الإنسان عقل وروح وفكر ومعتقد /6

الإنسان  عقل وروح وفكر  ومعتقد /6

وفي نفس المقال المنشور يوم 14/9/2007

تقول الدكتورة وفاء سلطان

( خلال عشرين عاما نسخ الله اياتة وغير قولة وخلال اربعة عشر قرنا من الزمن لم يسمح لاحد بان ينسخ او يغير اليس الله ادرى بحاجة الناس عبر الزمن الى النسخ والتغير )

قبل الدخول في موضوع النسخ وتفصيلاته أود ان أبين

ان النسخ يجب ان يكون بقوة المنسوخ وبما ان الرسول محمد (ص ) هو خاتم النبيين والمرسلين وبعد وفاته توقف نزول الوحي وبما ان القران هو من الله فقد توقف النسخ فمن بقوة الله ليغير قولة تعالى واحكامة

القران الكريم لم ينزل مرة واحدة ولكنة نزل مفرقا على مدى 23 سنة تقريبا

وان نزولة مفرقا لة حكمة تربوية عملية كبيرة وهى اعداد النفوس المؤمنة حتى تتلقى الاحكام الشرعية بالتسليم والرضا فكان حال المؤمنين كما قال تعالى (0انما كان قول المؤمنيين اذا دعوا الى الله ورسولة ليحكم بينهم ان يقولو سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون )) 51 سورة النور

من تلك الحكمة ان الله تعالى جعل تطبيق الاحكام متدرجا خاصة تلك التي اخذت شكل عادات شعورية في المجتمع فكان استئصال بعض مظاهر الانحراف الاخلاقي والاجتماعي قد تم في مرحلتين او ثلاث

والقران الكريم يوجة المسلمين خلال ذلك وينقلهم الى الحكم الاخير في القضية

والتدرج في تطبيق الاحكام الشرعية على ذلك النحو يسمى النسخ وتسمى الاية التي تتضمن حكما قد تغير منسوخة والاية التي تتضمن حكما غير حكم أخر  في اية اخرى تسمى ناسخة

والنسخ في اصل اللغة يطلق على معنيين

الأول : الإزالة تقول العرب نسخت الشمس الظل أي ازالتة وحلت محلة

والثاني : نقل الشئ من مكان إلى مكان دون تغير فية ومنة نسخ الكتاب وهو ان تكتب كتابا عن كتاب حرفا بحرف وكلمة بكلمة

ابن منظور / لسان العرب

ويعرف النسخ في اصطلاح الشريعة في القول المختار

هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متاخر عنة

الوجيز في اصول اللغة / عبد الكريم زيدان ص 329

النسخ من الامور التي يسر الله بها على المؤمنيين وقت تنزيل القران في تطبيق الاحكام

وقد قال تعالى ((ما ننسخ من اية او ننسها نات بخير منها او مثلها الم تعلم ان الله على كل شئ قدير )) 106 البقرة



وهذة الاة تبين بينا حاسما في شان النسخ فالتعديل الجزئي وفق مقتضيات الاحوال في فترة الرسالة هو لصالح البشرية ولتحقيق خير اكبر تقتضية اطوار حياتها

والاله تعالى  خالق الناس ومرسل الرسل ومنزل الايات هو الذي يقدر هذا وهو الذي يختار الانسب لعبادة وهو الذي يعلم ما يصلح لهم في كل موقف

قال تعالى ((واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون قل نزلة الروح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين امنوا هدى وبشرى للمسلمين )) 101-104 النحل

ولا يتصور احد ان النسخ نوع من البداء وهو استصواب شئعلم بعد ان كان غير معلوم  لان ذلك على الله غير جائز فالله يعلم ان المنسوخ سوف يكون منسوخا قبل انزالة لحكمة يعلمها هو الذي (( يعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور )) 19 غافر

وهو القائل (( ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها )) 22 الحديد

فالفرق بين النسخ والبداء هو النسخ معلوم عند الله تعالى وليس الامر ان الله تعالى ينزل الاية او الحكم ثم ينظر بعد ذلك هل ينسخة او يقرة فهذا لا يجوز بحق الخالق سبحانة بل ان الله ينزل الايات ويعلم ما سينسخ منها ويعلم الايات الناسخة لها

