حوار غيمتين

Folder: 
قراءات



قراءات                 قراءات               قراءات










حوار غيمتين





̡ ثناء درويش ، في حوار خاص مع إيمان الوزير



ثناء درويش لأدبيات :





ولادتي الحقّة كانت يوم وضعت إرث أهلي على جماله جانبا.



إن كل كلمة تخرج من أفواهنا أو تخطها أقلامنا , ستشهد معنا أو ضدنا





تقديم / عبد السلام العطاري





حين تبصر ما لا تدرك ، تتعوّد أن الإبصار ليس ما تراه فحسب أو تتحسسه بقدر ما تنبض به وتستشعر الأمل حين نجترح من عمق البصيرة وداعة وصفوة الخلوة التي تتجلى بها الروح مع خالقها ، والصورة تبدو أجمل حين تهدا صفوة النفس وتطفو بسكون على وجه الحقيقة التي لا يدركها سوى من اعتزل الجسد وأطلق الروح في برّها جامحة كخيل أصيلة اشتاقت لمد الصحراء لا تبحث عن ماء بقدر ما تسعى من أجل حرية الروح وملامسة النسمة العابرة لرحيق يشد الشهيق إلى قاع يجمع منه زفرات ينفثها بقوة لتغتسل الروح بعمق الرؤيا المستدركة ...

ليس لي إلا أن أفلسف النص التعليمي ولا أقول الحوار ،ما جاء من الإكثار في حجم السؤال لمحاوِرَةٍ مبدعة كان الجواب لمجيبة تجلى الحرف في علوّه ليدفع القارئ أنه أمام مدرسة لها طعم الصفوة النقية أو طعم ماء عذب أجاج يستعجل شاربه إلى العودة دائما ليطفئ الظمأ برشفة أخرى من نهر الثناء الذي لا ينضب .

ثناء درويش/عرفتها مبكرا وتجليت في نصوصها حين وجدتها تحملنا إلى عوالم نحتاجها كي نغسل النعاس الذابل على حروفنا ... إيمان الوزير حاورتها فأبدع السائل بسؤاله وتجلى المسئول بجوابه فانفرد القارئ بدرس روحاني طالما نحتاجه لنكون في صفوة الفكر والعقل واللغة الساكنة بهدوء دون خدش أو ضجيج ، كما هي حال مصياف تلك البلدة المنسجمة مع اسمها فالثناء للروح الساكنة التي جاءت إلينا بها



***



ثناء درويش الشاعرة والكاتبة والأم ، من يقرأها يغرف من زهد مستنير ، وعالم يخفق بموارد لم يصلها الكثيرون من أبنائها بعد ، إنها أم الأدباء والكتاب ، الشعراء والشاعرات ، الأم التي فتحت ذراعيها لأبنائها دون استثناء ، أحبها الجميع لنقائها وسماحتها الخالصة

حين طلبتُ منها سيرتها الذاتية قالت عن نفسها :



أي همّ لو كان أبي قديسا أو قاطع طريق

أو كانت أمي العذراء أو بائعة هوى ، المهم من أنا فولادتي الحقّة كانت يوم وضعت إرث أهلي على جماله جانبا، ومضيت أحفر كنملة في التراب وكنحلة أطير من أفق لآخر أرشف رحيق الأزهار على تنوعها وإن لم يعجبني منظرها أو رائحتها ، ثمّ في باطني مزجت ذاك الرحيق وصنعت منه شهدي الإلهي واليوم سأسقيه لصغاري الذين أرعاهم بمحبتي وحرصي أن يكونوا أحرارا، أنا أم لا أعرف عن نفسي أكثر من هذا ولي أم تنتظرني بلهفة ماضية إليها . لا عمري يهمّ ولا عدد أولادي ولا هواياتي , هذه كتاباتي تدلّ عليّ اقرأوها تعرفوني واعرفوها تعرفوا انفسكم واعرفوا أنفسكم تعرفوا الرب فيكم .

إيمان .. ولكل امرئ من اسمه نصيب , ومن يدري , قد يكون لك منه النصيب كله !

لو انك يا حبيبتي تجعلين من عينك أذنا , ومن أذنك قلباً

لو تسندين رأسك على صدر أمك فارغاً إلا من عشقها .......

لكان حوارنا كما شاءه الله لنا , مناجاة روح بين أم وابنتها , لا حوار : " أنت تسأل ونحن نجيب " , فالحوار كما أفهمه , تزاوج غيمتين , تتلاقحان فينهمر الغيث الوليد مدرارا , ليحيي الأرض بعد موتها



***



إيمان الوزير / تقولين يا أماه في مقالك : " جلال الدين الروميّ بين عين العشق وعين العلم والعقل " : (فمَن أنا أمامك، أيها الهرم المتطاول حدَّ السماء؟! وأية جرأة محاولتي الإحاطة بالمحيط؟!غير أن الرغبة الجامحة، بدل أن تخبو شعلتُها، تحولت مع الأيام إلى هاجس ملحاح. فإذا ما امتلأتُ بك، أيها العبقري الذي لا يجود بمثله الزمانُ كلَّ حين، ووصلتُ حدَّ السكر حتى الثمالة من دَونِّ خمرتك المعتَّقة ودرجةَ البكاء خشوعًا وعرفانًا بالجميل لِمَن نقلني، عبر مدارات مولويَّته، لأهوِّم في فضاءاته، ممجِّدةً مسبِّحة، استعنتُ بالعشق حاديًا وهاديًا)



ايمان الوزير / طويت عبر تصويرك السابق صفحة من حياتك , كم أودّ أن تعودي إلى تلك الصفحة وتفتحينها لتحدثيني عنها ، وما الذي دفعك لطيها ؟



ثناء درويش / هممت يا إيمان أن أفتح صفحاتي , لأقدمها لك قبساً من نور أقذفه في قلبك الطفل , فإذا بصفحاتي خطواتي , وتفاصيل قصة حياتي , وإذا بها مطويّة بيمينه , تشترط عاشقاً يطوى بداخلها , فهل تقدرين ؟؟

وحده العشق يا صغيرتي براق , وطريق مطلق نحو حقيقة مطلقة .

والعاشق راقص ذاهل عن سواه , كلما مشى خطواته الأرضية , وعاش اختباراته , مضى قدما في عروجاته السماوية , وتنزلات الوحي على قلبه . فأية فائدة ترتجى إن قصصت عليك العمر كله قصص العشق , إن لم تذوقي منه قطرة ........



***



إيمان الوزير / في مقالك التاريخي : مقدِّمة لـرسائل إخوان الصفا......تقولين في ختامه : (ونحن في مطلع الألفية الثالثة , آخذة الرسائل ببعدها الرمزي , وعمقها الفلسفي والروحي , محاولة استنباط الحكمة منها , للجمع بين البشر . فهي , دونما ريب , ما زالت تحتفظ إلى اليوم بمصداقيتها كاملة , باتجاه هذه الغاية)

فكيف تجدين حال الوطن العربي الآن , و كيف يمكن أن تشكل رسائل إخوان الصفا مخرجا له من العثرات التي نراها هنا وهناك ؟





ثناء درويش / شتات وعثرات .. ولا مخرج له إلا بصدق التوجه نحو قبلة القلب .

انظري يا إيمان أي حال صار حالنا ونحن ننقل قال عن قيل .

ونحمل التاريخ أسفارا فوق ظهورنا .

علوم إملائية, وفكر يلعب بنا ما طاب له , ويرمينا إلى التهلكة , تحت اسم نصرة الحق والحقيقة , وكل يظنّ أنه ينصر الله وينصر الإنسان بأهوائه وآرائه .

وما العلم التجميعي إلا حجاب أمام تجلي شمس الحقيقة , التي لا تريدنا إلا أن نأتيها فارغين لتملأنا بالنور .

أجل يمكن للرسائل أن تكون مخرجا من العثرات كما أراها , فالذين كتبوها كانوا مجموعة , شاؤوا أن يتركوها مجهولة الهوية والأسماء والزمان والمكان , منهاجا إلهيا وضعه ابن الإنسان للإنسان , فلوا أمعنّا في الغاية , وقرأنا الرسائل بتجرد , لكانت لنا سلم صعود , ولرأينا ما وصفوه بالفلسفة وما أحسبها فلسفة بل حكمة مستودعة في صدور واعية . لكن أي علم لا يبعث بروح جديدة توائم العصر , لن تكتب له الحياة ..............



***



إيمان الوزير / يصف بعض المؤرخين الطرائق الصوفية التي اعتمدتها الدولة العثمانية كمذهب رسمي للدولة بأنه كان عاملا مهما وراء انحطاط وانعزال الفكر العربي عن السير في عجلة التقدم ويصفه البعض بمثابة الجذور التاريخية للتخلف العربي النهضوي .

ما رأيك في هذا القول وما الذي يمكن أن يقدمه التصوف اليوم للعجز العربي عن مواجهة التحديات ؟





ثناء درويش / لنتفق أولا يا إيمان حول مفهوم التصوف ؟؟؟؟؟

فكلمة التصوف حملت مفاهيما عدة , وكل رآه وفق أرضياته , رغم معناه الواحد الحق .

