فوضى الذاكرة

                         فوضى الذاكرة              

  

أنت يا من تقرأني في هذه اللحظة بالذات ، أنقل لي انطباعك فور  قراءة ما وصلك من فوضى الذاكرة كي إما تأخذ بقلمي نحو مواصلة   النزيف أو تصرخ في وجهي:السّر إذا جاوز الاثنين ضاع!أنتظرُ بلهفة..



                      "فَوضى الذّاكرة"



                         أ ب ع ث رُ  

                       أوراقي بفوضى

                      وأستلُّ ما أشاءُ

                        من جراحي  

                     لأعمـِّدَ الذَّاكرَة

                       بحنان حُضوركَ    

                           المــُقدَّس



                              1.

خطواتي نحوك كانت ثابتة منذ شهق قلبي شهقته الأولى لمــَّا تلقفته من رحم العاطفة على راحتيك ورغم أنني كنت أدرك بأنـــي أسيرُ أسيرة نفق معتم إليك , كنتُ أُدرك أنّ طريقي إليكَ حافل بالخناجر التّي ستسعى لفتك حلمي , كنتُ أدرك أنّ الهواجس قد تمكنت من خيالك الخصب , هذا الذّي أوقعني واقفة بحبّك , وبدأتَ ترى الانهيار بعدما بشَّرتني طويلا بالإنبهار , وأدركتُ بوعي أنّني سأقود دفـَّة المستقبل وأنّنـي سأنتشلُكَ من وحل الهواجس وأسيرُ بي وبِكَ نحوَ جنـَّة العلاقة التي أبصرتها وآمنتُ أنها تنتظرنا عند آخر النفق..شهقتــيالأولــى كانتْ حين بقيتَ تحاول مُراوغة حارس بوابّة أفكاري للوصول إلى قصر حـُلمـي  .  ووصـَلـتَ!!لم أتصوَّر أنــَّك كنتَ ستصل, فانطباعي الأوّل عنك

كان كما لو أنــّكَ تلميذ مُشاغِب يهرب من حصّة دراسيّة ليطارد فـَرَاشَة في حقل , كي يتعلم من جناحيها الطيران ! حاولتُ صدّك بلطف في أن أغيّر مجرى اهتمامك بأن أرسلك لحقل آخر..قصر آخر..إلاّ أنـَّكَ بقيتَ كما النرجسيّ الذي رأى صورته في البحيرة فـَذُهـِلَ وظلّ مـُحدقا فيها إلى أن وقع.. في البحيرة..فنمت مكان ذكراهُ زهرة النّرجس!

بقيت واقفا محدِّقـــا ببحيرتــي الراكدة على مـَرّ عصور الجفاف.. لا بلّ أخذتَ ترمـي الحصى ، وبكلّ أنانيّــــة ، داخل بحيرة خيالي, إلى أن أَثَرْتَ فـُضـُولــي الأنثويّ , وأوقدتَ جذوة سؤال حرقَ أعصابـــــــي:

من أنــــــــــــــــــــــــــــت؟ رفعتُ أشِعـَّة عينيّ العسليتين أبحثُ عن مصدر الظلّ الذّي ارتمــى بفضُول فـوق جبين كتاب " الشي الآخر " لغسان كنفانـي والذّي كان مستلقيا بهدوء على المنضدة أمامي

أقلق الظلّ عزلتي وقطع حبل التواصل الرائع بيني وليلى الحايك التي صرخت من أعماق الكتاب في وجه ظلي: إذهب للجحيم..نريد أن نواصل حكاية حبّ عظيم! أبصرتُ عينين براقتيّن متوثبتين متوجستين كما القطة الأم حين تفقد صغيرها! أبصرتُ أكواما من قشّ الأسئلة تحترق بلهيب الفضول داخل بؤبؤيّ عينيك!حدقتُ! حدقتُ بغضب داخل دوامة سواد عينيك..غُصتُ وغـُصـْت إلى أن وصلتُ الأعماق..ويا لهول المفاجـأة! كنتُ أنا هنالك ، مُتـَربعــَّة على عرشِ بَصَركَ وأسراركَ كما لو كنتُ أنثــى السحاب..كما لو كنتُ أُسطورة!ارتعدتُ بصمت. وقفتلأهرب من الصورة التي انطبعت في خيالي حين انتقلت إليّ كما العدوى من أعماقك لقصوري!وبهدوء مُشاغبٍ مُراوغ اعتقلتَ خطواتـــي بصوت نزل على أرضىوكأنه صوت ملاك غادر الجنــَّة وجاء يصطاد كياني أنا بالذات ولمحتُ ورقة بيضاء عليها بعض الخربشات تتلوى بين أناملك وأنت تردد بغرور الفارس المنتصر:_ أتسمحُ سيدتي بقراءةهذه القصيدة!*

