شيء قذر ..
يسمونه عبثا : جريمة شرف !
الجزء الاول
ارهاصات تستدعي التصاخب
( 1 )
كان فائز منيب طبيبا حديث العهد بمهنته
اصبح الان يمارس سنته الاولى من مهنته في مجال التطبيب العدلي ..
في احدى صالات التشريح التي تحتويها اكبر دائرة ..
كان لها ان تختص مهامها بأعمال الطب العدلي ..
( 2 )
لا يزال يذكر فائز كم كان ذكيا
متفوقا على اقرانه من الزملاء في كلية الطب
حتى انه كان يشغل بال اساتذته بكثرة اسئلته الملحة والمقلقة
لانها كانت اسئلة غريبة
وتعتمل التصحيح في كثير من مجال العمل
بل تعتنق مذهب التشكيك السليم
وليس المثير للجدل دون قواعد وادلة
من التي تشتمل عليها مخاضات هذه المهنة
ثم ليس هناك ما يقلق عليه اساتذته بالنسبة له ..
من حيث انه يتحرى ازعاجهم او يتقصد افناء اوقاتهم بأسئلة غير نبيهة ..
لكن ما كان يستفزهم به ويستثيرهم عبره ..
ما كان ليمثل لهم الا نقضة كبيرة لكل مستوياتهم العلمية
وهجمة شرسة يستوفزهم فيها ..
بدلا من ان يشن عليهم ومن خلالها حملات كاسحة كان بامكانها ان تحمل بين طياتها نوازع مريبة او دوافع سقيمة
كان يضع مجمل معلوماتهم على محك من نوع اخر
كان يقوم بممارسات في تشريح الاجساد
تمكنه من ان يحرك في اعضاء الموتى قوة مغناطيسية غير طبيعية
هو نفسه حار بقدراته كيف كان لها ان تتأتى
كان يصرح بان مواهبه تنطلق من ذاتها
كما لو كان احدهم يعتقها من عقالها عنوة ويطلقها في اتجاهه
( 3 )
شعر ذات مساء بشيء من الصوت ينساب في اذنيه
كان صوت انثى تستغيث
لكنه لم يفهم ما تقول
حتى ظن بالصوت يأتيه من جهاز التلفاز المفتوح
او من بيت جارته التي لديها من البنات فريق رياضة كامل
لكنه استفسر من والدته عن الصوت
اجابته
ـــ لا اعتقد اني سمعت ما تناهى الى سمعك
ومن ثم فان ام سجال كانت قد ذهبت هي وبناتها برفقة ابيهم الى مأدبة عشاء
هي اخبرتني بذلك في الصباح
لكنه التفت يمنة ويسرة
لم يجد اثرا للصوت
غير انه شعر بحركة في البيت
حركة غير طبيعية
شخص يجول على غير هدى
يفتش عن شيء يفقده
فجأة اصطدم به
افاق فائز وهو يتصبب عرقا
ليجد والدته وقد استرعتها حالته غير العادية
كان هذا بعد ان احس بان شخصا ما
اصطدم به
وكان ناعم البشرة غض الملمس
بالتأكيد كان شخص غير امه
لانها كانت تقف منه على مبعدة امتار
تحدق فيه والعجب يحلق بين عينيها
هدأ قليلا
وهدأ ريع القلق الذي كان فم والدته الفاغر يحصده
( 4 )
مرت على تلك الحادثة حدود ثلاث ايام بضيائها وسوادها
كان يغط ليلتها في منام اشبه بمنامات عريقة
تمتد الى حقبة من حقب التأريخ
كانت اجواؤها غير مفهومة
مضللة بعض الشيء
الا انه فجأة جعل يعانقها
واذ صار يفعل انقلب يرتجف
بعد ان صار يعي جدران غرفته التي قامت حوله
اذ انتصب امامه جسدها في الظلام الملفع بلون مصباح النوم الاحمر
شعر بها حقيقة
لقد افاق من نومه فجأة
حينما احس بخيالها يسبح بين احداقه
لكنه مدّ اليها يده من دون ان يفهم الاسباب
تلطخت كفه بسائل دافئ
لم يتبين لونه
ظن للحظة غمرت ذهنه انه كان قد افتض باكرا من دون موهبة
وحينما تراجع وعيه واستعاد رشده
كان ضوء الصباح يأتلق بين دفتي الستارة المخملية المنعقدة الى جانبي نافذته
نهض من سريره وحيرة مفزعة تخنق انفاسه
بينما حانت منه التفاتة الى اصابع كفيه ..
