0 (صخرة الألم النبيل)
في طرديات ابي الحارث الموصلي
كرم الاعرجي
(دراما) الصورة في شعر (معد الجبوري) تعاويذ تفتح جراحاته المسكونة بجمر الحقائق التي تداهم رؤاه.. وتفضح مزاياه الخفية المأسورة بين يدي قوة خارقة تغزو شعاع الادراك الذي هو اكبر من سبات الحس/ ضد الجدب الشعري الذي ينتظر صرخته لتفجير طاقاته الحسية العالية والتي سترميها بنية المعنى في اجواء ينفصل فيهاالجسد عن الروح ويتحرر الوعي لرسم ما هو متخيل. وما طرديات ابي الحارث الموصلي الا تكوين صوري مفتون بحرائق الذات وامنيات التصدي والنفور عن جروحه الناغلة في جسد يتشكل في النقاء ويتسامى نحو ما هو مختزل/ وعندما يفتح الستار عن وجه طرديته (الكلام) مختزلا قصيدته بـ(أنا مليك الصخب الدائم) مأخوذا بالبلاء السري الذي يجتاح امانيه عبر زمن حياته الضاجة بالهم والاسى والانغلاق انه ممتلى بشفرات صوتية لا تطلع ولا تكتشف.. وبقي مأخوذا بها حتى اصبح مليكا عليها فكانت جغرافيا الصخب والزحام.. لذا فـ(الدراما) تأخذ مساحتها عبر خيوط هذه الجملة الشعرية التي تشيع خطى المعنى التعبيري الممسرح داخلها، وهكذا يستمر في كتابة مسراه في هذاالخلق الذي يتعذر علينا ان نبوح باسراره ليقول (اكتب ابجدية الرعود، والبروق واقرأ المجهولا..) انه امتثال امام قانون الطبيعة الالهي لهذه المكامن الخلقية الثائرة باحشائها على مفاصل الترتيب المحير لدى المكنون المتخفى.. ان خلف هذه الصور المتراكمة جبال تنصهر في مخزن تراجيدي لابجدية الشاعر../ وعندما يكون الجمال مصدراً للصورة المشوهة يترتب على الكاتب اظهارها بامانة بدون وضع رتوش اخرى تلوث المسوخ من الابعاد.. ان وصف الحياة بالغابة بما فيها من تناقضات وحشيةلدى عوالمها يجب ان تعرى فيها الملامح بكل اصنافها وعناصر تكويناتها لذا غامر في اختيار ذاته كصورة تنسجم مع ما ينفجر من احساس كما يراها.. انه يشاهد غرابة الافعال ويصورها.. (يا للحريق الفاتن الصعب، اهذا جسدي يطلق كركدنه الوحشي؟.. ويتساءل بهدوء متبصر.. أم خلائق غامضة تموج وسط الغاب) وهنا ارتفعت قامة الشمس وانخفضت مساحة الظل بما غامر به من تناسب بين ضدين/ الفاتن.. والصعب والكركدن.. والوحشية../ يبدو ان الغابة كتشبيه رمزي للوجود ضلت ترافقه على مساحات كبيرة بما فيها رحلاته عبر الاقاصي حيث يقول (من ساحل لساحل اعدو ومن غاب، انا مهاجر لغاب..) لذا انفتحت كوة في امارته للمطر الوحشي.. فما عاد التاج يليق بالفضاء في(طردية الامير).. لان صقرك الطليق ما زال في الاعالي يغازل دمك المشاع الحزين.. عنكب الجمر مسيطر.. والرؤيا في الالم تتقافز على رؤوس الاصابع.. هذه الملأى بالتضاريس الملتفة على اغلب نصوص الشاعر تثير الدهشة والتأمل انها (ميتافيزيقيا) تخضع من حيث الطاقة للجوهر الخارجي للعلة ومعلولها.. وبقيت يا شاعري الجميل (تكتوي بجمر الخلق) باحثاً في منفى الكتاب عن بصيص.. نافثاً في وجه الخراب الصور التي ستكون حتماً ذاكرة محلقة ومؤلمة تحت قامة الملكوت.. تتصاعد (الدراما) في زمن تدور فيه الرحى عليه وعلى وطنه المكابد بعدما جاست جبينه نار الحرب والحصار المدمر وما خلفه من ألم حد اشتعال الروح.. بقي يتغنى بصراعه النفسي وما يعانيه والوطن معاً في (سونيتة) الرحى ليقول (والضحى.. كل يوم، بكفي هاتين.. انتشل القلب من بين فكَّي رحى.. اتحسس انفاسه.. واقول اصطبر يا فؤادي) هذا من جهة الذات وبقفزة حسية يقرن نفسه ببلاده التي تستشعره بانها تحارب . فيرسم خارطة الحس على مساحتها ليطلق لسانه الذي لم يساوم (كل يوم، أجس جبين بلادي واقول اصبري يا بلادي..) .. مازال ممسكاً بالجمرات وبقوة الملامح اطلق فراقده ليزين سماء الحياة برغم (صخرة الالم النبيل) ويبقى الجبوري كزهرة تخرج من جرح عميق تدمر باصرار الفيح دروب العناء التي تتوارى باحزانها خلف خطى القادمين على صحون الخراب.
وهكذا يصار عصياً علينا ان نجوب كل شرايين هذه الطرديات الملتهبة.. والبحث في أروقة المعاني وهموم الانسان واختام المضامين.