الزمـــــن
الردئ
له حكايه ! 00

الكتاب الذى وضع فى مطلع القرن الهجرى الرابع بعنوانه الظريف المعبر لا يقتصر على هدفه المعلن اى اظهار فضل "اخلص اصدقاء الانسان" بل يتجاوزه فيظهر لنا امرا لم يسع مؤلفه اليه.

فالذى يحمله الينا الكتاب دون ان يكون كاتبه قد رمى الى ذلك هو تذكيرنا من خلال مواده بان (العصر الذهبي) هو دائما عصر مضى او عصر مقبل لم يات وان الحاضر يوصف غالبا بالسوء ليعود الناس فيتذكروه بحنين عندما يصبح ماضيا.

مواد الكتاب التى جمعها المؤلف شعرا ونثرا منذ الجاهلية حتى عصره تظهر ان ما يطلق عليه كثير من كتابنا اليوم اسم (الزمن الرديء) فى اشارة الى ايامنا الحاضرة ليس تعبيرا جديدا مبتكرا ولا يمثل حالة تاريخية فريدة فقد وصف الناس منذ القدم ازمنتهم بمرادفات لهذا التعبير ووصفوا الناس عامة بقلة الوفاء.

وقد يختصر قول حاد اورده المرزبان كثيرا من مواد كتابه. قال " وروى عن بعضهم انه قال ..الناس فى هذا الزمان خنازير فاذا رايتم كلبا فتمسكوا به فانه خير من اناس هذا الزمان . قال الشاعر /اشدد يديك بكلب ان ظفرت به / فاكثر الناس قد صاروا خنازيرا."

كتاب المرزبان عنوانه هو (كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب) وهو نفس العنوان الذى حمله الكتاب الذى صدر فى 80 صفحة عن "منشورات الجمل" فى المانيا حاملا عنوانا فرعيا هو " تحقيق وترجمة ودراسة بقلم الدكتور ركس سميث والدكتور محمد عبد الحليم."

قال سميث وعبدالحليم تحت عنوان " مقدمة المحققين" عن الكتاب ومؤلفه ان هذا الكتاب الطريف فى عنوانه ومادته الفه محمد بن خلف ابن المرزبان المحولى سنة 309 للهجرة الذى يقول عنه القفطى فى كتابه "المحمدون "انه كان يسكن باب المحول فى بغداد فنسب اليه "وكان اخباريا مصنفا حسن التاليف ويرويعن جماعة من مشايخ وقته وروى عنه وكان له شعر وادب حسن."

والكتاب ينقسم الى قسمين يلخص المؤلف موضوعهما الاول حين يقول "ذكرت ـ اعزك الله ـ زماننا هذا وفساد مودة اهله ..."والثانى بقوله" وسالتنى ان اجمع لك ما جاء فى فضل الكلب على شرار الاخوان ومحمود خصاله فى السر والاعلان ..." والكتاب كما يقولان طبع مرتين الاولى فى بيروت سنة1909 والثانية فى القاهرة سنة 1922."

وبينما اعتمد المدققان على ثلاث مخطوطات فضلا عن الطبعتين المذكورتين " فقد اعتمد الناشر فى كل منهما على مخطوطة وحيدة وجاء النص فى الحالتين محتويا على اخطاء كثيرة." وقد ترجما الكتاب الى اللغة الانجليزية. واشارا الى ان هناك تشابها ملحوظا "وتاما احيانا بين بعض ما جاء فى الكتاب وما جاء فى "الحيوان "للجاحظ ولكن الامر الذى نعجب له هو ان مؤلفنا لم يشر مطلقا الى الجاحظ اويذكر كتابه."

وقال المحققان انهما توصلا الى ان ما يوصف بانه النظرة الى الكلب فى الحياة العربية ليس صحيحا تماما. ففي" المقدمة الانجليزية والتعليقات التى اوردنا ... تحدثناعن وضع الكلب فى الحياة العربية والادب العربى وبعض الاحكام المتصلة به فى الاسلام. وتبين لنا من الدراسة ان النظرة الشائعة حول ذلك فيها خطا كبير. ومن المناسب هنا ان نشير الى ان سلسلة رواة هذا الكتاب الطريف تتضمن قاضيا وفقيها وان الجاحظ وهو متكلم يراس فرقة من المتكلمين /علماء الكلام/ قدم اقوى دفاع عن الكلب "فى كتاب الحيوان.

يستهل المرزبان مروياته الشعرية فى الصفحة الاولى من الكتاب ببيت من الشعر الجاهلى للشاعر لبيد وهو قوله " ذهب الذين يعاش فى اكنافهم / وبقيت فى خلف كجلد الاجرب ." وقال شاعر اخر " ذهب الملح من كثير من الناس / ومات الذين كانوا ملاحا."

وقال اخر " ذهب الكرام فاصبحوا امواتا / ورقا تطيره الرياح رفاتا." ونقل عن شاعر قوله " وما الناس بالناس الذين عهدتهم/ ولا الدار بالدار التى كنت تعرف ." وعن غيره قوله" ذهب الناس وانقضت دولة المجد / فكل الا القليل كلاب .../ غير ان الوجوه فى صور الناس/ وابدانهم عليها الثياب ."

ووصف شاعر منهم حاله وهو يسير مترجلا بينما يركب المطايا من ليسوا ذوى شان فقال "لا تعجبوا ان ترونى بين اظهركم /امشى ويركب قوم ما هم احدا/ لئن علا السادة الاحرار سفلتها/ ان الغثاء ليعلو الماء والزبدا."

وراى شاعر اخر ان هذا الوضع ليس فرديا انما هو امر عام اى " زمن رديء" بلغة عصرنا فقال مستخدما ايضا رمز الراكب والراجل" ارجلنى قلة الكرام/ وكثرة المال فى اللئام/ وليس هذا على وحدى / هذا شقاء عليالانام."

وروى عن شخص انشد لدعبل الخزاعى قوله "عدو راح فى ثوب الصديق/ شريك فى الصبوح وفى الغبوق / له وجهان ظاهره ابن عم / وباطنه ابن زانية عتيق."

وروى نقلا عن ابن ابى طاهر الكاتب قوله "حال عما عهدت ريب الزمان/ واستحالت مودة الاخوان / واستوى الناس فى الخديعة والمكر/ فكل لسانه اثنان." ويتابع قوله " اعلم اعزك الله ان الكلب لمن يقتنيه اشفق من الوالد على ولده والشقيق على اخيه..."

ونقل عن ابى العباس الازدى قوله " لكلب الناس ان فكرت فيه /اضر عليك من كلب الكلاب/ لان الكلب تخسؤه فيخسى / وكلب الناس يربض للعتاب / وان الكلب لا يؤذى جليسا/ وانت الدهر من ذا فى عذاب."

وعن صعصعة بن خالد قوله " الغدر شيمة كل نذل سفلة / والكلب يحفظ عهدك الدهرا/ فدع اللئام وكن لكلبك حافظا / فلتامنن الغدر والمكرا ." ويورد قصصا ومرويات نثرية عديدة فى ذم الناس والدفاع عن الكلاب والحديث عن وفائها وعن الزمن الذى تغير ولم يعد كسالف الازمنة.

المصدر: العرب اونلاين

محطات