القاصة كليزار أنور: الأمان وحرية التعبير أمل المبدع للتعبير عن الواقع السياسي والاجتماعي
أجرى الحوار: إحسان الخالدي/ راديو سوا
13/07/2010 02:13 توقيت غرينتش
كليزار أنور أديبة عراقية توصف بأنها قديسة السرد تمتد روحها من جبال العمادية وسحرها الآشوري إلى بساتين ديالى وخضرتها مرورا بنينوى أم الربيعين.
يتسم منجزها الأدبي بالرومانسية ويتمظهر في بعده الجمالي والفني بالإنسانية الحقة. تتخذ من الكتابة ملجأ دافئا للتعبير عن فورة المشاعر الإنسانية وحبها للحياة والوطن. حملت أزميل السرد الهادئ وشرعت تضرب بتأن بديع فوق جدار القص - كما قال عنها أحد النقاد- لتحقق حضورا في المشهد الثقافي العراقي، كائنة أسطورية قدَّست ذاتها، آمنت بالحياة باعتبارها رحلة مقدسة، وصولا إلى تقديسها للسرد لأنه وسيلتها في الحفاظ على قدسية الذات والحياة معا. تأخذها الفكرة إلى أجواء الأحداث وشخصياتها لتخط قصتها وفق إرادة اللحظة الزمنية وقانونها.
كانت العمادية في محافظة دهوك محل ولادة كليزار أنور عام 1965، انتقلت بعدها للعيش في مدينة الموصل حيث أكملت دراستها هناك، وتقيم حاليا في مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى، وقد كان لتلك الرحلة ومحطاتها المتنوعة أثر كبير في رسم ملامح شخصيتها الأدبية، كما وكانت عوالم القراءة والاطلاع على كتب الأدب والتاريخ لها تأثير ملموس في منجزها القصصي. وقادها حبها المستديم للقراءة إلى عالم الكتابة، كما تقول، وترتدي ثوب القصة لتقول ما تريد، وتعتبر القصة لحظة توهج تدونها على الورق، فيما الرواية فن معماري يحتاج مثل أي بناء إلى أساس رصين لذا يجترح الكاتب حياة وشخوصا وتاريخا ومكانا وفضاء، وتمثلت تجربتها الروائية الأولى في "عجلة النار"، ولديها مخططات لمشاريع أدبية منها رواية "الصندوق الأسود". مسيرة كليزار الأدبية انطلقت عند نشر صحيفة عراقية إحدى قصصها منتصف تسعينات القرن الماضي، ثم تبعتها في نشر نتاجها القصصي الذي تمظهر في مجاميعها " بئر البنفسج " عام 1999، ورواية "عجلة النار " عام 2003، ومجموعة " عنقود الكهرمان" عام 2006، كما تمارس كتابة النقد الأدبي للتعريف بالمنجز الإبداعي العربي والعالمي، وتحرص كليزار أنوار على مواكبة التطورات العلمية، وتقول إن شبكة المعلومات الدولية "الانترنيت" قدمت الكثير من الخدمات ليس في مجال الإعلام والمعلوماتية، بل كذلك للثقافة العالمية على وجه العموم من خلال تقريب المسافات وتعزيز التواصل الثقافي بين الشعوب.
ترى كليزار أنور أن المنجز الإبداعي خلال العقود الثلاثة الأخيرة خرج من رحم الأحداث والوقائع التي شهدها العراق، وقد كان لتلك الأحداث الجسام أثر في المشروع الثقافي عموما، والقصصي على وجه الخصوص، حيث تشير إلى أن الأمان وحرية التعبير المفقودان، هما أمل أي مبدع للتعبير عن الواقع السياسي والاجتماعي.
وتقول إن شخصية المرأة وثقافتها ووعيها تلعب دورا كبيرا في أن تتخذ قرارا ناجحا على المستويين الخاص والعام، وتؤمن أن الرجل هو حياة المرأة مثلما هي حياته، وتشير إلى أن التفاهم والتعاون بينهما يبقى هو العامل الأساس في خلق أجواء أسرية هادئة ومريحة، لكنها تعتقد أن مفهوم الجندر دخيل على الثقافة العربية على الرغم من أهميته في المجتمعات المدنية.