حتى قبل ان ينزل القران

اما البداء فهو امر خاص بالبشر ذلك  ان الانسان قد يرى  اليوم رأيا ثم يبدو لة ويتضح ان ذلك الرأي غير صواب فيرجع عنة

والنسخ لا يقع الا في الاحكام في الامر والنهي والحدود والعقوبات في احكام الدنيا

اما الاخبار بما كان او ربما يكون فلا يجوز ان يقع فية النسخ

الحارث المحاسبي / فهم القران  ص 359

النحاس / الناسخ والمنسوخ ص 358

فالنسخ لا يقع في الأمور الاعتيادية التي يبنى عليها الإيمان مثل توحيد الله تعالى او أسماء الله وصفاته الحسنى ولا يقع النسخ ايضا فيما اخبرنا الله تعالى بة في القران أنة وقع من إخبار خلق ادم وإخبار الأنبياء والأمم الماضية أو أنة سيقع من قيام الساعة وبعث الناس وحسابهم ثم الجزاء بالجنة أو النار

هذه أمور لا يتطرق إليها النسخ وهى واقعة كما اخبرنا الله تعالى بها ما وقع وما سوف يقع

لكن النسخ يقع في إحكام الشريعة التي تتضمن امرا أو نهيا بحسب تقدير الله تعالى وما جرى في علمه من المصلحة ق ذلك للناس

معرفة الآيات المنسوخة والآيات الناسخة في القران تتوقف على النقل الصحيح عن الصحابة فالنسخ انتهى وقوعه بوفاة رسول الله (ص ) وانتهاء نزول القران ولا يقع النسخ في إحكام الشريعة بعد ذلك

إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح من الرسول (ص ) او عن صحابي يقول اية كذا نسخت أية كذا

وقد يحكم بة عند وجود التعارض المقطوع بة من علم التاريخ فيعرف المتقدم والمتأخر

ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح ولا معارضة بينة لان النسخ يتضمن رفع حكم واثبات حكم تقرر في عهد الرسول (ص )

والمعتمد في النقل الصحيح والتاريخ دون الرأي والاجتهاد

ما نسخ من القران الكريم من آيات حكمة في التلاوة حكم الآيات غير المنسوخة

فهو مثبت في المصحف متلو بالألسنة فالآية الناسخة والآية المنسوخة كلتاهما كلام الله سبحانه

واجب على العباد ان يؤمنوا بة أنة حق و أنة من القران وأنة ليس هناك فرق بين الآية الناسخة والآية المنسوخة سوى ان الثانية سقط فرضها أي حكمها لكن نصها ثابت يتلى مثل سائر القران الكريم

روى البخاري عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ( رض ) قال قلت لعثمان بن عفان (رض ) ((  والذين يتوفون منكم ويبذرون أزواجا ))

قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها قال يا ابن أخي لا يغير شيأ من مكانة

فلأية المنسوخة مثل الآية الناسخة في كونها أية من القران مكتوبة في المصاحف جارية على الألسنة في التلاوة

ابن حجز /فتح الباري ج 8 ص 193

وموضوع النسخ في الشريعة الإسلامية عامة والنسخ في القران خاصة حظى بجهود كبيرة من العلماء المسلمين فكتبوا في الموضوع الكتب الكثيرة التي بينوا فيها معنى النسخ واحكامة والآيات المنسوخة والناسخة وما اختلف فيه العلماء

ولعل اشمل كتاب معروف اليوم في ذلك هو كتاب ( النسخ في القران الكريم ) للدكتور مصطفى زيد

ويكفينا هنا ان نطلع على مثال واحد من أمثلة النسخ في القران

كان شرب الخمر معروفا بين العرب قبل الإسلام وشاء الله تعالى ان يطهر مجتمع المؤمنين من هذا المرض الخطير الجالب لكل شر مستطير

والأمر والنهي حين يتعلق بقاعدة من قواعد التصور الإيماني أي بمسالة اعتقاديه فان الإسلام يقضي فيها القضاء حاسما منذ اللحظة الأولى

ولكن عندما يتعلق الأمر والنهي بعادة وتقليد أو بوضع اجتماعي معقد

فان الإسلام يتريث بة ويأخذ المسالة باليسر والرفق والتدرج ويهيئ الظروف الواقعية التي تيسر التطبيق

