المحطة - قصة قصيرة

المحطة - قصة قصيرة

المحطة - قصة قصيرة

 

 


المحطة

 



 


     المنفذ للتلصص عليه يعتمد على ضؤ  يخرج من خُرم على الباب، و كان هذا ما يتداوله أطفال المحطة عما يشاهدونه بالداخل. وكان شغفى بوضع أحدى عيناي هناك ، مثله تماماً وهو يمتطي القطار الى هنا، واثباً يخرج وهو يصوب آلة تصويره نحو أكوام النبق و بائعات الخزف و البروش و الشاى و الهوى، كل شئ كان إعتيادياً قبله، الناس و هم يعيدون إنتاج اصواتهم كل صباح و الفصول على تتابع، فقط اعلان وصوله القطار يقتل الرتابة  و لمدةٍ وجيزه، لتنتظر قدومه وهو ما زال جاثماً على القضيب، اطفال و نساء و رجال يجتمعون دون تنظيم، يرفعون أسعار ما يبيعونه من جفاف الأكل و اشربة من ثمار أشجار محلية، الى ان ترجع الاسعار الى ما كانت عليه ببيع ثقيل لفقراء الاطراف، القطار هنا نافذة رؤيا لاي كان ،ليتوقف مع توقفه و يشاهد فى سرور النازلين اليه، يتأملهم ليقفز نحو الامتلاك و السرقة و ربما القتل، صحف جديدة باعلانات لا تهم ، وربما خبر يتداول على ألسنة متجددة للوجوه ما تلبث ان تجف و  ترجع كما كانت.

نزل الى هذه المحطة رجل يتحدث العربية بصعوبة و لكنه كان ناجح فى إيصال قوله، كان متجولاً  ينام على رصيف المحطة، ثم بجوار المسجد، ليستقر اخيرا فى الكامبو، قبل أن ينزل وجه كاميرته ذات الخرطوم  نحو مريم .. بائعة النبق، ظللت أراقبه و هو يقفز من طفل لرجل لفضاء خاوٍ لشارع لقرد، الى أن طفح كيلى و أنا اجده كرامبو الافلام يزداد جنونا ليصوب خرطومه فى كل الإتجاهات، يقف لفترة وجيزة على وجوه الاطفال و لفترات أطول فى اللاشئ ، لم أفهم وقفته تلك على ناصية الميدان الجنوبي و لا  لاعب فيه، ظل يلف و يدور بكاميرته، ثم يقف و يجلس و يبدل زخيرته باخري جديدة، و أنا أراقبه حتى المسجد، لم يدخله، وصل مع جموع المصلين بعد الاذان و هو شاهر صوبهم سلاحه و هم فى غفلة و عدم مبالاه و وضؤ، لم يترك شيئا، حتى المأذنة القصية الجمها معه وهو يركض كالمنتصر للكامبو.

سرق منى راحة البال و النوم، حضرت صباح اليوم باكرا، أسأل أطفال الكامبو عنه، الى أن دلنى بائع الدوم بانه إستأجر غرفة من التومه، و هو لم يخرج منها حتى صباح اليوم، ليأتى خارجا معهم الى المحطة.

ساقتله، نعم  ساقتله الليلة، و انا و مذ وثبتة الاولى للارض كرهته و ظللت اقفز أمامه كالقرد لاحظي بصورة، فى ذلك اليوم من بعد ضبطه لآلته بعين مغمضة و فى لحظة كبسه لأمر الومضة، رفع إصبعة عنها ليفتح عينيه و ما أن رآنى الإ و اشاح عن الصورة كلها !  نعم سأقتله زبحا، لست شيئاً لا يجوز ان يكون من ضمن صورة ! أنا لست باجربٍ يها الغريب ...  ساقتلك الليلة.

خرجت مساءً متوجها الى الكامبو و فى جيبي قيمة زجاجة خمر، شربت منها ما شربت و قمت بكسر عنقها على صخرة و أنا اسير على خطي ثابتة و بدون توقف، وصلت و بيدى أداة قاتلة، لم يكن بابه مقفلاً كما خيل لي ، وقفت أرشف نفساً عميقا و قبضة يدى تزداد قوة ، دخلت و أنا أزيح الباب بكتفى قليلا، كان نائماً باطمئنان، و زجاجة سليمة فارغة بجواره، و تفاحة آدم عنقه تنادينى بان أغرز فيه آلتى الحادة، فانا هنا لقتله.

كل المحطة حاضرة هنا، رصهم على كامل الجدار الطينى و على الواح الخشب المكملة للحائط قام بتدبيسهم بمسامير ملونة و مدببة الاطراف، مريم بائعة النبق بثوبها المزركش، حتى جادين الاطرش بقفزته البلهاء .. كلهم هنا، صور باحجام مختلفة، ملونة و بالابيض و الاسود، بحثت جاهداً لصورة ربما اخذها لى من دون معرفتى، فلم أجدها، بائع التمباك، لم أكن أعرف أن له إبتسامة بهذا البياض الفسيح، حليمة .. عبدالباقى .. قرود  .. كلاب ..حتى أحذية ...

ياااااه ... وجدت قدماي تفودانني للخارج كالمجنون و عينى ملصقةٌ على ضؤ  يخرج من خُرم على الباب  و المحطة لم تعد هى المحطة التى أعرفها، من تراه غيرى يمتلك الرغبة فى قتله !  لم أتراجع عن الفكرة تماماً، و لكن ربما متلصص يأتى لقتله أو حتى سرقته.


رضوان عبدالعال همت 


Author's Notes/Comments: 

View sudan's Full Portfolio