وشيء من ملاءة سريره
كان جميعها ملطخ بالدم
دم كلون الغضب القاني
( 5 )
سلك طريقه الى دائرته عبر مسار اخر
يحدث مثل هذا بعد اسبوعين من انقضاء ذلك المنام الحقيقة
اثارته طفلة صغيرة كانت ترضع من ثدي امها المتكئة على حائط احد المباني
لم يوقف سيارته القديمة الى جانبها توقا منه لمعرفة ما يحصل
لكن علامات الطريق الضوئية اضطرته الى التوقف عندهما
كانت الام قد افرجت عن الفجوة بين ساقيها
وهي تبرك بجانب الرصيف وقد اسندت بظهرها ثمت
وكانت ابنتها الصغيرة ذات العامين تقريبا
تعتمد باحدى يديها على الحائط
وبالاخرى على ركبة والدتها
بينما كانت الام شقراء تشبه احدى الممثلات
لم تسعفه الذاكرة من تكون
لكن منظر الام العاري الصدر
وقد رفعت بلوزتها الى اعلى
حتى كان لثدييها غير المحبوسين بصديرة ما
ينطلقان كرمانتين تتبلّغان بثوب العناد
لكن ما استثاره اكثر
ان الصغيرة كانت تعزف في بعض الاحيان عن امتصاص نصيبها من لبن الثدي
وانها كانت تحجب شفتيها عن حلمة الثدي مرات
حينما يطيب لها ان تعتصرها وترش ركبة امها بشيء من نثاره
بعد ان تكون قد رفعت تلك اليد المتكئة ثمت
كي تسهم في عملية الحصاد اللبني
الا ان الام السعيدة ذات الثلاثين عاما
هكذا خالها
كانت هي الاخرى تلوح له بثديها الاخر
وتعتصره امام ناظريه
كمن كانت تستنطق شهوته
وتستميله
الا ان حشدا من المارة وجدهم يلوّحون له بالحركة
عندها تنبه الى ان علامات الطريق الضوئية كانت قد اورقت واخضرت منذ لحظات
كان لمثل هذا ان يحصل له
حينما تنبه الى ان ثدي المرأة الثاني
والذي كانت تعتصره والدة تلك الصغيرة
وتزيد من ضغطها عليه وحبكها لتخوم حلمته
فما كان ليدر اي قطرة لبن
بعدها انطلق بسيارته وهو يحاول افتراس النظر اليهما عبر مرآته المعلقة امامه
لكنه لم يجد لهما اثرا
ولا اي طيف او حتى في الخيال !
( 6 )
تجنب اللقاء بحبيبته
كان يخبرها دوما انه بحاجة اليها
لكنه يتراجع ويقول لها :
ـــ لنتفق على وقت ثان
سوف لا استطيع ان افي بمثل هذا الوعد
اني اعلم حالي
احتاج الى شيء من الراحة
لكنها كانت تبتهل اليه متوسلة :
ـــ لست وحدك من يحتاج الى اقساط من الراحة
انا الاخرى بأمس العوز الى شيء منها
دعني القي بجذعي في حضنك
او ان القي برأسي بين ذراعيك
او قل لتسترح انت بين ساعدي
ولتنشد شفتاك كل الراحة بين ثنيتي نهدي
ثم تمتهن شفتيّ قصب السبق في التطاول عاليا
حينما تخضل نعومتها بين شفاهك
وهي تعانق صبغتها المغموسة بلونك المفضل
اللون الوردي
فيفعل
وينام مستلقيا عند حضنها
ثم يشعر بان شفتيها تقطران دما
فيتخبط فيه اللا وعي والوعي
تتقاذفه الاوهام
حتى يبصر بفتاته من جديد
يوجه بناظريه ومن تحت ثدييها ..
الى عنقها وفكها وانفها
ثم تعود تحدثه بحيرة
وهي تسكب في وجهه شيئا من نظراتها الفزعة
ولكنها حينما لوت بعنقها نحوه
وصارت تهز برأسها
مائلة اليه
كظل يحدودب على رقعة ارضه
فانه كان يزداد رعبا
وتزداد هي ذهولا كالحا
ليتأكد بعدها ان شفتيها كانتا تنزفان
فينتفض والهلع يمزق كل سكناته
يهرب
بينما صوتها يستعيد ملامحها في رأسه
انها هي
خطيبته وليست اخرى
لكنه حين يلتفت اليها
يجدها نفسها
وانها ما تزال تحرك اليه بالاسباب
حبيبته كانت حزينة
فلقد راعها ما حدث له
رغم ان سلوكه هذا كله ..
كان قد ادخلها وفجأة في فصل من فصول الجحيم الحقيقية
مع انها كانت قد احست به ومنذ مدة
انه يعاني من بعض التخيلات التي عبرت له عنها بالاوهام المستحيلة التصديق
فكيف به وهو الناشط في سحابة الطب والنفس
ومهنته تقتضي به التعامل مع شجون كل ملموس
ناهيك عن المحسوس سيما نفس الجسد ومكوناته واعضائه
لكنها من ثمّ ..
كانت تطيل فيه التحديق
وتنعم فيه النظر
حدث هذا ..
حينما رانت منها ابتسامة
شعر بخبثها ينساب
كما الدم كان يقطر من بين شدقيها
قبل قليل ..
ثم قالت له :
ـــ لم اكن اعلم انك تهاب احمر الشفاه
كنت استبدلته بالوردي
ظنا مني ان اللون الاحمر سيستهويك هذه المرة
وان علي ان اغير بين الفينة والاخرى
لكنه هز رأسه متعاطفا معها
ليقول لها
بعد ان كان تمكن من التقاط انفاس وعيه :
ـــ لا يهم ..
ثم :
ـــ ليس هذا ما استرعاني
سألته وبسرعة :
ـــ واذن ماذا ؟
اجابها :
ـــ لا شيء .. لا شيء ابدا !
( 7 )
بعد حدود تسعة اشهر على هذه الحادثة
لم يشهد فيها شيئا مما كان يؤرقه
لا في الخيال ولا في وحي المنام
ولا حتى في حقيقة المقام ودقيقة المقال
ليس من عتاب ولا استعتاب للنفس ومواجدها
او تخيلات الوجع وانتهابات الروح
حينها كان يفترض به انه اعتاد اكثر فأكثر ..
على تشريح اجساد الموتى او القتلى والمغدور بهم
بالرغم من ممارسته لمثلها ايام كان طالبا في الكلية
لكن ليس بمثل ما يمارسها في اليوم
لانها اصبحت مهنته اكثر من اي مهنة عملية اخرى في الطب
وهي التي غدت كل مستقبله وحقيق مزاولاته الحرفية ..
