عنترة بن شداد
وهو عبسي مضري ، وقد كان لأبيه شرف ورفعة ومكانة في قومه ، أما عنترة فقد كان هو شرف عبس ورفعتها ومكانتها وحارسها وواقيها وبطلها المغوار وسيفها القاطع البتار، وقد أجبر اباه وقبيلته بالاعتراف بصفاته لما له من الصفات المميزة ولما وصل إليه من مكانة بين القبائل لفروسيته وبطولته وشجاعته وقوته ولقد بقي من عصره الى الآن المثال الأعلى في القوة والرفعة والفروسية والإقدام والجسارة وهو نصير كل ضعيف قاهر كل متجبر.
أحب عبلة حباً كبيراً وعاش محاولاً استرضائها وكسب ودّها بفروسيته ولكنه لم يفلح حتى مات في إحدى غاراته على بني طيئ. يعتبر شعره من أهم أشعار العرب الجاهليين حيث يصنف شعره ملحمياً غنائياً ومن أهم شعره معلّقته التي يصف فيها نفسه ويفتخر بها، وتظهر صفاته في المعلقة بشكل جلي ومنها: الشجاعة، الفروسية، الكرم ، العاطفة ، العفة، وترفعه عن كل دنيء.
في شعره الغزلي نجد انه أخذ الطابع الغنائي ، وأما في شعره الذي يروي بطولاته ويصف معاركه فقد طبع بالطابع الملحمي ولقد أحسن وصف معاركه وتجسيدها بشكل خلاّب حيث يأخذك إلى أرض المعركة دون أن تحس بالملل أو بالرّكاكة أو حتى بالمبالغة غير اللازمة، فكان مثالاً يحتذى.
من أهم أشعاره معلقته التي يقول في مطلعها:
" هَلْ غَادَرَ الشّعَراءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ أم هل عَرَفْتَ الدّارَ بعدَ تَوَهّمِ "، ومناسبة هذه القصيدة أن رجلاً من بني عبس عابه لسواده وسواد أمه وذلك بعد ان اعترف به أبوه مضطرّاً، فأجاب عنترة ووصف نفسه وكان مما قاله :).... إني أوفي المغنم، وأعف عن المسألة ، وأجود بما ملكت يدي، .... ) فرد عليه الرجل وقال : أنا أشعر منك ، فقال عنترة : ستعلم ذلك ثم أنشد معلقته وقد تحدث فيها عن قتله لمعاوية بن نزال كما تحدث فيها عن نفسه ومآثره .
معلقة عنتره
1 هَلْ غَادَرَ الشّعَراءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ
أم هل عَرَفْتَ الدّارَ بعدَ تَوَهّمِ
2 يا دارَ عَبْلَةَ بالجَوَاءِ تَكَلّمي
وَعِمي صَباحاً دارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمي
3 فَوَقَفْتُ فيها نَاقَتي وَكَأنّها
فَدَنُ لأقْضِيَ حَاجَةَ المُتَلَوِّمِ
4 وَتَحُلّ عَبْلَةُ بالجَوَاءِ وَأهْلُنَا
بالحَزْنِ فَالصَّمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ
5 حُيّيتَ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ
أقْوَى وَأقْفَرَ بَعْدَ أُمّ الهَيْثَمِ
6 حَلّتْ بأرْضِ الزّائِرِينَ فأصْبَحَتْ
عَسِراً عَليّ طِلابُكِ ابنَةَ مَخرَمِ
7 عُلّقْتُها عَرَضاً وَأقْتُلُ قَوْمَهَا
زَعْماً لَعَمْرُ أبيكَ لَيسَ بمَزْعَمِ
8 وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلا تَظُنّي غَيْرَهُ
مِنّي بِمَنْزِلَةِ المُحَبّ المُكْرَمِ
9 كَيْفَ المَزَارُ وَقد تَرَبّعَ أهْلُها
بعُنَيْزَتَينِ وَأهْلُنَا بالغَيْلَمِ
10 إنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِراقَ فإنّمَا
زُمّتْ رِكابُكُمُ بلَيْلٍ مُظْلِمِ
11 ما رَاعَني إلاّ حَمُولَةُ أهْلِهَا
وَسْطَ الدّيارِ تَسَفّ حبّ الخِمخِمِ
