حكي الصنوبره أم الجبل

حكي الصنوبرة " أم الجبل "



السبت يدخل في المساء مخذولاً ، كالعادة أجلس في الكافتيريا بعد يوم عمل لم يغرني بالاحتفاظ بأي ذكرى منه ، أجلس وأرقب انتظام العشوائية في خروج الجالسين وجلوس الداخلين ، أشعر بالسعادة حين أنجح بتوقيع اللحظة التي سيضع فيها الشاب الجالس أمامي يده على يد صديقته بصدفة مقصودة ثم يحمر خجلا ، تدخل فتاه ، امرأة ، إلى الكافتيريا عيناها شبق . . ورائحتها تتحدث بعدة لغات ، تدق الأرض بكعبيها ، تنظر حولها وتنادي الجميع بارتعاشات شفتيها ، وبعينيها تتحدى ان يقترب منها أحد ، وكل من تقع نظرتها عليه يحدق بنظرة خاوية في الفراغ او يتلها بلعبة السجائر او المنفضة ، لم يصمد أما عينيها أحد ، دارت دورة كاملة في الكافتيريا ولما لم تجد من يصمد أما عينيها خرجت تبحث عن حلم ، لم تدرك أن أحلامنا لم تعد تخرج إلى ليالينا بعد هذا التعب المضني في ساعات العمل كي نسرق من ساعاتها رغيف وعلبة سجائر .

من باب الكافتيريا يدخل رائد وسهاد ، لهذا الرائد قدرة هائلة على تغيير شكل رأسه كما يريد ، فمرة يكون فماً مفتوحا على ضحكة لا تنتهي ، ومرة يكون على شكل زجاجة عرق ،

ومرة و مرة .. . أما الآن فقد دخل وعلامة استفهام كبيرة تشكل رأسه ، سهاد مضطربة جدا ؟ ؟

عيناها مرتخيتان من كثرة البكاء ، ولكنها تأبى إلا أن تكون رائعة كعادتها ، ماذا حدث ؟ فسألني رائد بلهفة .

- هل رأيت حسان ؟؟

- لا ، لم أره ، لماذا ! !

قال رائد :-

- منذ يومين لم يأت إلى موعده مع سهاد ، ولم يظهر بعدها أبدا ، وكانت قد مرت قبلها ثلاثة أيام دون ان يراه أحد فيها ، وهذا يجعلها قلقة جدا فهو لم يعتد ان يتركها هكذا دون ان يخبرها عن مكانه .

فقلت لسهاد .

- ولكنك يا سهاد تعرفين حسان جيدا ، فهو يختفي أحيانا عدة أيام دون ان يظهر ، ثم فجأة يخرج مثلما اختفى كأن شيئا لم يكن ، هكذا هو وهكذا كان طوال الفترة التي عرفته فيها .

- هذا صحيح ، قالت سهاد ، ولكنه عادة يختفي يومين على الأكثر اما هذه المرة فقد مر على اختفائه خمسة ايام لم يترك أي اثر او خبر او حتى كلمة لطيفة تهدئني ، كما ان هذه المرة مختلفة عن السابق ففي آخر مرة شعرت انه غضب مني جدا كما لم يغضب من قبل ، شَعرتُ بمطرقة الجحيم تدق رأسي وقلت باستهجان .

- أغضبتيه ! ! هل حقا اغضبتيه ؟؟ هزت رأسها مؤكدة ، ازدادت حدتي ، هل تسمحي لي ان اقول انك . . . انك غبية .. يا لك من مجنونة !! ثم .. ثم لماذا اغضبتيه ؟؟ ها لماذا ؟؟ألم تعرفي أنه ما تبقى من سمائنا المنسية ؟؟ وأنه ما تبقى من ربيع عيوننا ودموعنا وشهواتنا القديمة ؟؟ ألم تعرفي هذا ؟؟ كيف اغضبتيه ؟ هل غضب حقا ؟ اين سنبحث عنه الان ؟؟ تكلمي .

- لا اعرف ، لا اعرف ، وصرخت ، انا احبه هل اقتل نفسي الان كي تصدقوا انني احبه ؟؟ أحبه يا عالم ، احبه يا ناس .

