في المجموعة الشعرية ((أماكن فارغة))
كرم ألا عرجي
الهدوء ينشط في الأماكن الفارغة ليتحول إلى صخب حزين وجميل ومن ثم يحلق عاليا بلغة الباطن التي تنطلق بخيال التجربة إلى فناء الحقائق… أن الإدراك العالي عندما ينثر الدهشة في سماء الأدب يستنبط من الواقعية أجواءه لرفد المسار في جميع حقول المعرفة.. من هنا يتجلى الشاعر بنفوره من الأسلوب العادي ليتحد مع نافورة النور بهذا الهيولي الكامل والغامض أمام مخيلة العقل البشري انه فنان يرسم للحياة بلغته صورة أخرى سامية تخترق الأبعاد في الاكتشاف لينسلخ محلقا…
في مقولة الأمام علي ((رض)) (الله في الأشياء ليس بوالج ,وعنها ليس بخارج)
وهكذا يبحث في الأمكنة من اجل خلق جذر جديد ينحت للمحاكاة معاني الفراغ ليطل من شرفات هذا الغلق.. هذه الانبنائية الساحرة تبتزنا..مغامرة وأخاذة تجازف بتكوينات لغوية مموسقة.. هذا الاحتراق الساكن لا ينفصل عن ثلاث: العقل..القلب..والسر الإنساني هي محاكاة تحاور أقصى الحالات في التعبير عن الفكر..وبالرغم من أنها شائكة التحليل وممتنعة في السهل يستبطن البصيرة فينفذ إلى المتلقي بخيال واسع/
مجموعة ((أماكن فارغة))للشاعر (علي الإمارة) هي بمثابة شغل يتأسس في عالم القصيدة الحديثة حاول خلق صورة مبنية داخل أسرار يتفنن بها مسحورا بالأماكن وكما هو في مقطع من قصيدته((جهات)) حيث يقول (مدينتي عميقة) (لهذا زرعت قدمي في الأرض)
(مدينتي عالية)(لهذا فان بكائي مثل المطر)
إذن هنالك أماكن متوحدة في مكان/أنها جذر/ فعلى الشاعر أن يتوخى الحذر من الفراغات الجارحة..
(عندما تجف أنت من الشعر)(اجف أنا من الماء)هذا الانحراف الفني الدقيق اجبر المتلقي القارئ على التأمل لذا اعتبره تخليق جمالي خفي اجتاز حدود المعقول/وبرغم الغموض انفتحت الرؤيا الصورية نحو بهاء متألق في الجمال بغض النظر عن الشغل التقريري داخل((مفارقاته)) فيستتر بالقص ليقول ليقول (آه كنا نظن)
(إن أشعارنا فقط ترابية)هنا تتوحد اللغة مع عشق التراب
فيصير شاعرتا أكثرنا قدرة على الامتثال أمام قضاء الشعرية ليدافع عن كل ما موجود من تداعي عن انصهاره حبا بالتربة..(جعلت من صدري دائريا)لذا يبقى هدفا للقنص مضحيا من اجل المكان..
(حين يمر القطار بقربك)(تهتز بيوتك)(فنضحك نحن الذين)(ليس لنا بيوت) فن القص القصصي يثير شهية القراءة لان البناء في التركيب اللغوي الدقيق حيث الحبكة في رسم صورة ناغلة بمنقار حديدي، في قلب الطبقية/(اعذريني أيتها الوردة) (ساكون مشغولا بالاستحمام)(فأنا خارج من حربين)الخطاب الداخلي مع الطبيعة في ذهابه وعودته من حربين ليزف البشرى للعشب المضيء في مدينته وليرفع راية السلام ويحرك السكون ليستمر في حياة جديدة مليئة بالأمل/ وفي خضم التداعيات يفقد الشاعر التوازن محاولا الكشف عن شئ يعيد له توازنه بعد ما مل الصورة التترى لوصف المكانية في مدينته إذ يقول(لا نريد شيئا) (فقط)(نريد مزج الألوان) (نريد أن نتوازن) يبدو أن الشاعر غير متوازن ومتذبذب حتى بعد بناء هرم المعنى كان مخنوقا بدموعه ومحميا بما يحيطه من جرح الحقائق.. حينما يكون التوضيح مأساة تبقى الأماكن فارغة/في قصيدة ((أكل)) (وربطنا على خصرها)(لترقص لنا رقصة الأماكن)(المتباعدة) (الأماكن الفارغة) وهكذا بقي يدور في فلك الفراغات إنها دوامة مع بكاء البحر وعدم احتمال السلالة من البعض مشبها إياها بأسماك بحرية حيث القادر على الغير قادر وهكذا دواليك..فضجت ذات الشاعر فافصح عن معر فيته التاريخية.
