دراسة نقدية في مسرحية البديل للروائي والمسرحي السوري الاستاذ يحيى الصوفي
دراسة نقدية في مسرحية البديل للروائي والمسرحي السوري الاستاذ يحيى الصوفي
في البدء اقدم شكري للاستاذ النبيل الاخ محمد عبد الرحمن يونس على مثل هذه الفرصة التي اتاحها لنا لكي نلقي بشيء من الضوء على هذا النص المسرحي الرفيع لان اشارته الموجزة تلك اليه كان دافعا حفزنا للكتابة عنها
فشكرا له والف شكر اخرى ...
.......
عبرت مسرحية البديل للروائي والمسرحي المبدع الاستاذ يحيى الصوفي عن مكنونها في مشاهد ثلاثة لا غير ، استطاعت ومن خلال فصلها الوحيد الذي ضم هذه الثلاثية من الحركة المشهدية عن منطلقات كان لها ان تتحرك بكثافة ووعي غريزي تدفق ومن دون انقطاع طوال الزمن الذي استغرقته احداثها وحواراتها بكافة الصخب الذي عم اجواءها وبرغم الهدوء الذي اشتملت عليه اركانها !
وما كانت تلك المشاهد الا نقاط كامنة لثقافة متمكنة من نفسها ، حتى تحركت في اطار فصل واحد لا اكثر ، واستطاعت بعدها ان تفكر وتستوعب القضية وان تخرج بضوء جميل فيه من الرشاقة ابدع مما لو كان فيه جملة الاضواء جميعا
هنا استطاع الروائي المبدع الاستاذ يحيى الصوفي عن قدرة في ادارة لاحداث لها ان تجري على خشبة المسرح من دون ان تفقد شيئا من مهامها او قدراتها الداخلية والخارجية وفي كل الاطر الثقافية والمجالات الفنية
......
اعظم مشكلة يواجهنا بها المشهد الاول هي ان الحرية مخنوقة منذ 30 عاما لان رجلا يستدعى الى الاستجواب وهو الفونسو كان قد نظم رسالة منذ 20 عاما بعد ان لم يجد في مدى العشرة اعوام من عمر الثورة ما يمكن ان يستشعر بمبادئها التي كان نادى بها هو وصحبه وابائه من قبل
انه طلب من وقتها مقابلة السيد الرئيس لكنه لم يلتق به الا بعد 20 عاما
وكان له ان يدفع ثمن الحرية التي نادت بها ثورة الزعيم حبسا انفراديا لمدة عشرين عاما وفي احدى اقبية نفس القصر الرئاسي الذي كان يحلم ان يلتقي سيادة الرئيس في احدى ردهاته واروقته الواسعة
بعدها يستدعى الى مقابلة زعامة القائد لكن بعد عشرين عاما على تحريره مثل هذا الطلب ومن ثم تكون مقابلته للقائد عبارة عن استجواب له من قبل الاخير بدلا من ان تكون مساءلة تتم من قبل الرجل الفونسو ! ...
كم هو البعد ما بين السلطة والشعب
عمرا مقداره 20 عاما
كما ان الرجل وقتها كان يمثل الطليعة الشبابية
ولا نعتقد انه شارك في الثورة مثلما شارك بها اباؤه
لانه وقتها حتما ما كان سيكون له من العمر الا احادا من السنين او لنقل عشرة سنوات
لكن ما انأى كل هذا البعد
والفاصلة ما بين السلطة الحاكمة والشعب والمواطن
انها مسافة بعيدة
في يوم كان حسابه عند الله عشرين عاما
هذا هو اليوم الذي ابتدأت فيه الثورة تنازع وتحتضر
منذ عشرين عاما
لكن ما من احد تنبه الى ذلك اكثر من اي وقت مضى
الا الطليعة الشابة
لانهم من يحفل بتلك النبتات التي كان سقاها اباؤهم
والتي لها ان تحفظ الثورات وتسقيها ثانية وثالثة
ولكن بدلا من العناية بمثل هذه القدرات والكفاءات التعليمية الشابة
فانها تدس في الطين
وتوأد في التراب
وفي الظاهر
يعيش الوطن كل اشكال الحلم
وما كان يعيش في الواقع والحقيقة الا كل اشكال الظلم والاستلاب
لكل شبابية هذه الثورة التي تصرمت من عمرها الوطني
في الحبس الانفرادي
في داخل القصر
هي سياسة القهر التي يعيشها المنفيون داخل اوطانهم
كما يعيش البعض في ظل حكومة ابوية قاسية
