صديقتي المخطئة... عفوًا
قصة: د.طارق البكري
عادت منى من رحلة مدرسية إلى حديقة الحيوان؛ لم تكن سعيدة كعادتها..
دخلت غرفتها وأغلقت الباب دون أن تتكلم مع أحد..
أحسَّت الأم أن ابنتها ليست على ما يرام..
جهزت الأم الطعام ونادت:
>منى.. هيا تعالي.. الطعام جاهز.. ألست جائعة بعد نهارك الطويل؟<.
جاءت منى وجلست مع أمها تتناولان الطعام، لكنها لم تأكل بشهية، بدت كأنها منزعجة من أمر ما... بعد الغداء قامت وساعدتها في تنظيف الأطباق.
سألت الأم: >رحلة اليوم شيِّقة.. أليس كذلك؟!<.
نظرت منى إلى وجه أمّها.. وانفجرت بالبكاء..
حضنت الأم ابنتها: >أأزعجك سؤالي إلى هذا الحد؟! آسفة يا ابنتي..<.
ـــ >لا.. لم أقصد ذلك..<.
ـــ >ما الخبر إذن؟!<.
ـــ >أتذكرين صديقتي رباب؟!..<.
ـــ >نعم، لطالما حدثتني عنها..<.
ـــ >أتذكرين أني ساعدتها السنة الماضية في مادة الحساب التي أحبها... شرحت لها الدروس الصعبة، وأعطيتها بعض قصصي الجميلة لأنها لا تملك مثل هذه القصص.. وعندما مرضت قبل أسابيع ذهبت لزيارتها في المستشفى وأحضرت لها هدية كبيرة؟!<.
ـــ >نعم أذكر كل ذلك.. وأكثر.. بارك الله بك يا ابنتي.. هكذا عرفتك دائما.. تحبين جميع صديقاتك وتهتمين بهن، لكني لم أفهم حتى الآن ما هي المشكلة؟!<.
قالت منى بحدة:
>رباب هذه.. صديقة مخادعة! عندما تحتاجني أراها معي دائمًا، وعندما احتجت إليها تخلت عني بكل بساطة، تصوري يا أمي...<.
وتوقفت منى عن الكلام وتساقطت الدموع من عينيها ثم تابعت تقول:
>عندما وصلنا إلى حديقة الحيوان، اكتشفت أنني نسيت محفظة نقودي في المنزل.. لم أنسها بسبب الإهمال، بل لأني كنت مشغولة في التفكير بالرحلة.. وعندما طلبتُ من رباب أن تسلِّفني قيمة تذكرة الدخول رَفَضَتْ.. لو لم تتفهم مشرفة الرحلة مشكلتي لأعادتني إلى المنزل.. وقد اشترت لي التذكرة من جيبها الخاص<.
ـــ >وماذا فعلت بعدما دخلت إلى الحديقة؟<.
ـــ >قاطعتُ رباب ولم أتكلم معها.. لعبت مع صديقاتي الأخريات.. لقد قررت مخاصمتها طوال حياتي، سوف أطلب من كل صديقاتي عدم التحدث معها بعد اليوم<.
الأم: >ألا يوجد حل آخر.. هل تظنين أن هذا هو الحل المناسب؟<.
فكرّت منى.. قالت:
>قد أكون أنانية بعض الشيء.. أعتقد أن صديقاتي لن يقبلن مقاطعتها من أجلي. فهي لم تخطئ بحقهن<.
الأم: >ألا يوجد حل آخر؟<.
منى: >سأطلب منها أن تعيد إليَّ جميع الأغراض التي أعطيتها إياها.. ولن أعطيها شيئًا بعد اليوم..<.
الأم: >هل تعتقدين أنه حل مناسب؟<.
فكرّت منى.. قالت:
>ربما قالت عني صديقاتي إني طماعة.. ولا أحب الخير والعطاء..
وقد يبتعدن عني ولا يثقن بي بعد ذلك..<.
عندها قالت الأم:
>ما رأيك أن نناقش الأمر بعد أن تهدئي قليلا؟!<.
منى: >نعم يا أمي.. سأذهب إلى غرفتي الآن..<.
ومضت ساعة تقريبًا، بعدها دخلت الأم غرفة ابنتها منى وقالت: >هيه... ألم توفقي إلى حل مناسب؟<.
ــ >ليس بعد يا أمي..<.
قالت الأم بهدوء: >هل فكرت أنها ربما لم تكن تملك المال الكافي؟!<.
