الحلقة الثامنة من شرح قصة (تباَ لك ايها الموت)
للسيدة المبدعة ماجدولين رفاعي
المنشورة على هذا الرابط في جريدة الاهالي
http://www.ahali-iraq.com/viewarticle.php?id=3534&pg=index&art=mp
...................................................................................................
بقلم جمال السائح
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
هل سأتمكن من ترديد اسمك دون أن أصاب بالحمى والهذيان؟!
تساؤل عادي
لان اسم المفقود غالبا ما يثير الاسى في نفوس اهليه
او اصحابه
او احبائه
لكنها هنا تجرأ باصطحابنا نحو ضفاف غير عادية
لانها تصاب بالحمى والهذيان طالما كان لها ان تذكر اسمه
لكنها لا تدري
هل ستقاوم
ام انه الكلام ساعة الفراق والهول
هذه طبيعتنا الانسانية
حتى ولو كنا مجربين طعم الفراق
لكننا نعود نشعر بحرارة اللحظة التي نعيش فراقا في خضمها
بحيث لا نستطيع السيطرة على مقاليد النفس لدينا
ولكن اغلب الظن
عواطف كانت اجتمعت
فغامرت بنشيج الكبرياء لدى البطلة
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
أحقّا أنت لست هنا؟!
تساؤل اخر
مدهشة هذه الماجدولين
حينما تعمل على تعرية المشاعر لدينا
انها مشاعر طفولة
كما لو كانت صغيرة
تداعب ذكرى حبيب لها
كان غامر في السفر
ثم وعدها بالعود
لكنها لا تثق بوعده
هي الاخرى الان تقف امام توسلات نفسها
تلك التي تمنيها عودة حبيبها
او تمنيها كل خاطر يمكن ان يخطر في قلبها
او هاجس يتمالأ به صدرها
لانها الان غدت الان
وجها لوجه امام الحقيقة
هنا حالة من التجرد عن العواطف
هي الان تسبح في جو مشبع بالواقعية
لانها صحوة غير منتظرة
تلك التي تختال في وجهها
حتى تملأ صبحها ومساءها بالانتظار
الانتظار هو الذي اكد لها ان الواقع امر مريع
لكن ينبغي الخضوع له ولو على مضض
لكن كلامها بسيط للغاية
غير انه يمتلك قلبا لغالبية المعنى المغيب وراءه
لانها تعيش الحب الذي كان
الود الذي مضى بشخصه
من دون تفاؤل يمكن ان يكتنفها
هذه صورة الواقع المزيف
لانه يحمل زيف التأريخ
والفكر
والذاكرة
التي لها ان تشبع النفس بغرور التمني
من دون حقيقة
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
ولن أستطيع النظر في عينيك مجددا وملامسة يديك الدافئتين!
هنا تعيش الاحساس بكل مداخلاته
لا تفتأ ترغب في الوصال
لكنها تغالب الشعور الخفي لديها
كي تستبيح في نفسها اكتساح كل ما عندها من رصيد نفسي
لان النظر في العينين يقرب من وضوح المعاني
فسوف لا يكون بوسعها بعد اليوم قراءة المستقبل
لان حبيبها كان اخذه معه
ذلك ان الحبيب حينما يرحل
فهو ياخذ معه المستقبل الذي ياتي
من قبل ان يدع ذكراه تشع على الماضي
ليفتح بواباته سراعا بين يدي الباقين
هكذا يفعل الماضون دوما
لكن من دون ان يفهموا كيف صنعوا مثله
غير ان الجميل في الوضع الان
هي ان يديه ما تزالان دافئتين
بينما جسد الراحل ينبغي ان يكون باردا
ذلك ان البطلة تعيش معه في داخلها
وهي لم تخرج بعد من فعلها الداخلي
لذا هي تعيش الذكرى بكل حرارتها
لكن حين يكون لوقعها ان تلفحه البرودة
فهل ستعود تذكره كما اليوم تفعل
اقصد انها ستعتاد فراقه يوما
وبمرور الزمن
ستعتاده اكثر
لكن ليس بمثل حرارة الفراق
وانها قريبة عهد بمثله !
لانها في مثل هذه الاحاديث
تريد اعلامنا انها اخذت تصحو
وانها صارت تعي الامر حولها
وانها جعلت تتلقى الحقيقة ضربة مؤلمة
لكنها تلقتها واخذت تتلقاها بقوة
لانها ستخبرنا فيما بعد
بما يدل على مثل هذا !