تفرض عليهم البطش والظلم والسمع والطاعة
وان فكر الابناء بحرية المنبت والتفكير
ما كان جزاؤهم من رب الاسرة سوى الضيم والقهر والحبس في احدى غرف البيت الواسع
يختار لهم اضيق الغرف وارهبها من التي تمثل قبوا مظلما باردا مليئا بالفئران والجرذان
هو هذا رب العائلة السياسي
يفعل بهم ما يشاء
لقاء توفيره لهم القوت والعيش
ولقاء ما صنعه بحقهم من ابوة اخرجتهم من ظلمات العدم الى انوار الوجود
لانه كان السبب في وجودهم
فلولاه ما كان لهم ان يولدوا
واذن ما كان السجن الا حبسا عائما وسط المدنية الفاخرة
لان الفونسوو ما كان سجن الا في احدى الاقبية التابعة لغرف القصر
والقصر ما كان ليمثل الا وسطا ما بين الحضارة الظاهرة والتعملق السياسي الذي يخفي وراءه الكثير من الت
بينما ما كانت تلك الحرية الا وجها متهالكا لانها منهكة
وان تراءت للعالمين فانها سوف تتخذ لها المساحيق كي يخلعوا عليها احلى مظهر يمكن ان يزينها ويبدلها روعة مع انها فارغة في الاساس .. وهذا ما دل عليه مظهر الفونسوو الاخير حينما كان جسده موغلا في النحالة والهزل وممعنا في التهالك والضعف لانه كان حبيسا في السجن لعشرين عاما
لانها لا تصل الى سدة الحكم الا بعد ان يفرغوها من محتواها ويلبسوها اطارا اخر من السحابة والخارجية ..
بينما ما كان الشعب طوال كل هذه المدة الا سوقا يهرج لمثل هذه الحريات التي اخذ يصفق لها تحت جنح النفاقية أو الخوفية فضلا عما يمارس من استمالة العقول والقلوب وتهويل النفوس والرؤوس عبر سياسة الترغيب والترهيب والمن والتنويه بما تقدمه السياسات الحاكمة وازاءها تتخول بممارسة السياسة مدى الحياة والى ابد الابدين باعتبار ان الشعب عليه ان يدفع ضريبة اعطائه الحرية لكل من يأتيه بها
الا ان المفارقة في المسرحية ان الرسالة كانت كتبت منذ عشرين عاما حين كان الفونسو طالبا يقتعد مقعده الدراسي وهو يحلم بثورة الزعيم الثقافية وما علم ان انحطاطها كان بدء منذ تلك اللحظة وان تلك المقابر الجماعية وصور التعذيب والحرمان التي عاشها الشعب وصنوف افراده ما كانت لتعبر الا عن بدايات لمأساة كان لها ان تجر على مثل هذا القصر تلك الساعة التي اودت بحكومة هذا القائد العسكري
لماذا ؟؟
لان الحرية عادة ما تكون سيفا ذا حدّين
لان نفس السلاح الذي عمل ومن خلاله القائد على استقلال البلاد
كان نفسه الذي حمله الشعب حينما هجم على قصره محاولا الاستيلاء عليه ودفع حجرة التهور والاستبداد بعيدا
يعني ما كان حصيلة وفرت مجيء مثل هذا القائد
كانت هي نفسها حصيلة مؤجلة في تهيئة مثل هذا القائد الجديد الغائب عن الابصار والاعين ، فلم ير السماء لعشرين عاما ، وعاش ما بين العتمة والسواد والفئران والجرذان في اجواء مرطوبة والحزن يعرش بين وجنتيه الغائرتين بعد ان اعياه الالم ان يفكر بما يكون خارج تلك الظلمات ..
لكنه يفاجأ في ليلة وضحاها بحمام وبدلة وبلقاء بسعادة الرئيس العسكري كان دام الطلب عليه لمدة عشرين عاما ..
بعدها احس ان طلبه قد تمت تلبيته
ولكن متى ؟
بعد 20 عاما
ولماذا العشرين عاما
انها زمن كانت تعيش فيه الحرية ازمتها
ومن قبلها خلال 10 سنين عاشت فيه اولى انهياراتها
طوال 30 عاما كان للرئيس ان يتقلب بين الهدايا التي يرسلها اليه الملوك ورؤساء الدول والمؤيدين وغير المؤيدين
بينما كانت رؤوس ابناء الشعب تهدى هدايا ومن قبل الزعيم الى ذويهم وافراد أسَرهم المساكين ..
كانت قد وضعت الحرية على طبق من ذهب
لكن فات الشعب المطوّح به انه عليه ان يدفع ثمن الحرية بسكوته لانه لم يلقم من الحرية اي هدية سوى نعمة السكوت والانغماس في التأييد
هذا منتهى ما لديه من حرية
وعليه ان ينعم بالحياة المتحضرة بكل ما جاءه بها زعيمه من منجزات ومكاسب لقاء سكوته عن دكتاتورية قائده وعن تولي العسكر لمقاليد الحكم في البلاد طوال كل تلك السنين
هي تلك الحرية التي تؤمن بضرورة ان تصفق الجماهير ولو انها كانت وللامس تودع احلى ابنائها وتدفن فلذات اكبادها لتواريهم التراب كضحية لمثل تلك الحرية التي عليهم دفع ثمنها باهظا
لان الحفاظ على الثورات اشد من صنع الثورات
وهذا ما يستدعي ان يموت كل الاحرار فداء لاحد القادة الذين غامر الحظ باقتيادهم الى بيت السلطة وقصر السلطان
وما علم الشعب انه طالما سلم بمثل هذه الثورات فما عليه الا ان يسلم لها طوال العمر
وان من يجيئه بها فعلى الشعب ان يستسلم له مدى الحياة
لانه هو نفس الحرية التي كان يحلم بها الشعب
لان كل وجوده اصبح مرتهنا بوجوده
لانه القائد الضرورة
وكل الاناشيد والافراح تقيد باسمه
فان تخلى الشعب عنه فما كان ليعبر الا عن تخليه عن الحرية واسسها
ولمثل هذا ان يطلق عليه الخيانة
كما وصم القائد الفونسوو بها عدة مرات
وان الزعيم نفسه كان يشك بنفس هذه الحرية التي يتمثلها للشعب باعتبار انه كان يدين الفونسوو ولعدة مرات وبشكل واضح فيقول له انك تلاحقني لعشرين عاما مضت او منذ كل تلك السنين
مع ان الفونسو المسكين ما كان الا مقبورا في احدى اقبية القصر الرئاسي والذي ما كان عبر مثل هذا القبو الا عن سلطة الاستبداد التي لها ان تقبر الحريات
ولمثل هذه السياسات هي التي تقوم على استقطاب الاستعمار
وتهيئ له الاجواء كي يمارس دوره في تخليص الشعوب من ظلم وطغيان نفس مواطنيها من القادة المتعجرفين والذين لا يرون سوى نياشينهم المعلقة امامهم والكثير من مشاهد التمدن التي يغدقونها على الجدران المحيطة بمكاتبهم
الا انهم يغمضون النظر ويغضون الطرف عن كل تلك المصائب التي الحقوها بافراد الشعب والذي ما كان ذنبه الا انه غامر في اقتلاع اسباب الجريمة حتى ضحى باحلى شبابه وانقى لحظات عمره في سبيل ان ينال قسطا وافرا من الحرية
وما درى انه يغامر ثانية من اجل اجهاض عملية السعادة في الحكم حينما تتنسم عبيرها رياحين وطنية
الا انه ما وجد الا الوطن ثانية يذيقه عذاب السعير
ليجد الغاصب المحتل يعيد اليه ثالثة وجه الحرية ولكن بشكل اخر متستر خلف بدلة اكبر من وعي الانسان الذي عاش متقلبا في تهريجه لسلطة رائجة طوال كل تلك الحوليات التي قمعته حتى طبعته على حالة سقيمة وهي التصفيق للقائد والركض وراء موكبه كرعاة تفسح المجال امام ابنائها للموت تحت عجلات يقودها نفس الزعيم
هذه هي اشكال الحرية في عوالم دول الدنيا الثالثة
ولذا كانت البدلة كبيرة على الرجل فونسو
وهو يحاول ان يمارس حريته ودورا مبطنا من العمالة التي فوجئ باحداثها تسترسل جميعا امام وجهه كالخيال الذي كان يعيشه ايام كان يقتعد رحلته في الفصل المدرسي
ان الشعب حين جعل يمارس حريته
كان ثوب الحرية عليه كبيرا واسعا
كان هو غير الثوب الذي يليق به
لانه كان يطالب بحرية غير التي جاؤوه بها
... ليبدو هو على قد البذلة وليس العكس ... انها امريكية
...