12 فيها اثْنَتَانِ وَأرْبَعُونَ حَلُوبَةً
سُوداً كخافيَة الغُرابِ الأسْحَمِ
13 إذْ تَستَبيكَ بذي غُرُوبٍ وَاضِحٍ
عَذْبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطْعَمِ
14 وَكَأنّ فَارَةَ تَاجِرٍ بِقَسيمَةٍ
سَبَقَتْ عَوَارِضَهَا إلَيكَ من الفَمِ
15 أوْ رَوْضَةً أُنُفاً تَضَمّنَ نَبْتَهَا
غَيْثُ قَليلُ الدِّمْنِ ليسَ بمَعْلَمِ
16 جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ بِكْرٍ حُرّةٍ
فَترَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كالدّرْهَمِ
17 سَحّاً وَتَسْكاباً فَكُلَّ عَشِيّةٍ
يَجْرِي عَلَيْها المَاءُ لمْ يَتَصَرّمِ
18 وَخَلا الذّبابُ بهَا فَلَيْسَ بِبَارِحٍ
غَرِداً كَفِعْلِ الشّارِبِ المُتَرَنِّمِ
19 هَزِجاً يُحُكّ ذِرَاعَهُ بِذِرَاعِهِ
قَدْحَ المُكِبّ عَلى الزّنادِ الأجذَمِ
20 تُمْسِي وَتُصْبحُ فَوْقَ ظَهْرِ حشيّةٍ
وَأبِيتُ فَوْقَ سَرَاةِ أدهَمَ مُلجَمِ
21 وَحَشِيّتي سَرْجٌ عَلى عَبْلِ الشّوَى
نَهْدٍ مَرَاكِلُهُ نَبيلِ المَحْزِمِ
22 هَلْ تُبْلِغَنّي دارَهَا شَدَنِيّةٌ
لُعِنَتْ بمَحْرُومِ الشّرابِ مُصَرَّمِ
23 خَطّارَةٌ غِبَّ السُّرَى زَيّافَةٌ
تَطِسُ الإكامَ بوَخذِ خُفّ ٍ مِيثَمِ
24 وَكَأنّما تَطِسُ الإكَامَ عَشِيّةً
بقَرِيبِ بَينَ المَنْنسِمَينِ مُصلَّمِ
25 تَأوي لَهُ قُلُصُ النّعامِ كَما أوَتْ
حِزَقٌ يَمانيَةٌ لأعْجَمَ طِمْطِمِ
26 يَتْبَعْنَ قُلّةَ رَأسِهِ وَكَأنّهُ
حِدْجٌ عَلى نَعْشٍ لَهُنّ مُخَيَّمِ
27 صَعْلٍ يَعودُ بذِي العُشَيرَةِ بَيضَهُ
كالعبدِ ذي الفَرْوِ الطّويلِ الأصْلَمِ
28 شَرِبتْ بماءِ الدُّحْرُضَينِ فأصْبحتْ
زَوْرَاءَ تَنفِرُ عَنْ حِياضِ الدَّيلمِ
29 وَكَأنّمَا تَنْأى بجانِبِ دَفّها الْ
وَحْشِيّ من هَزِجِ العشيّ مُؤوَّمِ
30 هِرّ ٍ جَنيبٍ كُلّما عَطَفَتْ لَهُ
غَضْبَى اتّقاها باليَدَينِ وَبالفَمِ
31 بَرَكَتْ عَلى جَنْبِ الرّداعِ كأنّما
برَكَتْ على قَصَبٍ أجشّ مُهضَّمِ
32 وَكَأنّ رُبّاً أوْ كُحَيْلاً مُعْقَداً
حَشَّ الوَقُودُ بهِ جَوانبَ قُمقُمِ
33 يَنْباعُ من ذِفْرَى غضُوبٍ جَسْرَةٍ
زَيّافَةٍ مِثْلَ الفَنيقِ المُكْدَم
34 إنْ تُغْدِ في دُوني القِناعَ فَإنّني
طَبٌّ بأخْذِ الفارِسِ المُسْتَلْئِمِ
35 أثْني عَلَيّ بمَا عَلِمْتِ فَإنّني
سَمْحٌ مُخَالَقَتي إذا لمْ أُظْلَمِ
36 وَإذا ظُلِمْتُ فإنّ ظُلميَ باسِلٌ
مُرٌّ مَذاقَتُهُ كَطَعْمِ العَلْقَمِ
37 وَلَقَدْ شَرِبْتُ مِنَ المُدامَةِ بعدما
رَكَدَ الهَوَاجِرُ بالمَشُوفِ المُعْلَمِ
38 بزُجاجَةٍ صَفْراءَ ذاتِ أسِرّةٍ
قُرِنَتْ بأزْهَرَ في الشّمالِ مُفَدَّمِ
39 فَإذا شَرِبْتُ فَإنّني مُسْتَهْلِكٌ
مَالي وَعِرْضِي وَافِرٌ لَمْ يُكْلَمِ
40 وَإذا صَحَوْتُ فَما أُقَصّرُ عن نَدًى
وَكَما عَلِمْتِ شَمائِلي وَتَكَرُّمي
41 وَحَليلِ غَانِيَةٍ تَرَكْتُ مُجَدَّلاً
تَمكو فَريصَتُهُ كشِدْقِ الأعْلَمِ
42 سَبَقَتْ يَدايَ لَهُ بِعاجِلِ طَعْنَةٍ
وَرَشاشِ نافِذَةٍ كَلَوْنِ العَنْدَمِ
43 هَلاّ سَألْتِ الخَيْلَ يا ابْنَةَ مالِكٍ
إنْ كُنتِ جاهِلَةً بمَا لمْ تَعْلَمي
44 إذْ لا أزالُ على رِحالَةِ سَابِحٍ
