الحلقة الخامسة عشرة والاخيرة من دراسة نقدية في قصة تمرد الفرشاة للمهندس الشربيني
بقلم جمال السائح
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجعات في معاني الاحالات المكرورة
................................................................
أربعة الوان فقط في القصة هي : الاصفر ، الابيض ، الاحمر ، الاسود
قطب جبينه..ابتسامتها تتسع..كانت صفراء ..
أسرع يغمس الفرشاة في اللون الأبيض لتغيرها ..
يكفي أن يكون لون ورقة التوت أحمر ..
أضاف كمية كبيرة من اللون الأسود للفرشاة فسقطت علي الأرض ألتقطها ورفع رأسه إلي اللوحة
........................................
رغم ان هذه الالوان الاربعة
ربما عدت الاساسية في الالوان لو ضيف اليها الاخضر والازرق
او لو اقتصرت على الاصفر والاحمر والاخضر
او الازرق بدلا عن الاخضر
من ثم
لم يقدم لنا الكاتب صفات التمازج
لم يعرب لنا الا عن مزج الازرق بالاحمر لينتج اللون الاسود
مع ان البطل لم يختلق الاسود من هذين اللونين
بل اضافه اسودا من باليتة الالوان
يعني اضافة من الاسود نفسه
ولم يمزج الازرق والاحمر
فهل كان اسوده جاهزا
هل كان اللون معدا سلفا
من دون ان يحتمل مشقة مزجه لينتج لونا اخر
لكنه لم يمازج بين الوان شتى
من اجل ان يضفي على لوحته لونا اكثر براقية
او لونا غير موجود في قائمة الالوان
كما يحدث في تركيب الالوان
حين يود احدهم اختلاق لون لسيارته
غير موجود في قوائم الالوان الرئيسية
او لغرفته
او ...
رغم ان هذا الامر كان بمقدوره
ان يضفي على القصة ابعادا اخرى
يعني من ثم
ان البطل لم يوظف مهارته الفنية والعقلية
لحل مشكلته
كما اخبرت من قبل
كما قلت
فهو لا بد وان يكون ماهرا في صناعة الالوان
لكن الكاتب لم يعلن لنا عن مثل هذا
وبشكله الاخاذ
او بشكله التام
فهل كان البطل يتمثل نفسه بطلا تقليديا
بطلا لا يعيش الا في الكتب الاكاديمية
ليس له ان يبدع
ولا حتى في معالجة ازمته الراهنة
فهو لا ينحى في الفكاك من معضلته بصورة اكثر تمدنا
لا يفيد من تقنيات الحداثة
ولا من كيفيات التقدم في كل شيء حوله
لان كل شيء حوله يتقدم
الا فنه
وحبه
لانه يقبع في غرفته
وما زال وحتى نهاية القصة يقبع فيها
لا يتحرك منه الا اليد والفرشاة
وملامح الوجه
والالوان هي نفسها
اربعة قائمة بحد ذاتها
كما عبرت اربعة فقط
اذن
هو لم يكمل اللوحة
لان الله ما كان اكمل صناعة الارض والسماوات في اربعة
بل بقي لديه يومان
كان اكمل فيهما خلق الكون جميعا
لذا
فناننا لم يزرع التفاؤل في نفس الحبيبة
بل دعاها الى الصبر
وهي التي جاءته بقلب صبور
اكثر منه تحاملا على الصبر نفسه
لكنه بادرها بصبر اخر
ومتى
في غير الوقت الضروري له
يعني في غير الوقت المستحق للصبر
استخدم الصبر في غير اوانه
كان له ان يستثمر الفوز
كمن تحقق له النصر
وبقي له خطوات بينه وبين سقوط الاعداء
لكنه لم يبادر اليهم
لا لسبب وجيه
كما حصل مع الامام علي وحرب صفين
وبقي له خطوات بينه وبين عرش معاوية ابن ابي سفيان
لكنه حين وجد القوم من زمرة الخوارج
كانوا قد انقلبوا عليه
وغيروا في شرعة الله
واثاروا اللغط في دينه
وقلبوا الامور رأسها على بطنها
من ثم
احالوا معسكر علي بن ابي طالب
الى قطعة من الجمر والدم والتمرد
شعر فيها ان نصره
سيكون خزيا عليه
لانه حين سينتصر
سيواجه وقتها جيشا من المتمردين
سيقودونه مثلما قاد هو معاوية
لانهم جعلوا في اللحظة الاخيرة
وبفضل الخدعة التي ابتكرها عمرو بن العاص
حينما طالبهم برفق القرايين
حتى وجد علي قومه
ينصرفون عن قتال جيش الشام
ولم يبق بينه وبين خيمة معاوية الا خطوات
هنا الحد الفاصل
بين الفتنة وبين ملك الدنيا
فضل علي ان يحفظ بيضة الاسلام
وان يحفظ الامة من الفتنة
على النصر المزعوم
والملك المؤقت والفاني
يعني كانت للخليفة الرابع اسبابه
لكن لم تكن للبطل في هذه القصة اية اسباب
كي يستخدم الصبر
انما استخدامه للصبر
كان جزءا من الحمق والهزء بحب عاش معه طويلا
وبدلا من ان يتمثل فنه سلاحا
يعالج فيه ازمته وازمة حبيبته
نراه يقدم حبيبته قربانا
لكل فنه وقدرته واغراضه الفنية
هذا له ان يحدث
لانه يعيش في اربعة من الالوان
ختم على نفسه باربعة منها
ترك التحليل والاشتقاق والاجتهاد
في خلط الالوان
هكذا يموت المتمسكون بالتقاليد والاعراف والموروثات الخاطئة
لانهم يعتمدون على الرئيسيات والعموميات فقط
وفاتهم ان في الحياة اجتهاد وعمل
وجهد في اختلاق الحدث واستيلاد النصوص والاخبار والروايات
مثلما اقول واحدث انا
عن اخبار الكتب من الصحاح لدى السنة
والصحاح لدى الشيعة
الجميع متمسكون بصحاحهما
وفاتهما ان الوقت قد حان لنبذ الصبر على مثلهما
فما عاد فيهما من اخبار ينفع لزماننا
الا بمثابة عينة
عينة ليس الا
عينة لتحصيل الوان اخرى
يمكننا ان نتميزها حين خلط الالوان
لنرى كيف سيكون لون الحياة ابدع وازهى
وكيف سيكون لنا ان نخضع النص الى تفكيك
حتى نستخرج من رحمه الاف الاجنة الغائبة عن الوجود
ففي نفس حرب صفين
وجدنا مالك بن الاشتر يمازح عليا
ويقول له ما فرقي عنك
انت قتلت كذا عددا من الجانب الاخر
وانا ايضا قتلت مثل هذا العدد
لكننا نجد علي بن ابي طالب
يقف ليقول له
لا
كنت ولا زلت انظر الى المرء من المقاتلين
فارى وبقدرة الله ما في صلبه من النسل الصالح
فانصرف عن قتله
لانه لو كان لي سبيل عليه
فكيف سيكون لي السبيل على ما في صلبه
يعني ان كان هو طالحا
لكني كنت ارى انه لو بقي حيا
فسيخرج الله الطيب من الخبيث
فما كان لي ان اقتله
يعني كنت اخلي بينه وبين حظه من الحياة
ريثما يجد نسله الطريق الى الوجود
ثم يصنع الله ما يراه محمودا في وقته
انظر الى العظمة في الصبر والاستيلاد
هنا نقف مع النص على سعة من الخاطر
لان البطل هنا كان ينازل جفاء المجتمع
لكنه كان يقاتل
وفي غمرة قتاله
فضل مصالحه الانية
ولم يفكر بمصالح من حوله
تلك التي ربما لم يأزف موعدها بعد
لكنه يثبت مهارته في قتاله
وحين انجلاء الغبرة
نراه يعثر بحبيبته ملقاة على الارض
كفرشاته
نعم
في غمرة كبريائه وغروره الفني
اراد ان يثبت عظمته الفنية
ونسي انه يتعامل مع انثى
ففكر ان يرسم لها شوارب وحاجبين غليظين
لم يفكر في رحم او صلب هذه اللوحة
ترى هل سيموت
لذا
حينما انتصر
ما كان قد قتل الا نواة هذا الحب
الكائن في صلب اللوحة
او رحم الالوان
حتى تفاجأ
نعم تفاجأ حينما انجلت عنه الغمامة
وانقلب بصره حديدا
ليرى الاشياء على حقيقتها
بعد ان ما عاد وقت يرتجى للندم
ربما لم يفهم احد مقصدي
اعود وافسر
قلت ان مالكا اغتر بقتله ما قتل
وادعى انه وعلي واحد
او على نصيب واحد
لكن الامر وضح له
حين قال له انه لا يقتل في الحرب