كانت كُليزار انور ضيفة حلقة برنامج إضاءات، ونبدأ معها:
س1: أثر الأشياء الأولى (الأسرة، المدينة، الدراسة) في تشكيل ملامح شخصيتك الأدبية؟
ج1:الأشياء الأولى والرئيسية التي ذكرتها لها دور كبير في تشكيل شخصياتنا سواءً الإنسانية أم الأدبية. فقد ولدت في أسرة صغيرة دافئة تتكون من أب حنون وأمٍ طيبة وأخوين رائعين، كنتُ الفتاة الوحيدة والمدللة، فتحتُ عينيّ ووجدتُ حولي الصحيفة والمجلة والكتاب، كان والدي حريصاً على تواجد مجلات الأطفال (ميكي، وسمير، ومجلتي والمزمار) بين أيدينا حتى قبل أن ندخل المدرسة. أما المدينة فهي الحضن الكبير، ولدتُ في العمادية.. وهي قضاء تابع لمحافظة دهوك في أقصى شمال العراق.. مدينة جميلة على قمة جبل تسمى (إمارة بهدينان) يعود تاريخها إلى عهد الآشوريين، وانتقل والدي وظيفياً إلى الموصل بعد شهرين من ولادتي، فكانت نشأتي ودراستي موصلية، وهي مدينة عريقة (نينوى) مذكورة حتى في القرآن، كل هذا الأرث الحضاري أثر في شخصيتي وساهم بشكل كبير في تشكيلي الثقافي. أما دراستي كانت في لغة الأرقام، وتخصصي وعملي حسابي بحت، لكن الموهبة تغلبت ولغة الحروف فاقت لغة الأرقام.
س2: أبرز المحطات التي كان لها أثر في الرؤية الفنية للقاصّة كُليزار، وكيف انطلق النص الأول عندك؟ وما هو النص الذي تعتقدين أنه الأقرب إلى نفسك؟ أو يمثل منجزكِ القصصي؟
ج2:أعتبر (حبي للقراءة) أهم محطة في حياتي، وقلتها وأقولها دائماً.. القراءة قادتني إلى درب الكتابة. لا إرادياً كتبت قصة (الموعد) في آذار/ 1995 وضعتها في ظرف وأرسلتها إلى صحيفة "بابل" وبعد شهر وجدتها منشورة.. وكانت فعلاً موعداً لانطلاقتي الأولى في هذا الدرب الرائع جداً..درب القصة. وهناك عدة نصوص قريبة إلى نفسي وشخصيتي مثلاً قصة "البيت القديم" كتبتها لأجل العمادية.. أردت أن أخلدها في نصٍ لي. وفازت بجائزة أور الإبداعية للقصة القصيرة عام 1999. وقصة "عنقود الكهرمان" أعتبرها ويعتبرها النقاد أيضاً نقطة تحول في مساري القصصي.. وقصة "النصف بالنصف" والمفتاح الذهبي ومفخخة وقاتلة على الهواء وحب وحرب وغيرها. وهناك حقيقة ثابتة تقول: الكاتب يرتدي ثوب القصة ليقول ما يريد.
س3: بمن تأثرتِ في كتابة قصتك الأولى، لاسيما وأن هناك أساليب متنوعة في الكتابة سواءً (محلياً أم عربياً أم عالمياً)، وهل كان لأي من تلك الأساليب أثر في منجزكِ القصصي؟
ج3: ذكرت قبل قليل أني بدأت كقارئة، وقارئة ممتازة جداً. كنتُ أقرأ كل شيء من مجلات الأطفال إلى كتب الفلسفة.. والقراءة أعتبرها ذاك البساط السحري الذي ينقلني إلى عالم المعرفة والإبداع والخيال حتى. وبدأت تتوجه قراءاتي نحو الأدبيات بالذات، قرأت أمهات الكتب من الأدب الروسي والأوربي والأمريكي والعربي والأفريقي والكولمبي.. وكنتُ أجد في روايات ماركيز السحر الذي لم أجدهُ عند غيره.. هذه الواقعية الغريبة. وروايات نجيب محفوظ كانت تستهويني كثيراً وكان فعلاً يستحق جائزة نوبل وبجدارة. لا أقول تأثرت بقدر ما أقول تتلمذت على كل الأدب الذي أطلعت عليه.. وكان بحق مدرسة صقلت موهبتي، فالموهبة وحدها لا تصنعُ أديباً.
س4: أبرز ما أنجزته حتى الآن؟ وهل في درج خزانتكِ مخططات لمشاريع أدبية جديدة؟
ج4: صدرت لي لحد الآن ثلاث كتب عن دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد: (بئر البنفسج) مجموعة قصصية عام 1999. ورواية (عجلة النار) عام 2003. و(عنقود الكهرمان) مجموعة قصصية عام 2006. وحصلت الموافقة على طبع مجموعة جديدة لي عن دار الشؤون الثقافية العامة أيضاً بعنوان (قاتلة على الهواء). وأنتهيت قبل أشهر من كتابة روايتي (الصندوق الأسود) وستصدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت. ولي مشاريع لروايات مؤجلة وضعتُ الخطوط العريضة لها، لكني لم أبدأ بكتابتها بعد. وأكتب بين الحين والحين عن الكتب التي تشد إعجابي. وكلما قرأت رواية أو مجموعة قصصية كتبتُ عنها نقداً انطباعياً مشاركةً مني في تحفيز الآخرين لقراءتها، وإثباتاً بأن هناك روايات ومجاميع جميلة تستحق الانتباه والتوقف عندها.
