محمد عبد الحميــد : الكتاب الأول









الكتاب الأول







زرقاء البطانة





استعار القلب رعشته الأخيرة من تداول



زهرة شهقت على بوابات حسنك في مساء



حامض من فرط



ما اذدردت من الحمى



وأقراص الملاريا



وانتضى القلب قليلا من مشيئته



القديمة



فيضا من الذكرى وسارية



من الأمطار



واختار التكامل بين سلسلتين



في مأساتها وانشأ ساحلين



من الأجنة والفخار.



ومضى يجوس



مقاربا ..



تعبا من الترحال أو ضجرا من



التكرار أو خوفا من الأيام



....



تستنزل الغابات جل شجونها



سهوا عليها وهي، زرقاء البطانة،



تنتحي ركنا قصيا



من معارك قومها.



عين زرقاء البطانة،



في ربيع العمر،



ساورها ضجيج البطء والإعشاء



أبعد ما تكون عن الرجاحة والروية



وانتهاك البعد



يغشاها التردد والضنى...



ترى فيما ترى ...



شجراً يفر إلى الوراء...



آثار قافلة من العربات تمضي للسماء ..



ترى فيما ترى



شهبا تجوب قرى البطانة فوق



ظهر الإبل تسرق دلوها من كوخها ..



ترى الأعداء يختلطون بالأبناء



أشواكا وأزهارا يوحدها الدم اليومي



أقواما تفرقها اللغات الذكريات الأمنيات



وتجمعها الخرائط والخرائب



والكوارث والبكاء المر فوق سراب ماض



لم يكن أبدا كما قالت لهم جداتهم ..



جلسوا على أعتاب قرن من زمان قادم



يكدسون الوهم



فوق الوهم



قرب الوهم



تحت الوهم



حول الوهم



أوهاما مدججة



بأسوار محصنة وحراس



فدائيين ترسمهم أناشيد التعصب والدماء.



...



ترى فيما ترى



رهطاً من الأعراب والأغراب قد ماجت



طبول قدومهم ودنا صهيل



خيولهم من أغنيات الأمسيات



ومن كمنجات الرعاة ..



من الأغاني والأماني



والطوابي في هدير الاتبراوي..



....



عين زرقاء البطانة



كحلت بمراود الغازين



والفارين والضالين



فاختلطت عليها



أكثر الرايات تبيانا وألوانا



ولم تعرف فلاة العمر ..



أعطاها الغزاة الآن منظارا ورادارا ..



...



ترى فيما ترى آياتها تتلى جهارا



في الورى وأعلاما تنكس في غبار وازدراء ..



عين زرقاء البطانة  تنتشي بالدمع



والزفرات



تربكها المدافع والدماء ..



تسدر في رهاب الغي ..



تفقد رشدها وتجن ..



تخبر عن شجار وانتحار وانتظار..



مآلات تعن لها، نهارات تجيء ولا تمر بها..







اضطربت موازين البطانة وانزوت عربانها ..



كل فرقان البطانة أنكرت زرقاءها ..



وقالت انها ما جاورت آبارها ولا جرت



حبال الصبر من احشائها ولا انتفعت



من الصلوات عند الفجر



أو نمت حداء الأبل في تسفارها ..







يا لسوء الحظ لم تدرك من المسدار



ما (السبب الحماني العيد هناك احضره)



يا لسؤ الحظ (ناس عبد الله ابداً تاني ما حيعذروا)













معتدلا سر





كانت تتدفق رهقا في منحنيات



اللون الحي



وترسم لوحتها



في نطف الأبناء إذا عادوا أحياء



تتهاوي من سفح الاماتونج



إلى نون النسوة



الزنجيات



وتهمس للوشم الغائر في الجبهة



والنقش البارز حول



النهدين المنتصبين وبينهما



النون السوداء يحف بها



طبل الايقاع المثخن



بالألغام من خاصرة النيل



المطعون بمسغبة



"الطلقاء"



وكنف "السوباط" الفارع قامته حتى



إقليم الحرب الأخوية،



ابنوس الجوع



وعاج القتل



وريش الموت



اصرة الفرقة تاريخ البغضاء



ما شهوانية هذا الموت؟



وما التكرار المتوقع



حتما من ادغال القلب



إلى نبض الحارات؟ وما



قدسية هذي الأرض القاحلة الثكلى؟



كيف تسنى



للعربان قيام الليل



على جثث الموتى وصلاة



العيد على حافة خندق؟



ومن أعطى الغابات



فظاظتها تلك؟



وذاكرة لا يعتقها طعم الرمح



النافذ بين الاضلاع وحشرجة الرئة المثقوبة



والمعصم معطوبا بالقيد الأول؟



وما الزاوية



القائمة تماما من احراش حقول النفط



إلى قاعات الدرس



مرورا من جرحك أنت الفاغر فاه



ومن موت الآخر في منفاه



من أين لنا هذي



القسوة؟



ما هذا الجلد الوحشي على الآلام؟





"معتدلا سر" ..



سار فتى مقهور في بزته الداكنة



وأحلام المدن الخضراء،



تأمل فعل الأمر



المحروس من العصيان



بأشواك الأسلاك وماء



النهر المتحالف مع فوهات



الجند المشدوهين



بسحر اللغة الوطنية في كتب



الجيش وصلوات



الطلاب ..



انفلت الحزن الغاضب وانسدت



طرقات الميل الرابع ..



البرد الموحش داهمهم



صيفا



فاحتطب الطلاب بنادقهم



واحتسبوا عند



السلطان رسائلهم للمحبوبات



...