(أنالا اخاف أمريكا)(أمريكا بلا جذور)(سأحاربها بجذوري)
(جذوري العالية أبدا) ويستمر(علي الإمارة)في البحث داخل أماكن
ملئى بالأنساق والانسحاق ليظهر بنمط ذوقي حالم وجديد..انه يسجل في اللاوعي وعيا مضافا للخزن في قصيدة((حزن)) يقصد كتابة ما يحدث في يومياته السائبة وبلا شباك ينزل إلى الشارع الذي يرى به البحر لكي يتسامى عبر اللغة الواقعية/ إن الحلم الذي ينتابه دائما هو الوصول إلى مدينة الفلسفة والحكمة والإبداع إلى بغداد الفن والهواجس/هذا السر الذي اعتراه منذ زمن جعله ينزف كثيرا من المدن والكثير من الحزن (سوف انزف مدنا كثيرة) (لكي اصل إليك) ومن ثم وصل وقرأناه وكلنا أمل في أن يكون شاعر نا مبدعا يمتلك القدرة على استخدام سنارته لصيد العقول / وهكذا يبقى يتحسس آلامنا من اجل مجد لا يليق إلا بالمبدعين.. إن الصراع الفني في اللغة قائم بين الشعراء وما زال البعض يرسم خرائطه على مساحة لغتنا الواسعة ليتفرد/لا يمكن للشاعر رصد الإبداع لكي يرتديه إلا عن طريق أفعال الواقع لذا فالمقروء اخذ يحس ويبحث من اجل أن يرفدنا بالصور الخلاقة للمعنى وان يتحرر من معاناته ولو بنسب لكسر قضبان سجن الذات وان كان داخل قفص الحرية بالمجاز.
الحقيقة،السراب، الوهم،التراب،الاماكن،الصدى،ذكريات،اجيال،تقاويم،بيوت،فقراء،شعراء،بواطن،ظواهرالى أخره من المفردات القاسية التي تعرش على اغلب نصوصه والتي يصورها لنا بأنها مملؤة فراغا(إلا من كل شئ) لها معنيين الأول المكان مملوء بكل شئ أما الآخر اعترض عليه لان العبارة لها مرجعية مقرونة بالذات الإلهية فعليه أن يقول إلا مني. لانني كقارئ لبست معه المعطف الترابي بما فيه من صدى أصوات لا حدود لها..هذا الشغل الباسل مرتبط ارتباطا روحيا مع المكان فأين الفراغ؟الفراغ الروحي اخطر من فراغ الامكنة فعليه أقول أن هذه المجموعة النادرة مكتنزة ومملوءة بمآثر لا يستطيع أن يلج مكامنها الفراغ وان كان سريا..
قصيدة((شجار))دليل قاطع على أن شاعرنا في داخله احتدام وصراع لا يستطيع أن يصفه حتى (عبد الرزاق عبد الواحد) ثم يستمر من اجل أن يضيف كلاما جديدا لآياتي من فراغ/يتحدى كل لغات العالم لان لغتنا العربية واسعة وسع الكون وان لم يتداول بعض من مفرداتها..اخذ الأزميل وراح يضرب بقساوة من اجل تحريك النبض في الجماد ينحت حتى تحول المنحوت ناحتا لجسده الذي يفور حزنا/ما أقسى هذا الحزن وهذا الحس الانساني في قصيدة((نحت)) وتتوالى الصور التي ترجمها إلى لغات عالمية بلغتنا العالية أبدا..