محمد عبدالحي : النشيد الرابع : الحـــــــلم





النشيد الرابع











الحـــــــلم







رائحة البحر التى تحملها الرياحْ



فى آخر الليل ، طيور’’ أفرختْ



فى الشفق البنفسجىِّ بين آخر النجوم والصباحْ



أنصتْ هنيهةً !



تسمع فى الحلم حفيف الرِّيش حين يضرب الجناحْ



عبر سماوات الغيابْ



هل دعوة إلى السفر؟



أم عودة إلى الشجر ؟



أم صوت بشرى غامضُُ يزحف مثل العنكب الصغير فوق خشبات البابْ



يبعثه من آخر الضمير مرَّةَّ عواء آخر الذئابْ



فى طرف الصحراءِ ، مرَّةً رنين معدنٍ فى الصمَّتِ ،



أو خشخشة الشوكَ الذى يلتفّ حول جسد القمرْ



ومرَّةَّ تبعثه صلصة الأجراس



حين ترقص الأسماك فى دوائر النجوم فى النَّهَرْ.



أم صوت باب حلمٍ يفتحه



فى آخر الليل وقبل الصبحْ



المَلَك الساهر فى مملكة البراءة



وحمأ البداءه



تحت سماء الجرحْ



يَمُدُّ لى يديه



يقودنى عبر رؤى عينيه



عبر مرايا ليلك الحميمة



للذهب الكامن فى صخورك القديمة



فأحتمى – كالنطفة الأولى –



بالصور الأولى التى تضىءُ



فى الذّاكرة الأولى



وفى سكون ذهنك النقىِّ



تمثالاً من العاجِ،



وزهرة



وثعباثاً مقدساً وأبراجاً



وأشكالاً من الرخامِ والبلُّور والفَخّارْ.



حلمُُ ما أبصرُ أم وهمُُ؟



أم حق يتجلّى فى الرؤيا ؟



فى هاجرةِ الصَّحْراء أزيح قباب الرملَ



عن نقشٍ أسودَ ، عن مَلِكٍ



يلتفًّ بأسماء الشفرةِ والشمسِ



والرمز الطّافر مثل الوعلِ



فوق نحاسِ الصَّحراءْ.



أسمع صوت امرأةٍ



تفتحُ باب الجبل الصَّامت ، تأتي



بقناديل العاج إلى درجات الهيكل والمذبحْ







ثم تنامُ – ينامُ الحرَّاسْ –



لتوليد بين الحرحر والأجراسْ



شفةً خمراً ، قيثاراً ،



جسداً ينضج بين ذراعىْ شيخٍ



يعرف خمرَ اللهِ وخمر النّاسْ.



لغة’’ فوق شفاهٍ من ذهبٍ



أم نورُُ فى شجر الحُلمِ المزهرْ



عند حدود الذَاكرةِ الكبرى



الذّاكرة الأولى؟







أم صوتي



يتكوَّر طفلاً كى يولدَ



فى عتباتِ اللغةِ الزرقاءْ ؟







وتجىءُ أشباح مقنّعة’’ لترقص حرَّةً ، زمناً،



على جسدى الذى يمتد أحراشاً ، سهوباً : تمرح الأفيالُ،



تسترخى التماسيح ، الطيور تهبُّ مثل غمامةٍ ، والنحل مروحة’’



ويغنِّى وهو يعسل فى تجاويف الجبالِ ، وتسدير مدينة’’ زرقاءُ



فى جسدى، ويبدأ صوتُها ، صوتْى ، يجسِّد صوت موتاىَ الطليقْ







حلم’’ ؟ رؤىِّ وهميّة’’ ؟ حقُّ؟



أنا ماذا أكون بغير هذا الصوت ، هذا الرمز ،



يخلقنى وأخلقه على وجه المدينة تحت شمس الليل والحبِّ العميقْ











وحينما يجنح آخر النجوم للأفولْ



ويرجع الموتي إلى المخابىء القديمة



كيما ينامون وراء حائط النّهارْ



أنام فى انتظارْ



آلهة الشمس وقد أترع قلبى الحبُّ والقبولْ.


View sudan's Full Portfolio
tags: