الإنسان عقل وروح وفكر ومعتقد /7
وقد كان قدامى اللغويين العرب يتحدثون عن تلك اللهجات ويذكرون في حديثهم لهجة أهل الحجاز مكة والمدينة ولهجة قريش وهذيل وتمتم وقيس وأسد وطي ونجد ونجران و حوران وهجر ..... الخ
وكانوا يسمون اللهجة باسم لغة فيقولون لغة أهل الحجاز وهكذا ويذهب عدد من الدارسين إلى ان رسول الله (ص ) تلقى القران من جبريل (ع ) بنطق يماثل نطق مكة من قريش ومن جاورهم من فصحاء العرب
وتلا على الناس بذلك النطق ويستدل على ذلك بجملة أمور منها قولة تعالى (( وما أرسلنا من رسول الابلسان قومه ليبين لهم )) 4 إبراهيم
ومنها قول عثمان بن عفان (رض ) وقد وردت في رواية نسخ القران التي رواها البخاري وذكرناها سابقا ( وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم انتم وزيد بن ثابت في شئ من القران فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم )
السيوطي / المزهر ج 1 ص 209
عبده الراحجي / اللهجات العربية في القراءات القرآنية ص 55
أبو شامة / المرشد الوجيز ص 94
ومن الأمور التي يستدل بها ان القران انزل بلغة مكة
أي لغة قريش مارواة أبو داود في سننه
من ان عمر بن الخطاب (رض ) كتب إلى عبد الله بن مسعود حين بلغة أنة يعلم الناس القران في الكوفة بلغة هذيل وكان عمر ارسلة ( إما بعد فان الله تعالى انزل القران بلغة قريش فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرئهم
بلغة هذيل )
ابن حجر / فتح الباري ج9 ص 37
ومن ذلك أيضا ما رواه أبو بكر بن أبي داود من ان عمر بن الخطاب قال لا يملين في المصاحف إلا غلمان قريش
وان عبد الله بن مسعود قال لا يكتب المصاحف إلا مضري
وقد عقب أبي داود على ذلك بقولة قال أبو بكر هذا من اجل اللغات
والإسلام دين للناس كافة
قال تعالى (( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) 28 سبأ
ومن ثم كان القران الكريم خطابا عاما للبشرية كلها وكان العرب اول من استمع إلى ذلك الخطاب الرباني
وكانوا أول من دعي إلى تلاوته والتصديق بمعانية والعمل باحكامة
ولا شك ان أهل مكة كانوا اقدر على تحقيق نطق القران كما نطقه رسول الله (ص ) لأنهم قومه وعشيرته إما غيرهم من العرب فكانوا متفاوتين في القدرة على تحقيق ذلك النطق بحسب قرب او بعد لغاتهم عن لغة أهل مكة
ومن هنا ظهرت مشكلة عدم قدرة إفراد بعض القبائل العربية على نطق القران نطقا يطابق تمام المطابقة نطق الرسول (ص )
لاعتياد ألسنتهم النطق بلغات قبائلهم التي نشاوا وشبوا عليها فأصبح من غير اليسير تحويل ألسنتهم إلى نطق أخر وان كان نطقا عربيا أيضا
قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276 هجرية ) في كتابة( تأويل مشكل القران ) عن هذا الموضوع ( ولو ان كل فريق من هؤلاء أمر ان يزول عن لغته وما جرى علية اعتياده طفلا وناشئا وكهلا لاشتد ذلك علية وعظمت المحنة فية ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة وتذليل للسان وقطع للعادة فأراد الله برحمته ولطفه ان يجعل متسعا من اللغات ومتصرفا في الحركات )
وقال ابن قتيبة أيضا ( فكان من تيسير الله ان امر رسولة بان يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرى علية عاداتهم )
وقد جاءت الإشارة إلى ذلك من أحاديث صحيحة كثيرة رواة أصحاب الكتب الستة وغيرهم عن كثير من الصحابة بألفاظ متقاربة ومعان متفقة من طرق كثيرة وهى تتفق في ان الرسول (ص ) قال (( ان هذا القران انزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسير منة ))
من ذلك ما أوردة الترمذي في الجامع عن أبي بن كعب أنة قال ( لقي رسول الله (ص ) جبريل فقال يا جبريل إني بعثت إلى امة أميين منهم العجوز والشيخ والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرا كتابا قط قال يامحمد ان القران نز على سبعة أحرف )
قال الترمذي هذا حيث حسن صحيح قد ورد عن أبي بن كعب من غير وجه
وما رواة البخاري وغيرة من أهل الحديث ان عمر بن الخطاب (رض ) قال سمعت هشام بن مكتوم يقرا سورة الفرقان في حياة النبي (ص ) فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرا على حروف كثيرة لم يقرئنها رسول الله (ص ) فكدت اساورة في الصلاة فتبصرت حتى سلم فلبيته بردائه فقلت من أقراك هذه السورة التي سمعت تقرا ؟؟ قال اقرئيها رسول الله (ص )
فقلت كذبت فان رسول الله(ص) قد اقرنيها على غير ما قرأت فانطلقت بة اقودة إلى رسول الله (ص ) فقلت إني سمعت هذا يقرا سورة الفرقان على حروف لم تقرئينها فقال رسول الله (ص ) لعمر ارسلة فارسلة عمر فقل لهشام اقرأ ياهشام فقراء علية القراءة التي سمعت يقرا فقال رسول الله (ص ) كذلك أنزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرات القراءة التي اقرأني فقال (كذلك أنزلت ان هذا القران انزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منة )
