الانتماءات المتعددة عند أمين معلوف

Folder: 
ترجمات







الانتماءات المتعددة عند أمين معلوف



إيفلين آرغو

معهد الإينالكو

(المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية)

باريس





في الوقت الذي نرى فيه التوترات الطائفية تتفاقم، وحيث سجلتْ الانتخاباتُ الأوربية الأخيرة تباطؤاً في إرادة الاندماج، أصبح من المفيد دراسة نتاج كاتب مثل أمين معلوف الذي ما كان يتردد في التأكيد في إحدى مقابلاته (1) : "أتمنى، ربما لأنني أعيش في أوربا، أن يسلك الشرقُ الأوسط طريقَ الغرب، طريق إسبانيا واليونان. حتى أنني أحلم أن تتوسعَ أوربا يوماً ما حتى ذلك المكان."





سليلَ أسرة عريقة تتعايش فيها حساسياتٌ دينية شتى، تاركاً بلده الأصلي لبنان عام 1976 أثناء الحرب الأهلية، مرغَماً على إعادة بناء حياته كلها في بلد أجنبي، يسكنه حنينُ البيوت المفقودة، لا يفتأ أمين معلوف يتساءل في أعماله عن مسيرته الخاصة وعن تعدد الانتماءات التي اختصته بها الحياة. ما يدهش، عندما نقرأ نصوصه، سواءً رواياته أم مقابلاته أم مقالاته، هو الشعور الذي لدى شخصياته بأنهم منذ أمد بعيد، وبالنظر حتى إلى أصولهم [Origines]، وهو عنوان أحد أعماله الأخيرة، بأنهم أقليات متموضعة على ملتقى تقاليدَ شتى، خاضعين لصروف الحياة، معرَّضين للرحيل في كل حين وللتخلي كرهاً عن كل شيء من أجل الإقامة في مكان آخر من الغربة. ويعبَّـر عن هذه الهشاشة بالدوافع المتكررة للسفر، للمنفى، للطارئ الذي غالباً ما يؤثّر في المسارات الفردية ويؤدي بها إلى الالتقاء بالآخر بمختلف الأشكال.





الهشاشة والانفتاح على الآخر:



تكثر في روايات أمين معلوف كثيراً اللقاءاتُ المفاجئة والصداقات المدهشة وحالات الحب المستحيلة والعلاقاتُ التي تتجاوز العداوات الدينية والسياسية والثقافية. ولا تعدِمُ في نتاجه الأمثلةُ التي تثبت إمكانيةَ التغلب على الشقاقات القوية: مسيحي تربطه صداقة قوية مع يهودي، تاجر من جنَوى يصبح صديقاً لتاجر من البندقية، تاجر مسيحي على علاقات ممتازة مع تجار آخرين مسلمين أو يهود (رحلة بلداسار) (2). أمّ مسلمة تقيم علاقة صداقة ودية مع مطبِّبة يهودية؛ مسلم مولود في غرناطة قبل غزوها بقليل يعيش ردحاً من الزمن مع امرأة من سرقاسيا [اسم قديم للبلاد الواقعة شمال القوقاز، وهي حالياً جمهورية إنغوشي –المترجم-] والتي أحلامُها تخالف أحلامَه، ومن ثم يتزوج من يهودية من غرناطة تنصرت تحت وطأة الأحداث (ليون الأفريقي) (3). تركي عثماني يتزوج من ابنة أفضل صديق له، أرمني، ويتقاسم الاثنان المصيرَ نفسه في المنفى عقب اعتداءات عام 1909 التركية على الأرمن. ويتابع ابنُه التركي المسلم تقليدَ الانفتاح هذا فيتزوج بدوره من شابة يهودية؛ ويقيم الزوجان تارةً في حيفا وطوراً في بيروت، فتكون تنقلاتهما جيئةً وذهاباً رمزاً وتجسيداً لذلك العبور من ثقافة إلى أخرى ومن عالم إلى آخر (سلالم المشرق) (4).





