درجة الكتابة المنهزمة
قراءة نقدية في قصص ( الحلم بوزيرة ) لمحمد الاحمد
خالد علي ياس
ناقد وأكاديمي من العراق
جامعة ديالى
في كتابه المهم (درجة الصفر للكتابة – 1953) ، يؤكد الناقد الفرنسي (رولان بارت) على حقيقة ابداعية مهمة ترتبط بالكتابة الادبية الاوربية، هي ما سماه ( كتابة بيضاء أو كتابة بريئة) وهي نوع خاص من الكتابة الادبية تتوسل لغة المحايدة لتكوين شكلها الخاص، أي، لغة لا تشير الى حالة المتحدث (مفرد او جمع) ولا الى زمن الفعل (ماضٍ او حاضر) فهي كتابة بدرجة صفر مختزلة الى نوع من صيغة النفي ويتلاشى داخلها الطابع الاجتماعي والاسطوري للغة، ويضرب بارت مثالاً على ذلك في كتابات الروائي الوجودي الفرنسي (البير كامو) ولا سيما في روايته (الغريب)، وهي ظاهرة فنية بدأت – حينها – تنتشر بين الادباء الفرنسيين، كما يشير الى ذلك الناقد ( فاضل ثامر) اثناء ترجمته لرواية مارغريت دورا ( الحديقة) التي احتفت بهذه السمة الاسلوبية، وهو الاسلوب نفسه الذي نجده طاغياً في روايتها الاخرى (عيون زرق شعر اسود)، ففي هذا الكتاب– اعني درجة الصفر– يسترسل بارت في حديثه عن كتابات آخر؛ من خلال التعارض بين الكلاسيكي والحديث ليصل بذلك الى نوع من الكتابة سماها (الكتابة المنتصرة) وهي كتابة فئوية ارتبطت بالبرجوازية والانتصارات السياسية والفكرية التي حققتها، فجاءت كتابتها على اثر ذلك كتابة غير مستلبة لأنها صدرت عن وعي كتابي منتصر أو كما وصفها هو (لغة طبقة اقلية محظوظة – ص71 )، مما يسمح لنا ان نعطي مرتبة بحسب المنطق الاكاديمي لهذه الكتابة ونجعلها مرتبة اولى تأتي من حيث الحياد بدرجة بعد الكتابة البيضاء، فهذه الحقائق النقدية تطارد بالضرورة الناقد العربي الى جنب حقائق اخر تصدر عن قراءات متنوعة في الوعي والمعرفة مثل قراءات ( موريس بلانشو) و (جان بول سارتر) ولاسيما في كتابه الشهير (ما الأدب؟)، اقول، هي حقائق تطارد الناقد العربي وهو منهمك في قراءة النتاج السردي العربي فارضة عليه سؤالين لابد منهما: أين يكمن وعي الكتابة العربية؟ وفي أية درجة يمكن تصنيفه؟
ان عملية استقرائية سريعة لذهن الناقد وهو يتذكر اهم النتاجات العربية، تجيب وبسرعة على هذين السؤالين، فمنذ كتابة روايات مثل ( زينب والثلاثية والزيني بركات والخبز الحافي ومالك الحزين والنخلة والجيران والرجع والبعيد ووليمة لاعشاب البحر وغسق الكراكي وعمارة يعقوبيان... الخ ) وهو تاريخ نضوج السردية العربية الحديثة منذ بدئها وحتى الان، اذ لم تغادر هذه المنظومة السردية الرؤية المأساوية التي فرضت عليها بنية خاصة تمثل واقع الانساق الثقافية العربية التي ارتبطت فنياً بـ(بنية منهزمة) بنية تبحث في واقع مرير وتنم عن بطل مسلوب الارادة لا قدرة له على التغيير، وهي منظومة فكرية تنضوي تحت الفكرة النقدية الاجتماعية التي تؤكد مبدأ (الادب المستلب) الذي يولد انساناً مستلباً، وهذا يؤكد ان الكتابة العربية تندرج ضمن المرتبة الثانية في رؤيتها للعالم، لأنها كتابة غير معارضة او مضادة بقطيعة شكلية مع اصولها الكلاسيكية المأزومة؛ ولم تنزاح لغتها نحو درجة او مرتبة قريبة من الحياد لانها تعيش أزمة التاريخ والايديولوجيا، وتحمل وعي فئتها البرجوازية المهزوم في ظل مقدرات الواقع الذي لا تستطيع منه فكاكاً، لذلك كانت الكتابة العربية غير قادرة ان تحقق (موضوع الغياب) المنشود عند بارت لانتاج كتابة بيضاء محايدة بعيدة عن الذات والايديولوجيا وهو يعني مقاطعة الكتابة البرجوازية الكلاسيكية (درجة الصفر للكتابة، ص14 )، لأن (الكتابة العربية) الحديثة ببساطة كتابة موضوعها (الحضور) فهي تكاد لا تفارق الشكل الكلاسيكي المنهزم.