أنت تنقلين لي ما قرأت عن التصوف , وما ارتأته جهات فكرية وسياسية ,

وأملي أن تستنهضي فطرتك الصادقة .. وتخبريني ما ترينه – أنت – في التصوف .. وليكن مثلا من خلال ما قرأته لي ..................

لا تقفي عند حدود الكلمة , جربي أن تنفخي فيها من روحك , وسترين العجب ؟؟؟؟؟



***



إيمان الوزير / الشعر والقصة عند أمّنا هما وسيلة وليسا غاية ......حدثينا عن ذلك .



ثناء درويش / لو كنت ممن ييأسون ويسلّمون بالظلمة التي ما بعدها نور , لبكيت أدباً

أضحى غاية بدل أن يكون وسيلة

ولبكيت من يتنازعون كراسي مجد الأدب وعروشه .

فإذا كان هدفهم الإنسان ونصرته , فما بالهم إن أدوس على طرفهم عمدا أو سهوا يستنفرون , وتخرج من أفواههم , كلمات تغضب الربّ فيهم ؟؟

تماما كما تحول الله إلى صنم يتذابحون باسمه .......

إن كل كلمة تخرج من أفواهنا أو تخطها أقلامنا , ستشهد معنا أو ضدنا ..

وستبقى جثة ميتة إن لم ننفخ فيها الروح ونحولها سلوكا نتشبه به بالله

أنا لا أفهم الأدب يا صغيرتي إلا هويتي الوحيدة التي أدخل بها حضرته .

وبعيدا عن الوعظ والإرشاد أهمس : إن أردنا حقاً أن نكون أدباء فلننظر مليّا في معنى كلمة الأدب .

وإن قبلنا أن نحمل اسم مثقفين , فلنعد لمعنى الثقافة ......

طبعا لنعد لمعناها كما يملي القلب , لا أصحاب الألسن المختلفة ..............



***



إيمان الوزير / صيّرك جلال الدين الرومي شخصيةً جديدةً , فما الذي صنعه فيك وإلى أين تريدين الوصول بهذا الفكر الرومي في القرن الحادي والعشرين ؟



ثناء درويش / لا أدري كم من الزمن مرّ علي في خلوتي مع حبيبي الرومي ......

لكني أدري أني حين خرجت من خلوتي معه إلى عالم الانترنيت الافتراضي , ثم إلى أرض الواقع , وجدته هيّض عندي مكامن الوصل وفعّل بواطن الحركة الكونيّة في ذاتي الإنسانية , فبدا طريقي واضحا , وهدفي صار بينا وجليّا .

وهذا دور المعلّم كما أرى ..............

عشقت الرومي , فإذا بالعشق يبعثني خلقا آخر

وأي تعليم بدون عشق لن يؤتي ثماره

أما ما أريد الوصول إليه الآن .. فهو أن تعشقي .. الرومي أو سواه ...

عيشي معه مثنويا رائعا

ارقصي معه على إيقاع الكون

هو من سيوصلك للوحدة

ثم عودي إلي .. وأنت تحملين إبداعك /تميزا عن كل ما كتبته قبلا ........



***



إيمان الوزير / قلتِ ( أصْدَقُ تسمية للأرض أنها "موطن الحولان"، لأننا جميعًا محرومون من رؤية الواحد – ماعدا بعض الغرباء سليمي النظر )

ربما لن يتخلص المجتمع العربي من الحولان والعميان الذين يسكنون أرجاء الأرض لكن كيف يمكن للمجتمع تهميش هؤلاء الحولان والعميان في زاوية الصمت ؟





ثناء درويش / هذا حديث يطول ؟؟؟؟

بدءاً، لماذا أعتقد أن عليّ تهميشهم والحكم عليهم بالصمت؟!

لماذا لا آخذ على عاتقي مسؤولية معالجة الحوَل عندهم أو انحراف الرؤية ؟؟

" عرفت هذه الحقيقة لما أحييت بقلبي الآية الكريمة :" إن الله لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " " صدق الله العظيم "

الآخر هو أنا ...

الظروف خدمتني وحرمته .. فما دوري معه ؟؟

لو نظرت إليه على انه الشر الذي علي تجنبه .. فأكون كمن وقع بظلم نفسه

حين أعرف نفسي بخيرها وشرها وأقبل الشر بي وأجعل شيطاني يسلم على يدي .. سأعرف كيف أتعامل مع الشر في الخارج برضا ومحبة

إن أحببت الشر تتحول المحبة لقوة تغيره لخير .. فتأملي ...



