كليزار أنور وعنقود الكهرمان
علاء مشذوب عبود
في 21/08/2011 12:30 PM
في المجموعة القصصية (عنقود الكهرمان) للقاصة (كليزار أنور) والتي تحتوي على (18) قصة قصيرة تعددت فيها الأماكن مثلما حاولت القاصة في أكثر من ست قصص أن تكون راوية ذكورية ولم تستطع أن تتخلص من سطوة المجتمع الذكوري الذي أنعكس على سردها . فنحن إذ نهرب من المتشابه الى المختلف لكي نجد عوالم جديدة لكن القاصة تعودْ بنا الى المتشابه قسراً وربما دون وعي منها لسطوة الرجال على الحياة العامة والخاصة ؟ في البدء لابد أن نذكر أن الإهداء الذي جاءت به المجموعة وربما الشكر والتقدير لأي كتاب هو جزء من نافذة الكتاب الى الآخرين ... فربما يكون (الإهداء) قصة قصيرة من سطر واحد أو عدة كلمات ... أو حكمة لأحد الحكماء ... ربما يكون قولْ غيَّر مجرى حياة الكاتب أو مقياس لأشياء يهتدي بها ... ربما يكون الإهداء إهداء الى شخص عزيز كان له كل الدور في نضوج الكتاب أو وصوله الى ما وصل اليه ... ربما يكون أخاً عزيزاً أو أباً ربما يكون حبيباً ثقب القلب بسهم الهجرة الى حيث المراسي البعيدة ... أو غروبا للذات شكل جوهر الكاتب ... ربما يكون الإهداء عرفاناً بالجميل لشخص شارك الكاتب إنجاز منجزه الإبداعي ... الإهداء الى تلك المرأة التي حملت أعباء فنجان قهوة أو حمل أعباء العائلة والكاتب يسبر أغوار الليل والأمكنة من أجل أن يصطاد لحظة ابداع تشكل مخيالاً له وهو يشكل كلمات كانت غائرة في اللاوعي .
في احدى المرات قرأت إهداء لأحد الشعراء يقول فيه (حكمة الشعر في صمته لا في صخبه) وعلى احدى بوابات كتاب آخر كان الإهداء بالشكل الآتي : في لحظةٍ
أختلف الخط واللون فتمثل الأول بأشكال لينتج فن الكاريكاتير وتمثل الثاني في بقع لونية لا حدودية وعندما اجتمعا ... أنتجوا فن الرسم ... إليهما . في إهداء القاصة (كليزار أنور) تقول:
الى من غادرنا فجأةً ... ورحل
الى العزيز ... بيار
ما علمت بأن الزهور عمرها قصير ..!
ولكن في المقابل نرى بعض الكتب وهي قليلة تخلو من الإهداء وكذلك الشكر والتقدير، وهذا ليس تعسفا من قبل المبدع بحق الآخرين، ربما لأنه يعتبر نفسه هو العامل الرئيس وراء إنجاز منجزه الذي لم يسانده أحد على إنجازه وهذا لا يعني إنكار الآخرين مرة أخرى حتى لو تمثلوا بومضة كانت جزءا من إبداعه لأنه شكلها ضمن كتابه ... أو أنه لا يفقه فن تصميم الكتاب الذي احتوى ما جادت به روحه الإبداعية من نزف القلم والذات لتسطر حقائق إنسانية شاهدة على العصر ... أو تُرّهات اعتقدها أملاً وتحققت كنيله لجائزة في مسابقة أو حصوله على المركز الأول في أحد المهرجانات ... لكن إهداء القاصة كان مؤلماً فهي إذ تتنكر لحقيقة تعرفها عين اليقين هو أن عمر الزهور من عمر الفراشات ولكنها تستنكرها لارتباطها بابن أخيها (بيار) ولا نطيل عن الإهداء أكثر مما ذكر أعلاه .
في القصة الأولى (النصف بالنصف) والتي فازت بجائزة مسابقة الشباب الأدبية عام 1999 في العراق تبحر بنا الى حيث الحميمية بين الفتيات الدافئات وهن يتنافسن ويتقاسمن المجد حتى في الخيال . أما المكان فكان افتراضياً من خلال وصف لقصر داخل قصة كتبتها القاصة وترجمت الى اللغة الأجنبية في القصة الثانية (البيت القديم) وهي أيضا فائزة بجائزة أور الإبداعية للقصة القصيرة عام 1999 حيث تأخذنا القاصة الى بيت قديم في الموصل فالطفولة مهد الذكرى الأولى تسترجع حبها البريء . وفي هذه القصة تطبق القاصة مقولة مفادها (ان في كل سطر معلومة) وهي لم تنفك تمسك مقود السفينة لتبحر بالقارئ الى حيث تريد في معاتبة الوطن من خلال حوار مع حبيبها :
- سأرحل
- وا أسفي .. أصبح الرحيل عن الوطن هو الحلم
- لا تتأسفي ... إذ تحول الوطن الى منفى
في القصة الثالثة (عنقود الكهرمان) وهو أيضاً عنوان لمجموعتها تأخذنا القاصة الى أناس افتراضيين ومكان افتراضي من مفردة بسيطة وقصيرة ، كون القاصة كانت داخل القصة تعمل كصحافية في مجلة (اليوم) وقد نشرت الجزء الأول من قصتها ثم أغلقت المجلة وبذاك لم تنشر الجزء الثاني ولكن أولئك الغرباء الذين يعيشون في عالم افتراضي كانوا يترجمون كل ما يعجبهم من إنتاج الإنسان الأرضي وصادف أن ترجموا الجزء الأول من قصتها على أمل أن ينشر الجزء الثاني ليترجم لهم ولكن إغلاق المجلة أحرجهم وتسبب في زيارتهم للقاصة في بيتها وفي منتصف الليل . في القصة الرابعة (صروح) استطاعت القاصة التناص مع النص القرآني الكريم لسورة يوسف (ع) فتقول : يا جدتي إني رأيت خمسة صروح والنص القرآني يقول يا أبت إني رأيت في المنام خمس بقرات عجاف الى آخر الآية الكريمة . وفي القصة يتحقق ما حلمت به القاصة وفي النص القرآني يتحقق ما رآه يوسف النبي (ع) مع الفارق (بين الحلم والرؤيا) في القصة الخامسة (على عجل) أعتقد أن هناك تورية كبيرة استخدمتها القاصة من خلال استعراض حياة شابين (فتاة وشاب) يلتقيان ... يتزوجان ... ثم يذهب الزوج الى الحرب الى اللاعودة ومثلها أعمارنا فقد فتحت عيوننا على حرب الشمال في عقد السبعينيات مع اخواننا الأكراد لتعقبها الحرب العراقية – الإيرانية وحروب الخليج الثلاث وبعدها حقبة الإرهاب هكذا هي أعمار أجيال الستينيات والسبعينيات وأوائل الثمانينيات . أن الجميل في القاصة هو أن قصصها تقوم على فكرة بسيطة خالية من التعقيد . هي ومضة تضيئها وتذهب لتنتقل الى قصة أخرى أنه السهل الممتنع الذي تشعر بسعادة كبيرة وأنت تتنقل بين تلك الحيوات من السهول الى الجبال الى البحار بين الواقع والأحلام بين الحقيقي والافتراضي ... سرد أنثوي وفي آخر ذكوري ... هي ترفع الحواجز بين كل ما يعيق سردها أنها كائن حي نابض بالحياة.
نُشرت في جريدة (السبوعية) بتاريخ 21/ 8/ 2ز11