وقد وقع لبعض الصحابة ما وقع لعمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم من اختلاف
في القراءة وكان رسول الله (ص ) يبين للصحابة صحة قراءاتهم ويقول (ان هذا القران انزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسير منة )
روايات تلك الأحاديث أبو عبيد / فضائل القران ورقة 45
البخاري / الصحيح الجامع ج 6 – 222
مسلم بن الحجاج / الصحيح الجامع ج 2 -202
الطبري / جامع البيان
أبو شامة / المرشد الوجيز ص 77
وقد نص على تواتر أحاديث الأحرف السبعة أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هجرية ) في كتابة فضائل القران ورقة 46
وكذلك الرزكشي / البرهان ج1 ص 212
وابن الجوزي / النشر ج1 ص 21 وغيرها من كتب الحديث
إلا ان المستشرق جولد تسيهر ( ت 1921 م ) ذكر في كتابة مذاهب التفسير الإسلامي ص 54 ان أبا عبيد القاسم بن سلام قد دمغ الحديث بأنة شاذ غير مسند
ولكن البحث في المصدر الذي نقل عنة جولد تسيهر ذلك القول وهو كتاب إلف ياء لابن الحجاج البلوى يكشف ان هذا المستشرق وقه في وهم لا يصدق ان مثله يقع فيه من غير تعمد منة
فالواقع ان أبا عبيد نص على تواتر الحديث كما مر سابقا إلا أنة وصف إحدى روايات الحديث بأنها شاذة وهذه كتب ابن عبيد موجودة تصدق ما ذكرنا
قال أبو عبيد في كتابة فضائل القران ورقة 46 ظ ( قد تواترت هذه الأحاديث كلها عن الأحرف السبعة
وقال في كتابة غريب الحديث ج3 ص 159
وقد روي حديث خلاف هذا قال نزل القران على سبعة أحرف حلال وحرام وأمر ونهي وخبر ما كان قبلكم وماهو كائن بعدكم وضرب أمثال
قال أبو عبيد ولسنا ندري ما وجه هذا الحديث لأنة شاذ غير حسن والأحاديث المسندة المثبتة ترده
وليس يكون المعنى في السبعة الأحرف إلا على اللغات لا غير بمعنى واحد لا يختلف في حلال ولا حرام ولا خبر ولا غير ذلك
اهتم علماء القراءة بحديث الأحرف السبعة اهتماما واسعا فمحصوا رواياته وبحثوا في معناه وكتبوا في ذلك الفصول وألفوا الرسائل لان هذا الحديث يمثل أساس القراءات القرآنية فهو الأصل الذي صدرت عنة لكن روايات الحديث على كثرتها لا تحدد معنى الأحرف السبعة ولا تبين المقصود من كل حرف
وقد قال أبو بكر بن العربي ( لم تتعين هذه السبعة بنص من النبي ( ص ) ولا بإجماع من الصحابة وقد اختلف فيها الأقوال )
مكي بن أبي طالب ( ت 437 هجرية ) الإبانة عن معاني القراءات
عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي ( أبو شامة ) المرشد الوجيز
محمد المطبعي ( ت 1935 م ) الكلمات الحسان في الحروف السبعة وجمع القران
الرزكشي / البرهان ج1 ص 212
ولا ينبغي ان يصدنا ذلك الاختلاف في تحديد معنى الأحرف السبعة عن وضع الحديث في موقعة الصحيح من تاريخ القراءات
وقد نقل القرطبي ان أبا حاتم بن حيان ألسبتي (ت 354 هجرية )
ذكر ان الناس اختلفوا في السبعة على خمسة وثلاثين قولا
لكن ابن حجر قال قال ألمنذري ( أكثرهم غير مختار )
وقال المهدوي ( واختلف الناس في معنى هذا الحديث اختلافا كثيرا فأكثرهم على ان معناه في الألفاظ المسموعة ) لا المعاني المختلفة مثل القول بان المقصود منها حلال وحرام ....... الخ
وقال عبد العزيز بن عبد السلام ( وإنما يدخل في الحروف السبعة ما كان من مختلف اللفظ متحد المعنى
السيوطي / الإتقان ج1 ص 136
الفوائد في مشكل القران ص 31
القرطبي / الجامع لإحكام القران ج1 ص 42
فتح الباري ج 9 ص 22 فالاختلاف الحاصل بين الصحابة وهم يقرؤون القران كان في اللغة أي أنهم اختلفوا في نطق الألفاظ بسبب اختلاف اللهجات ويؤيد هذا ما نقلة أبو عبيد في كتابة فضائل القران ومسلم بن الحجاج في الجامع الصحيح من ان محمد بن مسلم بن شهاب الزهري قال ( بلغني ان تلك الأحرف أنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام )
قال القاضي عياض قول شهاب خلاف لما ذهب إلى ان السبعة في المعاني وإشارة إلى ان ذلك في الحروف والألفاظ
وابن شهاب الزهري (ت 124 هجرية ) من علماء التابعين وقولة (بلغني ) يعني أنة سمع معنى ما ذكره في قولة عن صحابة رسول الله (ص ) على الأرجح
وعلية يتعين ان يكون موضوع الأحرف السبعة في نطاق الاختلاف في منحى النطق دون اختلاف المعنى وقد دارت أراء جمهور العلماء في معنى الأحرف في إطار ذلك لكنهم لن يتفقوا على تفسير معين إلا أنة يمكن حصر مذاهبهم في تفسير الأحرف في اتجاهين
وهل لا زالت السيدة وفاء سلطان تظن ان لغة قريش لا علاقة لها بسكان الأرض
قال تعالى (( وقال موسى ان تكفروا انتم ومن في الأرض جميعا فان الله لغني حميد )) 8 إبراهيم
وللحديث بقية ان شاء الله
علي الطائي
10/11/2007