تلقيح الخيال





تلقيح الخيال

كرم الاعرجي  

صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة وضمن سلسلة ثقافة ضد الحصار المجموعة القصصية (نفثات) للقاص  (د. منتصر الغنضفري) منحسرة في اربع وستين قصة قصيرة ، وهي تمثل تأمله في اكتشاف اللمعة الضوئية التي تنير مساحة النص امام المتلقي ، في جوانب عديدة من الحالات الانسانية التي ترافق لغته البسيطة والمقرونة بالهم الذاتي المعجون في (الكلية) بلا استقرار، ان مجمل ما قد كتب هو حوارية مفتونة بالسرد ، تسحبها ذيول الكلام نحو العام، ولم يتخلص من مزية الاتكاء على الاساليب القديمة برغم محاولته الدخول الى عالم الكتابة الحديثة، من خلال (القص) وذلك في خزن مفردات حديثة داخل متنه، والتي نحسها اقرب الى الشعرية لمستواها الناضج.. ، ان المتناقضات من احلامه تضعنا في حيرة وحرج، ينقلنا بها نحو مواطن كثيرة من ضعفه ، دون احتراز يجوب خلده فلا يكترث من اجبارنا بان نتفحص خيوط المجموعة التي سرعان ما تنعقد رؤيتها، فيصعب التنقيب باجوائه المغامرة في هذا البث، اقصد المشغل الفكري في بعض قصصه .. ، من جانبي كقارئ لا ابخس حقه في عدد من قصص المجموعة التي تستحق الثناء مثل (شهرزاد وشهريار، المرآة، القلم ، امرأة ، موقف ، انطفاء ، انتظار ) وهذه محاسن يشار لها بالبنان بعد الانتهاء من القراءة.

القصص القصيرة جدا التي امتاز بها الكاتب المدروس هي عبارة عن اسلوبية يراها هو متفردا بها، ولكن هذا النوع من (الـقص) قديم وفات اوانه في التذوق، ولا اريد الدخول في نقاش يرمي الى تسليط الضوء على الغالبية من القصص التي لا يكتمل فيها الفن، الا انني ادافع فقط عن احساس القاص لما يألفه من اجواء تثيره من اجل كشفها للمتلقي، (القص) حبكة فنية صورية ، لها شروطها كي يُستأنف الدخول الى اجواء الحدث من خلال العقل المدبر لرواياتها ، منها دلالة المعنى والزمن الغائب الحاضر والمكان الحاصل والوهمي ، مع ادامة البطولة الفردية ، كصفة محورية تتحرك في مدار الحدث عن بعد او عن كثب، كي ترقى الى مستوى نضوج الرؤية ، عندها يكون الصواب حاصلا في الطرح .

ففي قصته (انتظار) [كانت آماله واسعة وطموحاته ممتدة] هذه العادية في طرح قلق شخصيته ، لم تكن مزدانة بالجمالية في التوصيل لان هذا الكلام مطروق وفعله قائم في كل ذات، انه حس نفسي متداول، ولكن الحرقة في ذات القاص لم تظهر ، ولم يعرض ماهيتها كلغة على مستوى الفكر ، فجعلها مجرد جمل لم يتفاعل معها القارئ، اما الجملة في ذات القصة [ فورة عارمة اشعلها الملل ] اقرب الى الشعرية في تفسير انتظاره المتأمل لاحداث يستقبلها كانت مثيرة للجدل الخاضع للتأمل.

ان البعض من قصصه تعتمد (الضربة) التي نفهمها كحرفية فنية للكاتب ، لم تكن موفقة خوفا من حالات الحس المرتبكة في (معناه هو) دون الايغال العميق بالفكرة المحجوبة عنا بسبب غابات الطرح المتشابكة في المعنى. هذا من جانب، اما السرد الذي اعتمده كانشاء لغوي يحتاج الى تزيين معرفي في ترتيب احداثه من اجل تحقيق بنية كاملة لهيكلة النص، بحيث تُخضع القارئ في ان يلج عالمه داخل هذا المضمار المؤثر ، الذي اعتبره النقاد وبتشخيص ادبي بانه يتصف بالفرادة.

لذا سأنقل هذه القصة التي سيكون حكما عليها القراء والموسومة بـ (مسرح) (منذ ان بدأ عرض المسرحية ووسائل الاعلام لا تنفك تتناول الممثل الذي ادى دور السلطان فيها بالمدح او بالقدح مغفلة بقصد او بدونه - آثر المؤلف والمخرج والعناصر الفنية الاخرى في رسم شخصية السلطان وبنائها دراميا، حتى ان جمعا غفيرا من النقاد عدَّ هذا الامر لعبة يقف وراءها المنتج ليجني وحده مكاسب جمة) ..

انتهت القصة مع احتمال تقبلها او عدمه … هذا الخبر الذي نقرأه عن دور النشر او السينما تمت احالته الى ذوق ادبي رفيع اسمه (القصة القصيرة) … القصة التي حاورها كتابها في البحث والاكتشاف من اجل بقائها فنا جميلا يدغدغ المشاعر ويلقح الخيال بالجمال الفني الساحر ، تؤول الى زوالها (وان سلفت) هل يصح هذا التمادي على هذا الفن الانساني الذي أرق مبدعيه حتى سميت (بجرس اللحظة المدهشة). وبعيدا عن الفهم النرجسي اقول، انها ليست بقصة بل خاطر عابر لحالة ما.

ولو زاوج بين الخيال كنسيج صوري جمالي وبلغة شفافة غنية عارفة وطبقها على كل نصوصه كما في اقصوصته (المرآة) والمرأة، لتجلت امامنا رؤيته بجلاء صاف ومصقول بالفرح الكتابي الجميل حيث يقول (تطلعت الى المرآة ، ذات صدفة … ولكن … لم ارني ! حدقت فيها .. لم المحني … استمت في البحث عن انعكاس صورتي فيها … لم اجدني …. بكيت: اين انا …. ثم قلت : لعل العيب في المرآة) .

هذا شغل غير عادي في الكتابة ، انه اختراق للذات والاشياء ، اكتشاف يستبطن (المحيط) كي يصل الى سلاح المعنى من خلال التأمل ؛

ضربة موفقة ، ايها النافث في سماء الادب، ومعذرة لرأي قد يكون متحاملا بعض الشئ ، ولكن برميه للزهور فقط او ربما بنفثه للطيب فوق بساط المحبة ..


View karam's Full Portfolio