دراسة نقدية في قصة المدعي
للكاتب الاستاذ القاص والروائي نزار الزين
بقلم : جمال السائح
(الحلقة الخامسة)
هنا تجدون نص الاقصوصة :
المُدَّعي
أقصوصة بقلم : نزار ب. الزين*
*************
بلغ عوني في تحصيله العلمي المرحلة الثانوية ، و رغم نجاحه المتواصل ، لا زال يعاني من الخجل الشديد ، يرتبك إذا تكلم و يشتعل وجهه و يتصبب عرقا إذا سُؤل ، و خاصة إذا كان المدرس هو السائل ؛ حتى أصبح محل سخرية زملائه و تندر مدرسيه .
عانى عوني الكثير من حالة ضعفه هذه ، ثم بدأ يقاومها بالتبجح و الإدعاء سعيا وراء بعض الإحترام لشخصيته المهزوزة ، فوالده غني و صديق شخصي لوزير المعارف ، و عمه صديق مدير مدرسته هذه ( من الروح للروح ) ، أما والدته فهي صديقة أثيرة لزوجة رئيس الجمهورية .
و إذ لمس تغيرا في تعامل الزملاء ، طوَّر تبجحاته و إدعاءاته ، كان آخرها أن إبن عمته الطبيب أحضر له معظم أسئلة الإمتحانات الوشيكة !
ثم بدؤوا يتوسلون له و يتوددون للحصول عليها ...
و ذات يوم إستدعاه الأستاذ راشد ، مدرس اللغة الأجنبية إلى غرفته ..
عندما خرج من الغرفة كان مطأطئَ الرأس ، و علامات أصابع طويلة ملأت خديه ، أما راحتا يديه فكانتا متورمتين .
سأله أحد زملائه علامَ عوقب ؟ ، تصنع التجلد ثم أجابه بصوت نصفه بكاء : << أحدهم دسَّ عني فريَّة ، إتهمني بأنني أبيع الأسئلة لزملائي ، و لكن صبراً سيكون طرد الأستاذ راشد من جهاز التعليم كله على يدي ، قريبا جدا ستسمع خبر تسريحه !.. >>
----------------------------
*نزار بهاء الدين الزين
مغترب من أصل سوري
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
البريد : nizarzain@adelphia.net
الموقع : www.FreeArabi.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اني لارى الاسباب الحقيقية في قعود الانسان
عن التفكير بنظريته العملية
ومدى صدقها وعدمه
هو مقدار النفاذ الى جهة المجتمع
وفي الصميمية التي تعتري هذا الاخير
اقصد في عمقه المأزوم
خاصة والطالب عوني له ان يجد
بعد كل تلك المقارفات من قبل زملائه
يجدهم يتوسلون اليه ويتوددون اليه
لقد اصبح معبود الجماهير من حوله
لقد اصبح المقرب اليهم بعد ان كان مبعدا منهم
لقد اصبح مهما لدى الجميع
ولقد اصبح عظيما بينهم
ولقد غدا مطلوبا لايجابية تعتري الطالب له
ولقد غدا فردا تعول عليه كافة المعولات
ولقد غدا شخصا يتطلع اليه الكل
ويرغب في تداول الحديث معه الجميع
بعد ان كان فردا ممقوتا متندرا عليه
لا يحتل اهمية في نظر اي احد من زملائه
ومثار تندر حتى مدرسيه
كان يود ان يتطلع اليه الاخرون
لكنه لما كان يحتل علمية بالغة
لم يألف منهم الا الصدود
والسخرية والتندر
وحينما بزغ عالمه المادي المحسوس
واستطاع ان يؤثر في الثوابت
وتمكن ان يلغي قواعدها
ليحيلها الى الممكن بفعل جهده السحري
ونشاطه المحموم والغريب
وانه قد غدا حقا
وبالنسبة لزملائه اشبه بالمارد السحري
الذي يخرج من قمقمه
او بوتقته المتقوقع فيها
لكن المارد السحري
