قراءة محسوسة
في مجموعة (عذابات)الشعرية كرم الاعرجي
إن جزالة اللفظ والإجادة في تخليق معنى واضح في أسلوب الشاعر الذي يحاول بان يحذو حذو فحول الشعراء،ولكي يكون قصائد لامعة/عليه أن يهتم بفرائد صورية تختزل مفاتنها اللغة، اعني المتخيل الصوري والتفعيل من خلال اللغة، لتجعله بارعا في اقتناص مرايا الحياة، كي تكتمل لديه الرؤيا بمعناها الإطلاقي، وهنا اقصد الواقعية المطروحة كرؤية مفتوحة على آفاق واسعة،من قصص وغزل،ومديح ومراث،دون تكلف أو إجبار مخيلته بتفجير طاقاتها ونثرها في أجواء غامضة تنذر نصه بالخطر من عدم الفهم وإقحام مداه بالغوص داخل عوالم تغرقه في متاهات المعرفة..
وليس علة أن يبدا الشاعر بمفتتح يفرش الزهور أمامه كي يسمر عيناه في المسارات المشعة الصادرة منه،متحسبا ومتحسسا خائفا من لغم الكلام الذي يسقطه في فلك النقد من خلال المتن الشعري..
فالمجموعة الشعرية الصادرة عن دار الشؤون الثقافية والموسومة ب(عذابات)للشاعر الشاب (حمد لدوخي)تقع في ست وأربعين صفحة بعدد ثلاثة عشر نصا، معتمدا في مقدمته مقطعا للشاعرة (بشرى البستاني) الذي يبدو لي سوداويا ومنغلقا، مدعما بإطراء التقديم للدكتور (عماد عبد يحيى)
(فالدوخي) مفتونا بالشعر مأخوذا بتيار التحديث داخل البيت الشعري (العمودي) ليتفرد كصوت جديد يضاف إلى اقرانه من الشعراء الذين اعتمدوا التفاعيل المكتشفة من قبل العلامة (الفراهيدي)..
تقتحم قصائد(حمد)الذات التي تضايقها خيوط التخييل المنسوجة من الباطن كرؤية، وأخرى الظاهر الذي يفقده اللذة، وهكذا يعبد مساراته في التطابق الضمني السائح بصوره الجمالية المنبثقة عن رؤى شفافة ونافذة في جوهر مواضيعه المساعدة،على تهيئته للتحليق في البعد رمزا وإيماءة، والمأخوذ بشفرات مجازية تتحسس الوجود. لينشد في (مزاغل البوح) اعترافاته الساخنة والمشدودة بما يجعله متأثرا بالفوق.
سيأخذني لباب الله دف
اذا ما احتج في الآفاق رف
وهنا القصد العقلي المتأمل للوجود، هو الأيمان المطلق برب الخلق، ولكن يستوقفه الخوف من عدم المغفرة الإلهية، فيانبه الضمير لكثرة الهفوات التي مرت بحياته،لذا أراد أن يبوح بأسراره لانه على علم بان الله يعلم بما نفعل
(اذا ما احتج في الآفاق رف)
والخالق العظيم غفور رحيم حيث يقول في آيه الكريم(وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى).. ويستمر في تحضير الأضداد والمفارقات المتناقضة على مساحات شغله الشعري مسافرا بخيالاته ومحموما بواقعيته، مستنبطا أصالته ببريق الشعرية والمجاز في اختيار صورة وحبه المسكون بهواجس الأعراب عن الحب السامي لوطنه بشكل جلي قائلا
تنهد أيها البلد الاعف
فدربك نحو باب الشمس زحف
تنهد كي يسير النخل جيشا
وينكس كل قش الأرض سعف
وهنا تقع مجازاته في البيت الشعري بشكل مرتب، فالوطن دائرته الحب، وعفة الوطن طهر يعتز بتربته الإنسان ونقاؤه من نقاء وطنه لذا عبر عن الجذر الضارب بالأرض مفاخرا بالنخل وهذا رمزه الكبير، مبصرا في الآفاق نورا يهبط كخيمة.
أما ما يتسلل نحو القلب من شعر يفيض غراما،تجاوز ظن التلقي بان هذا الشاعر مهووس بالحب ومبتل بالهوى فقط،ولكنه يعلل ما يخالجه من مشاعر نفسية مستورة ليفضحها عبر قصيدته (مواويل لسيدة الماء) وهذه القصيدة فيها من الجمل السردية الطويلة، ولا ترقى إلى مستوى الشعرية التي تعودها الشاعر في قريظة، برغم تطعيمها بالمرجعيات القرآنية التي وظفها متعمدا من اجل خلاصة،(لا اكلم هذه الناس ثلاث فصول)مستطردا(وفراش يحمل عنك عناء ضفيرتك ليدل عليك) إن (انسنه)الأشياء لا يعني أنها مجاز يستخف بلغة القبول العقلي مستمرا (ضفيرتها تكنس ما ضل على تنورتها من نظرات ألامس) الربط الفكري بين هذا الوصف الذي ينحدر من خلال نظرته الفائتة والمقرونة بمراهقته لا يلتقي مع المكمل من الكلام إلا..،(لي وطن بين الثوب وبين البحر)وبما أن (البين)المفردة تعني الداخل اذا ما فصلنا الثوب عن البحر، ألا وهو الجسد الأنثوي، وهنا انطلقنا في تعدد مرايا التأويل الذي لا يقبل إلا مزية واحدة من الفهم،وهكذا أحبطت مساعيه (المجازية)وتكسرت مراياه في لحظة ماجنة..
وتبقى مجموعة (عذابات)من إحدى علامات الشعرية الشابة المضيئة والمقروءة في مدار الشعر العراقي المعاصر