الفصل الرابع
هكذا كتب لي عمر آخر لا أدري هل سيقصر أم يطول، بعد أن رأيت الموت ولامسته، و عانقني حتى حسبتني صرت و إياه واحد.
ثم فجأة غير رأيه، نظر بعيني مليا و غادرني إلى سواي.
و بجهلي المطلق رحت أثرثر كعادتي مع نفسي ساخرا : ربما يصح أحيانا ما جاء في الخبر .. أن اطلب الموت توهب لك الحياة.
و لمصداقية التوثيق علي أن أوضح .. أن صراخي الأخير في وجه الكبير لم يكن يشبه هذيان مرحلة الشباب و العنفوان المزيف.
كنت أريد أن أوصل له رسالة من صليل ألمي ..
"لماذا ضحكت علي و استدرجتني لسماواتك أتصعدها بالصدر الحرج مدارا إثر آخر، ولولا تفتحت عيناي لبقيت في تهويماتي الخلبية.
كان شوقي و عشقي براقي إليك و كانت أوهامي تتكاثر كورم سليم أو كوحيد خلية بالانشطار.. و كنت تستدرجني ككبش أضحية لعيدك برؤيا تتركني مصعوقا و تسلمني لرؤيا أخرى أشد صعقا.
عصيت و غويت و اجتبيت .. فيا لعظمة الوهم المبدع الخلاق توجني في علاي بتاج ارجوان ثم تركني على صليبي أصرخ:
ايلي .. ايلي .. لما شبقتني
أسمعهم يتناسخون القول في أي مصاب على أنه ابتلاء للمؤمن ، و كارما و قصاص للكافر..
بأي عين تراك كنت تراني؟!
هل كنت عندك وأنا على تخوم الموت مؤمنا تبتليني أم كافرا تقتص مني؟!
إن كنت تعلم الغيب و ما تخفي الألسن فأنت تراني حتما بعيدا عن طقوس شريعتك أني لم أضمر لمخلوق السوء .. وكنت السباق للخير و الحسنى.
ألهذا تدخلت بآخر لحظة و أجلت موتي .. أجلته لا أكثر.....
الآن و أنا أشعر بنعمة الصحة بعد الألم سأتجاهلك، لأني من بعد كل عرفاني أعترف أني أجهلك.
لن أذكرك لا في جنتي ولا في جحيمي
سأكون بحجمي الطبيعي
سأكون كما أردتني بكل نقصي .. إنسانا من طين هذي الأرض."
كانت هذه آخر رسالة مني إليه، من بعد سنوات يكاتبني فيها إملاء و مشافهة .. بالإشارة و القول الصريح.
و من يومها .. من يوم دفنته في خافقي .. تحررت منه.. "ربما" كما ارادني لأكون إرادته.