- أخذت سهاد نفسا عميقا ثم واصلت بهدوء – في اللقاء الماضي لم اقل شيئا خطأ ، قلت له :- يجب ان تأخذ علاقتنا شكلها الرسمي ، لم يجبني ، صرخت فيه ضربته وبكيت ، اما هو فلم يفعل شيئا ، شدني اليه ووضع رأسي على صدره ، وأحاطت ذراعاه ظهري وكتفي ثم همس في شفتي " أحبك يا سهاد " نمت على صدره وعندما أفقت كان وجهه يقطر عشقا وتعبا ، وقال

" سيكون كل شيء كما تحبين " على ذاك افترقنا ولم أره بعدها .



والآن ،أين سنبحث عنه ؟ قال رائد ألم يقل لك مرة اين كان يذهب عندما يختفي ؟

- لا ، لم يقل ، وأنا لم أسأله الا مرة واحدة ولم يجبني حينها .

-ولكن الم يكن يتكلم عن مكان يحبه ، يألفه ، يرتاح فيه من حزنه ومن رجولته ومن أيامه

الصلبة ؟؟ سأل رائد .

- قالت سهاد : كان يحب الصنوبر ، وكان دائما يحدثني عن صنوبرة معينه كأنها شيء حي ، أو كأنها امرأة ، تحضنه تمسح الآهات عن قلبه ، تداعب حلمه ، وعلى خاصرتها ينام وكان حين يتكلم عن هذه الصنوبرة بالذات يحكي بشغف ولهفة كطفل يكشف عن سر من اسرار الكون .

- حسبما أعرف ، توجد أحراج صنوبر في مدينته ، وعلى الأغلب انه كان يقضي اوقاته في تلك المنطقة ، لذلك من الأفضل ان نبدأ البحث من هناك ربما … ربما نجده ، أما الان فاذهبي لترتاحي ، وغدا صباحا سنذهب أنا ورائد نبحث عنه هناك .

- سآتي معكم ، لن أناقش أحدا في هذا قالت سهاد بحزم ، غدا صباحا سألقاكم هنا تصبحون على وطن .

خرجنا من الكافتيريا معا ، انا ورائد لم نتكلم ، لم نشر الى حسان بأية كلمه ، ولكنه كان بيننا يغني أغنيته المفضلة " تفاحة للبحر ، نرجسة الرخام ، فراشة حجرية بيروت ، شكل الروح في المرآت وصف المرأة الاولى ورائحة الغمام " ولا يسكت الا ليتحدث عنها ، عن سهاد ، وهو الان في هذا الليل المفرط في قسوته يفرض علينا رحيله ورحيل النساء اللواتي يسألن عنا عند الغياب ، أتمنى . . . أتمنى ألان . . . أتمنى امرأة مثل طلقة لا تخطئني أبدا في هذا الليل ، تصبح على خير قلت لرائد وافترقنا الى الصباح .

سهاد ملكة متعبة ، شاحبة كشمس هذا الصباح ، رائد يطل من بعيد ، يترنح في سيره وما زالت سكرة ليلة البارحة تمسك برجليه ، عندما اقترب ألقى بحياء تحية الصباح . في عينيه حمرة خفيفة كخدود المرأة التي يشتهيها دوما ، انطلقنا معا الى موقف السيارات ، الطرق الى مدينة حسان تستغرق ساعة ونصف ، وكل منا غارق في افقه الخاص ، يظهر ان الطريق ستمضي دون أحاديث أو تعليقات أو توقعات ، السكوت يعذبنا ، والمسافة تختصر المسافة وتختصر الخضرة وعبق البرتقال الى الحقيقة ، الى الحقيقة التي تنكشف على البطولة عبثا ، وعبثا على انكسار الزمان . . . الآن .



" إلى هنا كان من الممكن أن تنتهي القصة ولكن ما زال شباكا صغيرا مفتوحا على أفق الكلام وساعة الأمل ، لنكمل . . . "