رجل طيب
لا يكذب
ولا يدعي
دون فعل وعمل
انه يصنع ما يقول
لكن عوني
لم يكن له ان يصنع ما يقول
وليس له ان يفعل ما يدعي
وليس له ان يبرهن على ما يدعيه
لكنه تمكن بفضل حذقته التي غابت عن اعين
واذهان كل من حوله
حتى اثبت براعته لهم
وانه بوسعه ان يتحدث اليهم
وان يشاطرهم العيش المشترك
والعمل اليومي والحياة اليومية
لو انهم منحوه مثل هذه الفرصة
لكنهم لم يمنحوه اياها في البداية
وحين تواتت له الفرصة
ان ينتحل مثل هذه الافعال
والتصرفات
ويتمسك بمثل هذه السلوكيات
بعد ان قرر تقمص شخصية فرد مهم
واعتقد بقرارة عقله ان مثل هذا
يشتمل على عناصر مؤثرة
لها ان تجلب الانظار
وتشد اليه كل الاحداق
وتزيد من اعداد المتحلقين حوله
كمن يعيش عقدة النقص
ومركب النقص
ثم في لحظة واخرى
وجد عقارا لمثل دائه
لكنه كان سلبيا
استطاب طعم السلبية
حتى لو كان لها ان تعود عليه بشيء من التوبيخ
والاهانة
لانه كان قد تمرن على مثلها
ايام كان لا يحسد على مثل مواقفه
ايام كان لا يهتم به ايما احد من حوله
وهو الذي يحمل من العلمية والبلوغ ما يحمل
انه تعود
واعتاد
واحتمل
فليس له ان يعود اليها ثانية
ومن دون طائل
بل بخسارة فادحة
لذا
كان قرر في النهاية
ان يظل على مثل هذه الطريق
وان يواصل لعبته
حتى اصبح يتقنها وبمهارة
لنراه في النهاية يهدد بمصير المدرس راشد
ويتوعد
كما لو كان حقا يستطيع ان يفعل
كما لو انه ظل في حالة من التقمص الرهيب
وانه قد انعتق فعلا عن شخصيته القديمة
واصبح متقمصا بالقوة وبالفعل شخصية ثانية
هي شخصيته الجديدة
والتي البسها على الجميع من حوله
نسي شخصيته القديمة
وضل طريقها
وما عاد يفتقدها
ولا يفكر بها اصلا
لانها تقريبا انمحت من عقليته
فلم يعد يستذكرها
وما عاد بوسع احد ان يذكره بها
والمدهش
انه لا نجد اي تذكير له
بماضيه المقرف
الملئ بالخوف والوجل والتردد والاستحياء غير المبرر له
والتلعثم والتوقف عن الكلام
والتصبب عرقا
كل هذا لا نجد له استذكارا
بل انمحى تلقائيا من وجه النص اساسا
لانه تطاير وانمحى هو الاخر اصلا
من وجه الذاكرة العونية
عوني هذا
يعيش ازمة داخلية وخارجية
يتفاعل فيها المجتمع معه
وبدوره
وبكل اشكال الايجابية والسلبية
التفاعل الثاني
ينم عن ايجابية
لكن في الاتجاه الخاطئ
يعني اعانوا صاحبهم على تخطي الازمة
لكن بعد ان وجدوا منه دعما ماديا
ووعودا توفر لهم كثيرا من المتطلبات الشخصية
وتحقق لهم المزيد من المطامع الفردية
والتفاعل الاول
كان ينم عن سلبية
لكن في الاتجاه الصحيح
سلبية في عدم التواصل مع زميل لهم
يعاني من عيي في الكلام
لا لمشكلة عضوية وجسدية
بل لمشكلة نفسية
فلم يعنوه على التغلب عليها
بل تركوه يجتر الامها
وزادوا من همه وغمه
ومن حجم مصيبته
ومن ثقل الامه
المبرحة
اكرر
سلبية في عدم التواصل معه
وايجابية من حيث ان وضعه عوني
كان يتطلب كل ايجابية
لانه طالب مجتهد
ومثابر
ويستحق كل تقدير
والخروج به من قوقعيته النفسية
الى عالم مفتوح
..................................