س5: الكثير من الأحداث الكبيرة شهدها العراق خلال السنوات الثلاثين الماضية، إلى أي مدى أثرت تلك الأحداث في المشروع الثقافي العراقي عموماً، والقصصي والروائي على وجه الخصوص؟
ج5: هناك مقولة تقول: بأن الكاتب شاهد على عصره. ونحن كتّاب الداخل طحنتنا هذه الأحداث وعشنا تفاصيلها الصغيرة والكبيرة وأثرت فينا وفي كتاباتنا، هذه الأحداث تحولت إلى أرضٍ خصبة نبتت فيها أغلب أعمالنا الأدبية. لقد تحولت حياتنا إلى حربٍ × حرب، فمنذ أن فتحتُ عينيّ على الحياة وحربٌ تسلمنا إلى حربٍ أظلم من التي قبلها إلى أن وصلنا إلى هذه المرحلة الصعبة جداً ولا ندري متى سينتهي مسلسل الحروب بأجزائهِ المفتوحة. فروايتي (عجلة النار) هي رواية حرب عراقية يمتد زمانها من ( 1985 – 1996) تطرقتُ من خلالها لأشياء كثيرة تتنفس ظلم الحرب والحصار.. وروايتي (الصندوق الأسود) يمتد زمانها ما بين قبل السقوط وبعده، وتركتها مفتوحة، فالمستقبل لا يُنبئ بشيء، والعراق يمشي على كف الريح!
س6: أنتِ من الذين يمارسون النقد، في مقاربة بسيطة هل ترين أن المثقف العراقي تمكن من تناول تلك الأحداث عبر منجزه الأدبي والفني بعد عام 2003.
ج6: بصراحة الوضع غير مستقر وغير آمن وتناول الأحداث التي مرت عبر أعمالنا الأدبية يحتاج إلى أمان وحرية وكلاهما مفقودان على أرض وجودنا. مع هذا نحن نغامر ونكتب ليس للأدب فقط، بل للتأريخ. وفي رواية (الصندوق الأسود) دونت في فصلها الثاني يوميات الحرب كما حدثت، ومن وجهة نظر إنسانية، قلت كل شيء ويدي على قلبي!
س7: كيف تنظرين إلى دور المرأة في صناعة القرار في مختلف مجالات الحياة؟ وهل يمكن أن تقدمين أمثلة من تجربتك الشخصية أو من خلال اطلاعك على قيام المرأة بمثل هذا الدور؟
ج7: منذ الأزل والمرأة لها دور في صناعة قرارات الحياة، أو قرارات حياتها بشكل خاص، ويعتمد على شخصيتها وتربيتها ونشأتها، ومن ثم ثقافتها. لا أدري.. بالنسبة لي أهم قرارات حياتي الخاصة كانت من صنعي وللعقل دورٌ كبير في نجاحها.. وأجمل قراراتي كانت في اختياري السليم لشريك حياتي.. أخترته أديباً كي تستمر حياتي الأدبية.. والحمد لله نجحت! وهو خير إنسان اختاره القدر لي كزوج وصديق وزميل أعتمد عليه، أقرأ له ويقرأ لي، نتناقش، نتجادل أدبياً، نسافر معاً.. أحترمه وأحترم خياراته، وهو بالمثل، بتفاهمنا بنينا بيتاً جميلاً وأنيقاً مؤثثاً بالإبداع الروحي والشكلي والأدبي.
س8: ماذا يُشكل الرجل للمرأة، وأين تقفين من مفهوم (الجندر) وأثره في حياة المرأة؟
ج8: الرجل هو كل حياة المرأة. والله عندما خلق الأرض خلق عليها آدم وحواء.. واستمرت البشرية عبرهما فقط. أما مصطلح (الجندر) يعني: النوع الاجتماعي. كما أفهمه. أُستخدم أول مرة من قبل (آن أوكلي) في سبعينيات القرن الماضي، وذلك لوصف خصائص الرجال والنساء المحددة اجتماعياً في مقابل تلك الخصائص المحددة بيولوجياً. وبدأ انتشاره في الأدبيات العالمية خلال ثمانينات القرن الماضي، وهو مصطلح يشير للتفرقة بين الذكر والأنثى على أساس الدور الاجتماعي. بصراحة أنا لستُ ضد هذا المصطلح ولا معهُ أيضاً، لأني أعتبر الرجل والمرأة كائنان مكملان لبعضهما، والسعادة الحقيقية بوجودهما معاً على خط الحياة إنسانياً وبايولوجياً. وأظن بأن الكثيرين لا يعلمون شيئاً عن هذا المصطلح الدخيل على الثقافية العربية، لقد أوجدتهُ العولمة، فقد أرتبط بحركات تحرير المرأة وحقوقها ومساواتها بالرجل وغايته القصوى تحقيق ما يسمى النزعة الأنثوية في مواجهة المجتمع الذكوري.
* أُذيع الحوار في راديو سوا بتاريخ 13/ 7/ 2010.