ذات صباح عادي ، في حارة عادية قريبة من أحراج الصنوبر ، جلست مجموعة من النسوة العاديات ، يشربن قهوة الصباح العادية ، وفيما هن جالسات شاهدن صبية بهية الحزن بصحبة شابين فتيين يتوجهون صوب الحرج ، فاشتعلت بالنسوة الظنون والتهمهن الشك ، فبعثن أطفالهن خلف الأغراب ليخبروهن بما يروه ، انطلق الأطفال الى الحرج خلف الغرباء الثلاثة بتصريح لم يحصلوا عليه من قبل ، بدأ الغرباء بالبحث بين الصخور عن شيء لم يعرفه الأطفال ، توقفوا عند أشجار عديدة ، فحصوها بدقة ، وواصلوا بحثهم عن الشيء المجهول في النهاية رأى الأطفال الغرباء يتوقفون عند شجرة صنوبر معروفة لدى الجميع في المنطقة باسم " أم الجبل " ، بعد فتره قصيرة من وقوفهم شاهد الأطفال الصبية تسقط على الأرض ، انتظروا بقلق سقوط الشابين ، لكنه لم يحصل ، حمل الشابين الفتاة وأجلسوها على صخرة بجانب الصنوبرة جلسوا الى جانبها دخنوا سجائرهم ، بعد قليل نهضت الفتاه احتضنت جذع الشجرة وقبلته مرات ومرات حتى فكها الشابان عن الشجرة بالقوة ، وابتعدوا الى حيث أتوا دون ان ينظروا خلفهم كأنهم يهربون من شيء يلاحقهم ، توجه الأطفال بحذر الى " ام الجبل " ليعرفوا معنى الذي حصل أمامهم ، ولكن عندما وصلوا خابت آمالهم وانطفأت دهشتهم ، لم يكن هناك شيئا مهما ، كانت مجموعة حروف ممتلئة بالصمغ حفرت على جذع الشجرة ، قال احد الأطفال معيدا للموضوع حماسه " هذا ما يسمونه الكتابة ، فسأل طفل آخر ، هل تعرف ان تقرأ ؟ نظر الى الجميع بحيرة وخجل و أجاب بالنفي ، لكنهم لم يريدوا ان يتركوا الأمر بسهولة ، عادوا الى الحارة ، سرق أحدهم من حقيبة أخيه الأكبر دفترا وقلم ثم عادوا الى " أم الجبل " وأخذوا يرسمون الكلمات المحفورة عليها ، عندما فرغوا من رسوماتهم صاح احد الأطفال كأنه اكتشف النهاية الوحيدة المفقودة للعبتهم :- ما رأيكم ان نوزع هذه الرسومات على الحارة "

وإذا مسكنا احد ؟ قال أحدهم "

رد عليه وقال :-

سنقول ان هذا كلام الصنوبرة "ام الجبل "

(((( إلى سهاد . . حبيبتي . .

حين سأفتح يوما ثغرة في الحائط ، الصخر ، ستحتدم الشمس فوقي ، فوقي فقط ،

وستنشق السماء فوقي . . فوقي فقط ، وسيمتد سلم البلور منها إليّ . . .

وسيتضح الشعاع ويضيق ، ، ، ويتضح ويضيق ، وستعم الظلمة كل الزمان ، وسينقسم

الشعاع إلى خيطين من فضة ، يقتحم أحدهما الفتحة - الصخرة وينتشلني ، أما الآخر

فسيبحث عنك لتغسليني من أفكاري الحزينة ، فإذا رأيتي كل هذا ، أعدي الأغاني

والأماني المخبأة .. أخرجي للشارع الخائف . . افتحي مرة أخرى طرق المكان .

اصعدي نحو ذلك الجبل . . هل تعرفيه ؟ ؟ فهناك ، سيتحد الشعاع مرة أخرى ، وهناك

ستصهل الأغاني مرة أخرى وهناك ستطير الأماني مرة أخرى ، وهناك سيفيض من

الصخر الماء ونوار اللوز ، وهناك سنجري وسينبت فوق خطانا شعير الموالد ، وهناك

ستبحث أيادينا في أجسادنا ، هل جفَّت ؟ وهل شوهتها أضواء الخفت في الأقبية المظلمة

هــل ؟ هل لا زالت كل قبلة رسمتها فوق عينيك ترسم سمكة أو تنبت وردة ؟ ؟ ؟

ولكن بعد أن تهدأ فينا مياه الربيع ، ونقطع صيف الليالي ، يدخل فينا الخريف ، بسهره

وقهوته ، يسقط فينا أوراق التين ويعري فينا الحور من ماءه ، وفي يوم معلوم سينتصب

الخريف أمامنا وسيضع مكان فنجان القهوة سؤاله البسيط ، إلى متى ؟ ؟إلى أين ؟؟ متى ؟؟

أين ؟

أما الآن فلا شيء أمامي ، لا شيء ورائي . . . لا شيء أبعد منك يا حبيبتي . . لا شيء

لا شيء أقرب من تلك المستوطنة يا غالية . . .

إلى اللقاء ))))



قيل بأن قوات الاحتلال تجرف حرجا

قريبا من مستوطنه ، بحجة بناء

الجدار الفاصل " أم الجبل "







السبت يدخل في المساء مخذولاً ، كالعادة أجلس في الكافتيريا بعد يوم عمل لم يغرني بالاحتفاظ بأي ذكرى منه ، أجلس وأرقب انتظام العشوائية في خروج الجالسين وجلوس الداخلين ، أشعر بالسعادة حين أنجح بتوقيع اللحظة التي سيضع فيها الشاب الجالس أمامي يده على يد صديقته بصدفة مقصودة ثم يحمر خجلا ، تدخل فتاه ، امرأة ، إلى الكافتيريا عيناها شبق . . ورائحتها تتحدث بعدة لغات ، تدق الأرض بكعبيها ، تنظر حولها وتنادي الجميع بارتعاشات شفتيها ، وبعينيها تتحدى ان يقترب منها أحد ، وكل من تقع نظرتها عليه يحدق بنظرة خاوية في الفراغ او يتلها بلعبة السجائر او المنفضة ، لم يصمد أما عينيها أحد ، دارت دورة كاملة في الكافتيريا ولما لم تجد من يصمد أما عينيها خرجت تبحث عن حلم ، لم تدرك أن أحلامنا لم تعد تخرج إلى ليالينا بعد هذا التعب المضني في ساعات العمل كي نسرق من ساعاتها رغيف وعلبة سجائر .

من باب الكافتيريا يدخل رائد وسهاد ، لهذا الرائد قدرة هائلة على تغيير شكل رأسه كما يريد ، فمرة يكون فماً مفتوحا على ضحكة لا تنتهي ، ومرة يكون على شكل زجاجة عرق ،

ومرة و مرة .. . أما الآن فقد دخل وعلامة استفهام كبيرة تشكل رأسه ، سهاد مضطربة جدا ؟ ؟

عيناها مرتخيتان من كثرة البكاء ، ولكنها تأبى إلا أن تكون رائعة كعادتها ، ماذا حدث ؟ فسألني رائد بلهفة .

- هل رأيت حسان ؟؟

- لا ، لم أره ، لماذا ! !

قال رائد :-

- منذ يومين لم يأت إلى موعده مع سهاد ، ولم يظهر بعدها أبدا ، وكانت قد مرت قبلها ثلاثة أيام دون ان يراه أحد فيها ، وهذا يجعلها قلقة جدا فهو لم يعتد ان يتركها هكذا دون ان يخبرها عن مكانه .

فقلت لسهاد .

- ولكنك يا سهاد تعرفين حسان جيدا ، فهو يختفي أحيانا عدة أيام دون ان يظهر ، ثم فجأة يخرج مثلما اختفى كأن شيئا لم يكن ، هكذا هو وهكذا كان طوال الفترة التي عرفته فيها .

- هذا صحيح ، قالت سهاد ، ولكنه عادة يختفي يومين على الأكثر اما هذه المرة فقد مر على اختفائه خمسة ايام لم يترك أي اثر او خبر او حتى كلمة لطيفة تهدئني ، كما ان هذه المرة مختلفة عن السابق ففي آخر مرة شعرت انه غضب مني جدا كما لم يغضب من قبل ، شَعرتُ بمطرقة الجحيم تدق رأسي وقلت باستهجان .

- أغضبتيه ! ! هل حقا اغضبتيه ؟؟ هزت رأسها مؤكدة ، ازدادت حدتي ، هل تسمحي لي ان اقول انك . . . انك غبية .. يا لك من مجنونة !! ثم .. ثم لماذا اغضبتيه ؟؟ ها لماذا ؟؟ألم تعرفي أنه ما تبقى من سمائنا المنسية ؟؟ وأنه ما تبقى من ربيع عيوننا ودموعنا وشهواتنا القديمة ؟؟ ألم تعرفي هذا ؟؟ كيف اغضبتيه ؟ هل غضب حقا ؟ اين سنبحث عنه الان ؟؟ تكلمي .

- لا اعرف ، لا اعرف ، وصرخت ، انا احبه هل اقتل نفسي الان كي تصدقوا انني احبه ؟؟ أحبه يا عالم ، احبه يا ناس .

- أخذت سهاد نفسا عميقا ثم واصلت بهدوء – في اللقاء الماضي لم اقل شيئا خطأ ، قلت له :- يجب ان تأخذ علاقتنا شكلها الرسمي ، لم يجبني ، صرخت فيه ضربته وبكيت ، اما هو فلم يفعل شيئا ، شدني اليه ووضع رأسي على صدره ، وأحاطت ذراعاه ظهري وكتفي ثم همس في شفتي " أحبك يا سهاد " نمت على صدره وعندما أفقت كان وجهه يقطر عشقا وتعبا ، وقال

" سيكون كل شيء كما تحبين " على ذاك افترقنا ولم أره بعدها .



