كليزار أنور لـ(ثقافات)
هناك الكثير من الروايات الفنية الجميلة والحقيقية
والنقد الأدبي العراقي أناني بحت
أجرى الحوار: نوزت شمدين
كُليزار أنور قاصّة وروائية موصلية، استطاعت أن تجد لها مكاناً بين مبدعي العراق عموماً والمدينة على وجه الخصوص، من خلال عدد كبير من القصص التي نشرتها في مختلف الصحف والمجلات االعربية والعراقية وحتى الأجنبية،وهي من مواليد العمادية في شمال العراق، بدأت الكتابة في عام 1995، وصدرت لها عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد، أول مجموعة قصصية في عام 1999 بعنوان (بئر البنفسج) وبعد أربعة أعوام صدر لها عن ذات الدار رواية بعنوان (عجلة النار) وفي عام 2006 صدر لها عن دار الشؤون الثقافية العامة أيضاً مجموعتها القصصية الثانية (عنقود الكهرمان)
وعاشت معظم سني عمرها في مدينة الموصل، أنهت دراستها فيها، قبل أن تتوظف في مديرية تربية نينوى، ويأتي القاص والناقد العراقي محمد الأحمد ليكسب قلبها وتنتقل معه كزوجة إلى مدينة بعقوبة.
تقول كوليزار: أنا قاصّة أولاً.. والقصة هي بدايتي.. والبدايات دائماً جميلة وصادقة، والقصة هي التي قادتني إلى درب الرواية الجميل. وقراءاتي المتعددة والواسعة جعلتني أقف عند الكثير مما قرأت، فأردت أن أُدوّن إعجابي بها، أمسكت بقلمي وكتبت عنها لأُوصل جمال ما قرأت للقارئ.
الأديب كما تراه كوليزار يشبه "بروميثيوس" والسبب برأيها أن زيوس فرض عذاباً عليه لأنهُ سرق النار من أجل البشر.. وكان كبده ينمو مجدداً كل ليلة ليفترسه الصقر نفسه في اليوم التالي. وتضيف بحماسها المعهود: كبد البطل هي الكتابة والصقر هو القارئ، والأديب هو (بروميثيوس)الذي تعود عظامه فتكتسي باللحم مرة بعد أخرى، كي يجدد رحلته مع الحياة كما كان بروميثيوس يجدّد رحلته الأوديسية.
لا يمر شهر شهر دون أن أكتب مادة أدبية جديدة سواءً قصة أو قراءة نقدية.. وعندي روايتي (الصندوق الأسود) التي أعمل عليها، وستصدر لي مجموعة قصصية جديدة عن دار الشؤون الثقافية العامة بعنوان (جيش الفراشات).
هي تصر على أن الموهبة وحدها لا تكفي، فالقراءة والإطلاع على الجديد والثقافات الأخرى هي التي تصقل هذه الموهبة.. وبعدها يحتاج إلى شيء آخر أكثر أهمية.. إلى الروح أو النفس القصصي ليصل إلى درجة الأحتراف، وتقول: ما على الأديب سوى أن يصف الحياة بصدقها الفني.
تصف كُليزار شخوص أعمالها الأدبية بأنها إنسانية الطبع، مثقفة، هادئة، طيبة.. وأغلب الشخصيات لها وعيها الخاص بها، فالمعرفة ألم، والألم حكمة، والحكمة هي الغاية والرسالة التي نريد أن نوصلها إلى القارئ.. والألم هو الهواء الذي نتنفسه وهو ليس له علاقة بالمستوى الثقافي للبشر..من هذا المنطلق يكون الوعي لدى شخصياتي. القصة لديها تبدأ بفكرة في الذهن، فتغزل عليها، وتعيش معها وصولاً إلى القمة، ومع كل قصة جديدة تشعر بسعادة ورضاً كبيرين في داخلها.
وهي ترى بأن القصة فن رائع وهي الأصل، بخلاف الرواية التي هي قصة مطولة _وفي كثير من الأحيان_ مملة بحسب رأيها، لكثرة ما يمط فيها مؤلفوها، وتستدرك (ولا أقصد الروايات العظيمة والجيدة) وتواصل: تشعر إزاء العديد من الروايات وأنت تقرأها بأنها مجرد كلام لا طائل منه.. وكان من الممكن أن تكون هذه الرواية قصة جميلة مختصرة أرادت أن تقول كل ما أراد الكاتب قوله باختصار وعدم تضيعة وقت المتلقي. مع ذلك ترى كُليزار أنور أن هناك الكثير من الروايات الفنية الجميلة والحقيقية في العراق.. مثلاً: "الرجع البعيد" لفؤاد التكرلي و "النخلة والجيران" لغائب طعمة فرمان و" الثلاثية الأولى" لجمعة اللامي و " الوشم" لعبد الرحمن مجيد الربيعي و "قبل اكتمال القرن" لذكرى محمد نادر وأغلب قصص عبد الستار ناصر الجديدة أدب حقيقي حسب اعتقادها طبعاً.
وعن النقد تقول بأنه موجود في العراق، وتستدرك: لكنه أناني بحت، وتقول بكل ثقة: نقادنا –وخاصةً- الأكاديميون لا يكتبون سوى عن الأسماء اللامعة والعربية والأجنبية التي أخذت حقها في النقد،ولا يكلف نفسه بقراءة رواية أو مجموعة قصصية لكاتب يبدأ بداياته الأولى بثقة، ولا يسأل نفسه ربما يجد فيها ما لم يجده في كل ما قرأه؟! إنها دعوة للنقاد.. أكاديميون وغيرهم.. بالالتفات إلى المعروض، فهناك الكثير الكثير مما يستحق أن يقرأ ويكتب عنه.
وتضيف: النقد بصفته رسالة ذوقية وجمالية وفكرية واجتماعية وإنسانية. ونقدنا الآن –مع الأسف- يبتعد كثيراً عن الموضوعية. والنقد برأيي الشخصي هو عملية تبسيط وتوضيح وتعميق وكشف للنص.. وأنا أضع كل هذا نصب عينيّ كلما قررت الكتابة عن أي نص أدبي.
وعن زواجها بالقاص محمد الأحمد ورحيلها عن مدينة الموصل تقول: أنا لم أرحل عن الموصل روحياً لإنها تسكنني وتعيش معي، رحلت منها مكانياً، لأني تزوجت من القاص محمد الأحمد.. وهو من ديالى. تلك المدينة أضافت لي لأنها منحتني الاستقرار والثقة والحب الدافئ والبيت المستقل الأنيق والزوج الراقي الحنون.. ديالى منحتني ثقافة أخرى واطلاع أوسع، ففي بيتنا مكتبة تحتوي على أكثر من ثلاثة آلآف كتاب.. ولا يمر شهر دون أن نضيف إليها عناوين جديدة ننهل من ابداعها.
* نُشر الحوار في ملحق (ثقافات) الرابع لجريدة (عراقيون) العدد (250) الصادر13/ 1/ 2010.