كان يعمل في نفس مكانه
وفي نفس دائرته
الا انه وبالرغم من اعتياده على التعامل مع اجساد كان قد اخترمها الموت
فضلا عن قوته في احتمال صعاب هذه المهنة
الا انه كان يحس بوجع نفسي يعاوده
بظل ثقيل يناشده
ومن جديد
حتى اعتقد انه في معرض نفس تلك الاوهام
وهاهي قد عادت تمالئه
بل تعانده
الجزء الثاني
دوامات فكرية وتداعيات في حياة الطبيب فائز منيب
( 8 )
لكنها قوية هذه المرة
لانه غالبا ما كان يشرّح اجساد نساء وفتيات
غلبتهن الاقدار السخيفة
بسبب من اختياراتهن الجنسية مع من يحبون
وعرّضتهن لامواج الحب وانبعاثاتها
فكان لهن ان يدفعن ثمن حرياتهن المضطهدة
والمنكسرة مراكبها على صخرة الحرمان والعهد السليب
بكل قيحه الرتيب وبأسه المهيب
بسبب من تفوق العنصر الذكوري
ورصيده التأريخي في انتزاع اكبر عدد من الاصوات التي تؤهله وعلى المدى ..
ان يحتل اكثر المقاعد في المجلس النيابي لاسطورة الحياة وواقع الزمان
فيصبح بميسوره ان يصوّت كما يشاء
ضد انوثة النساء والبنات
وعلى ما يشاء من قوانين ..
تصادر كل حرياتهن وتعاقب بالقتل كأمر مفروغ منه
كل انثى تشتق لها من الحب وأفعاله مزايا وعلاوات ..
تزيدها اعتقادا بانوثتها واصرارا على التحقق من اسبابها
وهذا كله كان يتكور في منطقة فراغ
اسمها جريمة شرف
( 9 )
كان يفكر بمثل هذه التراجم لكل امثالهن
ممن غدر بهن الزمان
واستاقهن الى اقفاص اتهام
اعدّت لهن ومن قبل ان تلدهن امهاتهن
هكذا كان يعتقد الطبيب فائز منيب
لانه كان يرى انها قتل عمد
يجب ان يحاسب عليها القانون
والعرف والشعر والشرع
فاين غاب ضمير الانسانية
هل استتر خلف اوجاع الذكورية الخائنة
والضمير المستلب
والمغيب في عرض سفينة القال والقيل
ان هي الا اسماء سميتموها
تتحرك في خلالها كل عناصر الذكورية المتآكلة
وكل مشاعر الغيظ الذكورية والسخيفة
كي يتمكن كل من نبت له بين ساقيه صارية
من الشعور الخاطئ بان قاربه كان يحمل شراعا
وقارب المرأة ما كان يحمل شراعا
فيبتهج
ويسمي ابتهاجه هذا علوا
لانه سيكون بوسعه ان يحمل به على كهفها وقدحها
فيظل هو صاحب المبادرة
ولولاه لنسج العنكبوت امام باب الغار كل خيوطه
لكنه غاب عن باله
ان لولاها ما كان لصاريته ان تنتصب
لانها اسباب هياج الريح
فيستنزلون الشراع
وتبقى الصارية واقفة في العراء
كغصن شجرة عار من الورق والثمار
( 10 )
عندها كان يفكر فائز منيب اكثر واكثر
فراح يعتقد ..
بان الذكر لما علم ان حظه ضعف حظ الانثى
تهيأ له انه صار قطب الرحى
وان بوسعه ان يقرر مبدأ الحياة والموت
وان بوسعه ان يقوم مقام الاله في ارضه
لانه خليفته فيها
وله ان يحكم بعباده كيفما يشاء
فكيف بالمرأة التي لا تملك سلاحا كالذي عنده
ولا تملك عصا تمتد بين ساقيها
وهو يملك مثل تلك العصا
فظن انه يحق له ان يشهرها بوجهها
طالما ان الله ابقاها بدونها
وما علم ان عصاه فاقدة لمفعولها
حتى تأذن الانثى لها برخصة الدخول
( 11 )
اصبح الوهم لدى فائز اكبر
صار يتمثل كالاحجية
كالمحاججات والسؤال والكلام
انقلب يصارع النفس بمجمل التساؤل والحكي
ظل حديثه حول عنصر الذكر
كيف للاله ان يسمح له بكل ما فعل
اما كانت جرائم الشرف تمثل وأداً لمشاعر انثى
بل لانثى بكاملها
بجسدها ونفسها وروحها
ومن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا
والعكس صحيح لكن الذكور يتناسون الانقياد اليه
والعمل به
لذا ، ما كان اغتيال انثى
الا اغتيالا لكل اناث العالم
بل اناث المعمورة
من يوم حواء والى يوم فائز الذي ..