والآن ،أين سنبحث عنه ؟ قال رائد ألم يقل لك مرة اين كان يذهب عندما يختفي ؟

- لا ، لم يقل ، وأنا لم أسأله الا مرة واحدة ولم يجبني حينها .

-ولكن الم يكن يتكلم عن مكان يحبه ، يألفه ، يرتاح فيه من حزنه ومن رجولته ومن أيامه

الصلبة ؟؟ سأل رائد .

- قالت سهاد : كان يحب الصنوبر ، وكان دائما يحدثني عن صنوبرة معينه كأنها شيء حي ، أو كأنها امرأة ، تحضنه تمسح الآهات عن قلبه ، تداعب حلمه ، وعلى خاصرتها ينام وكان حين يتكلم عن هذه الصنوبرة بالذات يحكي بشغف ولهفة كطفل يكشف عن سر من اسرار الكون .

- حسبما أعرف ، توجد أحراج صنوبر في مدينته ، وعلى الأغلب انه كان يقضي اوقاته في تلك المنطقة ، لذلك من الأفضل ان نبدأ البحث من هناك ربما … ربما نجده ، أما الان فاذهبي لترتاحي ، وغدا صباحا سنذهب أنا ورائد نبحث عنه هناك .

- سآتي معكم ، لن أناقش أحدا في هذا قالت سهاد بحزم ، غدا صباحا سألقاكم هنا تصبحون على وطن .

خرجنا من الكافتيريا معا ، انا ورائد لم نتكلم ، لم نشر الى حسان بأية كلمه ، ولكنه كان بيننا يغني أغنيته المفضلة " تفاحة للبحر ، نرجسة الرخام ، فراشة حجرية بيروت ، شكل الروح في المرآت وصف المرأة الاولى ورائحة الغمام " ولا يسكت الا ليتحدث عنها ، عن سهاد ، وهو الان في هذا الليل المفرط في قسوته يفرض علينا رحيله ورحيل النساء اللواتي يسألن عنا عند الغياب ، أتمنى . . . أتمنى ألان . . . أتمنى امرأة مثل طلقة لا تخطئني أبدا في هذا الليل ، تصبح على خير قلت لرائد وافترقنا الى الصباح .

سهاد ملكة متعبة ، شاحبة كشمس هذا الصباح ، رائد يطل من بعيد ، يترنح في سيره وما زالت سكرة ليلة البارحة تمسك برجليه ، عندما اقترب ألقى بحياء تحية الصباح . في عينيه حمرة خفيفة كخدود المرأة التي يشتهيها دوما ، انطلقنا معا الى موقف السيارات ، الطرق الى مدينة حسان تستغرق ساعة ونصف ، وكل منا غارق في افقه الخاص ، يظهر ان الطريق ستمضي دون أحاديث أو تعليقات أو توقعات ، السكوت يعذبنا ، والمسافة تختصر المسافة وتختصر الخضرة وعبق البرتقال الى الحقيقة ، الى الحقيقة التي تنكشف على البطولة عبثا ، وعبثا على انكسار الزمان . . . الآن .



" إلى هنا كان من الممكن أن تنتهي القصة ولكن ما زال شباكا صغيرا مفتوحا على أفق الكلام وساعة الأمل ، لنكمل . . . "



