كان لابد لنا من الخلود ، فحين تنغلق الحدود من جهاتها الأربع ، ويموج البحر بضد اتجاه البوصلة الموجهة منذ خروجنا الأول نحو ذات الخُطا، وتنفرج السماء ملء البصر ، يصبح صعودنا اليها مليئا بالشبق والرغبة.
أطل من شرفتي في ساعة الفجر الأولى ، فأجد الحصار !!
كم اشتقت لأن أرى فجرا ذهبياوسماءا برتقالية في ساعة الغروب ، ولكن في الحصار يصبح الفضاء كتلة فولاذية وتصير المدينة أعمدة دخان كأن خروجها الوحيد مبوصل بإتجاه السماء !!
أطل من شرفتي في ساعة الفجر في ساعة الفجر الأولى فأجد جنودا "في زقاق الشهيد " يلتحفون الحديد ملء أجسادهم فأحدق فيهم مراقبا عاداتهم اليومية لأرى إذ تختلف العادات اليومية ما بين المُحاصِرِ والمُحاصَرّ فأجد في أعينهم خوفا غريزيا !
عاداتنا اليومية . . . أتذكر كلام محمود درويش في قصيدته حالة حصار " هنا .. عند منحدرات التلال قرب فوهة الوقت .. نفعل ما يفعل السجناء والعاطلون عن العمل .. نربي الأمل " عجيب مطلع هذه القصيدة كيف اجادت واجباتنا اليومية الممتدة من ثلاث سنوات .
أعود الى حيث كنت في ساعة الشمس الأولى من هذا السبت ومن الخوف الواضح في أعين الجنود ،رغم سلاحهم ، ورغم ستراتهم الواقية من الرصاص وتواجدهم اليومي في سمائنا وبحرنا وأرضنا ونحن شعب أعزل إلا من أدوات خبئناها للذكرى من زمن الإنجليز
أستعجب من خوفهم ، مم يخاف هذا الجندي المدرب المدجج بالرصاص والحديد ؟!!
أختصر الإجابة بإبتسامة حيث لمحت شابا يتسلل زحفا من خلف الدبابة الواقفة في " زقاق الشهيد " بيده لغم يدوي الصنع ويزرعه بمؤخرة الدبابة ويمضي زحفا .
أدخل الى حيث تركت رقعة الشطرنج في ليلة الأمس ، أحاصر الملك بجندي يدخل زاحفا من المربع الأبيض وأردد على مسامعي كـــش ملك ، فيدوي انفجار !