انها حرية تبقيه مهرجا
كما نص المتن في الاخر عليه حين اباح الكلام بالقول :
كان هذا الاخير يبدو كلعبة العرائس تتناقلها ايدي المصممين بالتشذيب والتهذيب
...
لكن ما نراه بالفعل
انه حين كان شابا يافعا
لم يكن كذلك
لكنه انقلب كذلك بفعل الثورة التي غامرت به وبغيره
لان من نعمها انها ابقت عليه حيا مدفونا في قبو لها
بينما صادرت ارواح غيره من الطلبة
هذا ما كان يمن به عليه القائد والزعيم بشكل غير مباشر مع ان نفس هذا ما كان يعلم بوجوده طيلة هذه الاعوام الى جانبه وما كان لالفونسوو ليتأكد من استمرار حكم الزعيم الا حين يتهافت اليه صوت السيارات الرئاسية وهي تقل الزعيم العسكري ..
وما كانت جريمته التي دفع ثمنها حبسا انفراديا ولعشرين عاما الا انه كان وطنيا حقيقيا مارس دوره في اشباع الثورة الثقافية
ولان الثورة كانت ارضعته وارضعت غيره من الشباب مذاق الحرية وعلمته كيف يعيش بحرية عانى ما عانى من بؤس وكظم لنفس الحرية التي اهدوها اليه بالامس لانها عادوا يستلبونها منه
حين اكتشفوه ينطوي على شيء منها
وما علم ان مثل هذه الثورات هي ليست بتلك الثورات التي تبيح مزاولة انشطة الحرية الا لزعمائها من القادة والمتنفذين والساسة المتعجرفين الذين لا يرون سوى حرياتهم الشخصية
كيف ؟
لانهم يظلون يتمتعون باشكال البضاعات الفاخرة وارقى السلع الثمينة من تلك المستوردة ويمنعون ابناء شعوبهم من الاستمتاع بشيء منها تحت ذريعة انها لون عظيم من الوان الاستعمار الذي له ان يستلب حريات الشعوب عبر استعبادهم الاقتصادي واستنفاد طاقاتهم ومنعهم من الانتاج والاعتماد على النفس وتنفيذ سياسات الاكتفاء الذاتي وبذلك سوف يتخلص الشعب من ربقة القيود الخارجية والوان صكوك الاستلاب الاجنبي عبر ممارسته ادوار الابتزاز الاقتصادي بعد ان يعمل على تدفق سلعه الاجنبية على حساب الاتجار بالسلع الداخلية والانتاج الوطني
وما علم الشعب المسكين ان اول من خرق مثل تلك الحظورات هو رئيسهم المحبوب وعزيزهم المجلل !
بينما ما كان للشعب الا ان يصفق ويهرج ابدا
كي يسعد القائد بلذيذ الحرية التي جاءه بها نفس افراد الشعب
لان الشعب هذا هو الاخر مسؤول عن مثل هذه الخربشات السياسية والطعونات الفائقة في الحدّة
لانه العلة التي وفرت لامثال هؤلاء المحتكرين للسلطة من صنيعي الاستعمار الاخر كل الاجواء لكي يبقى في السلطة بدليل الكلام المكرور على مدى النص المسرحي الموجز بثلاثة مشاهد لثلاثة فصول .. كما لو كان يحكي لنا قصة الظلم التي وان طالت عقودها الثلاثة (30) عاما الا انها حينما تنتهي يشعر المتحلقين حولها انها ما كانت قد ابتدأت الا منذ لحظات وانتهت كذلك حتى تصبح نسيا منسيا لانه ما كان من مكان للطواغيت والظلمة من مكان في ذاكرة الشعوب ولو عمروا ما عمروا لانهم ما كانوا يفعلون من ذلك الا لقاء اجر عظيم يكلف ابناء الشعب كل الاثمان الباهظة من عمره الكريم !
...
وأنا أحب هذا الوطن وأحب أهله ومياهه وجباله وسماءه وكل شيء فيه مثلك تماما، وأنا أأيدك وافهم مشاعرك،
....
