العودة إلى المسيح
محمد علي عبد الجليل
بينما كانَ أبناءُ الظلامِ (الذينَ لا أملَ لهم في الخلاصِ –على ما يبدو- في هذا الجيلِ على الأقل) يذهبونَ قطعاناً إلى بورديلات الإيمانِ ليحصلوا على قليلٍ من الانتعاظِ الروحي، كنتُ أبحثُ عن طريقٍ إلى المسيحِ (اللوغوسLogos ) الذي ينحجبُ عنهم وعن كثيرٍ من المنسوبينَ إليه زوراً والذي يوحي لي اسمُه بأنه يمسحُ الزمانَ والمكانَ والخطيئةَ كما يمسحُ النورُ الظلامَ…
وما الخطيئةُ إلا رؤيةُ الأنا ضمنَ الكُـلِّ، مما أدَّى إلى انفصالِها عن الأصلِ الذي هوَ العقلُ الكليُّ أو (اللوغوس)؛ هذا الانفصالُ يمثِّلُ هبوطَ آدم وحواء، وهو هبوطٌ نفسي (هبوطُ الوعي).
ولمحوِ هذهِ الخطيئةِ (الأصلية)، يجبُ إذاً على الأنا أنْ تعودَ إلى الوحدة، أي أنْ تعودَ لتتصلَ باللوغوس من جديد. ويتمُّ الاتصالُ (أو الارتباطُ Link) بهذا اللوغوس عن طريقِ معرفةِ الأنا أو النفسِ لهذا اللوغوس، أي إيمانِها به.
واللوغوسُ هو المعنى الخفيُّ للمسيح. ومن هنا نفهمُ معنى الآية: (مَن آمنَ بي وإنْ ماتَ فسيحيا)؛ لأنَّ الحياةَ الحقيقيةَ للنفسِ تتأتَّـى من خلالِ اتحادِها بالأصلِ الذي هوَ اللوغوس (فالغصنُ الذي يُقْطَـعُ من الشجرةِ يموت)؛ وبذلكَ الاتحادِ تحصلُ النفسُ على خلاصِها.
الخلاصُ الذي هو محوُ الخطيئةِ يتمُّ إذاً بمعرفةِ سرِّ الآبِ في الابنِ وسرِّ الابنِ في الآب.
فقد ظهرَ الابنُ (الموجودُ في البدء: في البدءِ كان الكلمةُ Verbe [اللوغوس]؛ وقالَ المسيحُ عندما سألوهُ عن إبراهيم: الحقَّ أقولُ لكم إنني أنا كائنٌ قبلَ إبراهيم.) ليُـنَبِّـئ عن الآب.
وظهورُ الابنِ يُعَبِّـرُ عن تجلي اللوغوس الأول.
الحق (المُـعِـلّ أو اللوغوس الأول اللامتجلي) = الآب
↓
الروح (علة العِلَل أو العقل الكُلِّي أو اللوغوس المتجلِّي أو الكلمة أو المسيح) = الابن
↓
النفس أو الأنا (العِلَّـة الثانية)
إنَّ انفصال الأنا عن العقلِ الكلي الذي كانت تعيشُ معه بسلام (الجَنَّة) أدَّى بها إلى الخوف من كلِّ شيء، حتى من نفسِها، مما أدى بها إلى اللجوء إلى السِّوى الذي لا يزيدُها إلا خوفاً. فلجأتْ النفسُ البشريةُ كتعويضٍ عن هذا الانفصال إلى اكتناز الذهَب والتسابق على التسلُّح، وهو ما يتمثَّلُ في عصرِنا الحالي بالثورةِ التكنولوجيةِ التي ليستْ إلا تعبيراً عن الضَّعفِ الروحيِّ الصارخِ والخوفِ الزائدِ من أيِّ شيء…
ولتفادي الكارثة لا بدَّ من عودةِ الأنا إلى العقل، بتعبير آخر لا بدَّ من عودة النفسِ إلى الروح. فزواجُ آدم من حواء يرمزُ إلى ارتباط العقل بالنفس.
فآدمُ الذي يرمز إلى العقل الكلي أو الروح (علَّة العِلَل) عندما تزوَّجَ من حواء التي ترمزُ إلى النفس (العلة الثانية) نتجَ عن هذا الزواجُ نشوءَ الخلق.
فالزواجُ يمثِّلُ اتصالَ النفسِ [مؤنَّث = حواء] بالعقل الكلي المتجَـلي [مذكَّر = آدم: خليفة العقل الأول اللامتجلي]، كاتصـالِ القمــرِ [مؤنَّث باللغة الفرنسية: La lune] بالشمس [مذكَّر بالفرنسية: Le soleil].
لمحْـوِ الخطيئة إذاً لا بدَّ من سلوكِ طريق المعرفة، معرفةِ العقل الكلي أو الروح. والمعرفةُ لا تتحقَّقُ إلا باتحاد الروح بالجسد.
فأيُّ عملٍ غايتُه إظهارُ الأنا أو تلميعُها ليس إلا تعزيزاً للخطيئة وبعداً عن المسيح.
لا بدَّ من العودةِ عن الخطيئة بالعودة إلى المسيح، ولكن ليسَ بالضرورة أنْ تتمَّ هذه العودةُ بتطبيقِ شريعةٍ ما.
فعندما تدخلُ الأنا في تطبيق الشريعة تصبحُ الشريعةُ خطيئةً.
كما أنَّ العودةَ إلى المسيحِ لا تعني بالضرورة التخلي عن الشريعة.
العودةُ من الأنا إلى الْـ (هُـو) هي العودةُ التي تنشدُها جميعُ الأديان وإن اختلفَت الشرائع.
محمد علي عبد الجليل
27/8/2004