سحر الأصول:



هذه الروابط التي تقام بسهولة مع الآخر، مع الغريب، يجب بحثها في الأصول الفردية لا في "الجذور". وينضم معلوف إلى إدوار غليسان الذي يذكر "تعصب الجذور المقدس " فيقول: "لا أحب كلمة "جذور"، وكذلك لا أحب صورتها. فالجذور تنغرس في التربة، تلتوي في الطين، تتفتح في الظلمات؛ فتُـبقي الشجرةَ أسيرةً منذ الولادة، وتغذيها مقابل الابتزاز والتخويف: "إذا تحرَّرْتِ تموتين!" (5)." الجذر يعيق ويقيد، في حين أن الأصلَ، بالرغم من أنه محدِّد، لا يحجِّـر الفردَ في تقليد مغلق وفي حتمية ضيقة وجامدة. وفي بداية هذه المسارات الفردية غالباً ما نجد المنفى والتيه. إنها أحداث مأساوية تلك التي أجبرت عائلةَ راوي "سلالم المشرق" على اختيار المنفى قبل مولد الراوي. أما بلداسار فهو، بدوره،  متحدر من أسرة من جنوى قادتْـها تقلباتُ التاريخ إلى الإقامة في الشرق. وينتسب ليون الأفريقي، الشخصية التاريخية، إلى عائلة من المسلمين الذين أقاموا في غرناطة وأُجبِروا على الهجرة أثناء الغزو الذي قام به الملوك الكاثوليك. في هذه القصة التي كُتبتْ بضمير المتكلم، على غرار روايات أمين معلوف، تُميز الهشاشةُ، التي يسببها المنفى الإجباري كمصير مفروض غير مختار، أصولَ الراوي، الذي ينحدر منها مطالباً بحق ألا يكونَ من أي وطن، أنْ يكون "ابن السبيل" (6) إن صح التعبير، على غرار أمين معلوف نفسه، كما يذكر في الكتاب الذي كرسه لأجداده ومسيراتهم: "بالنسبة لنا، الطُّرُق وحدَها تهمّ. (...) إنها واعدة لنا، تنقلنا، تدفعنا ثم تتركنا. عندها نموت، كما وُلِدنا، على حافة طريق لم يكن لنا بها خيار." (7).





الأقليات والمسافرون:



ليس مدهشاً، إذن، أن تكون هذه الشخصياتُ في الوقت نفسه "إقليات" ومسافرين؛ هم أقليات لأنهم، كمنفيّين، يظلون دائماً، على الرغم من الاندماج الاجتماعي الناجح، غرباءَ متأهبين للرحيل: يقيم بلداسار القادم من جنَوى منذ ولادته في الشرق ونجح في الاندماج فيه، إذِ اختلط بالمسيحيين واليهود أيضاً. لم يكن أقلَّ استعداداً لترك الأسرة والأعمال والبيت ليلقيَ بنفسه في طرقات ستقوده من الشرق إلى أوربا في مغامرة هو نفسُه يصفها مراراً باللامعقولة.

تُبيّـنُ جميعُ هذه الشخصيات، كل شخصية على طريقتها، ما قاله أمين معلوف عن نفسه مراراً: "الجرح الداخلي (...) مرتبط أولاً بهذا الشعور المكتسب منذ الطفولة بأن أكون من الأقليات بشكل ميئوس منه وبأن أكون غريباً بلا أمل حيثما أكون." (8).

الأقليات هي أيضاً كائنات مسافرة، كائنات عابرة سبيل، مثل ليون الأفريقي "مسافر، مخلوق مهاجر"، مقدَّر لهم أن يجتازوا حدوداً وأن يهرِّبوا أفراداً عبر الحدود، حالمون بالتأكيد بالتخلص من كل عائق: إذْ يهتف أمين معلوف (9): "ليتكم تعلمون ما أُحِس به من سعادة في اجتياز الحدود دون أن يوقفني أحد..."؛ يَعبرون من عالم ثقافي إلى آخر، بطريقة غالباً ما تكون مفاجئة إلى أبعد حد، وكأن القدَرَ يتلاعب بتوقعات البشر ومخططاتهم وأمانيِّـهم. ففي حياة ملؤها الاغترابات المتتالية والتغيرات المفاجئة غالباً ما ينحرف الفردُ كما تشاء الظروف، لقاءات طارئة وتغيرات مناخية سيئة وأحداث تاريخية، إنها حياة لا ضمانَ لشيء فيها، لا شيءَ ثابت، لا البيوت ولا الأسماء ولا الهويات حتى. كان تبدُّل الانتماءات وهشاشتها من نصيب هذه الشخصيات، انتماءات موروثة أو مفروضة أو مخفيَّـة أو متعاقبة أو متزامنة، عابرة أو إرادية أو محتومة؛ ولا تُنسَـب أية شخصية إلى مكان ولا إلى هوية.