مَنْ.... أنــــــا؟( تساءلتُ بحرقة وأنا أنفض عن عينيّ شرنقة الرواية التي انتفضّت غاضبة بين يدي!) _ ألستِ الشاعرة ليلى؟

* وتــعرفـُنــِي؟ ( تمكن منــّي الذهول. لم أتوقع أن يكون لاسمي الأدبي رنين لدى الآخرين!)قهقه كما لو كان طفلا يعثر على قطعة حلوى وانطلق صوته كالخرير:-ومن لا يعرفُ الشاعرة ليلى! قرأت كل كتبك المتوفرة في المكتبة العامّة هنا. واليوم شاء قدري أن تكوني هنا..وأن تخبرني صديقتي عاملة المكتبة أنك في هذا الركن بعيدا عن الضجيج.صمتَ..أخذ يُراقبُ حواسي. لم يعثر ولا على أي ردّة فعل. كنتُ مع ليلى الحايك في تلك اللحظة ولم أكن أستوعب إلحاحه! بدا لي كالنحلة التي تلاحق وردة! بعدَ فتــرة من التوتر الصامت , رددّ بخجل:- أرجو ألاّ أكون قد أزعجتك!

واندفعتُ أقول:* بصراحة..! لقد فعلتَ..

تبلبل المسكين فأشفقتُ عليه. استدركتُ صراحتي وهمستُ بليونة:

*لا تكترث لموضوعيتي الجارحة. يسعدُنــي ظلُّكَ الذّي اكتسح كتابـــي. تفضـــــــَّل إجلس.. جلسَ كورقة شجر تتراخى فوق تُربة خصبة وناولني ورقة بيضاء . حدقت فيها بفضول..فلفت انتباهي ذلك الخط المتلعثم : حروف فوق وأسفلَ السطور!للحظات .. تُهـْتُ مع القصيدة التي لامستْ حنان يديّ النحيلتين.كانت قصيدة سياسيّة عن فلسطين صباحا.. ظهرا .. مساء ..ليلا..!ذات الأخبار السياسيّة التي تلاحق اعناقنا كما الطوق حتى لو انزوينا في ركن بعيد هادئ لنستعير لرئتنا شيئا من الهواء النقيّ ._ يُعجبني تقسيم القصيدة الى مقاطع زمنيّة , أمـّا المأساة فلا تعجبني! حدَّقتُ ثانية في أغوار عينيه..

استعاد بريقهما الهائج .. ابتسمَ وهو يستقبل نظراتي الحائرة.

في تلك اللحظة .. تملكّ مني إحساس أنه صغير!

همستُ من أعماق دوامة فكريّة وبصوت غائم : كم أنت صغير!

احتدّ غضبه!* لستُ صغيرا ! ستجعليني أُصدّق أنني صغير!

كان كمن يقول لامرأة يعشقها: أنا رجُل! وأنتِ امرأتــي!

لم أتمالك نوبة فرح تمكنت من حواسي ففاضت آثارها على شفتيّ وملامح وجهي . أدركتُ أنني طعنتُه في رجولته دون أن أخطط لذلك.

استدركتُ الموقف فأعلنتُ : عليك أن تشعر بالفخر حين أعتبرك

صغيري .. ففي الفحوى فيضٌ من الأمومة.

ثمّ .. أرى حسب ما قرأت من قصيدتك أنّ عمرك الذهني أكبر بكثير من عمرك الزمني .

تــراخى غضبه!

تراخَتْ أسارير وجهه ..

عاد البريق يسكن عينيه ..

ولمحتُ ابتسامة نصر خفيّة بين زاويتيّ شفتيه!

تراخــى توتــُري..

داهمنــي شعور غامض وهو يجلس على بُعْدِ خُطوة من قلبي ..في المكتبة العامّة في الناصرة في رُكنــي الهادئ .. كأنّ الأرض تدور بنا مرتين..

مرّة لليسار .. ومرّة لليمين..لتتلاعب بمشاعري .. لتوحي لي أني في حقل ..

أنا وهو .. في ركن بعيد هادئ .. نمارس طقوس لقائنا الأوّل .. ويــَأبى

الفـَرَاش أن يُغادر قلبي وقلبه!