كان بوسعهم اذن ان يفعلوا
لكنهم لم يفعلوا
ومتى ما تفتحت لهم ابواب المادية الطامحة
انهالوا عليه
وتحلقوا حوله
واخذوا يتهافتون صوبه من كل جانب
لكنه لو عاد الى واقعه
لتفرق الجمع من حوله
وعاد الى مشكلته
ولكن السؤال
هل كان له ان يعود كما في السابق
انه امتحن قدراته
وتمكن من التغلب على ضعفه
والتعالي على تندر زملائه
فما عاد وضعه الحالي يستحق
مثلما كان يتلقاه من صفعات وطعنات في الامس
لكنه من المحتمل
ان يتعرض الى هجمات قاسية
لو فضح امره
ستكون اشرس من سابقاتها
ربما سيكون له لو تلقاها
ان يترحم على ايام تندرهم وسخريتهم
لكنه تلقائيا
كان له ان يمررها في رأسه
وبسرعة
لا تنتظر اي دهشة او توقف
حالما خرج من غرفة الاستاذ راشد
او انه حينما كان يتلقى الضربات
من مدرسه
كان له ان يقارن بينها وبين مثلها
مما له ان يتلقاها من اقرانه
حال لو اكتشفوا بطلان كل ادعاءاته
كان له ان يدرسها ويحسبها سريعا
تحت وقع ذلك الظرف القاسي الملتهب
لكنه كان يحسمها في حسابات سريعة
مدهشة وللغاية
انه كان قد صمم على مواصلة هذا الدرب
لانه كان قد تقمصه باتقان
حتى اعتاده
اعتاده بكل كيفياته ومداخله
واصبح جزءا منه
فان تخلى عنه
كان لعوني ان ينتهي ابدا
لان شخصيته الجديدة اصبحت متماسكة
بينما الشخصية القديمة
ولوعي اللحظة المتأزمة
والمحيطة بها
ما كان بوسعه ان يراها
ولا يدرس علميتها
وحجمها
وثقلها
ولربما
لو زال الخطر المحدق به
والمحيط به
لكان ان يتحول تلقائيا
ويعود الى بداياته
وحياته الاولى
لكن بشكل اخر
اقوى من الاول
لان مثل هذه التجربة
ما كانت ستمثل له حينئذ
الا تجربة مرة
لكنها مفيدة وللغاية
لانها اخرجته من عقدته
وانقذته من اوهامه
واعتقته من شرنقته المتأزمة
مثل ان يكون في نهاية العام
ويستقبل الدراسة الجامعية
او ان ينتقل الى مدرسة اخرى
كل هذا كان سيكون له الدور المؤثر
في عودته الى صحيح الدرب
لكن طالما كان الخطر مواربا
ونفس الاعين متطلعة مترقبة
ونفس تلك الرائحة كان يشمها منهم
لو انه حاد عن تلك الادعاءات
فكيف له ان يعود
وهو يرى ان المدرس
والقدوة
بدل ان يتفهم وضعه
وبدل ان يدرس نفسيته
وهو العالم بشخصيته
وضعف حاله
يقتاده الى غرفة الانضباط
ويعاقبه اشد العقوبة
فكيف له بمن حوله
من التلاميذ
وهم ما كانوا الا متعلمين لدى من ضربه
كان يدرس الحالة سريعا
ويقبض على عتلاتها حثيثا
ووفق معادلات لا تقبل الخطأ
كان يصمم ووجهه يتلقى اللطمات
هذا ما اظنه اكيدا
كان يصمم على ان لا يتزحزح
ولا حتى قيد انملة
كان قد امتلك زمام الامر
وشجاعة ليس له ان يمتلكها في وقت اخر
الا لو تغير الظرف
لانه تمرن على استخدام ادواتها
بعد الولع بمنطقيات الممارسات من حوله
....................................................
انتهت الحلقة الخامسة
وتليها الحلقة السادسة
من دراستي النقدية في قصة المدعي للاستاذ نزار الزين
....................................................
مع تحيات جمال السائح
2006-02-20