اصبح يعتاش فيه على كآبة اجساد رائعة
لكنها مصهورة بفعل نزيف الدم الوراثي
والذي ورّثه اياها ذكورا نشأت الى جانبها
لانه ما كان يقوم بها الا ذكرا
تخدمه نفس هذه الانثى ليل نهار
فكيف يمكن ليده التي تعانقها مرات واخريات
ان تهجم عليها وتجهض فيها عنصر الحياة
ولا زالت ملامحها التي في الوجه تسلّّم عليه
بسلام الاخوة
وما زالت بسمتها تعانق مقلتيه
وتناغيه
وتناجيه
فكيف له ان يمتص وجود اخت او امرأة له
وكيف له ان ينسى اختا له
كانت تقتعد مكانا امامه
في ذات يوم
وكيف له ان ينسى امرأة له
كانت تحنو عليه كل يوم
حنو الام على وليدها
( 12 )
ظل يفكر ويفكر
هل من سبيل لايقاف هذا المد النزفي
هذا الوحش الكاسر فينا
هذا القاتل المخبوء وراء كل بسمتنا وبهجتنا المنافقة
لانها لم توضع على المحك بعد
ولم تعرض لحرارة الميقات
كي نرى اليها هل تزداد بريقا ام تخبو وتسود
كما الوجه الذكوري يسود
لو بشر بالانثى
فهي نفس الوأد
ونفس الجاهلية
تكرر نفسها
بنفس الرجل
وما كان الا بئس خلف
لبئس ذلك السلف
( 13 )
فكيف تحدث نفس الذكر
بمثل هذه الاحاديث الممسوخة
والاخبار الموؤودة
والروايات الملعونة
كيف يعبر الذكر عن ضعته
حينما يجسد لعنة السماء الالهية في ارضينه
كيف يقوى على ..
كيف يقوى على ..
استلاب الانثى انثاها
وهو ما كان في الاساس يفعل
الا ان يستخرج ضعفه الموؤود في نفسه
فما كان يستلب الا ..
مساحات الانوثة في نفسه
وليس في نفوس من حوله منهن
وهو الذكر الصنديد !
لان القرار ما كان الا احدوثة كل الدهور
ذلك انه مشتق من ضعف نفسية الذكر
فيحاول ان يستلب مساحة اكبر من نفوذ المرأة
كي يضيفه على مساحته الصغيرة
لانه لا يجد نفسه ثمت الى جانب الانثى
الا اذا استلبها عناصرها الشخصية
وبذلك يحقق مبدأ التفوق الذاتي على العنصر النسوي
وهذا ما كان له ان يتحقق بفعل نفسه
الا اذا تفاقم لديه حس الاستلاب وانتزاعه حق الاخرين
وهو عصا الجاهلية الاولى
ذلك انه حينما يستلب المرأة اشياءها
ويضيفها الى اشيائه
بذلك سيتحقق لديه عنصر التفوق الداخلي
والذي لولا قواعد الاستحواذ والاستعمار النفسي لاخريات
ما كان ان يحصل على عنصر ذاتي
وهذا لا يحصل الا عند ضعاف النفوس
ممن لا يمتلكون ثقة بالنفس او اعتداد بالذات
فيحاولون استئصال ثقة الاخرين بانفسهم كي يضاعفوا ارصدتهم
( 14 )
لكنه عاد يفكر ثانية وثالثة ..
فلما كانوا لا يقدرون على بني اجناسهم
تهافتوا على اضعف منهم
وهو جنس المرأة
فأبي ليس بوسعه ان يرفع عصاه الا فوق رأس امي
وليس ثمة حائط اخفض من حائطها كي يرقى جداره !
( 15 )
فكان يقلب فائز وفي الغالب ..
كل طرف واخر بين تلك الاجساد المسجاة
كانت غضة نقية بصفائها الفتي
اعمار صغيرة وانهاد للتو كانت قد تبرعمت
لكن الذئاب التي عامت حولها
لم ترتئ لها مطلق الامتنان للرب
فحرمتها جولتها الحياتية
وأنزلتها مثل هذه المنازل القميئة
لانه ليس من عادات اهليهن ان يدعنهن يعربن عن كل ما يخطر ببالهن
فكان للشرف نفسه ..
أن يٌنتهك بذريعة نفس الشرف
بسبب من علل حمقاء واهية
تتيح لكل من هب ودب حتى لو كان صغيرا في العمر
يكفي ان تكون له قطعة لحمية زائدة
تتحرك ما بين رجليه
كي يصدر اي حكم تعسفي على انثى قريبة له
بل على اي انثى تقرب منه
حتى لو على مظنة التهمة
ومن قبل ان يتم التأكد
اما لو كانت متاحة بكل الوثائق والمستندات
فانه سوف لا يمنح لاحد حق التدخل
حتى لو كان الهه نفسه
ولمجرد تعصب آمن به المجتمع
وصدّق عليه العقل الجمعي
وصادر عليه كل المجرمون
( 16 )
تأكد لفائز معلومة ثابتة
تلخص في سباتها غير المنطقي
بأن العرف الكلي كان قد قتلها والناس جميعهم
ومن قبل ان يهب لقتلها اقرب الناس اليها نسبا
لانه ما كان صادق على وأدها خارج التراب
الا كل قانون البلاد
الذي ما كان الا ابن حرام لنفس تلك البلاد
واعترفت به كل الجهات الزانية
بفارق ان الوأد في جاهلية القرون السالفة
كانت تحصل داخل التراب
بينما هذه جعلت تتم خارج التراب
اذ ما عاد السبب يستفحل كما في الامس
ويشين صاحبه
بل ان بقاء فلذة الكبد والربيبة على قيد الحياة
كان له ان يشينه
لذا فهو لا يدسه في التراب
بل ان قتله لها كان ليذاع بين الامصار
فخرا واعتزازا بغيرة الاب او الاخ
أو حتى الزوج
وما كان ليدس خبره تحت خواء الارض
فما كان للمحب ان يقبل بان تصبح الانثى قاتلة
تفني حياة الرجل !
ولا كان للمحب ان يقبل بان يصبح الذكر قاتلا
يفني حياة المرأة !
الجزء الثالث
احتقار وانتقام
( 17 )
استقل فائز سيارته في الصباح الباكر
انه يتوجه اليوم الى دائرته
في وقت مبكر للغاية
لقد شعر في ليلة امس
بانه كان يشتغل في جسد ناصع البياض
كما لو ان مساماته لم تستشعر بعد
اي طعم للموت
لذا قرر في اليوم
ان يتوجه الى محل عمله باكرا
كي يختلي بجسده الذي كان في ليلة الامس
يحاول وللتو الانهماك بتشريحه
لكنه في اليوم يحاول ان يتصدى لقراءته
كان وجهها مؤتلقا
( 18 )
اثار جسدها في نفسه كل احاسيس الحب
تجاهها ما كان ليدخر ولا حتى مشاعر جنس
كانت صغيرة يافعة
لم يطَل عمرها الرابعة عشر من الاعوام
كانت نضرة للغاية
شعرها دافئ مسترسل
لم يقس طوله
لكنه قضى وقتا يفكر فيه
ثم عنقها الجميل وصدرها المتبرعم الكاعب
لكنه غاب عن وعيه
حينما قدّر لطعنات ان تتماثل لناظريه
كانت تضرب في الاحشاء
عند البطن
ولقد قام القاتل بسحب سكينه الى الاسفل
مما ادى الى قيام شروخ عميقة
تمتد ومن مكان الطعنة الى اسفل البطن
ضغط على حدقتيه
حينما اغمض جفنيه وبقوة
لم يتمالك نفسه
وهو الذي كان يظن بنفسه
انه قد صار يحتمل افجع من هذه الصور
وبالفعل
فلقد مرس وجرب الكثير
ولقد شاهد طوال فترة التمرين
ومن بعدها فترته الحالية في امتهان مثل هذا العمل
ومزاولته لهذه المهنة
مناظر وحالات ابشع واشد عنفا
وانغماسا في عمق الجريمة
لكن هذه
اثارت فيه نوعا من الصخب
كانت يداه ترتجفان ازاءها
( 19 )
ما قدم هذا الصباح مبكرا
الا لاجلها
لكي يحل لغزها
ويفك طلسمها
لانه وفي الامس
كان شعر بان شيئا ما
ينطوي عليه هذا الجسد
شيء غريب
وعظيم في نفس الوقت
هذا الاحساس كان يعاوده
كلما امعن في شكلها
وكرر النظر الى وجهها
كان مألوفا له وللغاية
هل كان ابصرها في حلمه ومن قبل
هل كان عالم منامه يشتمل عليها
هل كانت تلك الفتاة التي أرقته في حلمه
تسبح في ناظري هذه المسجاة امامه
والتي خبا ضوءهما والى اشعار اخر
اشياء تربطه بهذه الفتاة
يؤمن بمثل هذا الاعتقاد
لكنه لا يدرك اي الامور تقتضي
وقوع مثل هذه العلاقة
واي قدر يمكنه ان يجمع بينه
وبين مقتولة مسجاة
مغدور بها
أعلموه في الامس
انها قتلت بسبب مما يدعى جريمة شرف
واليوم القانون يدرس الغاء مثل هذه الحصانة للقاتل
لكنه لم يقرر اي شيء ولحد الان
لكنه يدرك ان ما يجمعه بهذه
لا بد وان يكون سرا عميقا
لم يكتشف كنهه وللحين
فتش عنه فلم يجده
ولم يقع على اي مصدر لمثله
فكر ان مثل هذا الامر
ربما يعد جزءا من تلك الاوهام التي
كان لها ان تتقمصه ولادوار معينة
لكنها ميتة !
فهل له ان يدعها وشأنها ؟
ام يصر على تحري وجعها
واسباب قلقه الذي شعر به يعنف
ومنذ الامس
منذ ان اتوا بها اليه !
( 20 )
ما كان له ان يرفع شيئا من احشائها
او ان يتلمس اعضاءا لها
لكنه لا يعلم كيف امتدت له يدا
تصارع الموت وتصارع نفس جسدها
حتى وصل بها الى داخله
كان يفعل كما لو انه كان ..
جراحا اجرى لمريضته عملية جراحية
ثم نسي قطعة ..
من القطع المستخدمة في العملية
في داخل جسدها
هكذا ..
كان يطيل بحركة كفه
شعر بدفء احشائها
احشاء فتاة كاعبة
فجأة
توقفت يده عن الحركة
وكفت عن المتابعة
وكان الاسترسال في هذا
ضرب من الحمق
لانه كان امام موقف لا يحسد عليه
بل امام خلفية للموت
تكاد تصرع فيه كل المغالبات
بعد ان حاولت جاهدة
رصد كل مواطن الضعف فيه
انه قلبها
يكاد يتحرك
بل انه كذلك
( 21 )
هل عادت اليها الحياة
انه ينبض
لا يفعل الان وللتو
على الظاهر انه يضرب ومنذ زمن
انها لم تمت
لكن اين الصوت
اين الاثر الذي يسقط في العروق
والامكنة المختلفة من الجسد
اين وقعه في الدم والشريان
ليس ثمة من صوت لمثل هذا النبض
ان قلبها يتحرك وينبض
لكنه صامت
يفعل هذا بكل وحيه النادر
كما الهتاف الساطع
لجسد يوحي بكل الكآبة
لكنه يعبر عن تمرده
وعن ثورته
بل عن ازدرائه لكل الموجودات من حوله
من تلك التي استهانت به
وبصاحبته
بل عن كل احتقار لكل الاعراف والقوانين البليدة
والتي غامرت فلم تحرك ساكنا حياله !
ولم تقدم له اي عون
ولم تكن له بالملاذ !
ولكن اين وعيها
( 22 )
هي تخلد في غيبوبة
ولم تعلن عن توافرها على اسباب الحياة
ولم يكشف جسدها عنها
الا من خلال نبض قلبه
ووعي فؤاده
هي لا غير
من يمكن ان تقدم المساعدة لنفسها
لتفصح عن واقعها
عليها ان تسترسل في العود
وعليها ان تفيء الى وعيها
بل ان من الضروري لها
ان تستفيق !
وتعلن عن حياتها
وتنفي مماتها
وتسحق ارادة كل من اراد لها الموت
هاهي ولحد الان تحيا
وهي على قيد الحياة
فلم تستطع يد الجاني الذي أمن العقاب
ان يحيلها رميم
او ان يغيبها الثرى
او ان يوسدها اللحد
من بعد ان يغيّب مثواها
كي تغيب معها فعلتها
هكذا يظنون ويعتقدون
وفات هذا الشارع المقدس
ان جريمة هذا الجاني
هي لاشد على الله من اي شيء اخر
ولمثله ان يغيب
خوف ان يجر على اهله العار والشنار
لانه قاتل شهر سلاحه
بوجه امة لله ضعيفة
ما كانت الا اختا له
لا تملك من العون سوى
يقينها بمن فطرها
واقبالها على العيش
كأي مخلوق يفكر في مستقبله
ويتطلع الى غده
له من الاحلام ما له
لكن اياد غاشمة ما كان لها
ان تخنق عبير انفاسها
هكذا ظن بجسدها يقول
كان حانيا عليها رأسه
وهو يشعر بان الحياة تدب في اوصالها
بل ما كانت ماتت ولحد الان
لكنها حالة غريبة حقا
ان القلب يتحرك
وهي ميتة
ولكن نبضه لا يعلن عن صوته
بل هو يعمل في الخفاء
خوف ان تباشره يد الآثم ثانية
فيجهز على الضحية
لانه ما كان فعلها باتقان
في المرة الاولى !
( 23 )
لذا كان للزمن ان يتدخل
ويقيم نصب اعتراضه
بعد ان يلوّح بعصاه غير الظاهرة
فينتظر من اخلائه كل عون وفداء
هكذا شعر الطبيب فائز منيب !
وما كان قد انتدب الدهر سواه
بل ما كان للاقدار ..
الا ان تستاق مثل هذا الجسد اليه !
كي يعني به
ويسهر عليه
ويحنو عليه
وينكب على خدمته
واعادة الرمق الى صاحبته
ولكن .. كيف ؟
هذا ما بادر فائز نفسه
وهو يسائل عن وحيه
وعن طريقته !
( 23 )
لم يفكر باخبار اساتذته
او الطبيب المشرف على عمله
او مدير الدائرة المسؤول
لانه كان يعلم
بانهم سوف ينسفون الشاهد
الدال على حياة الروح في داخل هذا الجسد
اذ انه غامر بدعوة احدهم اليها
حينما اطلعه على ان هذا الجسد
له ان يثير بعض الريب
وقال للاخر
ــــ عليك ان تمد بيدك في الاحشاء
اتركها تصل الى القلب
حاول وباي جهد
لكن من استقدمه رجع عليه بالقول
ـــ ان قلبها ساكن لا يتحرك
ما بالك تطلب مني ان اقبض عليه
او ان المسه
وقتها ..
علم انه الوحيد ..
الذي عليه ان يسهر على خدمة هذا الجسد
لانه الوحيد الذي كشف له الله عن سره
وعن حياته
فما الذي سيفعله
وكيف له ان يتصرف في ازائه ؟ !
( 24 )
كان في موقف لا يحسد عليه
لان عليه ان ينتهي من تقريره
حيال هذا الجسد
ومن بعد
فعليه ان يرحل من هنا
الى مكان اخر
فقدم تقريره وبسرعة
من دون ان يترك ليده حرية الحركة
في ان تفعل بالاحشاء ما تفعل
او ان تغير ما تغير
تركه على وضعه
واثار في ظاهره ما يوحي للاخرين من حوله
بانه اشتغل فيه
وانهمك في تشريحه
حتى كان عليه ان ينقله من المشرحة
والى ردهة اخرى تعني به
( 25 )
في مساء ذلك اليوم
اعتقد بان عليه ان يرجع الى دائرة المشرحة
كان النوم يغالبه
لما بذله في النهار من جهد متواصل
كما انه لم يحظ بالقسط الوافر من الراحة
فلم يلتئم له جفن ولا للحظات قلائل
فدخل محل عمله
وشعر بانه يفتش عن شيء غير متواجد
تذكر بانه يبحث عن جسد فتاته
لكنه غير موجود في مكانه
فثار الدم في رأسه
وانتفض الشعور في جبهته
حتى ارتمى جحوظا شاخصا ما بين عينيه
لا لأنه اضاع جسدها
او بدأ الشك يتمكن منه
انه كان قد فقده والى الابد
فلقد تصرفوا بالجثة
او سلموها الى اصحابها
الذين ذهبوا بها مسرعين
كي يلقوها في وهدة من الارض
ويهيلوا عليها سيل التراب
فيواروا سوأة ابنتهم
حسبما يتصورون
لكن الرعب ما كان لينسل هكذا ..
فجأة ..
كما الخوف ينشب اظفاره في مقلتيه
والفزع يقض له المضاجع جميعا
لكن ما انتابه كل هذا
الا لسبب وحيد
انه شاهد الجسد يتحرك ويتنقل !
كما يفعل اي جسد يمتلك عناصر الحياة المتكاملة
كما يفعل اي شخص حي حوله !
( 26 )
كان وجهها
يطلع عليه
من باب ردهة
كانت تواجهه تماما
ببابها
وبشخص كانت سمحت له
ان يطل بسحنته من خلال قعرها !
كانت هي
بلحمها ودمها
وعظمها وشحمها
تطل عليه بوجهها الانيق
راعه جمالها
كما لو كانت قد جاءت لمقابلته
وكما لو كان جسدها ايضا
في جولة ثمت
ثم قرر التراجع
والخروج من نفس الباب ..
الذي كان قد دلف ومن خلاله اليها
لكنه لم يلمح اي اثر للدم في جسدها
ولا اي موضع لجرح في بطنها
غير انها كانت عارية تماما
كما لو كانت حبيبة
تدعوه الى الحب
وقضاء ليلة ساهرة
لان لابتسامتها كان رجعا عنيفا في نفسه
كاد ان يهلك
ان يسقط
لولا ان تمالك نفسه
ولولا انه كان قد اعتاد ان يتعامل مع ..
موجودات من عالم الوهم
لكنه اصر وقتها على التأكد من الحال
حتى لمسها
حينما كانت تصر هي الاخرى ..
على الاقتراب منه
( 27 )
امسكت بيده ..
اقتادتها الى موضع الجرح المندمل
لامس بطنها
كان صمتها يحكي له قصة جرحها
وانه ما زال ينبض في صدرها
رغم انه غاب عن ظاهر جسدها
لان المه محفور في خارطته الداخلية
وفجأة
غمرته بقبلة
ثم احاط هو بها بكلتا ذراعيه
كان لا يشعر بالحدث
قبلها كثيرا
حتى انحدر الى ثدييها
يعبد فيهما كل الطرق الى لثهمهما
ثم اقعى امام نصبها
وطبع ثمت قبلة عصماء
استفاقت هي عندها
وامسكت برأسه حتى نهض
ثم قبلته في شفتيه
قبلة ناضحة
لم يصح منها
الا وهو معها فوق فراش الحب
فلم يغتصبها
ولكنها كانت استأذنت ربها
فأذن لها بفعله
بعد ان منحت فائز رخصته
وهو الاخر كان فعل مثلها
مع علمهما ان مواطنيهما
ما كان لهم ان يأذنوا لهما بمزاولته !
لكنهما مارساه وحسب ..
( 27 )
وعند الصباح
قالت له :
ـــ تأكد لدي بانهم يبحثون عني من جديد ..
ـــ ماذا ؟
اجابها بسرعة
ثم استدرك :
ـــ كيف ؟ الم يتأكدوا من قتلك ..
قالت :
ـــ لقد تحققوا من انك انت الوحيد
الذي كنت قد دخلت المبنى عند المساء
وخرجت وكانت برفقتك فتاة صغيرة
هي انا
ولم يكن موظف الاستعلامات في الباب الرسمي
على علم بدخولي المبنى
لذا اعتقدوا بانك لا بد ..
وان تكون وراء اختفاء جثتي
خاصة حينما افتقدوها
فوق طاولة المشرحة
في اليوم التالي ..
فقال :
ـــ ولماذا لا يقولوا اني واخرى
عملنا على تهريب جثتك الى خارج المبنى
ـــ لا يمكن ان تتم كتابة التقرير بهذا الشكل
لان موظف الاستعلامات انكر ..
ان كان قد رآنا
وبمعيتنا اي شيء نحمله
كي يمكن المصادقة على مثل هذه التهمة
ولكن لما كان لهم ان يفقدوا جثتي
ويروا شخصا غير مسجل في قائمة الداخلين
يخرج من باب المبنى الرئيسي
فانهم حتى ولو لم يتأكدوا ..
من انك واخرى كنت وراء نقل الجثة
فانه لا بد وان تلصق بنا
فقد يكون لنا عميل ثالث
كان له ان يمد لنا بيد العون
كي ينتزع الجثة من داخل المبنى
وبمساعدتنا ..
( 28 )
تابعت كلامها وهي تقول :
ـــ خلاصة الامر ..
فان الشكوك الان
هي لا تدور الا حولنا فقط !
كلينا ..
فقال لها :
ـــ لكن علي الذهاب الى عملي .
قالت :
ـــ سيلقون القبض عليك ..
وتحت انواع الضغط سيكون لك ان تعترف ..
ومن ثم ستقر بما حصل
وتدلّهم على مكاني
بعدها سيكون لهم ان يكتشفوا وجودي
صمتت لحظات ثم عادت الى الكلام وهي تقول :
ـــ ولكن تذكّر !
انه حتى لو اثارت عودتي للحياة ثانية ..
كل اقاويل وسائل الاعلام والناس
واثارت رجال الطب
وتركتهم امام تساؤلات مدهشة مريعة
وتركت العلم الحديث
امام كل الاثارات المبهمة
والتي سوف لا يكون بوسعه ان يجد لها ..
اي جواب مطلق
فان من قتلني ..
( 29 )
وهنا كان للغتها ان تهدأ هنيهات :
ـــ ما كان ليهدأ له أي قرار ..
ولا ليغمض له جفن
ولا أن تقر له عين
الا اذا كان له ان يتحقق من قتلي ثانية
فيعاود الاجهاز علي ومن جديد !
وباقوى من المرة الاولى
كي يثبت للعالمين من حوله
انه كان قد اتقن صنعته
وبذلك يعيد الى نفسه ماء الوجه المحتضر
لانه ما كان وجه اليها ضربة قاضية
في المرة الاولى !
فكيف يتيسر لرجل ان يعثر في قتل فتاة صغيرة ؟ !
وهي انثى !
اضعف من ان تقاومه ..
او ان تحد من طائلته ..
( 30 )
فتساءل وهو يقول لها :
ـــ فماذا سنفعل ؟
وانا ماذا علي ان افعل ؟ !
ـــ لا عليك ..
سننتظر متى يثوب الاخ الى رشده
ويلغي كل مشاريعه القاتلة
ويستعيد اخته حية
كما كانت
تزهو بنعمة العيش
وهي تحفل بكل الاحلام والاطماح
وينتهي عن غيه
ويتنازل عن ثأره الاجوف
وعن الدفاع عن اشياء اعتبارية
يعيشها بين اناسه ومجتمعه
الذي كان هو الملام الاول
والسبب الاساس في حض اخي على قتلي
لانه لو كان للعرف والتقاليد
ان تقر بحرية المرأة
بفعالها وانشطتها
الجسمية والنفسية
وان تتم تنشئة الاجيال
على مستوى من الفهم والوعي
لا يغذون فيها .. ومن خلاله
ومنذ نعومة اظفارها ..
كل براثن العيب والخطأ ومعايير الجرم
وبالخط المعكوس
وبالمفهوم الخاطئ ومن البداية
فيبقى افراد تلك الاجيال
تعيش المأساة
والتناقض في العيش
من حيث حرية الولد ..
في قيامه بما يشاء من اعمال
وحرمان البنت ..
من قيامها بنفس الفعل
( 31 )
ثم قالت :
ـــ فما كان لامثال اخي
وتحت ضغط مثل هذا الوعي الغبي
الا ان يتصدى ..
لاقتناص حظي من العيش
واستلاب حقي في الحياة !
لكن المجتمع والاباء
وبكل اعرافهم السمجة
وتقاليدهم المهترئة
لمّا كان لهم ان يدينوا اي ممارسة اجتماعية
ويقبضوا على عصا الحياة لدى الاخرين
فيحركون بها وكما يشاؤون ويرغبون
نراهم ..
هم انفسهم
يعودوا ليستحثوا كل قريب
كي يثأر لسمعة الاسرة
لا لشيء
الا لانهم كانوا على ملة ابائهم وانهم على اثرهم سائرون
او لو كان اباؤهم لا يفقهون شيئا
هذا يقتضي بحثا اخر !
ينبغي لهم ان يستوعبوا وفي خلاله امكانية نقاشه
ومن ثم امكانية البت في اسسه ومقوماته
وهم ما كانوا في الحقيقة ..
الا من كان قد اودى بحياة المجتمع نفسه
ومنذ البداية
ومن ثم بحياة افراده
وبكل عجلة التطور لديه !
من حيث تتبعهم المستهجن
لكل اشكال الماضي المأفون
بسمعة لا يمكن ان تعالج مشكلاتها
الا بوحي من الوان الموت
وبعنجهية كان صادق عليها الشيطان
المتكالب على أسر أرواحنا
( 32 )
ابتسمت وقالت :
ـــ اقول بعنجهية ..
ما كان قد صادق عليها ..
نفس الاله الممجد !
وما كانت تلك جميعا وبالتالي ..
اقصد السمعة
الا قضايا نسبية
وامور اعتبارية
صادر عليها الافراد
وآمنت بها الشعوب طواعية
وبشكل جماعي
تعاملوا معها كما لو كانت آيات ..
لا تقبل النسخ ولا حتى مجمل التأويل
وهي بالتالي
ما كان ليعنى بها
الا في رؤوس خاوية
كان قد أكل الدهر عليها وشرب !
( 33 )
كان فائز متحيرا
فهي فتاة في الرابعة عشر من عمرها
تملك كل هذا الاسلوب والقدرة على التكلم وبكل منطقية
والحديث وبكل وعي واسهاب
لكنه دفع عنه مثل هذه الافكار والاخيلة
لما تذكر واقع الفتاة الاقرب الى الخيال
وقصة عودتها الى الحياة
وتلبسها بالعيش عنوة
ومن جديد ..
( 34 )
غير انها عادت لتردف في الكلام :
ـــ واغلب الظن ..
ان دمك الان هو الاخر مطلوب
يعني انت الاخر
اصبحتَ مطلوبا
لانه سيكون على القاتل
ان يجهز على ضحيتين
وليس واحدة فقط !
انا وانت معا !
تنهدت وعادت تقول :
ـــ انظر كيف اتعبتك
واشركتك في بلائي
حينما اقتضى الدهر منك ان تساعدني
هذا حظك ليس إلا !
لانهم سيعتبرونك ومن اليوم
انت الاخر ..
مشترك بالجريمة
تساءل فجأة :
ـــ جريمة ؟ ! اي جريمة !
بعملية مسٍّ للشرف
تضحك في وقتها وتضيف :
ـــ وهتك للسمعة !
والشرف ... يقتضي ازالتها من خلال ما يسمى
بجريمة شرف !
ابتسم وقتها وقال :
ـــ لا عليك
لقد كنت ابنة ذكية
واليوم اجدك امرأة ماهرة
وانت لم تتعدين بعد ..
الرابعة عشر من عمرك !
بينما عادت تقول له :
ـــ لكن تذكَّر بان وجودي معك
ما كان الا احتقارا لهم
ونومي معك ليلة امس
ما كان الا انتقاما منهم
وثأرا لي !
تمت الرواية وبعون الله تعالى
جمال السائح
Almawed2003@yahoo.com
www.postpoems.com/members/jamalalsaieh