ارتفع صوتُ ماجدة الرومي ,سيّدة الرومانسيّة على الأرض, من النافذة المطّلة على سيّارة ما في الشّارع :

"تخبرني حين تراقصني

كلماتٌ ليست كالكلمات.."

ولا أعرف كيف حملتني هذه الكلمات على بساط من حرير .. وتملكت مني فصرت أرد داخل حواسّي:

"تُخبرني حين تـُحادثني..

كلماتٌ ليست كالكلمات..

"تُخبرني حين تـُحادثني..

كلماتٌ ليست كالكلمات..

تـُخبــِرُنـِي..."

وفاضَ صوته الحنون فطغى على صمتـي..

_سَـــبــَقــْتِ عُمري بسنة يا ليلى!!

لن أغفر لكِ هذا الذنب!!

* لا أفهم!

_ أنتِ من مواليد 60 وأنا من مواليد 61..

هي ليست سنة بالضبط ..إنما تسعة شهور ويوم واحد..

* أين لك بكل هذه المعلومات؟

- من غلاف كتابك يا ليلى..هل نسيتِ!

*أنا لا أخشى التصريح عن عمري...

- لا أرى في ذلك أي تميّز أمي دوما تُصّرح بعمرها..

* أمك تملك ثقة بنفسها وطاقاتها..

- ليلى..تعرفين..اني أعد لدراسة عن ريتا محمود درويش وأحتاج آرائكِ ودعمك..

* دراســَة؟

- أنا طالب جامعي سنة ثالثة.أدرس أدب مُقارن وفلسفة ..

وأُحضّر للوظيفة النهائية عن مرايا المرأة في شعر محمود درويش. فهل أطمع بتشجيعك؟

*لكَ ذلك .الموضوع شهيّ ..

-هل تعتقدين أنّ ريتا رمز أم لحم ودمّ ..

· ريتا هي امرأة محمود درويش ..التّي تسكن مخيلته الشّعريّة ..لكنّها بالأساس لحم ودمّ .. وحبّ عظيم ..وهو يُضفي عليها ملامح الأنثى المثالية ..

- لكنّها ليست الأنثى الفلسطينيّة الأصيلة! أُنثاهُ امرأة غير عربيّة ..

· هو حرّر الأنثى من قيود المكان _ زمان _ قوميّة ... وأعطاها من ذاته الرجوليّة كُلّ ملامح الأنثى المــُشتهاة...وصارت ريتا وفلسطين الأم ..اسمان لامرأة واحدة.. وهكذا يكون محمود قد ارتقى بريتا .. حتـّى أن اسم ريتا صار له وقعٌ خاص على القارئ العربي ...

- مشكلتي أنّي أتنفس الكتابة..

· وأنــــا ألا أتنفسها؟!..

- الرمزيــّة للقضيّة تجعل من ربط اشتهاءاته بأوهام الفكر الذّي لا يستطيع أن يتخلّى عن قضيته. ضاع يا ليلى الدليل!

سيدتي .. كلّ ما أخشاه أن يأتي يوم يصدق فيك محمود درويش حين يقول " ريتا سترحل بعد ساعات وتترك ظلها. أنتِ يا ليلى الدليل...

· أيّ دليل؟

- دليل لي لأعرف أنّ هنالك من يعصر غيمته من عُلاهُ ويحنّ بها على المساكين. أنتِ معجزة قلـمـَّا تتكرر .. قصائدك التي رطبّت عيوننا التي بللّها شقاء الكلمات اعطى الكتابة طعما عسليا.. قرأتُ كلّ كتبك ورأيتُ صفاءا فلسطينيا كنقاء أرض فلسطين حين لا يدوسها صهيونيّ .. كزيتونة لم يصلها عربي ولا يهودي في جبل ناء لم يشأ له التّاريخ أن يصير موقع نزاع..

· فِكْرُكَ يُدهِشـُنـِي .. وأنا أعشقُ الحوارات الفكريّة.

- أنا أعيشها كأحلام ..إن لم أجد من أتحاور معه أُحاور نفسي كأفلاطونيّ صغير..

· ما اسمك؟

- خالد أحمد العربي .. من مدينة جنين . فلسطيني .. ويشرفني أنّي فلسطيني..

· خــَالد!!

-لبيّكِ سيدتــي ..

· أحمد العربي ..