ـــ >لا.. أبدًا.. لقد رأيتها تشتري أشياء كثيرة داخل الحديقة، كما أن قيمة التذكرة رخيصة جدًا..<.
ـــ >إن ما فعلَتْه أمر مؤسف حقًا، لم يكن موقفها متوقعا أبدًا، لكن عليك أن تستمري على موقفك الطيب، فأنت لم تفعلي الأشياء الجميلة معها من أجل الحصول على مقابل..<.
هزَّت منى رأسها موافقة وقالت: >كلامك صحيح.. لكن..<.
الأم: >اسمعي يا منى.. عليك أن تفرحي لأنك تملكين عقلاً تميزين به الصواب من الخطأ.. ويجب أن تترفقي بها لأنها لا تملك عقلا مثلك.. لا أن تحاسبيها وتغضبي منها<.
وتابعت الأم قائلة:
>أرأىت لو أنك واجهت خطأ كل إنسان بخطأ مثله لتشابهتما تماما، بل علينا مساعدة المخطئ ليتخلص من خطئه<.
ـــ >كيف؟<
قالت الأم بهدوء:
>صديقتك رباب..<.
لكن منى قاطعتها وقالت:
>إنها ليست صديقتي بعد الآن..<.
ـــ >انتظري لأنهي كلامي.. وعندها اتخذي قرارك الذي تعتقدين أنه هو الصواب؛ رباب قد تكون أخطأت فعلا.. وأنا أتفق معك على ذلك، ولو علمتُ أنك فعلتِ كما فعلتْ لحزنت كثيرًا، لكني أعتقد أنها لا تعرف حتى الآن أنها أخطأت وربما هي الآن سعيدة بما فعلتْ.. وأنت حزينة وغاضبة.. بينما العكس يجب أن يحصل<.
ــ >ماذا تقصدين بالعكس؟<.
ــ >أنت تعرفين خطأها.. وهي لا تعرف صوابك...
فافرحي لأنك تعرفين الصواب والخطأ.. كما أنها ستحزن عندما تكتشف أنها أخطأت.. من جانبين.. الأول الخطأ نفسه والثاني جهل ما هو صواب!<.
قالت منى بهدوء:
>كلامك مقنع حقًا يا أمي.. ما أعظمك من أم.. ماذا عليَّ أن أفعل الآن؟<.
ـــ >ما دمت مقتنعة برأيي تماما عليك مساعدتها لتكتشف بنفسها سوء تصرفها..<.
ـــ >ما رأيك لو أتحدث معها ونناقش الأمر فيما بيننا؟<.
ـــ >حل معقول جدًا.. اتصلي بها الآن.. وقومي بدعوتها لتناول الغداء معك غدًا.. فهو يوم عطلتكما من المدرسة وأنا سوف أُعِدُّ لكما طعامًا شهيًا..<.
ـــ >لكن.. لكن..< شعرت منى ببعض التردد.. فهي لا تزال حزينة من موقف رباب.
ـــ >هيا.. اتصلي بها.. يجب أن تتغلبي على الكبرياء الزائف.. الله تعالى يقول >ادفع بالتي هي أحسن< ليس بالحسن فقط بل بالأحسن، وبذلك يصبح العدو صديقًا والخصم حليفًا.. فكيف بصديقتك التي تحبينها؟!<.
قامت منى واتصلت برباب ودعتها للغداء..
تعجبت رباب.. كانت الدعوة مفاجئة.. لم تتوقع أن يكون موقف منى على هذا الشكل.
قالت: >أبَعدَ كل ما فعلتُ معك؟ إني آسفة حقًا.. لست أدري ماذا أقول..<.
وتابعت رباب:
>أنت دائما أفضل مني ولا تتركين أحدًا يتفوق عليك بالخير... سوف آتي غدا لأعتذر منك، لقد كشفت لي عن أخطائي دون أن تذكري أىًا منها، أعدك ألا أفعل ذلك مرة ثانية..<.
وضعتْ منى سماعة الهاتف، وكانت سعيدة للغاية..
ظهرت ابتسامة رضى كبيرة على وجهها... قالت: >لقد تعلمتُ اليوم يا أمي درسًا عظيمًا..<.
قالت الأم: >المعروف يا ابنتي لا يضيع أبدًا.. وقد قال أجدادنا: يؤخذ باللين ما لا يؤخذ بالشدة<.
قصة رائعة نحتاج الى مثيلاتها لأجل الطفل العربى
with best wishes