الا من كان كافرا ولا يصدر عنه الا كافر
ومن كان كافرا يصدر عنه نسل صالح
فكان يخلي بينه وبين الفرار
او عدم الاجهاز
كانت حبيبته تفضل ان تقهر زوجها
لانها كانت قررت ان تحيل حياته الى جحيم
كي يتخلص منها
من ثم يخلو لها وجه حبيبها
لانها وقتها ستكون متحررة من ربقة زوجها
وسيكون لحبيبها مطلق الحرية في الاقتران بها
لكن حبيبها لا يفضل ان يموت بسببه احد
او يتعذب
حتى لو كان غريمه
ومنافسه على حبيبته
يعني زوجها
كما يفعل علي بن ابي طالب
رغم ان الامثال تضرب ولا تقاس
لكن الخطأ اين كان
كل هذا الصبر
وادعائه الضمني المشتق من الاحداث
يضاف اليها ولعه بالنساء
سيما صديقتها
وعدم اهتمامه به وحدها
وان امرأة واحدة لا تكفيه
لكنه كان يصبرها ويتصابر بنفس صبرها ايضا
يضاف اليه صبره كذلك
وانه لا يسنطيع ان يسلب غيره نعمته
فكان يفكر ولا يصل الى نتيجة
لكنه حين العمل
نراه ينسف القضية بالكامل
مثل كاتب علق في احداث قصته
ولما لم يستطع الفصل فيها
نسف الحدث وقتل الابطال جميعا
هنا
نرى البطل انه ينسف الموقف كله
فينسف الحب
وبذلك نسف بيت حبيبته
ونسف وجود زوجها
ومن ثم حتى فنياته التي ما عادت تثبت امام الهزاهز
فانها تعرضت الى الفشل الذريع
حين تعرضت لوحته الى انهيار تام في الوانها واشيائها
وقدرتها على اراءة نفس الفن
حتى انقلب فنه الى مجرد صعلكة
يعني انه احتمل مبادئ قويمة
لكنه حين التطبيق
نجده ينسف القاعدة والجزئيات بما في ذلك المقدمات والنتائج
هذا ما نراه اليوم في سلفيات الدين
والموروث الصالح او الطالح ان صح التعبير
لاننا نجد القوم يعتمدون على قواعد صالحة
لكنها قديمة
مثل معلبات غذائية تعود الى شركة مشهورة
لكن تاريخ صلاحيتها اصبح منقضيا
فمن ياكلها ربما يتعرض الى حالة من التسمم
كذلك هنا الامر
هذا الموروث انتهت صلاحيته
وفناننا كان يعمل وفق القديم من الاشياء
تلك التي ورثها في فنه
داخل غرفته
بتلك الالوان الاربعة الفاقدة لمعنى الضياء
بدون الاخضر
وبدون المزج والخلط الزاهي والصائب
يقوم على التقليد
دون الاجتهاد والابداع والخلق
وهو الذي يظن ان في الاربعة كفاية
ولمنضدة ان تقوم على اربعة اعمدة
او سيارة لها ان تقوم على اربعة دواليب
وفاته ان عجلته ما كانت الا مركبة ثقيلة طويلة
تحتاج الى ست عجلات
واكثر من ست ..
بل اكثر بكثير
عدا الاحتياطيات ..
وضرورة تبديلها لاي عطب او ضرورة او اهتراء يصيبها
ثم
كان له ان يفعل كل هذا ..
ومن دون متابعة الزمن
لانه مغلق التفكير
ومغلق في داخل غرفة
ولوحة امامه ليس الا
هي كل الحياة بالنسبة له
وداخلها تعيش الحبيبة
تكمن
مسجونة
بفعل انانيته وخبثه العلمي
والفرشاة كانت دالة عليها ابدا
والريح ظرفها الذي يحاول عتقها
ولانه لا يريد ان يعرب عن فشله في الحياة
وخسارته
وان فنه ما عاد يطيق العيش في اجواء معاصرة
لذا
اثر ان يقتل الحبيبة
ومن دون ان يقصد
كما يفعل اليوم المتشددون
ومن دون ان يقصدوا
يقتلون الحضارة وتطلعات الاجيال
ويحسبون انهم يحسنون صنعا
لان الشيطان كان علامة نصره الزائف
قال له اكفر
فلما كفر
قال اني اخاف الله رب العالمين
اني ارى ما لا ترون ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع تحيات جمال السائح
Almawed2003@yahoo.com
www.postpoems.com/members/jamalalsaieh
2006-05-29