استهلال:
أكتوبر... شهر الثورات، شهر الانتصارات.
شهر البكاء، شهر الفرح، واجتماع المتناقضات.
**
ليسمح لي القارئ الكريم، باستكمال الاستهلال بهذه الأبيات:
باسمك الأخضر
يا أكتوبر الأرض تغنِّي
الحقول اشتعلت قمحاً ووعداً وتمنِّي
والكنوز انفتحت
في باطن الأرض تنادي:
باسمك الشعب انتصر
حائط السجن انكسر
والقيود انسدلت
جدلة عُرسٍ في الأيادي
لا تسألوني ما اسم الشاعر، أو المغنِّي الذي شدا بتلك "الروائع"، لأنني سأستوضِّح الأمر حتماً، في موقع لاحق، من هذه الكتابة. ويكفي أنّها – أيّ تلك الروائع - تخدم استهلال كلّ ما له علاقة، بأكتوبر الثوري المنتصر، أو الجزئيّة الأولى للطرح وامتدادتها، وما نحن بصدده الآن.
**
· في أكتوبر – قديماً – كان الانتصار العربي المسلم الأهمّ والأبرز، حينما فتح القائد صلاح الدين الأيّوبي بيت المقدس(2 أكتوبر 1187).
· وفي أكتوبر، كانت أقوى ضربة عربية لليهود، برائحة العبور و"الحبور"(6 أكتوبر 1973).
· وفي أكتوبر، صرخت إفريقيا، والخارطة العربية الشرق أوسطية، مع إطلالة الثورات، في منتصف الستينيات، عبر ثورة سودانية خالصة(21 أكتوبر 1964).
بالربط بين "الأكتوبريّات" أعلاه، تتجلّى مظاهر متباينة للفرح، رغم أن أكتوبر الآن "حزين جدّاًً"، وهو يرتدي بدلة الحرب والتقتيل، في أرضنا الإسلامية، ما بين فلسطين والعراق.
· ولأن في أكتوبر أيضاً كان الحزن، نتذكّر بداية الضربة العسكريّة لأفغانستان، من العام الماضي(7 أكتوبر 2001)، في مستهل استخدام النظام "البوشي" المُتصهين، لأوّل العقاقير المهدِّئة، لعلاج صداع مزمن، لا يعرفون مصدره، سمّوه اعتباطاً "الإرهاب"(!).
· وفيه أيضاً، اغتال جيش الاحتلال الصهيوني، أكثر من 30 مصلِّياً فلسطينيّاً، وجرح أكثر من 150 آخرين، وهم يؤدّون صلاتهم في المسجد الأقصى(8/10/1990).
بالطبع، عادت نفس ذكرى الألم الأكتوبري، مع المذبحة الغادرة، في مخيّم خان يونس، حينما سقط 14 شهيداً وجرح أكثر من 130(فجر يوم 7 أكتوبر 2002)، حينما فاجأهم العدو الإسرئيلي، بغارات من طائرات "الأباتشي" ودبّابات "الميركافا" والجرّافات، في واحدة من الهجمات المعتادة غير المبرّرة، التي لا تجد من يصنِّفها، كأقصى مراتب الوحشيّة، في كلّ الأروقة القانونيّة الدوليّة، وأوّلها الأمم المتحدة(أو المنتحرة!)... وبالطبع سيستمرّ الصمت، خصوصاً في دواوين الحكم العربيّة، ليستمرّ الصراخ في دواوين الشعر فقط(!).
تُرى هلّ كان شارون بمذبحته هذه، يحتفل بالذكرى الأولى للضربة الأمريكيّة، للمسلمين العُزَّل في أفغانستان، بعد مرور عام بالتمام والكمال(؟).
**
أعود إلى الاستهلال الشعري – في المطلع - حول أكتوبر "الأخضر"(استحال إلى "أغبر")...
كان استهلالاً من قصيدة ثورية، للسوداني محمّد المكِّي إبراهيم، بعنوان: "أكتوبريّات"، تغنّى بها المخضرم محمّد وردي، بعد ثورة أكتوبر 1964.
وحتّى تكتمل الصورة الأكتوبرية البهيّة(الثورة والانتصار)، التي نبحث عن عودتها، لا الاحتفاء بها كمناسبات، إليكم مقطع آخر، من قصيدة أخرى، كتبها السوداني محجوب شريف، وتغنّى بها محمّد الأمين، وهي بعنوان: "تحيّة إلى أكتوبر"... أهديكم هذه التحيّة(بالعاميّة السودانيّة طبعاً):
أكتوبر الممهور بالدم صباح الخير
أهلاً مساء النور
زمناً بِيجي وبِيمُرّ
عبر النشيد المُرّ
تحت الغُنا المحظور
تنْدَهْ تنادي الشعب
الصامد المقهور
هُبّ من ظلامك هُبّ
الشمس جوّة الجُبّ
الحكمة خلف السور
ضمِّد جراح الحُبّ
والخاطر المكسور
...وليحيا أكتوبر، ولتحيا الثورات، ولتحيا الانتصارات... وليحيا الإنسان، عندما نستطيع أن نمحو الإحباطات والآلام، من الصورة الأخرى لهذا الشهر.
**
وحتّى لا تتهموني بـ"سودانيّتي المفرطة"، على ضوء ذلك الاستشهاد الشعري والغنائي، بقصيدتين سودانيتين، رغم امتلاكي للمبرِّر الكافي، من خلال ما تتحفنا به، ثورة أكتوبر العملاقة(مهد الحرِّية المبتورة في ذلك الوطن العربي الإفريقي)، سأقف قليلاً عند تخوم الفلسطيني الصامد محمود درويش، ومُفتتَح قصيدته الأخيرة "حالة حصار"، بحثاً عن أمل، سنزرعه في طرقات متاهتنا:
هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت،
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ،
وما يفعل العاطلون عن العمل:
نُرَبِّي الأملْ.
بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً،
لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر:
لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة.
أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ
في حلكة الأَقبية.
هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً...
سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا
نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ.
وحتماً سنربِّي الأمل، لنقف على أهبّة الفجر، بعد أن أتقنّا أشعار أيوب ردحاً طويلاً، وصبراً أطول وأطول(!).