ذات صباح عادي ، في حارة عادية قريبة من أحراج الصنوبر ، جلست مجموعة من النسوة العاديات ، يشربن قهوة الصباح العادية ، وفيما هن جالسات شاهدن صبية بهية الحزن بصحبة شابين فتيين يتوجهون صوب الحرج ، فاشتعلت بالنسوة الظنون والتهمهن الشك ، فبعثن أطفالهن خلف الأغراب ليخبروهن بما يروه ، انطلق الأطفال الى الحرج خلف الغرباء الثلاثة بتصريح لم يحصلوا عليه من قبل ، بدأ الغرباء بالبحث بين الصخور عن شيء لم يعرفه الأطفال ، توقفوا عند أشجار عديدة ، فحصوها بدقة ، وواصلوا بحثهم عن الشيء المجهول في النهاية رأى الأطفال الغرباء يتوقفون عند شجرة صنوبر معروفة لدى الجميع في المنطقة باسم " أم الجبل " ، بعد فتره قصيرة من وقوفهم شاهد الأطفال الصبية تسقط على الأرض ، انتظروا بقلق سقوط الشابين ، لكنه لم يحصل ، حمل الشابين الفتاة وأجلسوها على صخرة بجانب الصنوبرة جلسوا الى جانبها دخنوا سجائرهم ، بعد قليل نهضت الفتاه احتضنت جذع الشجرة وقبلته مرات ومرات حتى فكها الشابان عن الشجرة بالقوة ، وابتعدوا الى حيث أتوا دون ان ينظروا خلفهم كأنهم يهربون من شيء يلاحقهم ، توجه الأطفال بحذر الى " ام الجبل " ليعرفوا معنى الذي حصل أمامهم ، ولكن عندما وصلوا خابت آمالهم وانطفأت دهشتهم ، لم يكن هناك شيئا مهما ، كانت مجموعة حروف ممتلئة بالصمغ حفرت على جذع الشجرة ، قال احد الأطفال معيدا للموضوع حماسه " هذا ما يسمونه الكتابة ، فسأل طفل آخر ، هل تعرف ان تقرأ ؟ نظر الى الجميع بحيرة وخجل و أجاب بالنفي ، لكنهم لم يريدوا ان يتركوا الأمر بسهولة ، عادوا الى الحارة ، سرق أحدهم من حقيبة أخيه الأكبر دفترا وقلم ثم عادوا الى " أم الجبل " وأخذوا يرسمون الكلمات المحفورة عليها ، عندما فرغوا من رسوماتهم صاح احد الأطفال كأنه اكتشف النهاية الوحيدة المفقودة للعبتهم :- ما رأيكم ان نوزع هذه الرسومات على الحارة "

وإذا مسكنا احد ؟ قال أحدهم "

رد عليه وقال :-

سنقول ان هذا كلام الصنوبرة "ام الجبل "

(((( إلى سهاد . . حبيبتي . .

حين سأفتح يوما ثغرة في الحائط ، الصخر ، ستحتدم الشمس فوقي ، فوقي فقط ،

وستنشق السماء فوقي . . فوقي فقط ، وسيمتد سلم البلور منها إليّ . . .

وسيتضح الشعاع ويضيق ، ، ، ويتضح ويضيق ، وستعم الظلمة كل الزمان ، وسينقسم

الشعاع إلى خيطين من فضة ، يقتحم أحدهما الفتحة - الصخرة وينتشلني ، أما الآخر

فسيبحث عنك لتغسليني من أفكاري الحزينة ، فإذا رأيتي كل هذا ، أعدي الأغاني

والأماني المخبأة .. أخرجي للشارع الخائف . . افتحي مرة أخرى طرق المكان .

اصعدي نحو ذلك الجبل . . هل تعرفيه ؟ ؟ فهناك ، سيتحد الشعاع مرة أخرى ، وهناك

ستصهل الأغاني مرة أخرى وهناك ستطير الأماني مرة أخرى ، وهناك سيفيض من

الصخر الماء ونوار اللوز ، وهناك سنجري وسينبت فوق خطانا شعير الموالد ، وهناك

ستبحث أيادينا في أجسادنا ، هل جفَّت ؟ وهل شوهتها أضواء الخفت في الأقبية المظلمة

هــل ؟ هل لا زالت كل قبلة رسمتها فوق عينيك ترسم سمكة أو تنبت وردة ؟ ؟ ؟

ولكن بعد أن تهدأ فينا مياه الربيع ، ونقطع صيف الليالي ، يدخل فينا الخريف ، بسهره

وقهوته ، يسقط فينا أوراق التين ويعري فينا الحور من ماءه ، وفي يوم معلوم سينتصب

الخريف أمامنا وسيضع مكان فنجان القهوة سؤاله البسيط ، إلى متى ؟ ؟إلى أين ؟؟ متى ؟؟

أين ؟

أما الآن فلا شيء أمامي ، لا شيء ورائي . . . لا شيء أبعد منك يا حبيبتي . . لا شيء

لا شيء أقرب من تلك المستوطنة يا غالية . . .

إلى اللقاء ))))



قيل بأن قوات الاحتلال تجرف حرجا

قريبا من مستوطنه ، بحجة بناء

الجدار الفاصل " أم الجبل "





Author's Comments on "حكي الصنوبرة " أم الجبل ""

كاتب فلسطيني . . أدماني بقلمه حتى انساني اسمه












Author's Notes/Comments: 

قصه جميله لكاتب فلسطيني من دهشتي بقلمه أنساني أسمه

View tariqasrawi's Full Portfolio