يتناول معلوف هنا موضوع البداوة الشائع لدى العديد من كُتّاب المنفى الذين لا يعترفون لأنفسهم على الأغلب بأرض حقيقية سوى في الكتابة (10).





الانتماءات المتعددة:



في حين إذا كانت هذه اللاستقراريةُ وتلك الهشاشةُ التي تجعل منهم كائناتٍ تتموضع على مفترق الأماكن غيرَ متأكدين أبداً من بقائهم في نفس المكان، إذا كانت نتيجةً لمآسيَ غير متوقعة، فإنها لا تبدو مشؤومة النتائج قطعياً ربما: ها هو بلداسار، المطرود بفظاظة من قبرص، والذي اقتيد موثوقاً وملجوماً في عمق مركب، منفصلاً عن ذويه بين عشية وضحاها، يجد موطنه الأصلي البعيد، موطنَ أجداده وعائلةً بالتبني وزوجةً شابةً أيضاً. ليون الأفريقي الذي اختطفه قراصنةٌ يصبح في روما علاَّمة يعامَـل بإجلال كبير قبل أن يصل إلى تونس. إن اضطراباتِ الحياة التي يمكن أن تؤدي إلى خسارة كل شيء ليست سلبية تماماً؛ وكمنعطفات حاسمة تنفتح على حياة جديدة، مختلفة طبعاً، لكنها ليست بالضرورة أسوأ من الحياة السابقة مهما كانت قليلةً معرفتُنا كيف نتأقلم ونقبل ما يحصل.

ويحافظ، مهما كان صعباً، هذا القبولُ بالطارئ على مرونة كبيرة لدى العديد من هذه الشخصيات والتي يغيّر بعضُها اسمَه عدة مرات خلال حياته: بينما كان يُدعى "الأفريقي" في روما، أصبح ليون الأفريقي يدعى بـ "الرومي" في تونس، وهو اسم يطلق على المسيحيين؛ ويَرمز اسم "ليون الأفريقي" نفسه إلى تلاقي قارات مختلفة، أوربا وأفريقيا، وتمازج ثقافات متباعدة تتواصل في الفرد نفسه وتتصارع أحياناً.

كما يعبَّـر عن هذه المقدرة في إمكانية أن يعيش المرءُ هُوياتٍ مختلفةً بـ "اللباس": لا يتردد حسن، وهو اسم آخر لـ "ليون الأفريقي"، الشخصية-الراوي، في أن يلبس كسكان القاهرة عندما يسكن في القاهرة، ثم يلبس الزي التونسي عندما يكون في تونس؛ تستهويه "كوسموبوليتانيةُ" القاهرة وتعايُشُ الطوائف المتعددة، وتُبقيه في هذه المدينة حيث يعطيه أحد المسيحيين الأقباط منزلَه. ويروق للراوي، على ما يبدو، أن يشير حتى إلى هذا الاختلاط في الإشارات الثقافية وإلى ذلك التشابك الذي يجعل من المستحيل اختزالُ شخص بهُوية ما، والذي يخيِّـب النظرات الفضولية ويمنع كلَّ تأطير من شأنه الاختزال.

كيف يمكن، في الواقع، النظر إلى "مغربي يلبس الزي المصري ومتزوج من امرأة سرقاسية أرملةِ أمير عثماني ويزيّن منزلَه على طريقة رجل مسيحي!" (ليون الأفريقي، ص 351).