وعادتْ بي الذّاكرة إلى محمود درويش:

أنا أحمد العربي

فليأتي الحصار

جسدي هو الأسوار

ليأتي الحصار

وأنا حدود النار

وأنا أحاصركم

وأنا أحاصركم



وانغرزت طعنةٌ في الذّاكرة! فبدأ النزيف ..وبدأت أحتـــــــضــــــــــر..

انتشلني صـــوتُ هواجســه:

- العرب كشخوص ما عادوا يُشرفون نملة تدّب في ثقب بأرض فلسطين..!

*عادي ! ماذا تتوقّع من العَرَب؟ بل ..الأسوَأ أنّ العرب يتحدّون بعضهم مع بعض ضدّ البعض الآخر .. ضاربين عرض الحائط بالمثل القائل: أنا وابن عمي ع الغَريب !

- عادي!

لا تُكرريها يا ليلى !

هل تعرفين كم تؤلمني هذه الكلمة!

حسنا .. إن كان محمود درويش يربطنا فهذا مجد أتنعم في تذّكُره ما دام بي ذاكرة تعيدني ليوم إلتقائي الأوّل بكِ سيدتي !!

العرب .. جذر ماجد وفُرع للعدو ساجد ! سينتفض يوما كلّ العرب فالجذر سيبدّل السّاق تدريجيّا

7.

وافترقنــا صديقين .. لكن غريبين!

هتف مع السلامة..وغاب في الضباب ..دونما وعد بلقاء..دونما أمل!

أدهشني هذا الرجل ! أوقعني في دوّامة من علامات التعجّب والاستفهام ..لا بلّ والاستنكار !!

عزيّتُ نفسي بكون اللقاء متوفّر ما دام المكان مُتوفّر..

ارتديتُ كلّ ما أملك من ملامح أُنوثتي وذهبتُ للقاء آخر في يوم جديد. توقعّتُ أن يكون متربعّا على عرش مقعدي أنا ..في زاوية المكان .. توّقعتُ أن تغتسل عينيّ بمطر لُقياه . لم أرَه! ومرّت أيام دون أن ينبثق في عالمي فيثير في ضجيجا متميزا. تملّك منـّي ألـم الانتظار ..لم أتمكن من قراءة كلمة في رواية من قتل ليلى! صِرتُ أنا ليلى .. وصارَ هو ..خالد العربي.. قاتلي عن سابِق رصد ! وكم كرهتُ ذُلّ انتظار المجهول .. وكرهتُ غيابه بقدر ما كرهتُ غموض ملامح شخصيته. كان طيفا .. أحيانا يتجسد .. يأتي ..يُحاور..يستنكر .. يشجب ..وغالبا ما يعود لطبيعته الأولى : يصير طيفا ويزول .. يتلاشى .. ولا يترك أثرا ماديّا . . لكنـّه يترك نُدوبــًا في العاطفة !

وقررتُ أن أنشغل عن هاجس انتظاره بكتابة الانتظار.. فتناولت قلما وأوراق عارية وبدأتُ أخربشُ عليها ضجيج صمتي..وفوضى الذّاكرة !

وبدأتْ صحيفة "كلّ العرب" بنشر روايتي على حَلقات .. إلى أن ...

8.

ارتعد الهاتف فوق مكتبتي.

اقتحم عُزلتي وأنا أكتب بداية الفصل السّابع من الرواية..

تناولتُ سمّاعة الهاتف وأنا أحاول كبتَ الضّيق الذّي اعتراني

فهذا الهاتف جاء في غير أوانه!

· ألووووو

_ سيدتي!

*مَن!

- ألا تعرفين الصوت الملائكيّ الذّي هبط عليك من الجنّة!

· خــــــــالـــد!

-صغيــرُكِ .

تحياتي ليلى .. إني معتقلٌ بين حروف قصيدة تتحدث عن الأجتياح الأخير والتحرير الأول

· أيّ قصيدة؟

- قصيدتك التي ظهرت في " كلّ العرب " : رأيتُ حُلمـًا يا أحمد العربي!

* أين أنتَ؟ لمَ اختفيتَ؟

- أنا في عمان والاتصال الهاتفي معكم عسير..اسمعي ما معي فلوس لمكالمة طويلة.. فقط حبيت أقول مرحبا وأطمئن عليك...

· من أين حصلت على رقم تلفوني ..ولما أنتَ في عمان..؟

_ من عاملة المكتبة . صديقتي . أنا أُقدّم الدراسة عن ريتا للجامعة

وأحتاج لمناقشتها مع المحاضر..

اسمعــــــــي ...!!

(هفتَ صوتــُه .. ارتخت الحروف وتلعثمت عبر الأسلاك الهاتفية وهو يقول :

أنـــْ ....تِ حــَ بـــ يــ بـــَ تــــِ ي!

وانقطع الاتصال الهاتفي فجأة!

مـَرّ أسبوعان وحواسي مستغرقة في كتابة فوضى الذّاكرة

وبعض القصائد الأخرى.



عُدتُ لركني البعيد الهادىء وكتاب " من قتل ليلى الحايك " يتلوى بين أناملي ..ضَجِرا من طول اهمالي لصفحاته.



استقبلني مقعدي الشّاغر بحيرة مــُقــلقة . تفاديته. هبطتُ

بتثاقل .. وارتفع صوت وديع مراد .. هذا الصوت الجبلي الحنون الذي يحمل نكهة الليمون والزعتر والبرتقال..من سيارة وقفت فجأة أسفل نافذة الغرفة:







حـــُبــــَّك آخر العصور

على عرش الدُنيا ديّ

بُستان من الشعور

وعبيره فاض عليّ





لو ألف قلب وقلب

قلبك ما فيش كلام!!

حـــفضل أحبّك حــُبّ

عـــَدَّى حدود الغـــَرام

وَشيلــــُه جــــُوّه عــــِنــــَيَّ

دَه حُبــــَّك آخــــِر العـــُصــــُور



اقتنصتُ لرئتيّ نفسا عميقا. تناولت الشئ الآخر من حقيبتي

الجلديّة الكُحليّة . ألقيته على المنضدة وقررت مواصلة الرحيل لعالم ليلى وصالح لعلي أفهم من قتل ليلى!



[[[ والتزمتُ الصّمت. كنتُ حزينا حقا وقد جعلتُ ذلك يبدو اكثر ممّا هو في الحقيقة , وأخذتْ تـــُراقبني بهدوء وما لبثتْ

أن قالتْ:

- كان يجب أن لا تقول ذلك , على الأقلّ لم أكُن اتوقعه منك أنت..

- انا آسف إن كُنتُ قد جرحتُكِ , ولكنّنـــي ارجو أن تعتبري صفاقتــــي إطراء مـــُخــلصا لأنوثتك .. إنّــــني لا أستطيع أن اكون قريبا منكِ إلى هذا الحدّ ولا أُفكــّر بأن....]]]]

وهنـــــــــــــَا...

سقطَ ظِلٌّ أعرفـــُهُ على صفحة الرواية .. فعجبتُ كيف أنّ الحروف صارتْ فَراشات طارت وهدأت فوق شفتيه!!

إنـــّه هو ! عينان مـــُتـــــَوَثبتان.. جسدٌ نحيل .. متوسط القامة .. و...ابتسمتُ ... فــــَمٌ فـــَرَضَ حضوره الرَحـــِب

على صفحة وجهه !!

صارت حواسّي شبكات استقبال متحفزّة لأي همسة تبثها عيناه.

جلسَ . ناولني زجاجة عطر فرنسيّ على شكل امرأة.

أدركتُ أنه يملك ذوقا جماليا في انتقاء أشيائه. ثمّ قال وكأنه لم يـــَغـــِب طويلا عنـــّي:



لـــيلَى , هذه القصيدة وليدة ليلة كاملة طويلة مرهقة كان يلازمني فيها شعور بأنني لن ألامس فجرا بعدها لم أعلم بها سبب أرقي كي أوجه قوتي نحوه فإما أن يصرعني

أو أصرعه لكني تمكنت من ترجمة الحالة الى قصيدة غريبة من نوعها لم أكتب بموضوعها من قبل لكنه في النهاية هو الخوف من المجهول على ما أعتقد وخاصة أنني أدرك بأنه سيء.. اقرأيها الآن رجاء.

واسترجعت نظراتي من عينيه العائمتين .. و ألقيتهما على شِبـــــَاك الحروف المتلعثمة فوق وأسفل السطور:



يـا أيـها الكـحليُّ



مِمَّ ينبت الخوف من المجهول

في جسدي . ؟ ؟

ولا أملك سوى ليل طويل وسيجارة

تعجل أجلي ! ! !

يا أيها المجهول الذي تحياني

اخرج قليلا . .

كي أداعب وسادة

أو أصطاد حلما نقيا ! !

يا أيها الغامض :

كيف تحيا في دمي ؟

ألم تسأمني ! !

ألم تملّ صداع يحتكر رأسي

وسمائي

وينجبني قتيلا ! !