نَهْدٍ تَعَاوَرُهُ الكُماةُ مُكَلَّمِ
45 طَوْراً يُجَرَّدُ للطّعانِ وَتَارَةً
يأوي إلى حصد القسيّ عرَمرَمِ
46 يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقيعَةَ أنّني
أغْشَى الوَغَى وَأعِفّ عِندَ المَغْنَمِ
47 وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزَالَهُ
لامُمْعِنٍ هَرَباً وَلا مُسْتَسْلِمِ
48 جَادَتْ لَهُ كَفّي بعاجِلِ طَعْنَةٍ
بمُثَقَّفٍ صَدْقِ الكُعوبِ مُقَوَّمِ
49 فَشَكَكْتُ بالرّمْحِ الأصَمّ ثيابَهُ
لَيسَ الكَريمُ على القَنا بمُحَرَّمِ
50 فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السّباعِ يَنُشْنَهُ
يَقضِمْنَ حُسنَ بنانِهِ وَالمِعصَمِ
51 وَمِشَكِّ سابِغَةٍ هَتكْتُ فُرُوجَها
بالسّيْفِ عن حامي الحَقيقةِ مُعلِمِ
52 رَبِذٍ يَداهُ بالقِداحِ إذا شَتَا
هَتّاكِ غاياتِ التِّجَارِ مُلَوَّمِ
53 لَمّا رَآني قَدْ نَزَلْتُ أُرِيدُهُ
أبْدَى نَوَاجِذَهُ لِغَيرِ تَبَسُّمِ
54 عَهْدي بِهِ مَدَّ النّهارِ كَأنّما
خُضِبَ البَنانُ وَرَأسُهُ بالعِظْلِمِ
55 فَطَعَنْتُهُ بالرّمْحِ ثمّ عَلَوْتُهُ
بِمُهَنّدٍ صَافي الحَديدَةِ مِخذَمِ
56 بَطَلٍ كَأنّ ثِيَابَهُ في سَرْحَةٍ
يُحذَى نِعالَ السِّبْتِ ليسَ بتَوْأمِ
57 يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لَهُ
حَرُمَتْ عَليّ وَلَيْتَها لمْ تَحْرُمِ
58 فبَعَثْتُ جارِيَتي فقُلْتُ لها اذْهَبي
فتَجَسّسي أخبارَها ليَ وَاعْلَمي
59 قالَتْ رَأيْتُ مِنَ الأعادي غِرّةً
وَالشّاةُ مُمْكِنَةٌ لمَنْ هوَ مُرْتَمِ
60 وَكَأنّما التَفَتَتْ بجيدِ جَدايَةٍ
رَشَإٍ مِنَ الغِزْلانِ حُرٍّ أرْثَمِ
61 نُبّئْتُ عَمْراً غَيرَ شاكِرِ نِعْمَتي
وَالكُفْرُ مخْبَثَةٌ لنَفسِ المُنْعِمِ
62 وَلقد حَفِظتُ وَصَاةَ عمّي بالضّحى
إذ تقلِصُ الشّفتانِ عن وَضَحِ الفمِ
63 في حَوْمَةِ الحَرْبِ التي لا تَشتكي
غَمَرَاتِها الأبطالُ غَيرَ تَغَمْغُمِ
64 إذ يَتّقُونَ بيَ الأسِنّةَ لمْ أخِمْ
عَنْها وَلَكِني تَضَايَقَ مُقْدَمي
65 لمّا رَأيْتُ القَوْمَ أقْبَلَ جَمْعُهُمْ
يَتَذامَرُونَ كَرَرْتُ غيرَ مُذَمَّمِ
66 يَدْعُوَن عَنْترَ وَالرّماحُ كَأنّها
أشْطانُ بِئْرٍ في لَبَانِ الأدْهَمِ
67 مَا زِلْتُ أرْميهِمْ بثُغْرَةِ نَحْرِهِ
وَلَبَانِهِ حتى تَسَرْبَلَ بالدّمِ
68 فَازْوَرّ مِنْ وَقْعِ القَنَا بِلَبَانِهِ
وَشَكا إليّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ
69 لَوْ كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اشتكى
وَلكَانَ لوْ علمَ الكلامَ مُكلّمي
70 وَلقد شَفَى نَفسي وَأذْهَبَ سُقْمَها
قِيلُ الفَوارِسِ وَيكَ عَنترَ أقدمِ
71 وَالخَيْلُ تَقْتَحِمُ الخَبارَ عَوَابِساً
من بينِ شَيظَمَةٍ وَآخَرَ شَيْظَمِ
72 ذُلُلٌ رِكابي حَيثُ شِئْتُ مُشايعي
لُبّي وَأحْفِزُهُ بأمْرٍ مُبْرَمِ
73 وَلقد خَشيتُ بأنْ أمُوتَ وَلمْ تدُر
للحرْبِ دائرَةٌ عَلى ابْنَيْ ضَمْضَمِ
74 الشّاتِمَيْ عِرْضي وَلَمْ أشْتِمْهُمَا
وَالنّاذِرَينِ إذا لم الْقَهُمَا دَمي
75 إنْ يَفْعَلا فَلَقَدْ تَرَكْتُ أبَاهُمَا
جَزَرَ السّباعِ وَكُلِّ نَسْرٍ قَشْعَمِ