وكالثياب تتعدد اللغات: ينخرط ليون الأفريقي بحماس في مشروع معجمي "يهدّم رمزيةَ برج بابل (...) حيث تظهر كل كلمة في عدد كبير من اللغات" (المرجع نفسه، ص 434). إن تعددية الأسماء كتعددية اللغات المحكية هي هنا شاهد على هذه الاستحالة في ربط الشخصية بهوية واحدة، ثابتة ونهائية. بالإضافة إلى ذلك، إنه لنُبل عظيم أن يعرف المرء كيف يتجاوز الفوارق الثقافية. يتزوج مسلم من يهودية (سلالم المشرق)، وكل منهما ينافس الآخر "بلباقة أدبية" ويحترمه ويدافع عن طائفته؛ يعرف كل واحد من هذين الزوجين الكريمين كيف يضع نفسه مكان الآخر. فمشهد الزواج الذي تصل فيه عائلتان، إحداهما يهودية والأخرى مسلمة، إلى التزاوج والتفاهم فيما بينهما هو شاهد على تفاؤل الكاتب في مقدرة الكائنات على الالتقاء بما يتجاوز الفوارق فيما بينهم.





الحق في الهويات المتعددة:



وهكذا، ودون أن يستبعد كل منها الآخر، تنضاف الانتماءات إلى بعضها وتتراكم وتترسب. هناك انتماءات كالنساء تقريباً عند معلوف: لا يمكن نكران أية واحدة، إذ يمكن قبولهن جميعاً بمحبة، فلا الانفصال ولا البعد يلوث الذكرى أو يجعل شعاعها الحار يخبو. ويمكن للانتماءات المتعددة أن تتعايش داخل فردية واحدة، فترسم هذه المساكَـناتُ كائناتٍ تعدديةً دون أن تتمزق أو تعجز عن ربط أجزاء الهوية التي تتركب منها.

علاوة على ذلك، من شأن الفرد، باستمرار الترحال، أن يحوِّل نظرتَه وفي نفس الوقت يغيّر منظوره. وليس عبثاً بالتأكيد أن تكون شخصيات معلوف من التجار والدبلوماسيين والأدباء والمثقفين ورجال التواصل واللباقة. فـ "معلوف"، كـ "فولتير" في عصره، يمجّد التجارة كنشاط للناس المنفتحين على جميع التبادلات الاقتصادية والثقافية والفكرية؛ إذ لكي يبيع المرءُ جيداً يجب عليه أن يعرف كيف يضع نفسه مكان زبونه، يحدد مزاجَه ويلتقط حاجاتِه ورغباته ويفهم نفسيتَه. فالتاجر كالدبلوماسي من شأنه أن يحتكَّ بأناس من مختلف المشارب والذين لا يمكنهم أحياناً أن يتفقوا مع بعضهم؛ فها هو ليون الأفريقي، الذي كان تاجراً في البداية، يصبح دبلوماسياً فيما بعد لدى العرب ولدى المسيحيين على السواء.

لم يُنظَـرْ في هذه الانتماءات المتعددة بمثالية بسيطة: فالمجازر وحالات الانفصال والآلام لم يتم إخفاؤها بل سُرِدتْ، وبكل فظاعاتها أحياناً. مع ذلك، ليس مستحيلاً أبداً التغلب عليها، وإلى الفرد تعود الوقايةُ من حالات الجنون الجمعية؛ فالفردي، الذي هو مكان الفوارق الدقيقة، ينجح في ترسيخ ما يستبعده الجمعي، المختزِل والمبسِّـط، ويمنعه؛ وتتيح اللقاءاتُ الصغيرة فتحَ أفق للصداقة والحوار رغم التمييزات الثقافية.





تـحدٍّ جديد للفرد:



يظل معلوف مولعاً بقيم الغرب، ومنها الثقة بالفرد، المرتبط بالجماعة، وبـ "العشيرة"، ولكنه الحر والفريد، حتى وإن حصل له أنْ ندمَ على النزعة الفردية المفرطة أحياناً للمجتمعات الغربية. فسواءً في رواياته أو في خواطره (الهويات القاتلة) أو في مقابلاته، يرفض ذلك الكاتبُ الذي يُقلقه تصاعدُ العنف الطائفي والذي لا يخشى من تقديم "رسالة" أو تلخيص "عِبرة التاريخ" (11)، عندما يذكر رواياته، يرفض الخلطَ بين الانتماء والانتساب الأعمى لتوكيد حق الفرد في مقاومة الضغوط الجمعية وفي أن يعيش مجملَ هُوياته دون تمزق: "أينما تكون، هناك بعض ممن يريدون نبشَ جلدك وصلواتك. حذارِ أن تمدحَ ميولَهم، أيْ ولدي! حذارِ من أن تخضع للأكثرية! سواءً أكانوا مسلمين أو يهوداً أو مسيحيين، يجب عليهم أن يعاملوك كما أنتَ، وإلا تضيع (...). لا تترددْ أبداً في أن ترحل إلى ما وراء جميع البحار، ما وراء جميع الحدود، ما وراء جميع الأوطان وجميع المعتقدات." (12).