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
كم الساعة الآن؟؟
بدأت تتغلب على دائرة الزمن
تحاول محاكاة من حولها
ان تعيش معهم
وان تفهم صفاتهم
بذكر كلامهم
وان تساير ايامهم وازمنتهم
لانها خرجت من غور زمانها غير المسجل لدى هؤلاء
ودخلت في زمانها الخارجي من جديد
بعد ان استطال لديها الوقع في غاياته
فاخذت تسائل
لتؤكد انها لم تكن بينهم
وان كانوا يحيطون بها كل هذه المدة
وطيلة هذا الزمن المتصرم
لانها كانت منحصرة في عصير الذاكرة
وليس لهم ان يلهموها كيفية حساب الوقت
بل ان عليهم ان يقتصوا من ضرب الوحدات القياسية للزمن
فيخبروها بالساعة وحسب
بمقاربات الزمان الخارجي
كيف تفهم كم كانت هي بعيدة عن حاضرها الراهن
لان الان غير الامس
ولان في الان لا يوجد لها حبيب
بل انه كان من مخلفات الامس
لذا
ارادت ان تعيد لنفسها شيئا من اعتباراتها
ذلك انها وان تمكنت الذكرى منها
لكنها مع ذلك تبقى مكابدة منافحة
حتى في اصعب الظروف
وهنا مغالبة
وصراع بين الزمن الماضي والاتي
هو حاضر مثير
تتعمد فيه الكشف عن مظانه
وبكل صراحة !
فارادت الاجهاض على افكار من حولها
لانهم كانوا منشغلين بها
وان لم يعيدون النظر في ساعاتهم
فسوف لا تجد من يجيبها كم الساعة الان وبكل سرعة وبديهية
لذا
فهي هنا تعمل من اجل تسجيل نصر لها
في ظل الازمة
وفي عمق المأزمة
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
اذكر أني سألت هذا السؤال..
غير انها تفاجئنا حينما تنكر جواب احد لها
وانها عادت الى الحديث مع الحبيب
وان زمانها لم يذهب
وانها متسلطة على حاضرها وماضيها ومستقبلها
فحاضرها ما كان بوسعه اخبارها
والمتحلقين من حولها
لم يكن بوسعهم هم الاخرون اخبارها
فكيف تسنى لها السيطرة على الاجواء
بينما الصاحين من حولها
لم يستطعوا اتمام هذه الحلقات الحاضرة من حولهم
هل تشبعوا بغيبوباتها التي كانت تؤرقهم
فاصابهم النوم
بعد ان اتعبتهم بالتحلق حولها
وتعاود الاشراف عليها وهي كالنائمة !
ام انها تهذي
ام انها تحدث
يعني انه كان بوسعها الحديث
لكنها
لم يكن بوسعها سماع ما يحكونه لها
او يجيبون به عليها
يعني انها ما زالت في عناد التملص
من الذاكرة
والخروج من بئر الماضي
وانها تفعل
لكنها لم تتمكن بعد
الخروج منه وبالكامل
اذن
هي تقاوم
وما تزال تكابد
لكنها تفعل !
من دون مشاطرة حاضرية
حتى لو حصلت
فانها لم تع مثل هذا
يعني انها لم تدرك ان ثمة مشاطرة من الحاضر
ممن حولها
لانها لا تسمع لهم اي صوت
يمكن ان يدل عليهم
وعلى وجودهم
فهل هو صراع ما بين الحاضر والماضي
من هو الذي يستمع الى الاخر
ومن هو الذي يبيح الحديث للاخر
او من الذي له ان يدير الدفة
ام كلاهما
ام ان الحاضر سكت احتراما لمشاعر الماضي
ولم يحروا اجابة
لانهم ما ارادوا ان يعلموها برحيله
ذلك انهم متى ما حدثوها بوقت الحاضر
متى ما كان لهم ان يعلنوا عن رحيل غير مباشر
ذلك انها ستفهم كم مضى على رحيله
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
لكني لا اذكر أن أحدهم أجابني!
هنا تؤكد مثارات الازمة
وانها كائنة فينا نحن انفسنا
لان واقعنا الخارجي
طالما لا يحدثنا
فان صمتا ما في داخلنا
يداهن
فلا يسمع ما ينطلق اليه من الخارج
لكن بوسعه ان يسمع ما يرسل
ذلك ان غاياتنا تكون حينها هي الاقوى
ولا نعد نفكر بخلجات الاخرين
الا من خلال فرضياتنا
فصاحب الحاجة لا يترك امره
حتى يقضي حاجته
حتى لو حدثه الجميع باستحالتها
فانه يصمم على تحقيقها
حتى يصطدم هو بواقع يغالب تمنياته حقيقة
او بصورة مدهشة لها ان تروعه هو نفسه
فيستدل بنفسه على حقيقة الامر المأزوم
كذلك هي ربما كانوا اجابوها
لكن لما كانت تعيش ازمتها
وبوحي من نفسها
دون السماح للاخرين بالتدخل
ولا حتى بشكل مباشر او غير مباشر
فما كان بوسعها ان تستمع الى ما يقولون
لانه من غير المعقول ان لا يفعلوا
حتى لو ارادوا مراعاتها
وان يذكروا لها ساعة مخترعة من لدنهم
لكن
لان عقلها الباطني كان يمدها بالعون
ويتمنى عليها ان تبقى اكثر الى جانب حبيبها
لذا
توقف الزمن لديها
وما عاد له اي مؤشر
وما عاد يتحرك في رأسها
لانه مزدحم بكل تراجيدياتها
وما عاد للحضور من مكان
ان يتحركوا في داخل ذاكرتها
لانه في الحقيقة ما كان من مكان لهم
لم تحتجز لهم اي مقعد
بل كانت كل المقاعد لحبيبها
كي تغرق في خضم الضياع السلطوي لوحي الذاكرة
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
هل دخلوا جميعهم في غيبوبة الصمت؟!