انظر الى لغة التنافق التي حفل بها الوعي المعذب
انه يتحدث بلا شعور يطفق بسيل التعذيب والتشنج المشحون باشكال الرعب والتهويل من الترهيب المتتالي
عانى 20 عاما بسبب هذا الزعيم
الا انه تحت وطأة الخوف
الخوف من نفس هذه الحرية
يعبر عن تأييده للزعيم وحبه للوطن ولكل طبيعياته
لكن ما كان هذا الزعيم المتحرر الا شكلا من اشكال الحرية الممسوخة
اجل هي حرية ممسوخة
لانها شذت عن خطوطها العريضة
وبدلا من ان تشذب بخطوطها التفصيلية
نجد ان القائد يعمل فيها قبضته الحديدية
بمثل ما يعمل اولئك المتحذلقين في فنية التشذيب والتهذيب لتلك الشخصيات السياسية كما حصل في نهاية المسرحية بعد ان راحوا يهيأون الرئيس الجديد
لانهم عملوا على تهذيب الخطوط العريضة والعامة لاشكال الحرية
وعليهم ان يتركوا تشذيب الخطوط الداخلية والتفصيلية للسفير الامريكي الذي كان يشرف على عملية الانقلاب التي اطاحت بحكومة الطاغية العسكري
وما كان السفير الامريكي ليعبر الا عن انه المخلص للقائد العسكري باعلانه عن توفيره سبل الحماية والوساطة لنقله هو وعائلته الى مكان آمن
بينما في الوقت نفسه ما كان ليعبر كذلك الا عن انه المخلص للشعب حين ترك الاخير يفيق من نومه ولما انتهى بعد من ثورته الجديدة ليتطلع الى رئيسه الجديد والحافل ماضيه بسجن تليد من السنين الخصماء والعصماء التي قضاها في سجن القصر المخضرم بكل ما حفل به من نقائض
كي يقنع به مواطنيه وسيقنعون به حتما لانه منهم واليهم
لكن لا احد يضمن ما سيقوم به هذا الجديد
لانه رغما عنه يرتضي ان يكون مثلما يريدون
والعلامات التي تشي بذلك واضحة كل الوضوح
مثلما فعل من احتل مكانه سابقا
ولم يرض عن عملية الانتصار لحياته ونقله الى مكان آمن
لانه كان يسخر منها
وكانت طريقة آمنة للتخلص من ذئب تكشفت اوراقه امام الجميع بشكل يثير الاشمئزاز حتى ما عادت ورقته بالتي تنفع
واصبح الاستعانة بوجه وطني يحل محله امرا ملحا وضروريا للغاية
كي تستمر لعبة الحرية
وتتواصل عملية الشأن السياسي على الصعيد الخارجي والداخلي
الا ان نكتة مفيدة
لم تشر اليها المسرحية
لكنها المحت اليها ضمنيا !
وهي قوية للغاية
وفيها من الدلالة ما فيها
ان كل جميل كان اهدي اليه من الخارج
لكن لم نر ان القمع اهدي اليه من الخارج
لانه ما كان الا صنيع ابناء الوطن
فحين يشبعون ينقلب الواحد منهم الى اسد ضار يلتهم سائر من حوله من اشباهه كي تخلو له الغابة ويستأسد هو فيها لا غير
فيستحل كل لذاتها له ولمؤيديه وحده هو وحسب !
ولنعد قليلا الى الفونسوو
فما كان ليعبر الا عن بؤس الوطن بمواطنيه
لانهم كانوا يعيشون في قصر السلطة
وفي دائرة السلطة
وتحت نير السلطة
ويغتذون من لبن السلطة
ويغنون لها
باعتباره انه كان ابدا يستمع الى صوت ابواق سياراتها
بينما ما كان الوطن الا سليبا
لان قصر الحكم ما كان انقلب الا سجنا كبيرا
ولو كان سجن الفونسوو لا يتعدى قبوا ضائعا باردا
لكنه عبر عن ضيق لحد مثل تلك الشعوب
حينما تقبع في ظل البرد وظلمة القتل والجوع
في قصور وطنية من النقائض
من يبصرها من الخارج يهوله مجرد ان يفكر بسعادة افرادها التي يقطنونها
وما درى انهم يعيشوا المحنة ويذوقوا الامرّين
لان القصر الوطن كان يمثل صورة دعائية لتفننات العصر في الايحاء بحرية الشعوب ووطنية الافراد واستقلالية الاوطان
وما كانوا الا معذبين
والوطنية بعدهم مكبلة مستهدفة مهملة في واحدة من اقبية قصر السلطان
لان للسجن كان فيه مكان وللسعادة كان فيه مكان اخر !