الحواشي:



1. مقابلة مع كاترين آرغان في مجلة "لير" (Lire)، عدد حزيران 2000.

2. رحلة بلداسار، باريس، غراسيه، كتاب الجيب، 2003.

3. ليون الأفريقي، باريس، جي. سي. لاتيس، كتاب الجيب، 1986.

4. سلالم المشرق، باريس، غراسيه، كتاب الجيب، 2002.

5. الأصول، باريس، منشورات غراسيه وفاسكيل، 2004.

6. المصدر المذكور، ليون الأفريقي، ص 9.

7. المصدر المذكور، الأصول، ص 9.

8. مقابلة أمين معلوف مع إيجي فولتيراني، الموجودة على موقع أمين معلوف؛ انظر أيضاً مجلة "لير"، عدد حزيران 2000، مقابلة مع كاترين آرغان.

9. مقابلة مع كاترين آرغان، مجلة "لير"، حزيران 2000.

10. انظر على وجه الخصوص أعمال ألبير مامي، البدوي الثابت، الأرض الداخلية، أو ليلى صبار ونانسي هوستن، الرسائل الباريسية، قصص المنفى.

11. يستقبل الـ "منتدى" أمين معلوف. مقابلة بتاريخ 11 حزيران 2000، بخصوص رحلة بلداسار، الموقع:



http://www.grandlivredumois.com/static/actu/rencontres/maalouf



12. المصدر المذكور، ليون الأفريقي، ص 473.





ترجمة: محمد علي عبد الجليل













Les appartenances multiples chez Amin Maalouf



Evelyne Argaud, Inalco, Paris



À une période où l’on voit les tensions communautaires s’accroître, où les dernières élections européennes ont marqué un ralentissement de la volonté d’intégration, il n’est pas inintéressant d’interroger l’œuvre d’un auteur comme Amin Maalouf, qui n’hésitait pas à affirmer dans un entretien1 : « Je souhaite, peut-être parce que je vis en Europe, que le Proche-Orient suive la voie occidentale, celle de l’Espagne et de la Grèce. Je rêve même que l’Europe s’étende un jour jusque-là. »



Issu d’une famille ancienne où des sensibilités religieuses diverses co-existaient, ayant quitté lui-même en 1976 son pays d’origine, le Liban, au moment de la guerre civile, contraint de reconstruire toute son existence dans un pays étranger, habité par la nostalgie de maisons perdues, Amin Maalouf n’a cessé, dans ses ouvrages, de s’interroger sur son propre parcours et sur la diversité des appartenances que lui a réservées l’existence. Ce qui frappe, lorsqu’on lit ses textes, que ce soient ses romans, ses entretiens ou ses articles, c’est le sentiment qu’ont ses personnages d’être depuis toujours, en raison même de leurs Origines, titre de l’un de ses récents ouvrages, des minoritaires situés au confluent de traditions diverses, soumis aux aléas de l’existence, susceptibles de s’en aller à tout moment, de devoir tout quitter pour s’installer dans un ailleurs dépaysant. Cette fragilité est signifiée par les motifs récurrents du voyage, de l’exil, de l’imprévu qui affecte bien souvent les trajectoires individuelles et qui les conduit à rencontrer l’altérité sous différentes formes.



Fragilité et ouverture à l’autre



Les romans d’A. Maalouf multiplient à plaisir les rencontres inattendues, les amitiés étonnantes, les amours impossibles, les relations qui transcendent les hostilités religieuses, politiques, culturelles. Les exemples prouvant qu’il est possible de surmonter des clivages puissants ne manquent pas dans son œuvre : un chrétien se lie d’amitié fervente avec un juif, un négociant gênois devient l’ami d’un négociant vénitien, un marchand chrétien vit en d’excellents termes avec d’autres marchands, musulmans ou juifs (Le Périple de Baldassare)2. Une mère musulmane entretient une amitié affectueuse avec une guérisseuse juive; un musulman, né à Grenade peu de temps avant la Reconquête, vit un temps avec une Circassienne dont les rêves vont à l’encontre des siens et épouse par la suite une juive de Grenade, convertie par la force des événements au christianisme (Léon l’Africain)3. Un Turc ottoman se marie avec la fille de son meilleur ami, un Arménien, et tous deux vont partager le même sort dans l’exil à la suite des hostilités turques de 1909 contre les Arméniens. Poursuivant cette tradition d’ouverture, son fils, turc et musulman, épouse à son tour une jeune femme juive; le couple résidera tantôt à Haïfa, tantôt à Beyrouth et leurs allées et venues symboliseront et matérialiseront ce passage d’une culture à l’autre, d’un monde à l’autre (Les Échelles du Levant)4.



La magie des origines



Cette facilité à établir des liens avec l’autre, avec l’étranger, c’est dans les origines individuelles qu’il faut les chercher et non dans les « racines ». Rejoignant Édouard Glissant, qui évoque « l’intolérance sacrée des racines », Maalouf note : « Je n’aime pas le mot « racines », et l’image encore moins. Les racines s’enfouissent dans le sol, se contorsionnent dans la boue, s’épanouissent dans les ténèbres; elles retiennent l’arbre captif dès la naissance, et le nourrissent au prix d’un chantage: « Tu te libères, tu meurs! »5. La racine entrave, attache, alors que l’origine, bien que déterminante, ne pétrifie pas l’individu dans une tradition fermée, dans un déterminisme étroit et fixiste.

Et au commencement de ces trajectoires personnelles, on trouve souvent l’exil, l’errance. Ce sont des évènements tragiques qui ont contraint la famille du narrateur des Échelles du Levant à s’exiler avant la naissance de celui-ci. À son tour, Baldassare est issu d’une famille de Gênois que les vicissitudes de l’histoire ont amenée à s’installer en Orient. Léon l’Africain, personnage historique, est originaire d’une famille de musulmans installés à Grenade et obligés de s’exiler au moment de la Reconquête conduite par les rois catholiques. Dans ce récit écrit à la première personne, comme bien des romans d’A. Maalouf, la fragilité qu’entraîne l’exil obligatoire, destin imposé et non choisi, marque les origines du narrateur, qui en vient à revendiquer le droit de n’être d’aucune patrie, d’être en quelque sorte un « fils de la route »6, à l’instar d’A. Maalouf lui-même, comme il le note dans le livre qu’il a consacré à ses ancêtres et à leurs itinéraires :« Pour nous, seules importent les routes. (…) Elles nous promettent, elles nous portent, nous poussent, puis nous abandonnent. Alors nous crevons, comme nous étions nés, au bord d’une route que nous n’avions pas choisie. » 7



Minoritaires et voyageurs



Il n’est donc pas étonnant que ces personnages soient à la fois des « minoritaires » et des voyageurs ; minoritaires car, exilés, ils restent toujours, en dépit d’une intégration réussie, des étrangers prêts au départ : Baldassare, d’origine gênoise, réside depuis sa naissance en Orient, y est très bien intégré, côtoyant aussi bien des chrétiens que des juifs. Il n’en est pas moins prêt à laisser famille, affaires, maison pour se lancer sur des routes qui, d’Orient, vont l’emmener en Europe, dans une aventure que lui-même qualifie fréquemment de déraisonnable.

Tous ces personnages illustrent, chacun à leur façon, ce qu’a dit Amin Maalouf de lui-même à plusieurs reprises : « La blessure intime (…) est d’abord liée à ce sentiment, acquis depuis l’enfance, d’être irrémédiablement minoritaire, irrémédiablement étranger, où que je sois. »8.