هنا يتجلى الانعتاق الوجداني
صخب في ظل هدأة غير ملموسة
تستصرخ في وسط مهول
لانه فناء من الصمت
وفضاء من السكوت
ليس ثمة رجوع الى التعادل
الا حين يكون فرض ثمت لمعادلات
لا يمكنها ان تنبت بفعل كل مقوماتها
الا حين تحاول البطلة امتصاص ذرات متطايرة من الزمان
كي تستقلها صوب المجهول
لانها تفكر انها وصلت الى الحبيب
لكنه لا يجيبها
رغم ما تكرره من تساؤلات عنهم
عن الوجود
وعن الموجودين من حولها
وعن العالم كله
لان عالمها وحدها
ما كان الا عالم حبيبها
فهي لم تنفصل عنهم
لكنها لشغلها الشاغل به
شعرت انها لا تصغي الا الى ازمتها معه
كما الذي تتجاذبه فكرة ما
ليس بوسعه ان يصغي الى ما يقوله من حوله
لا يسمع مع انه يسمع
ذلك ان الوعي لديه كان معلقا
في دائرة من السكون
لا تنبجس كينونتها الا في نطاق لا شعور
كان استولى على الشخص نفسه
لذا هي تردد تساؤلاتها
دون استرهاب
او انفعال
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
أم أنني وحدي غادرت عالمهم
وببرود غير مصادق عليه
تحدث
من تحدث
هي تقول لا
لانها لا تذكر ان احدهم اجابها
هل كان بوسعها ان تسمع لهم
لو كان لاحدهم ان يجيبها
لكن لا احد فعل
او انهم فعلوا
لكنها لم ترض باجابته
لذا وعيها الباطني ما كان مؤهلا لسماع مثلها
واذن فهي لا تسمع له
كمن لا يسمع ما لا يعجبه من الكلام
والرأي
فيحس انه ما من موجود من حوله
لانه لا يصيخ السمع لاحد منهم
ذلك انهم لا يعاضدونه في رأيه
لكن الحال
هنا يتجسم ولاكبر من وحي امرء مقهور
يعيش حالة الحلم المأخوذ
حتى في حلمها تشعر بوجودهم
تشعر بذكرياتها معهم
ولو انها طفيفة الزمن
لا تتحدر بها الى وهدة من الوقت
لانه ما من جواب
سيمكنه ان يصنع لها معجزة
كي تصدق كلامه
وسيمكنها وقتها ان تلحق بحبيبها
لان كل الكلام من حولها
كان لا يلبي متطلباتها
ومسوغات امالها
بل كانت كل الحروف محبطة
لاثارتها معنى الموت
والفراق في نفسها
فالذي يعاني كالغريق
يحتاج الى كلمة ترجع اليه اطمئنانه بواقع الاحداث
والمجريات
حتى لو كانت كاذبة
لاغية ولكل المصاديق
لكنها لا تجد !
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
لعلّني أستطيع اللحاق بك هناك..
هنا سقوط في التلاشي
والبحث عن حقيقة
لها معان واقعية
لها ان تعتاش على خيالها وحدها
مؤملاتها
وسائر ما تزخر به مؤهلاتها النفسية
في تلك اللحظة
من اجل تحقيق الغرض المطلوب
والوصول الى الحبيب
حتى لو كان في عالم سامق من الخيال
والتطاير نحو سطوع رمزي
لكن ما من جدوى
...................................................................................................
تقول ماجدولين :
في مكان اللاعودة!
تفضل الفناء
في اللاعودة
والبقاء في زمن اللاعودة
مع يقينها بعدم الوصول اليه
الظاهر من كلامها
وصولها الى الحبيب
في زمن لا يقبل العودة
وامكنة لا ترهب الا ساكني الارض
لكنها لا تعايش رهابها
لان حبيبها سيكون الى جانبها ثمت
لكن الظاهر الاكثر وقعا
كان يمثل باطنا اخر
ان زمن اللا عودة
لا يمكن التحرك في كثبانه الا من خلال البقاء
في حالة وسطى
في حالة تخيلية
وهمية
حتى لو كانت كذلك
فهي تفضلها
خوف ان تعود الى مصارعة التيار
والوقوف امام الحقيقة المرة
وجها لوجه
ومن دون مواربة
فتفضل البقاء في عالم من الاعراف
لا يعيدها الى الحقيقة المؤذية
ولا يرقى بها الى واقع تتجلى لها حقيقة ازمته
وصعوبة وصولها اليه
فتنتقي رؤيا وسطية
ولو انها هي الاخرى
تعايش المأزوم من الحال
لكنها اشفى لها
ولو انها تدرك حقيقة مؤقتيتها !
وانها لا ترقى الى واقع الحقيقة والمشاهدة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمت الحلقة الثامنة وتليها الحلقة التاسعة باذن الله
مع تحيات جمال السائح
2006-2
Almawed2003@yahoo.com
www.postpoems.com/members/jamalalsaieh