او الطقوس البدائية التي كان يتم مزاولتها في البداية دون صوت لكن لما غلب عليها الكمون في اللا شعور الفهمي اقتضى لسمفونية التأريخ ان تعلن عن تلقائية الفهم لدى الانسان فيعرب عن حاجته الى ترجمة وعي الحركة بما يتم لفظه من الكلام واطلاقه من حنجرة الشخص ..
غير ان ملمحا اخر يكاد يسطر وهجه ومنذ اللحظة الاولى لتناوبية الحركة المدهشة في التصوير والتي تحفل بلون الصفرة الممتزجة او المؤطرة بالوان الحمرة المشوبة بصبغة البرتقالية المشعة وفق تحرك نيراني رغم ما توزع الى جانب من جوانبه وجود لصخرة مغرقة في الانوجاد
لكن المخرج ابدع حقا في احالة الوعي الذهني للمتلقي او المشاهد الى حالة من الحب والابداع تحمل لغة الاسطورية ليقول لنا ان اغنيته تحمل ــ ومن قبل ان تتسلط بواعثها تدريجيا في حقبة النظر والتواصل معها ـــ قصة حب اسطورية او ان رحلة هذه القصة تبدأ من خلال التمعن في عالم الخيال باعتبار ان الحب يشكل عهودا ربما تتقارب فيها لوحة الشبه مع احاجي الغزل الاسطوري كما لو كان وعي القضية في هذه الاغنية سيحيل بالمشاهد والمستمع في وقت واحد الى التعاطي مع فن اخر من فنون الحب وهو العشق العائم بين انوال الحكي الاساطيري الممتزج بلون الغزل وثوب الهوى !
لكن الاجمل ان فنانتنا مايا نصري وفي اول لحظاتها التي يتم حسر الغطاء السحري عنها او الكشف عن وجودها تعانقنا ببسمة خافقة وحنين واعد بينما لجلستها واختيار هذا النوع من الحركة الباسمة تلقي بنا في وهدة مشعة بانسام الدلال والغنج الموثوق به لان في تمايلها وابتسامتها المكشوفة والغارقة في سبحة من الهيام والتهيام مع تمايل الرأس في اتجاه معين وتحريكة يدها صوب خصلة شعرها .. كل هذا يمنح المشاهد المستمع وعيا تقديريا يكاد يشده شدا كاملا الى النص التمثيلي لاغنية اخبارك ايه ومنذ اللحظات الاولى له ...
نحدث بهذا جميعه بينما للنار ان تظل لاهبة وبصورة منتظمة ليس مما يوحي فيها انها نار تتصل بوثيقة تأريخية يمكن ان توسعها طلاءا يعيد بها الى أزمنة متحدرة في العتاقة .. لا لان وحيها المندلع كان منظما كما لو انها كانت تشتعل من قنوات غازية تتصل بانابيب لنقل الغاز .. اقصد ان نيرانها حتى لو كانت منفذة تقنيا بصورة رقمية لكن الوهج الصادر منها كان ينم عن تنظيم غير تأريخي . يعني انها نارا لا ترتبط بزمان الاساطير ..
هنا نوع من السحرية الغامضة والسيطرة السابحة في صيغة رمزية واعية ..
يريد ان يقول لنا المخرج ان اسطورة مايا تنبعث من التأريخ لكن بصورة وعي حضاري متزامن مع حركة الكلمة المغناة في زماننا هذا وليس لها ان تبقى في حالة كمون متناوب في ظل الازمة التأريخية السابقة والتي غامر الزمان في خبو مكامنها الساطعة لان مايا ما كانت تتحرك الا كلحن اسطوري يتمثل وحي الزمان المعاصر وليس له ان يظل حبيس زمن مقهور لانها كانت في التمثيل تبشر بوحي رائع ينم عن ان الزمان في اغنيتها يمكن له ان ينحد بكثافة مغامرة تجمع بين اطر الاسطورة الغنائية التي تحرك الطقس البدائي وبين الطقس الحداثي لعنصر الحركة الاني والتي سوف تغذيه مايا ببراعة صوتها واندماجها التلقائي بجمالها الغامر وسحرها الآثر في وعي متصل بلون الحدث الغنائي عبر حركات ستكون اشبه هي بالاوبريت الرائع والمدهش بكل ثقله الحياتي والتقني ...
بينما عندما يريد المخرج ان يطرح صورة مايا بشكلها الاسطوري الاخاذ فانه لا يطلقها من غمرتها غير المرئية الا من الاسفل باتجاه الاعلى .. يعني ان شبحها المرسوم يتم اسقاط ايقاعه من الاسفل والى الاعلى بشكل تصاعدي الا انه حينما يود استعادة شبحها المصور يعيد استئخاذه من الاعلى والى الاسفل يعني بصورة تنازلية عكس الصورة الاولى مع ابقاء وجه مايا وللحظات تغط في غمرة ابتسامتها وسحر يقظتها الثائرة بنشر فرحتها التي ظلت ولزمن يتسع لبضع من الوقت وهي تغامر في توزيع تلك البسمة الاثيرة والمطلية بسحر الاميرات الفاتنات ..
ليعبر عن ان قصص الحب ومثلما تبدأ معروشة بلون الحب فانها لتنتهي بلون الحب ولكن بشكل حياتي اخر مثلما تبدأ اسطورة الحب من الاسفل الى الاعلى وبوحي تصاعدي تنطلق من الارض الى السماء ـ حيث تبلغ الذروة ، فانها لترجع عائدة ومن علوها الى اسفل وبصورة تنازلية من دون ان يعرب لنا عن فقدانها لشيء من مزيجها القوي وصراعها النفسي القوي باعتبار ان وجه مايا المعطر ببسمتها الساحرة ما يزال يتزين بلوحة تختزن تراكما هائلا من الفرح غير المنطلق لكنها كانت تعرب عنه وبصورة من الوعي الدال على غنج مسحور ودلال مثلج بنصاعة رائجة للحب الذي كانت مقلتاها تعبر عن اريجه الرائع وبفتنة نادرة !
ثم ينتقل بنا المخرج الى اروقة متثائبة تحت وقع نفس اللون الغامر بسحنة البرتقال واحلرمة المكشوفة وصولا الى تجرد الارضية بوهج وردي كان له ان يتخلله ظلالا مايا مع فرقتها الراقصة التي كانت تبتهج بكلماتها عبر حركاتها المأثورة بينما كان ت ما يا تتقاطع وفق نفس الحركة التي كان للفرقة ان تتقمص سيماء التعبير عنها كما لو كانت تعبر عن تضامن مع حركة المجتمع .. يعني ان لحركة الحب لديها حالة من الأصداء الايجابية في تلقائية الحركة المندلعة من خلفها في مظان التواصل المجتمعي ...
بينما تتحرك آلة التصوير من تنائي الى حركة متقدمة لتصل الى استطلاع حركات فنانتنا مايا نصري والفرقة من ورائها مع تغيير مفاجئ في نوعية الاسقاط الموسيقي في اللحن وانتقالة اخرى نراها واضحة وهي الاكسسوارات المتوزعة من اساطين القصور القديمة والممتزجة مع وهج من الاسقاطات الاخرى التي تعكس ملمحا حضاريا مع انسلاخ عن الثوب الدرامي القديم واستبدال اخر ينم عن تواصل حضاري مع شؤون الواقع المعاصر والحياتي لمجتمعاتنا في اليوم الحاضر ..
اذ كانت ترتدي فنانتنا مايا وفي البدء ثوبا يوحي بزي الازمنة السالفة في حين هذه الانتقالة سارعت الى اسدال طبيعة اخرى عليها من خلال تغيير زيها الملبسي وهو البنطال واليلك والقميص وهي ازياء حاضرة بيننا في حياتنا اليومية في حين استبقى المخرج ومسؤول الثياب على الوان القدم في اثواب اعضاء الفرقة الراقصة وهي ملابس تعود بنا الى ازمنة الخلافة العباسية او الاموية .. يعني الى ازمنة غائرة في القدم ..
مع ان المخرج اختار ان يسجل لائحة الاغنية والتعريف بهويتها في نفس الوقت الذي كان يتحرك فيه باتجاه قاعة الرقص ومايا ثمت تنتقل بخطوها بين المشاهدة والتجسيد التفاعلي مع انغام الموسيقى ..