Minoritaires, ce sont également des êtres voyageurs, des êtres de passage, comme Léon l’Africain « voyageur, créature migrante », destinés à franchir des frontières, passeurs de frontières, rêvant certainement de s’affranchir de toute barrière : « Si vous saviez le bonheur que j’éprouve à passer les frontières sans que personne ne m’arrête… » s’exclame Amin Maalouf9 ; ils transitent d’un univers culturel à l’autre, de façon souvent extrêmement inattendue, comme si le destin se jouait des prévisions, des plans, des souhaits des hommes. Dans une vie faite d’exils successifs, de retournements imprévus, l’individu dérive le plus souvent au gré des circonstances, des rencontres fortuites, des aléas climatiques, des évènements historiques, existence où rien ne semble jamais acquis, ni définitif, pas plus les maisons que les noms ou les identités. L’instabilité et la fragilité des appartenances sont le lot de ces personnages, appartenances héritées, imposées, dissimulées, successives ou simultanées, éphémères, voulues ou subies ; aucun des personnages n’est assigné à un lieu comme à une identité. Maalouf reprend ici la thématique du nomadisme, commune à de nombreux écrivains de l’exil qui, bien souvent, ne se reconnaissent de véritable territoire que dans l’écriture10.



Des appartenances multiples



Cependant cette instabilité et cette fragilité qui font d’eux des êtres placés à des lieux de croisements, jamais assurés de rester dans un même endroit, si elles sont la conséquence de drames imprévus, n’apparaissent pas comme des catastrophes dont les effets seraient définitivement néfastes : Baldassare, chassé brutalement de Chypre, emmené ligoté et bâillonné dans le fond d’un bateau, séparé des siens du jour au lendemain, retrouve sa lointaine patrie d’origine, celle de ses ancêtres, ainsi qu’une famille d’adoption et une jeune épouse. Léon l’Africain, enlevé par des pirates, devient à Rome un érudit traité avec beaucoup d’égards avant de retrouver Tunis. Les bouleversements de l’existence qui peuvent conduire à tout perdre ne sont pas entièrement négatifs ; tournants décisifs, ils ouvrent sur une nouvelle vie, différente bien sûr, mais pas forcément plus mauvaise que la précédente pour peu que l’on sache s’adapter et accepter ce qui vient.

Cette acceptation de l’imprévu, si difficile soit-il, entretient une grande souplesse chez nombre de ces personnages, dont certains changent plusieurs fois de noms au cours de leur existence : appelé l’Africain à Rome, Léon l’Africain devient le « Roumi » à Tunis, surnom donné aux chrétiens ; le nom même de Léon l’Africain symbolise la rencontre de continents différents, Europe et Afrique, l’alliance de cultures éloignées qui se rejoignent au sein d’un même individu et qui parfois se sont combattues.

Cette faculté à pouvoir vivre des identités différentes est signifiée également par l’habillement : Hassan, autre nom du personnage–narrateur de Léon l’Africain, n’hésite pas à s’habiller comme un Cairote lorsqu’il réside au Caire, puis à la mode de Tunis lorsqu’il y réside ; le cosmopolitisme du Caire, la coexistence de communautés nombreuses le séduit et le retient dans cette ville où un chrétien copte lui a cédé sa maison. Le narrateur semble se plaire même à souligner ce brouillage des repères culturels et cette confusion qui rendent impossible la réduction d’une personne à une identité quelconque, qui déconcertent les regards curieux et interdisent tout étiquetage réducteur. Comment, en effet, considérer « un Maghrébin, habillé à l’égyptienne, marié à une Circassienne, veuve d’un émir ottoman, et qui ornait sa maison à la manière d’un chrétien ! » (Léon l’Africain, p. 351).

Comme les habits, les langues sont multiples : Léon l’Africain se lance avec enthousiasme dans un projet de lexique « l’Anti-Babel (…) où chaque mot figurerait dans une multitude de langues » (ibid., p. 434). La multiplicité des noms comme celle des langues parlées est là pour témoigner de cette impossibilité de rattacher le personnage à une identité unique, stable et définitive. Bien plus, il y a une grande noblesse à savoir surmonter les différences culturelles. Un musulman épouse une juive (Les Échelles du Levant) et chacun des deux, rivalisant « d’élégance morale », respecte et prend la défense de la communauté de l’autre ; dans ce couple généreux, chacun sait se mettre à la place de l’autre. La scène du mariage, où deux familles, juive et musulmane, sont amenées à s’unir et à sympathiser, témoigne de cet optimisme de l’auteur dans la capacité des êtres à se rencontrer au-delà de leurs différences.