في داخل نفس القصر تجد غرف تعذيب واستهتار
وفي داخله ايضا تجد غرف سعادة وبذخ وفرح
هذا هو الوطن السليب الذي عبرت عنه فجوات المسرحية وبشكل تلقائي جميل
بعد ان
مارس القائد مثل هذه الحرية بشتى صنوفها الغريبة على ابناء هذا الشعب
والتي استحالت الى رعب قاتل لانه زاول حرية القتل والتعذيب والتشريد وسلب نفس الحرية من اذهان افراد مواطنيه
الا ان الفونسو يعود ليكشف عن اللا شعور المختلج في داخله والذي لا يزال يحفل به قلبه وضميره معا حينما يتساءل كما لو كان لسؤاله هذا ان ينطلق من وحي ذاكرته السليبة التي عاشها قبل عشرين عاما :
.....
ولكن أنا لا أفهم لماذا هناك من يكرهك ويقف ضدك إذا ما كنت قد قمت بكل ما قمت به،... لا أفهم لماذا؟
.....
انه تساؤل مدهش
يقول بما انك ابنا كنت لهذه الثورة التي قامت بالامس
وشاركك بها نفس هؤلاء او اباءهم قبل 30 عاما
لماذا انقلبوا عليك في اليوم
يقومون بنفس النهج الذي تحركوا في خلاله قبل 30 عاما
كان هنا يمثل
دور الحوار الخفي لنفس شخصية الزعيم والقائد
ان الفونسوو
ما كان هنا ليعبر الا عن حقيقة غامضة لا تبدو واضحة لاول وهلة
لكنه سرعان ما يكشف عن حقيقة اللا وعي الكامنة في دخلية القائد المستبد
الذي كان يسائل نفسه ويحاور الانا في ذاته وضميره الذي كان قبره كل هذه السنين
لانه كان يقبع الى جانبه
في داخل قصره
في داخل نفسه
في عمق ذاته
قبر ضميره وداس عليه بين طيات البرد
ولسعات الجوع والقذارة والكره
مع هذا كان لضميره ان يحاكيه محاكاة غير تقليدية
كان له ان يكون طيبا معه
وما زال يخاف منه
يخاف ان يتجر به ثانية
هذا .. ان حالفه الحظ
وكان يشفق عليه نفس الضمير
يشفق على نفس صاحبه
لانه ما كان يعبر الا عن النفس اللوامة التي تلوم صاحبها بشتى السبل وتنتهج الوان الطرق والاساليب ..
لكن نفسية الزعيم ما تزال تلوح باستأسادها القديم
وولعها المتسلح بصنوف الغرور والكبرياء الاجوف
.....
الرئيس: لأنهم خونه ...عملاء ....محتالون وناكرين للجميل !!! ؟
.....
ولا يعلم نفس الرئيس ان تلك الثورة التي كانت جاءت به ما كانت الا صدى لنداءاته
التي كان اعلن عنها له الفونسو نفسه :
......
الرجل: أبدا سيدي ولكن هذا حدث منذ عشرين عاما وعلى لوحة الطلبة في المدرسة وبناء على توجيهاتك بإعلان الثورة الثقافية ؟ !!!!
......
هنا يتأصل عنوان الرجل بانه صوت الضمير لدى القائد العسكري
وما كان الا وجهه الثاني
وما كان الحاكم بعدها الا نفس القائد العسكري
وان كان له ان يرحل
فثوبه العسكري رحل
وبقي ثوبا جديدا صنعوه له
ارادوا له ان يلعب دورا اخر
ولكن بصورته الضميرية الاخرى
ان يخرج للشعب حلمه وكظمه للغيظ وانسانيته التي كان دفنها لعشرين عاما خلت
وهي نفس الاعوام التي كان قضاها الرجل الفونسو في غيابة جب القصر الرئاسي
يعني في داخل نفسية الرجل القائد العسكري
ــــــــــ
لان الرجل الفونسو هو الذي كان نظمها وبناء على ما وجده من دعم الرئيس فهذا مما يدل على ان الرئيس هو الاخر يعاني من اضطهاد ومصادرة للحرية وهي داء العمالة
فما كان الفونسو الا نفس الزعيم والقائد الذي تحول الى مستبد
بعد ان عاش الظلم من قبل وعانى نفس ما عاناه ابناء الشعب وكان واحدا منهم
ومن ثم .. كان هناك التفاعل الداخلي لدى الرئيس والذي يعبر عن حمله لجملة من التناقضات وهي كل تلك المشاريع واختلاسه الوان الحرية التي ترافق كل هذه المكاسب من ايدي الشعب ..
