ظلال
الظل 9
نجوى
لو كنت أعلم أني أنجب ابني للموت في زهوة شبابه، لآثرت أن أرمي رحماً حمل وثدياً أرضع للكلاب، قبل أن أرى روحي تنطفئ كشمس لتحل لعنة الظلام علي ما تبقى لي في حاسوب عمري... عمري الذي توقف لحظة جاءني الخبر، والباقي منه لدغات لا تنتهي لعقارب الساعة في انتظار مديد ليس له قلب، فالرصاصة الطائشة التي اخترقت قلبه تابعت طريقها المرسوم لترميني معه..
زغاريد تجلجل في أذني مع نواح النائحات و نسوة جئن مهنئات بأن صار اسمي أم الشهيد، و أن هذا الاسم تاج أمومتي وفخر عائلتي.
وأنا مشلولة القوى أعجز عن فهم كل هذه الترّهات ، فهل مجد الشهادة سيعيده لحضني لأشمشم عميقاً ريحه.
عقلي يجاهد ليسلم ببدهية أن الحرب طاحون عمياء لا تفرق بين ظالم وبريء.. أما قلبي فيزأر كلبوة جريحة قائلا خذوا وطني وبيتي وسريري وأعيدوا لي فلذة كبدي.
أيتها الأمهات المفجوعات مثلي .. دموعكن عزيزة علي.. ولكنكن تبكين حرقتكن لا حرقتي وهيهات دموعكن تطفئ ناري، و أنتن يا صديقاتي كم أمتنّ لدعواتكن لي للحياة والخروج من خباء حزني، لكني كلما هممت ان أفعل حاصرتني تفاصيل طفولته وصباه وشبابه، فانكفئ على ذاتي كي لا أفسد رغبتكن بالحياة و آمالاً واهية واهمة.
ولطفاً يا كل الآخرين .. لا تكرروا على مسمعي قولكم .. العوض بسلامتك وسلامة أخوته .. فليس أسخف من كلمة العوض... وكأن احدا يقدر ان يحلّ مكان آخر في قلب أم.
لا تحزن لأجلي بنيّ .. لأنك تركتني ورحلت وانك اوجعتني بل ذبحتني عن غير قصد ..
بل انا من عليها ان تعتذر
فوالله إن فطرة الأمومة عمياء .. لو تفكرت قبل الإنجاب باحتمال أن تشهد موت بعضها .. ما انجبت.