ترعش كل ما يهتز في جسدي

قلبي

مفاصلي

عروق جسدي

رذاذ عرقي

تؤرقني و ما للخلاص منك سبيلا ! !

يا أيها الكحليّ فيَّ

اخرج كي أراك ، اخرج قليلا

تشكَّل كيفما شئت .. وخاطبني

تكلم ،مَن بعثك ؟ ؟

مَن أوجدك في ليلي الطويلا !!

مَــن ؟ ؟

يمنحك حق مصادرة الحلم

ويبقيك معششا في جسدي النحيلا ..

تكلم ..

هل من خطيئة مارستُها دونما أدري

منحتك حق مصادرة نومي

جعلتك حاكمي ..

ومنحتك الدليلا ؟ ؟

تكلم . . هل من خطيئة ؟ ؟

تكلَّم ،كي أكفِّرها وأغفو قليلا

يا أيها الغامض المجهول

الساكن في دمي ألم تدرك

بأني مرهق من منافي الكون

والمطارات

ومدمن للأسبرين

والسجائر والجسد العليلا ! !

تشكَّل يا أيها الموجود فيَّ

خذ ما شئت من جسدي ، وتشكَّل

لنحاور بعضنا كاثنين من آدم

حوارا منطقيا نبيلا

غريب أنت يا أيها اللاشيء

تدركني وتسكنني

وتكبت صدري

ويعتقلني المجهول فيك

ولا أدركك ! !

أخبرني هل ستبقى هكذا وقتا طويلا ؟ ؟

ممَّ تحيا ؟ ؟

ومن أعطاك شرعية الوجود

من سمّاك ؟ ؟

أمِن حلمٍ تقِّدُ خبزك

ومن أرق تنمو ..

تعتقني نهارا وتحيا فيَّ ليلا

يا أيها المجهول تدركني

ولا أدركك ! !

تغلبني وتصرعني

يا أيها الصبح عجل قليلا

عجل لأعلم هل سأصبح

حيا أم قتيلا ؟ ! !

* خالد . ما بالُكَ؟

_ تعبان يا ليلى . نفسيّة زيّ الزّ فـــــْت!

* لماذا؟

- الحالة السياسيّة يا ليلى!

الصــّمت العربي الفاضح ! صار الدّم الفلسطينيّ رخيصا ..

* عادي يا خالد ! عــــــــــــَاديّ!!

_ لا تـــُكرري ذلك يا لـــَيــلـــى! أنــــــتِ تقتليني ....

* أنا لا أتوقع أي تغيير في الموقف العربيّ من القضيّة لذا لا اتعذّب. مشهد اغتيال الطفل محمد الدرّة استدر مشاعر العرب وكأنه مشهد من مسرحيّة تراجيديّة . هبّوا ..وعادوا للسبات.

- آآآآآآآآآآآآآآآآخ ليلى كفى سأنفجر ! مِن أيام وأنا مُرهَق...

وَقَفَ فجأة.

_ يجب أن أُغادر !

اعلنَ ..وغابَ .. و كلماته لمـــّا تـــَزَلّ تُزقزق بين أناملي.

ازدادت حدّة ضباب الغرفة.

وأخذتُ أفكّر بضباب قدري وقدره.

تملك الخوف من المجهول .. كل جوانحي: فارق العمر .. واختلاف الديانتين ..!! مصير مـــُغــْلـــَق!! عراقيلٌ كفيلة في أن تقتل كلّ حبّ في مهده مهما كان عظيما!

هل أتنازل عن حبّ عظيم !! أأحمي حبيب عمري من قَدَري!

يجب أن أبتعد أنا عن طريقه فهو شاعر , مُثقف , فيلسوف ,

ذكي...الحياة تفتح أبوابها بشهيّة لمن هم أمثاله.

قررتُ الانسحاب من المكان .. لأتمكن من مناقشة مشاعري نحوه ومصيري معه في مكان ٍ آمن. سِرْتُ في الممر الطويل المؤدي للباب الأزرق العريض.

كنتُ على وشك القبض على مِقبض الباب والمغادرة حين

اقتنصتْ قهقهات رخيصة أُذُنــــــَيّ. شعرتُ بقَرَف من

الصوت النسائي المنسجم بغنج مع صوت رُجوليّ.

بحثتُ بلهفة قـــَلــــِقــــَة عن مــــَخـــْبــــَأهما.

سقطـــــَتْ نــــَظــــَراتــــــِي عل%

View tariqasrawi's Full Portfolio