Le droit aux identités multiples



Ainsi, loin de s’exclure mutuellement, les appartenances s’ajoutent les unes aux autres, s’accumulent, se sédimentent. Il en est presque des appartenances comme des femmes chez Maalouf : aucune n’est reniée, toutes ont été aimées et ni la séparation ni l’éloignement n’entache le souvenir, n’affaiblit son rayonnement chaleureux. Les appartenances multiples peuvent coexister au sein d’une même individualité et ces cohabitations dessinent des êtres pluriels, sans qu’ils soient déchirés ou incapables de relier les fragments identitaires dont ils sont composés.

Bien plus, en se déplaçant constamment, l’individu est amené à déplacer du même coup son regard, à changer de perspective. Ce n’est certainement pas pour rien que les personnages de Maalouf sont des négociants ou des diplomates, hommes lettrés, cultivés, de contacts et de tact. Maalouf, comme Voltaire en son temps, vante le commerce, activité d’hommes ouverts à tous les échanges, économiques, culturels et intellectuels ; pour bien vendre, il faut savoir se mettre à la place de son client, évaluer un tempérament, percevoir des besoins ou des désirs, sentir une manière d’être. Le négociant, comme le diplomate, est amené à fréquenter des gens très divers et qui parfois ne pourraient pas s’entendre ; Léon l’Africain, d’abord commerçant, sera ensuite diplomate aussi bien chez les Arabes que chez les chrétiens.

Et ce n’est pas avec un idéalisme naïf que ces appartenances multiples sont envisagées : les massacres, les séparations, les souffrances ne sont pas occultés mais bien racontés, et avec toutes leurs horreurs parfois. Cependant, il n’est jamais impossible de les surmonter et c’est à l’individu qu’il revient de se préserver des folies collectives ; l’individuel, lieu de la nuance, parvient à mettre en place ce que le collectif, réducteur et simpliste, évacue et interdit ; les micro-rencontres permettent d’ouvrir un espace où l’amitié et le dialogue existent en dépit des clivages culturels.



Un nouveau défi pour l’individu



Maalouf reste attaché aux valeurs occidentales, dont la confiance en l’individu, relié au groupe, à la « tribu », mais libre et unique, même s’il lui arrive de regretter l’individualisme parfois outrancier des sociétés occidentales. Que ce soit dans ses romans, dans ses essais (Les Identités meurtrières) ou dans ses entretiens, cet écrivain, que préoccupe la montée des violences communautaires et qui ne craint pas de donner un « message » ou de résumer, lorsqu’il évoque ses romans, « la morale de l’histoire »11, refuse de confondre appartenance et adhésion aveugle pour affirmer le droit de l’individu à résister aux pressions collectives et à vivre sans déchirure l’ensemble de ses identités : « Où que tu sois, certains voudront fouiller ta peau et tes prières. Garde-toi de flatter leurs instincts, mon fils, garde-toi de ployer sous la multitude! Musulman, juif ou chrétien, ils devront te prendre comme tu es, ou te perdre (…). N’hésite jamais à t’éloigner, au-delà de toutes les mers, au-delà de toutes les frontières, de toutes les patries, de toutes les croyances. »12









Notes



1. Entretien avec Catherine Argand dans Lire, juin 2000.

2. Le Périple de Baldassare, Paris, Grasset, Le Livre de Poche, 2003.

3. Léon l’Africain, Paris, J.C.Lattès, Le Livre de Poche, 1986.

4. Les Échelles du Levant, Paris, Grasset, Le Livre de Poche, 2002.

5. Origines, Paris, Éditions Grasset & Fasquelle, 2004.

6. Op.cit., Léon l’Africain, p. 9.

7. Op.cit., Origines, p. 9.

8. Entretien d’Amin Maalouf avec Egi Volterrani disponible sur le site d’Amin Maalouf ; voir aussi la revue Lire, juin 2000, entretien avec Catherine Argand.

9. Entretien avec Catherine Argand, revue Lire, juin 2000.

10. Voir en particulier les ouvrages d’Albert Memmi, Le Nomade immobile, La Terre intérieure, ou Leïla Sebbar et Nancy Huston, Les Lettres parisiennes, Histoires d’exil.

11. Le « Club » reçoit Amin Maalouf. Interview du 11 juin 2000, à propos du Périple de Baldassare, Site : http://www.grandlivredumois.com/static/actu/rencontres/maalouf.

12. Op.cit, Léon l’Africain, p. 473.



© Le français dans le monde, janvier-février 2006 - N°343




View mabdeljalil's Full Portfolio