في حين ان تقدم مايا على الفرقة كان يحمل دلالة اخرى وهي انفصالها عن طبيعة الحب التي تعيشه مجتمعيا اذ انها تعيشه ذهنيا حبا متأصلا يعود تأريخه الى ازمنة عتيقة الا ان تقدمها وثوبها يوحيان بانها تفهم هذه الطبيعة من علاقة الحب فهما حضاريا متماشيا مع سياسة اليوم المجتمعية
ثم ينقلنا المخرج ليبقى على تعامل معها ولوحدها
فيعمل على تعميم الصلة بيننا وبين المطربة وحكايتها المغناة املا منه في ان لا ينشغل المشاهد والمستمع معا بفنون الرقص عن وعي التمازج في وهج الكلمة المغناة .. ليحيل وعينا وبالاصالة فيما بعد الى نفس مايا وحدها ، ثم ليتركنا واياها وحدها كما لو كانت تريد ان تحكي لنا قصائدها التي أرقتها ومن بعد ان يفسح لها الزمن مجاله كي تتمثل وعيها التصديقي والتصوري وبكل اتمام وتوال ومن دون مواربة او استحالة عصية على الفهم ..
بعدها تقف مايا على مبعدة لتصورها الالة وهي تعدل من تسريحتها ولكن على مضض كما لو يعد مثل هذا الى وجد يمكن للمشاهد المستمع ان يتفحصه فيما بعد الا ان في ذلك ما كان الا سجلا لاشارة استلهامية تتقدم على الايضاح التصويري الذي له ان يعقب مثل هذه اللمسة والاشارة حتى ولو كان مثل هذا سيمكن التعبير عنه بلازمة الصوت المسجل والمتدفق من حنجرة نفس مايا ..
بعدها تشعل النار بيدها
وتدور آلة التصوير حولها كالرحى حول القطب
في حين كان عاد بنا المخرج ومن جديد الى اسقاط صورة الفرقة الراقصة والتي كانت تجيد رقصاتها خلف فنانتنا التي ناضلت في الحفاظ على وهج الشعلة باقيا كما لو كانت تحرك في شعلة الحب كل مشاعرها كي تظل متوهجة فلا تنطفيء وفي حركتها وعدم ابتسامها في مثل ذلك الآن صورة معبرة عن نضالها في الابقاء على أوار شعلة الحب اثيرة
ثم تدور الآلة التصويرية متقاربة ومتباعدة وتتغير مواضع المطربة تباعا لاتزان في حالة الوضعية العامة للصالة مع تساقط ملمح النغم المنثور متوزعا وفق الرقصة واللحن ووقع الكلمة بينما كان لفنانتنا ان تتوسط فرقتها او تقارب شعرها بيدها او ان تبسط قبضتها او تنشر اصابعها في حركات تعرب عن اثارة نسيجية في قصة الحب لكنها ومنذ البدء كانت تتساوق مع كلماتها بحيث توحي للمستمع المشاهد انها لا تكترث لغياب حبيبها باعتبارها واثقة منه ومن دوام حبها له وحبه لها لان ثوب الفرحة كان يتفاعل مع حركتها الراقصة والمتناقلة من مكان والى اخر ..
ثم ان الكلمات تتفاعل اكثر لتصل بمايا الى ان تعكس وثوقها بحبيبها ومعرفتها بمشاكله التي يمكن له ان يعانيها في غربته عنها وفراقه لانها تقول له
والله بكره تروء يا حبيبي واحكيلك الحكايات
مع ان ابتسامتها تظل متوزعة في محياها
والرقص يعلن عن تسابيحه السريعة الايقاع مع حركة مايا غير السريعة لكن الامر كان كما لو انه لا يمكن تنظيمه بافضل من هذا
ثم يوحي الينا المخرج بصورة منحوتة تقف خلف مايا تشع عيناها وفمها بنور ازرق سمائي لاهب ولو انه يحمل لون السماء او البحر لكنها كانت غير واعية وتلفظ شرارات غير مؤلهة لكنها مستطيرة الشر لتعرب عن ان مايا تستنفد طاقتها في المحافظة على هذا الحب ولو كان من هذه التحديات المسعورة لها ولحبيبها ما كان
ولربما تحيلنا ايضا مثل هذه الصورة الى عنت الحب ومكابرة الحبيب في الاصغاء الى كلامها اذ ان الصورة ايضا ربما كان لها ان توحي الى وجه الحبيب الكالح بشرانية زرقاء لا تؤذي اذ انها ما كانت لتمثل سوى عصبية بيضاء وخلجات متشاكسة ليس لها ارتكاز مثلا في الخبث والتواصل في المكر لزرقة الالوان مع بقاء كالحية المنحوتة التي تعود بنا الى قصص الاساطير والتراث الخرافي ..
فالحب مرات لا يبدو الا خرافة تتمكن من قلوب المتواصلين مع معادلاته !
ولا ننسى ان فنانتنا حينما كانت تشاطر العرض والفرقة التي تؤدي عرضها الخاص كان لها ان تراقص مقاطع الكلم المتفتحة بين شفتيها وفق مزاج خاص واسلوب يختلف اساسا عن اسلوب الرقص لنفس الفرقة
وهذا ان دل فانه يدل على خصوصية الكلام وخصوصية الرقصة
لكن خصوصية الكلام تتعلق بالمطربة فكان لرقصها وتمايلها مع الكلمات لاغنيتها تمثل توازنا خاصا يرتبط بايقاع مسبق لا يمت الى الفرقة بصلة مما يدعو الى التفكير اكثر بمساحة الشكلانية التي اتخذها المخرج لنفس نص الاغنية كي يدعها تتحرك وفق منطقية اكثر كثافة فلا ينشغل المشاهد اكثر بالفرقة وحركاتها بل بحركات المطربة التي له ان يسكت عند كلماتها المغناة كي يسبح في تأملها
كما لو ان المخرج يعد المشاهد والمستمع معا الى ان يكون مع المطربة فيما بعد ولوحده وهذا ما سيحصل اذ ان المطربة ستنفصل عن الفرقة في مشاهد عدة وتكون لوحدها تتمايل مع لحنها لتقوم مقام فرقتها وانها بوجودها الكامل وحيزها التام وشخصيتها المتفرعة الى جانب صوتها لتعبر عن اكتفائها بالقدرة الذاتية وهذا ما اراده المخرج اذ لم يفد من الفرقة الا بالمطلق العام وليس بالمطلق الخاص لتصب ارصدة الصورة التامة في حساب الاغنية نفسها فلا تنساق اهتمامات المشاهدين وراء الرقصة وان كان لهذه ان تحمل سيبا من التداعيات لها ان تكسب الاغنية ووقائع الفنية في الاخراج والتمثيل الحدثي لمتنها ومشاهدها رونقا اكثر وتفاعلا امثل خاصة حينما يكون لفن الرقص ان يلتحم مع سبيل فن التطريب للتعاون معا في سبيل اخراج نص تمثيلي حدثي لسجل اغنية يفترض بالمستمع ان يعيش احداثها مشاهدة وما تكون الرقصة سوى ايقاعا يقوم على تفعيل مثل هذا الارتباط وهي جزء من المقبلات الحركية والنفسية فضلا عن الروحية اضافة الى انها تواجد عصري وسمة تقابلية في هيئة مدنية لها ان تتصل بحضارة الانسان في الامس ويومه الحاضر .. بماضيه ومعاصره من العيش مما يولد في نفسية المتلقي ترابطا خفيا لا يكاد يشعر به ما بين حضارة التراث الذي يعايشه بنبرة معاصرة
لماذا
لان الرقصة التي كانت تؤديها الفرقة ليست تراثية
بينما الثياب ما كانت الا لتعزو الملمح الى التراث
وهذا يمثل حركة انتقالية تحيل المشاهد الى تشعبية متناغمة مع حظ الاغنية !
ومن دون ان يلتفت اليها الا حين التركيز .. لكنه من دون ان يشعر يقع تحت طائلة سحرها وهو لا يكاد يفقه اي سحر يقود به الى ذات اليمين وذات الشمال ..
مع الاشارة الى ان في الرقصات كان ثمة ايقاعات سريعة تدل على توال الحدث وضرورة انقضائه لان في كلماتها غربة عن الحبيب وتصابر وهذا يختلف عن لغة الرقصة اذ ان الغربة تحيل سني المرء الى اوقات لا تتقضى بسهولة فكيف للرقصة ان تختزل مثل هذا التصابر ؟
لكن ما يجيبنا عن هذا التساؤل كان في الرقصة تحريك اليدين المتماشي مع هدأة غير مؤكدة تحيل المتصابر الى اداء دور المتردد والمضطرب
وهي نفس الحركات التي كانت تؤديها المطربة مايا نصري في بعض لقطاتها حينما تحرك بيديها كمن كانت تعبث بهما دلالة على الاضطراب لكن بوحي تناغمي مسبوك وبشكل اخاذ ..
ثم لا ننسى حركة الفنانة مايا التي كانت ابطأ جدا من حركة الراقصات هي حركة عادية بالنسبة الى المطربة التي لها ان تخلص الى غنائها لانها ما كانت بالاصالة رئيسة لفرقة راقصة ولكن المخرج كان اعتمد حضورها كذلك ..
هذا مع التنويه الى ثمة ثقل في بعض المشاهد من قبل المطربة وفي بعضه الاخر سرعة ولكن في محلها لانها كانت تعبر عن تصابر اكيد محمول على الثقة لتكون بالتالي سمة متسابقة عبر كلماتها التي جعلت تساجل الناطقة بها ( مايا ) دون جدوى لانها كانت تسلطت عليها بوحي امعانها في حركاتها وتناسبها مع كلماتها بشكل يفعم الاحساس بقوة الاخراج وتوزيع الرقصة وسبكها المتناسب مع قدرة الاداء من قبل المطربة ..
كل هذا مع تناغم ايقاعي متين يحفظ لكلمات الاغنية رصانتها وبهجة النظرة وتسريبة الحركة في مختلف الاتجاهات مع اني لاحظت ان العنصر الذكوري في الفرقة كانت الة التصوير تقتنص له بعض اللقطات ليغيب عنها في اكثرها الباقية ..
ثم لا ننسى طبيعة الرقص كان ينقلب في بعض الاحوال الى رقص اندلسي ذا ايقاع سريع ليمتزج في احوال اخرى بالرقص الغربي وطبيعته المتماوجة
كما انه لا تغيب عنها بسمات المطربة مايا والتي كانت كما لو انها تحاول استحضارها بحالة اعتصارية سميكة مع انها لم تكن تفعل لكن المبصر لها يكاد يحلف بتراجيدية هذه الابتسامة الرهيبة والمتنوعة والمتحلقة فوق ثغرها والعائمة مرات بين شدقيها بحيث اضفت على صورتها وملامحها زائداً تلك البهجة التي كانت تحملها ابدا طوال الاغنية
اعيد واقول ولو انه كان لنا ان ننسب بهجتها الى قدرة فنانتنا مايا على التناسب مع لحظات الاغنية والاعراب عن بهجتها وفق استرسال بسيط لكنه مدهش حين يعم الاحداق ويتنقل بين وجنتيها بشكل فطري دون تعب او كلل لان حقيقتها هكذا بشكل لا يمكن ان نقف عنده موقفا مترددا وهي انها نفس الفنانة مايا انسانة تعيش ملامحها كل البهجة حتى لو عبرت في دفائن تلك النظرة الخافقة عن حزن والم لكنها كانت اذا تبسم تفيض وردا ونرجسا بشكل لا يحتمل معه المشاهد الا انه يقف امام امرأة قوية بكل بسمتها وضحكتها ورقصتها وابائها ونشيدها الحماسي الذي ما كانت تعبر في خلاله الا عن قدرة بلاغية في الغنج والدلال والبسمات ذات الايقاع السريع المدهش والفتان بشبقية غرائزية مستحيل ان نجدها لدى غيرها
اقصد حين التغني ببسمتها وليس بصوتها
وهذا امر يختلف
لانها توظف بسمتها في ملء هذا الايقاع وتغذية هذا الجانب
كي يتم فيها رصد مختلف المناقب السابحة بين اطر الفن الغنائي لديها
لان في بسمتها شيء هو شيء اعنف من نفس كلماتها التي تنطق بها !
حتى في حركات يدها وتخللها لخصلات الشعر
او في دلالها واعراضها في الحركة
او تنفسها النظرة تلو الاخرى وبلحن حركة سباق اخر
واؤكد ان بسمتها تمتلك خفة ورشاقة رهيبة
لانها حين تبسم يكون بوسعها ان تعبر عن ضحك طريف ولكن في داخل كتلة ابتسامتها الخفيفة والمتينة في آن معا
ومن ينظر اليها وهي تغط في بسمتها يجدها كما لو كانت تغص في ضحكة تتمكن من السيطرة عليها تباعا وتلقائيا وبشكل لذيذ للغاية !
كل هذا ودفق موسيقاها ووعي صوتها وايقاع رقصها الغزلي والمتضامن مع رقصة الفرقة من حولها والى ورائها كما لو انها هي التي كانت تزين كل عوامل الفن واسبابه في تسجيل الغناء التمثيلي وبكل ثقتها المجسدة فعليا ونفسيا وروحيا ونطقيا بينما يختصر الطريق كثير من المطربين والمطربات حينما يفيدون من مختلف الاسباب التي تحيط بهم اثناء تسجيل اغانيهم كي تكثف حضورهم وتزيد من فتنتهم وايقاع الاغنية وحلو الكلام المغنى
لكن ليس لدى مايا لانها كان لها ان تزين كل اكسسوار او حركة او رقصة او نظم يتوزع حولها وهذا برهان على كثافة قدرتها ومتانة وعيها الفني وطاقتها الجليلة المسهمة في تطوير مساقات العمل لديها خاصة لو اننا ادركنا حقيقة ان هذا الفيديوكليب ما كان الا في اوائل خطواتها الفنية في عالم الغناء مما يكسبها فخرا على فخر واعتزاز بها من قبل الجميع من حولها !
هذا مع تنوع صمتها وتنوع غزلها وتنوع حركاتها التي تعبر عن سرعة ثم تتوقف عند صمت من دون حركة وهذا نوع من التعادل تحاول مع المخرج ان تخرج من امتحانه بشك لناجح واكيد
حتى وقفاتها المعاتبة ولحظاتها المحزنة وبكافة تراجيديا الالوان التي تنطلق خلال اثوابها التي تتغير بالوان ناعمة ورائقة او ساخنة وباردة معا
لان الاحمر حار
والازرق السمائي ابرد
والوردي متعاطف مع الاثنين وفق كثافات مختلفة
بينما كان لظلال النور التي كانت تتساقط كما لو كانت اغصان شجر او اعمدة نوافذ الى جانب خطوط الماء المتساقط كان لها سحابة مؤثرة في اضفاء جمالية على ايقاء العمل عموما ومن الناحية الكلية لتضامنه مع المنجز من النص المنطوق ..
ولا انسى تغير تسريحات الراقصات مما ساعد على تمزيج الحركة بفاعلية ذات دلالات جمالية اوسع الى جانب تلك العلامات والطلسميات التي كانت تتنفس بين الحين والاخر في الخلفية الحمراء والبرتقالية التي تستتر وراء مايا مما كان لها ان تشير الى رموز وطلاسم واحاجي فرعونية ولغات مسمارية تتمازج مع روح النص وغربة المطربة التي لها ان تعيش غربة التأريخ جميعه كما لو انها كانت مسجونة في تاريخ غامض تحاول ان تتبين ما سيكون في المستقبل مع الحبيب وهي بالتالي تقودنا وبالفعل الى مثله حينما لا تعرب في كلامها عن لقاء بالحبيب بل تمني نفسها ومن ثم تمني نفس الحبيب خاصة حينما تقابله بالنص وهي تقول له
بكره تروء يحبيبي واحكليلك الحكايات
فهي لا تصابر نفسها فقط
بل انها تدعو الحبيب كذلك
الى ان يتقفى رايها ويحذو حذوها
فيكون مثلها صابرا
كم هذه الكلمات عظيمة
وكم مايا اعظم
لانها استطاعت تجسيد كل هذا ا لوقع في اطار جميل وللغاية
خاصة حينما تصابرت ملامحها في اخر لقطة من الفيديوكليب
والتي اختتم بها المخرج طوني ابو الياس تسجيله للاغنية
اقصد مشهد ركونها الى نفسها
ونظرتها الحزينة في الفراغ المليء بالاشياء
..................................
تمت دراسة هذا الفيديوكليب وبحمدالله
جمال السائح
2006-02-10
................................................