***



إيمان الوزير / في ظل تدني المشهد الثقافي العربي الذي بات يتعامل فيه المثقفون على أساس ( الشللية ) والعلاقات الشخصية والصراعات المهدرة لطاقات الثقافة والقاتلة لتنمية المجتمع ...كيف يمكن للثقافة العربية الخروج من عنق الزجاجة ؟





ثناء درويش / ذلك يعيدنا يا إيمان إلى الحديث عن الأدب كوسيلة لا غاية

فما هذه الصراعات إلا لانشغال الأدباء عن الغاية التي هي الإنسان المجتبى المختار ليكون خليفة , إلى هوس , وجيفة تعاهدوا نهشها كل من زاوية ,

قد يبدو كلامي قاسيا ....

لكن شمس الحقيقة حارقة لمن لا يقبلها , دافئة لمن رأى صدقها .....

هم كما تصفينهم .. محبوسون في زجاجة , ولن يتحرروا منها , إلا إن قدروا أن يتحرروا من أنواتهم , وأفكارهم , وما يحسبونه صوابا .



إيمان الوزير / قال عنك الأديب ( نور الدين المحقق) :



تكتب في صمت

الأمهات…

إذ ينتظرن عودة

الأبناء من الدراسة

و ترنو في عمق،

وإحساس…

و روعة الفراسة

إلى كل البنات

تقبلهن واحدة

وراء الأخرى

و كل البشرى

عندها تتجلى

في النجاح

و كل الذكرى

تحضر في الأكل

من شجرة التفاح

والتحليق بأقصى جناح

إلى دروب المعرفة…



إن كل من يعرفك يا أماه على الانترنت يقرأ في عينيك صورة الأم ، وفي كلماتك فيض حنان لا ينضب ........فماذا تقولين لأبنائك الرقميين ؟





ثناء درويش / قرأني نور بعين قلبه الصافية .. وعين القلب لا تعكس إلا الصدق .

أما ما أقول لأبنائي في كل مكان .. من شهدوا محبتي والتي كانت حينا قاسية لأجلهم :

المحبة كلمة تريد من ينفخ فيها من روحه

إن أحببتموني كما أحببتكم

أروني محبتكم سلوكا .. لتكونوا من أهل الله

دعوا فطرتكم تتحدث فقد ابتدأ عهد جديد وفتح جديد

لا تخافوا من خلع الموروث

أنتم بذور جيدة فانبتوا في تربتي التي قلبتها لأجلكم

الله فيكم .. فلا تلتفتوا يمينا وشمالا .. ولا إلى الأعلى ...........

انظروا موقع خطاكم .. فذلك شرط لازم كي لا تقعوا

وتذكروا أن عين الأم تراكم وترعاكم وإن أذن الله بغياب جسدها .......

اصغوا إلي بقلوبكم ... ستسمعون مني الكثير .......



***



إيمان الوزير / في مقالك استنساخ كتبتِ ( شفتاك .. قطعتا بلاستيك , مذ مضى عهد الشفاه الرقيقة الأشبه بورق الريحان , وأتى زمن الشفاه التي رفعت فوق بابها دعوة صارخة , وأعلنت عن حضورها ووجودها ، واستعدادها للالتهام في أية

لحظة)

في ظل ثقافة الجسد التي أصبحت طاغية على المجتمع العربي ماذا تقولين للكتّاب والمثقفين /ات العرب الذين يعتبرون غواية الجسد إبداعا لا يقدر عليه الكثيرون /ات ؟



ثناء درويش / فليعتبروا ما شاؤوا .. فتلك مكانتهم .. وربما دورهم ...........

ولي دوري ..........



***



إيمان الوزير / ما الذي تعنيه الأسماء التالية لأمي:





ـ جمال الدين الافغاني : لم اقرأ له

ـ أبو حامد العزالي : كذلك لا أعرف عنه شيئا

ـ حسين بن منصورالحلاج : كان ممهدا لنا .. نحن الذين أتينا بعده

قتلوه لأن " الناس أعداء ما جهلوا "

أما هو فدعا ربه : اللهم اغفر لقومي إنهم لا يعلمون

ـ بريهان قمق : دعوتها نجيّتي لأني رأيت فيها , ربما مالم تره هي في نفسها ............



***



ختاما لا يسعني إلا أن اشكر أمي ثناء درويش الشاعرة،لأديبة التي تحملتني كثيرا



ثناء درويش / أصلي لأجلك يا صغيرة













*ثناء درويش*








View thanaa's Full Portfolio