.......
فاذن القائد العسكري لم يرحل
وان رحل بنفسه وثوبه
لكنه عاد ثانية وبثوب ووضع جديدين
من حيث تقمص وجه ضميره المغيب
عاد ليمارس دورا اخر مع الشعب
عاد الى الشعب ليعبر عن معاناته التي رزح تحتها طوال كل هذه السنين
بدليل الهزال والضعف الذي كان يعصف ببدن ووجه الفونسو !
عاد هو نفسه ولكن ..
شريطة ان تكون العملية السياسية الجديدة حافلة باشراف من الامريكي باعتبار ان السفير الامريكي يمثل حكومته وهو الناطق عنها اولا واخيرا في مثل هذه البلاد التي اصبحت تشهد تحولات من دون منأى عن علم اسياد نفس الزعيم
بدليل انهم اخبروه انهم سينقلونه الى مكان آمن هو وعائلته
فدسّوه داخل ضميره واخرجوه بحلة اخرى تقبل الاذعان وان تطاول فيها القهر والرفض ولكن باضعف اشكاله كما بدا منها في سريرة الرجل الفونسو الذي بدا مطواعا بفعل القهر الذي مورس ضده والتيه الذي انقلب يحسه في مثل تلك اللحظات الحرجة والتي ما كانت تمثل الا انعطافا وانقلابا داخليا وخارجيا كان بوسع القائد ان يغير من سحنته وبارادته هو لا بارادة من الخارج وبفعل الاجنبي الذي يملي عليه فيذعن ويوافق !
واشارتي الاخيرة استدل من خلالها الى تقنية الرمز المتعالية من حيث ان القائد كان يعد العدّة لمثل هذا ا ليوم والالتفاف على الحكم والعودة ربما ولكن بشكل اخر حين استدعى منه ان يطلب استجواب الفونسو ويحقق له رغبته بعد 20 عاما وهي الرغبة التي تعامى عنها نفس القائد وشعر امامها حقا بالاستغراب والغرابة لانه ما كان يعلم بدفنه حيا في احدى اقبية قصره كما لو كان فعل مثل هذا ونسيه مهملا هناك
انها لعبة الضمير الحي ولكنه لم يمت بعد
في الايام الصعبة والظروف القاهرة يستحيل هذا الضمير الى شعلة من الحياة
تتنفس كل الاصداء الحية في داخل الانسان
لتعود اليه الحياة من جديد وثانية وباقوى اشكالها
لكن الذي اعترى المرافقين في بداية المشهد الثاني من الخوف ومطالبته للزعيم بترك المكان لانه ما عاد بوسعهم حمايته ولا حماية القصر او الدفاع عنه لكن الرئيس ما كان يجيب عليه الا :
الرئيس: أيها الأحمق الخائن تكلمني بهذه اللهجة أنسيت من أكون ؟
بعد ان كان وجه اليه تساؤلا مغضبا :
الرئيس بغضب: ماذا ؟...وصل بهم الحد للتآمر علي وأين البقية أين المستشارين والوزراء
هنا يتفعل دور الرئيس الثاني
وكان قد اعد له
اعد له حينما كان له ان يستدعي ضميره من القبو اللا شعوري ومن مدفنه اللا وعييي في داخل قصره اقصد في داخله النفسي وعالمه الباطني
لانه علم بحدوث مثل هذه الاسباب
فما كان عليه الا ان يستقصي حدود اللعبة ويستعين بعوامل نفسية تخدمه لتحقيق مثل تلك الاغراض التي آن له ان تلعب دورها
لانه ادخرها لمثل هذا اليوم
وحسب !
ـــــــــــــــــــــــــ
تحياتي الى الاستاذ يحيى الصوفي على ابداعه المتميز ونشاطه الحيوي هذا
وشكري الى كافة الاصدقاء والصديقات
مودتي
جمال السائح