وقد كان الأمر في الخمر وكذلك في الميسر (القمار ) أمر عادة وألف

والعادة تحتاج إلى علاج فبدأ القران بتحريك الوجدان الديني والمنطق التشريعي في نفوس المسلمين بان الإثم في الخمر والميسر اكبر من النفع وفي هذا إيحاء بان تركهما هو الأولى

وقال تعالى (( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما اكبر من نفعهما )) 219 القرة ثم جاءت الخطوة الثانية بنزول سورة النساء وقولة تعالى (( يا أيها الذين امنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )) 42 النساء

والصلاة خمسة أوقات في اليوم معظمها  متقارب لا يكفي ما بينهما للسكر والإفاقة

وفي ذلك تضيق لفرص تعاطي الخمر وكسر لعادة الإدمان عليها

حتى إذا ما تمت هاتان الخطوتان ونفرت نفوس المسلمين من الخمر جاء النهي الجازم الأخير بتحريم الخمر والميسر وغيرهما في قولة تعالى ((يا ايها الذين امنوا إنما الخمر والميسر والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون )) 90-91 المائدة

وهكذا نرى ان  آيات سورة المائدة نسخت حكم الآيات السابقتين في الخمر  فحرمت الخمر وانتهت تلك العادة في المجتمع المسلم

ولا يمكن لأحد ان يحتج بأية سورة النساء على جواز شرب الخمر في غير أوقات الصلاة

لأنها منسوخة بأية المائدة التي حرمت الخمر تحريما مطلقا

وتقول السيدة وفاء سلطان

( كيف يكتب الله كتابة بلغة قبيلة لا علاقة لها بسكان الأرض من قريب ا و بعيد ثم يفرض على العالمين ان يقراوة بلغة تلك القبيلة فهموه أم لم يفهموه أنها لمهزلة )

وتضيف السيدة الفاضلة المحترمة

( ويحاول ذلك الطفل ان يقنعني بان القران نزل بلغة أهل قريش وعلينا ان نراعي ذلك بينما جاء في القران نفسه إنا انزلناة قرانا عربيا )



كيف لا علاقة لقريش بسكان الأرض

أولا :  ان الله تعالى لم يكتب القران بل أنزلة على قلب الرسول محمد (ص ) بواسطة جبريل ولم يعطيه له مكتوبا بالألواح كما فعل مع موسى (علية السلام )

والقران كتب وحفظ في عهدة (ص ) وفي عهد الخلفاء الراشدين من بعدة

أي في السنوات الأولى لوفاة ولم ينتظروا مئات السنين ليكتبوا كما حصل مع الإنجيل الذي كتب بعد حوالي 300 سنة من وفاة السيد المسيح

قريش قبيلة عربية وهى جزء من ذلك العالم حيث كانت العرب  تأتي إليها في موسم الحج وكانت تعقد فيها مهرجانات الشعر واسواقة وكان الشعراء يتبارون فيها

ولقريش لغتها ليست مختلفة عن لغة العرب في الجزيرة إنما في كل لغة هنالك لهجات وهذا ما كان يحصل او حاصل في لغة العرب ولا زالت كل منطقة عربية لها لهجتها الخاصة بها التي تميزها عن المناطق الأخرى

حتى في الانكليزية هناك لهجات فيها تختلف عن الأخرى

فكانت كل قبيلة نتيجة لذلك لها لهجة خاصة بها تشترك مع لهجات القبائل الأخرى في خصائص تجعل اللغويين يصفونها بأنها لهجة عربية وتختلف عنها بأمور تميزها عما عداها

وقد قال القاسم بن ثابت السر قطي (ت 302 هجرية )

ان الله تبارك وتعالى بعث نبيه (ص ) والعرب متناؤون في المحال والمقامات متباينون في كثير من الألفاظ  واللغات ولكل عمارة لغة دلت بها ألسنتهم وفحوى جرت عليها عاداتهم

العمارة : اصغر من القبيلة وقيل هي الحي العظيم

ابن منظور / لسان العرب

أبو شامة / المرشد الوجيز ص 138

وللحديث بقية ان شاء الله

علي الطائي

6/11/2007


View alihseen's Full Portfolio