البصر الذي سكب ماءهُ على بلاط الوساده

قراءة





(نصف قمر)



البصر الذي سكب ماءهُ على بلاط الوساده







كرم الاعرجي









صدرت (نصف قمر) عن دار الشؤون الثقافية وهي بمثابة رواية ضاجه (بالبانوراما) والامتثال  امام المزايا الواقعية التي يتحلى بها الروائي، انها انسجام بيئي مع حيثيات المعرفة (وبوطيقيا) الادب وقد استخدم وعيه في نسيج يراهن على تفكيك مخيلته عبر اشواط العمر التي مرّ بها، انها مونودارما، قصصية يتبناها لغة لكي تكون رواية يغرق بين مفاتن احداثها العوم في هذا البحر الصعب الذي تنتجه تاملات الروائي (نوزت شمدين) هذا المغامر والمغاير بطرحه وبتجديد مادة المعنى سردياً على مستوى الحكي..

ان المفتتح الذي ارتكز عليه هو جملة يختفي وراءها الخبر ثم ينحدر من اعالي بنيتها لطرح الفهم الموصول بها عبر مجسات صوتيه تتألف مكونه هذا الاسلوب الغارق في التفاصيل وبدلالات محميه ترجف القلب بتقلبات الصياغة المشهدية لعالم البطل (عادل) حيث يقول(إنطفأ العالم) ومن هنا بدأ يفتح الاسرار كاشفاًا للمعنى دلالات اخرى تخضع التأويل في فك الرموز (بديلوج) الداخل الحسي له(ومنلوجات) الخارج المضاف اليه فتتحول النتائج الى (مونودراما) مصرية فيها من التناقضات والصدمات سعة انطفاء البصر وانشغال البصائر، انه يرى العالم المستور مفضوحا بحريقه ومن هنا تتكون في افقه صورة الاراده ليفعل المواجهة مع الحياة..

[ عثرت اصابعي على مفتاح الضوء، فعلمت انني احتاج الى خطوة اخرى] والامال مفتوحة امام البطل الاعمى.

وهكذا يقتفي اثر الشخصيات لحظة بلحظة بما يراه حجة له في سرد احداث متتابعة تتمايز فيه الاصوات والاشارات التي جعل منها عالم مشحون بدهشة الايضاح بحيث جعل من دلالاته وجبه يومية يتأملها وصفا مليئا بما ينسكب من مخيلته التي رسمت لهذه الشخصية المفترضة دلالة وجود، [ شيء مؤلم ان نملك الضوء ولانهتم بعالم اللون الاسود] .

وبما انه  احال هذا العماء الى ارث جيني اصاب شخصيته النادرة بالكبت النفسي، بحيث لعن من خلاله سلالة هذا المرض لما قدر له انه يعيش معاناته بعد ان كان ممتعا بتفانيه ومخلصا طموحا في خدمته للوظيفه التي يشغل منصبها، انها فجأة التحوّل القدري الذي أحاله اسيرا لهذا العماء، ومن هنا تجرشه الحوارية برحى الصدمات، فأخذ يتحسس الاشياء التي كانت صوراً، والرموز الاجتماعية التي تحيطه متاهة للحديث الصامت فاصر على المواجهة للبحث عن اكتشاف ما يسرهُ بعد هذا الالم..

[ جرحني الصوت ما ان اخذ الصباح ينشط خارقا حجابات الجدران والنوافذ والستائر المسدلة، مهاجما سمعي بضجيحه وعنفه] وهنا عزفت الحياة لحنها الحزين الذي اغرقه في المتاهه..

وبما ان فن القطع المشهدي كان دقيقا يتآلف بحبكة مع احداث دراما الذات قد صورت بعين السينمائي المبتكر..

فالدفاع عن نفسه امام اخيه (مصطفى) الثري القلق والقاسي سلوكيا من وجهة نظر الناص، كان شديد التعقيد،

[ ماحدث حدث وانتهى الامر] وكذلك شخصية امه الحنون[ سمعت رنة صدرها وهي تضربه بقسوة] وزوجة اخيه الصالحة [ وعادة ماكانت تنقذني في اللحظة الاخيرة] ومرايا اخرى لوجوه اقاربه (الخالة وابنتها وزوجها السوري والخال الخ...[ تجاوبت مشاعري مع تلك الاحتفالية ورحت ابادلهن الحزن بالحزن] وخيط ذاكرته المرتبط روحيا بالموظفة (اسماء) التي تشكو من (عرج) اصاب ساقها وهي بمثابة حبيبه حميمة واحساسها بالعاهه كما هو احساسه بمرض العماء







[ تحشرج صوتها وهي تقول - لقد تركت فراغا، وباجابة مؤلمه - انا الان اعمى يااسماء]





    

واخلاص الطبيب لمهنته الانسانية



[ تعامل بخفه مدربه مع ادواته]    





والطريق الذي خاصمه بالعثرات والعكاز التي اخجلت بصيرته.. والشخصيات المرسومة على مساحة الرواية كانت كثيرة في الدائره والبيت والشارع..، والتقليد الاجتماعي  في كل مكان بيئه نسيجيه بما فيها من متناقضات، وبتواشج قصدي عند الناص من اجل خلق بنيه للمعمار الحواري جاءت مدروسه في المشاهد برغم قفزاته في التقطيع فالدخول الى مشاهد اخرى تدور احداثها باجواء مختلفة كانت  مختزله وسريعة التبرير منطلقاً من مبدأ الشخصية التي يقابلها مبدأ الفن عند الناص ويبقى مستمرا حتى [ يصل القلب حلقه] عندما يسمع صوت اسماء باطلالتها عليه وهي تحييه (بصباح الخير) وهنا دبت به الحياة وكله امل  حين، التصقت ذراعها بذراعه، وبعد كل هذا الوجع والصراع مع الذات والمجتمع اخذ (عادل) يفرح بارادته التي سحقت الكثير من اجل ان يرى النور بعيني اسماء وينتزع الحياة من ظلمته منتصرا على العمى، وهكذا ترك عصاه مغمورا بمرح التوحد مع اسماء..

ان الذي اثارني في هذا الروائي، تتجلى ابعاد مخيلته برؤيه تفاعليه، تجعلك تنقب بفضاءاته عند عقلنه معانيه، فرواية (نصف قمر) هي انسلاخ الذات وفرشها على (احافير) الواقعيه، لخلق روح جديدة تنبض بالحياة.





(الاحافير) باليونانية تعني النشوء الميت




View karam's Full Portfolio