دراسة نقدية عن مجموعة (عنقود الكهرمان) للقاصة كُليزار أنور
القصة الكردية وأدب الخيال العلمي
نوري بطرس
ظلت القصة الكردية ومنذ نشأتها بعد الحرب العالمية الأولى وحتى وقت قريب تبحث في هموم الإنسان الكردي عبر العصور والأزمان وما أصابه من كوارث ومآسي وحروب ونكبات كان أخرها ما تعرض له من الإبادة الجماعية واستخدام الأسلحة الكيمياوية والهجرات الجماعية التي آلت إليها خوفا من بطش الأنظمة الديكتاتورية التي تعاقبت على حكم العراق، ورغم توالي الحروب وظروف القهر والإرهاب فقد ألهمت هذه الأحداث الكتاب والأدباء والشعراء ليكتبوا عن تلك البانوراما التاريخية التي قطعت شوطا بعيدا في تاريخها وطوال القرن العشرين بأحداثه الدامية ومآسيها المستمرة، واليوم أخذت الاتجاهات الأدبية في أطروحات الكتاب الكرد منحى آخر ألا وهو الخروج على الأطر التقليدية في الأدب والدخول إلى عالم فسيح بعد أن تنفس الكاتب والأديب هواء حرية كردستان النقي وأجواءها الصافية في ظل رسوخ المفاهيم الجديدة في أطروحات الفكر السياسي الكردي المعاصر كالفدرالية والتعددية والديمقراطية وهذه الرؤيا المعاصرة أثرت بايديو لوجيتها على الأدب الكردي المعاصر وخاصة في مجال القصة والرواية.
ولم تشهد كردستان بكل ثقلها الأدبي الثقافي، ماتشهده الآن من رسوخ في المؤسسات الثقافية وتقدم في أساليب السرد والكتابة القصصية والروائية. ويقول البعض إن الأدب هو صورة لعالم الذات الإنسانية لكل ما فيها من مكبوتات وأسرار وتطلعات، وان الكاتب والإنسان والمثقف سرعان ما يجد نفسه يعيش حياة بديلة ويلجا إلى خلق عالم خيالي أو يوتوبيا فنطازية وسحرية تامة على الورق ولعل ذلك هو ما نجده في قصص (عنقود الكهرمان) للقاصة كليزار أنور حيث قتامة الحياة وأحداثها وقدرتها الملحوظة على إقناع القارئ بكل متناقضات الفرد اليومية في عالم متدفق يتنفس بأفكار ذات صلة مع القارئ والمتلقي ولا يجد ارتواء لظمئه القاتل وقد وجدت الكاتبة في أساليب السرد المدنية نزوعها نحو خط الكتابة الذاتية إلى حدرتها ابتعدت أسلوبها في رسم الخيال أو العالم الآخر في خبراتها المعرفية وقد اكتسبت مهارات الكتابة في صياغة قصصية ناجحة حين استطاعت أن تنقل القارئ من أجوائها التقليدية إلى الأجواء الفانتازية في محاولة إلى إعادة خلق الواقع عن طريق أبطال قصصها الذين يصورون وكأنهم أجنحة طائرة في ظلام دامس ثم سرعان ما تخرج هذه الثيمات إلى عالم فسيح وأجواء مفتوحة فتصبح مثل مطر الربيع في يوم مشمس، وبذلك يمكننا أن نتصور حقائق الوجود ومصير الإنسان في دواخل نفوسها فتثير تساؤلات ملحة في القصة والرواية ذاتها، وإذا كانت اللغة القصصية لغة نثرية فحسب، لكنها لغة صياغة القالب النثري من جديد وهي تحاول أن توصل بين حالات الإدراك في اللغة وحالات التعبير، أو بعبارة أخرى بين الرموز الشعرية والرموز الدرامية في فعل الحدث القصصي، ولكن غلبة الأسلوب الشعري في قصص كليزار أنور جعل منها وسيلة للتمكن في فضاءات السرد، وقصصها ماهي الا ذاكرة حسية وصور من الماضي والحاضر وتصورات في مخيلة الكاتبة وشذرات من الماضي البعيد ولكنه قريب بصورة الواقع المتخيل كالحكايات والتأملات الصغيرة والدوافع التي بدت وكأنها تنتشر على مساحة أوسع من خارطتها الوهمية، ومحاولة رسم الصور المتنوعة لعوالم معاشه وتحويلها إلى مرآة عاكسة في بنية الحدث القصصي، وكذلك توظيف الحدث التاريخي في صورة متخيلات حسية قريبة من الأذهان وجعل أبطالها في تناول الحدث القريب وكأنه شبيه بالحدث الذي طالما انتظره العصر ليحدث انقلابا على الذات وعلى الكون والعالم، وقد حاولت الكاتبة أن تتواصل مع المتتبع والقارئ وذلك عن طريق التناغم مع اللغة القصصية وقدرتها على جعل التعبير في أسلوب جذاب وممتع وتصوير أبطال القصص على أنهم آمال عريضة وسط عالم صاخب ولعل ذلك قصص (النصف بالنصف) وقصة (الاعتراف) وقصة (البيت القديم) والتي كتب في نقد هذه القصص بعض الكتاب العراقيين ومنهم كاظم حسوني في جريدة الزمان وكتب فخري أمين في جريدة التآخي وكتب خالد علي في جريدة الاتحاد حول أدب الخيال في القصة العراقية عموما الا إن أدب الخيال في القصة الكردية لم يسبق أن تناولته القصة الكردية في تاريخها من قبل ولعل لذلك أسبابه ودوافعه لكن الأهم أن كتب جليل القيسي في قصة( في زورق واحد) شيئا من هذا ولعلها مجموعة قصص وليست قصة واحدة في محاولة دمج الواقعي باللا معقول أو رسم شخصيات فضائية أو كواكب غريبة أو الدخول إلى عوالم تدهش القارئ وتبدأ قصة (طقس الدرامات الهادئ) بداية واقعية إذ أن بطلها يتوجه إلى مدينة طوزخورماتو لزيارة صديق ثم تتحول مسارات القصة إلى بناء قصة خيال علمي من خلال ظهور مركبة فضائية بأصوات هائلة ثم مخلوقات فضائية بأشكال غريبة في فضاءات السرد إذ نتصور أنفسنا عند قراءة الحدث القصص وكأننا في فيلم حرب الكواكب، ولعل جليل القيسي يقدم بذلك عالم يوتوبيا في كوكب يكون فيه جميع البشر متساوين في الحقوق عالم خال من القهر والاستلاب والإرهاب ، وهو بذلك يخالف يوتوبيا توماس موراو جمهورية أفلاطون لأنها حملت الصفات المعاكسة لصفات العالم الثالث وهذا من نتاج الرؤية المأساوية للقاص إلى عالمه الواقعي،
إن أحسن قصص الخيال العلمي تؤثر في أجيال عديدة من الناس وهي تصور إبطالا في شكل رجال الفضاء لكنهم أناس يشعر القارئ بهم ويشاركهم ما يشعرون، لان الكاتب يحاول أن يوضح كيفية تأثير الحضارات على الإنسان الأرضي أو تأثير المخلوقات الأخرى على أرضنا وحضارتنا في عالم مثالي شبيه بالكوكب الذي جاءت منه المخلوقات لدرجة أننا نتصور إنها ممكنة الحدوث وهي ذات مرجعية جذابة جدا. وهذا ما فعلته كُليزار أنور –أيضاً- في قصتها عنقود الكهرمان. وهي دعوة للقارئ أن يقرا هذه المجموعة الجميلة ولن يندم!