كانت تتنازل عن زينتها المحضة



تجلي آنية



الصبر بمحلول العينين



وتسلم سترتها المطوية



للأنواء



تتخلى عن أبهة العرس العادي وتصد



إشارات الغزل العذب



من الفتيان ..تتهيأ



للخوف المخبوء من السير المبثوثة ليلا



أخبار الغابات وأمطار الفوضى والفيضان



تدندن



اغنية ضد الأعداء



وتعجن خبز الشهداء ..



تطهو من أجل "اللجنة الشعبية"



وتعد "الدلكة والحناء"



لعريس الراديو والمارشات









الاماتونج: أعلى قمة في جنوب السودان

السوباط: من روافد نهر النيل

الطلقاء: العائدون من الحرب الأهلية

الميل المربع: من الميل أربعين موقع معركة دامية في جنوب السودان













هجــرة





هي هجرة بدأت جهارا منذ أن عاث الظلام بضفة



النهرين وانتكست رياح المقرن العليا، تراجعت



الطوابي عن زواج النخل والدرويش وانتعلت حذاء



من يباب الخطو والحزن المطير



هي هجرة



خرج المهاجرون لبؤسها حتى بدون جلودهم تركت



بخلف ظهورهم لتدبغها سياط القسوة الفظة والملح



المرير



هي هجرة



هيا تنادوا وارحلوا



إن السفائن جانحات في احتدام الرمل والعتمة



والحيرات والوقت الثخين



هيا ارحلوا! ودعوا مشاجبكم لنا .. نعلق فوقها



الأوتار متعبة .. تناسوا ما تعلق من غبار الأمس



في قمصانكم ، ردوا إلى صدأ المآذن آخر



الصلوات



وقلوبكم حتى إذا غصت بها الحسرات ومال على



حدائقها خريف دائم وتداعت الأعضاء بالهذيان



والحمى..



لا تأخذوا تذكارها معكم



ستثقل خطوكم !!



هيا ارحلوا من لجة الفوضى



ومن حمأ العذاب



وصدى المراثي في صدور الأمهات



من لسع الأقارب والعقارب



من سفر المحارب حاسرا إلا من الدعوات بالتوفيق



والعود السراب



هي هجرة



هيا أهربوا نحو المآرب



بللوا أوراقكم بالصمت واختبئوا بستر البحر



والنوات ..



تستتر المصارف باللحى



وتنز خوذات السماء دماً



ويهب من رهق البيارق والأناشيد الغثاء



خوذات السماء تزف للشهداء حورياتها



فتنتصب الخيام الخضر في الباحات



تقطر ادمعا فاضت بها الخوذات



والفوهات واللغم اللئيم



....



هيا ارحلوا



لا تنظروا للخلف



بل واحذروا أن تقتفي آثاركم لوزة ضليلة من وجع



حقل القطن،



عطر من حريق الطلح والعرق



الغزير



...



رفعت مراسيها السفائن .. أطلقت أبواقها



هيا .. لوحوا بيد بمنديل بتذكرة بفرشاة ... بطوق



نجاتكم



من احتضار النهر قرب النهر من عطش



وخوف فائض



.. جابوا القفار وأسرجوا خيلا من الأوهام واتكأوا



على حزن مديد..



أرائك من ركام الحلم والفوضى



وقداس الوداع













برج الخلاص





ينفتح الستار على فضاء



ازرق



ستمر عجلات الرماية



فوق عشب من غيوم ومتاهات



تحاصرها النجوم



...



ينفتح الستار



على البلاط



سنشرح الأحداث وفق



وقوعها في فخ ذاك الثعلب الفضي



وسيدخل الأبطال حسب مشيئة الرائي



ورؤيته



ونقيم هذا النهر من أود الخطيئة



ونهد كتفيه بعدو الريح



أو وتر الخلاص



...



ينفتح الستار على شظايا



الموبقات



وتنحني قديسة كي ما يمر بقربها موج



عنيد



من نعاس ...



قديسة أخرى يباغتها



النحاس



ويمتطى من عطرها فرسا



ومن جلبابها حرسا ... يمر



على الكواكب في أجنتها وتمنحه الخلاص



...



ينفتح الستار مثل قرص من رزاز



ورهق



تتقدم البنت الجميلة



نحو عمق المسرح الوطني



تختبئ الجهات الأربعة



وتلوذ بالبحر الحقول



ويسود صمت جارح



ملح أجاج



هائج بين التفتت والخلاص



...



ينفتح الستار على كمنجات



تسيل على الحرير



على فراشات يؤججها



المسير على الصهيل



ينفلق الضوء من العتمة



والظل من البذرة



وأنا أتخرج من هذا المسرح



أتكثف



أتصاعد أبخرة



تبحث عن مدخنة خلاص















مكيدة الحجر





من ليس من حجر



يكون على الصدى



إيقاعه



ومن يعادي كائنات البحر



ينتخب المكيدة



ضدها



ويؤلب المرساة ضد



الأرصفة



ويحرر القنديل من



أرق السنين الموحشة



يطفو على صخب الضياء



ويسير نحو القطب منتشياً



........



ستشق دربك



في مرايا الانتظار



وتعود منكسراً



لإقليم البهار



وتقيم مملكة



السكارى



الهائمين



العاشقين



الشاعرين



وتنصب الأنثى



أميرة كل شيء للأبد


Author's Notes/Comments: 

صحفي ومترجم
من مواليد وادي حلفا، في 1956
عمل في الصحافة في السودان وخارجه.
نشر العديد من المقالات والترجمات والشعر وجرب القصة القصيرة
صدر له كتاب مترجم في فبراير الماضي "رائدات في ظروف غير مواتية، العاملات في الرعاية الصحية وسياسات التنمية في اليمن"، د.مارينا دي ريخت.
يعمل صحفيا في راديو هولندا حاليا

View sudan's Full Portfolio
tags: