أحلام كُليزار أنور قصصاً
سعد الدين خضر
لا أدري كيف أختزنت ذاكرة أنثى غضة نظرة كل تلك التوهيمات الطوباوية من أحلام اليقظة وأفرغتها قصصاً وردية بلون البنفسج ورائحة الياسمين.
تنساب إلى القارئ المرهف سلسلة هادئة تلك هي أعمال (كليزار أنور) القاصّة الطموحة، المتألقة –فجأةً- في سوح النشر والثقافة!
في مجموعتها (بئر البنفسج) ضمن سلسلة ثقافة ضد الحصار، كما في نصوصها المنشورة في شتى المجلات والصحف العراقية والعربية حيث نقرأ أحلاماً ومشاعر وأمنيات كليزار أنور، فتاة تتنفس الخدر وتحتسب التقاليد وتزاوج بين الرصانة والحلم لتقدم نصاً نسوياً يعكس معاناة المرأة الشرقية في عالم ذكوري، إنها ترفض من خلال نصوصها مقايضة حلم اليقظة الأنثوي بخديعة التمرد، إنها لا ترغب بـ(جان دارك) فالرفض مصيدة النساء لأن الرجل في عالمها لا تتخيله أكثر من (شيخ قبيلة) فهيهات أن يُبايع أنثى!! حتى في عالم الإبداع أحست كليزار أنور بأن (الأنوثة) باهضة الثمن وأن المرأة إذ تكتب إنما تلعب بالنار، فلتكتب إذن على نار هادئة، إنها تفضل أن تزرع شتلات الورد وأن تنشر أريج الياسمين بدلاً من أن تشعل النيران هنا وهناك، حتى لو كان ذلك باسم (الحداثة) و (العصرنة) نلمح ذلك في قصتيها (شمس تشرق في الليل) و (لقاء على جناح الموت) لقد فصلت إبداعها على مقاسها وتباً للأخريات!
عندما نشرت قصتها (ويبقى الوفاء) في مجلة (الأقلام) العدد 3/ 1998 حيث أرادت أن تُبشر بولادة كاتبة، فكان ذلك فعلاً حيث اشتركت عام 1999 في مجموعة (قصص من نينوى) الجزء الأول بقصتها (أحزان ليلة الميلاد) التي عكست تلك الأجواء المخملية الحالمة وذلك الفرح الطفولي الغامر حياتها كما تريدها. في (أحزان ليلة الميلاد) ثمة ترقب وانتظار وتلك العلاقة الأنيقة حد الانبهار، علاقة رسمتها كلمات كليزار برقة وشفافية.. هذه القصة إلى جانب قصة (الفراشة) في المجموعة إياها (بئر البنفسج) أعدها من أجمل ما كتبت هذه القاصّة.
في قصصها –كما في حياتها- إصرار على الحياة بعناد مدروس ذكي، ومن بين كل الزهرات اختارت (البنفسج) حلمها الجميل الموزع بين الرغبة والحشمة، بين البوح والكتمان، بيد أنها في بعض قصصها تعمد إلى استعارة تجارب حياتية للآخرين أو الأخريات لتوظيف رؤاها الذاتية وتغليف أنوية (جمع نواة) أهدافها وطموحاتها التي تراها غير مستحيلة وهي كذلك فعلاً.
باستثناء قصتها (لقاء على جناح الموت) فإن قصص مجموعتها تعكس تفاؤلاً وفرحاً وعفوية رمزية تحكي الانهماك المبكر في هموم الإبداع كما يبدو ذلك في قصة المجموعة الأولى (الفراشة) إذ يلمس القارئ دفق الأمنيات ونبض العنفوان والمشاعر، وفي قصص أخرى تقدم صوراً ملونة حتى ليشعر القارئ وكأنه في كرنفال أحلام!!
ولع الكاتبة بالأزاهير والعصافير والفراشات والموسيقى واللوحات وخواتم الخطوبة كلها مدلولات الحياة ورموزها عند كليزار أنور.
أما قصتها (عنقود الكهرمان) المنشورة في مجلة (الموقف الثقافي) العدد 25/ 2000 فإنها تحاول فيها توظيف الخيال العلمي بنزعة غرائبية توحي بتحقيق الأمنيات.. أمنيات مَن؟؟ نهاية المطاف، وكأنها تستحضر فارس الأحلام على فرس بيضاء، يهبط من السماء ليضع في أحضانها ( عنقود الكهرمان) ترميز ذكي ولذيذ لحلم فتاة يليق بها عنقود كهرمان أو أكليل بنفسج أو عقد ياسمين أبيض بياض سريرتها.
*" بئر البنفسج" مجموعة قصصية صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد/ 1999.
* نُشرت الدراسة في جريدة (الإعلام) العدد (142) الصادر في 29/ 11/ 2000.