ان ما لمسناه في الكتابة العربية بصورة عامة نجده في الكتابة العراقية بصورة خاصة، وهو ما تمظهر في افضل نتاجاتها القصصية في المرحلة الخمسينية (مرحلة الريادة الكلاسيكية) مروراً بالمرحلة الستينية التي يؤكد فيها الناقد (ياسين النصير) ما سماه (نزعة تدميرية/ بنائية) (ما تخفيه القراءة ، ص298) وحتى نتاجاتنا الحالية، وهناك امثلة كثيرة كتبت داخل العراق او خارجه (أدب المنفى) تؤكد ذلك مثل روايتي فؤاد التكرلي (خاتم الرمل واللاسؤال واللاجواب) ورواية ( بيت على نهر دجلة) لمهدي عيسى الصقر ورواية ( موت الاب) لأحمد خلف و(الحديقة) للطفية الدليمي و(المملكة السوداء) و( كراسة كانون) لمحمد خضير، وقصص (مملكة الانعكاسات الضوئية) لجليل القيسي ورواية ( فراسخ لاهات تنتظر، وسبت يا ثلاثاء) لزيد الشهيد، و(الفتيت المبعثر) لمحسن الرملي وبعض قصص عالية ممدوح وروايات بتول الخضيري والقائمة تطول، ولو عدنا الى الاحكام النقدية التي قيلت في المرحلة الخمسينية نجد ان الناقد (فاضل ثامر) يؤكد وجود كتابات ( بنيات) متباينة فيها من التفاؤل او الانتصار الى الاخفاق– أي كتابة منهزمة– الى كتابة بيضاء بريئة (مدارات نقدية، ص342)، وما يثير الاستغراب في هذا الرأي هو اجتماع هذه البنى المتباينة في مرحلة تاريخية واحدة، فضلاً عن جمع وتوحيد الكتابة المتفائلة والمنتصرة معاً، مع ان التفاؤل مرحلة انتقالية يشعر بها الكاتب في ظل ظروف معينة بين مرحلتي الانتصار والهزيمة، أي هي كتابة نابعة من شعور مؤقت ليس له مرتبة ثابتة كما بينا سابقاً مع الكتابات الأُخر، بينما يؤكد الناقد (د. شجاع العاني) انه لا وجود لكتابة غير الكتابة المنهزمة ليس في المرحلة الخمسينية وحسب بل في النتاج الروائي كله وان بدا شيء من الاصرار والكفاح فهو تفاؤل (قراءات في الادب والنقد – ص190) وهو كلام صائب تماماً لكننا نختلف مع الناقد في القانون الذي سنه بوصفه مبدأً اصيلاً في صياغة الرؤية وتحديد نوع الكتابة، حيث يستعير من (هيغل) صياغته التي تؤكد بأن " البطل في التعليم الرأسمالي يبدأ ماجنا عربيداً ثم لا يلبث ان ينتهي الى احد امرين فإما الامتثال للآلية الاجتماعية، واما الوحدة والعزلة " وهذا كلام لا ينطبق بشكل كامل على منظومتنا الاجتماعية التي لم تكتمل فيها الرؤية الاقتصادية ولم تثبت مفاهيم الفكر الرأسمالي، لان ذلك يتطلب تحولاً فكرياً شاملاً لم يتحقق بعد في مجتمعاتنا، فضلاً عن ذلك، نؤكد ان المؤثر الاكثر واقعية في منظومتنا الفكرية هو التحول السياسي وما يرتبط به من سلطة معلنة او خفية، لذلك كانت كتابات الفئة المثقفة في اغلبها نابعة من (رؤية منهزمة) بسبب الحيف الكبير الذي نالته هذه الفئة في ظل الظرف السياسي والسلطة المتحكمة في مقدرات الامور، فتحددت بذلك درجة كتابتها.
وعليه تتبين درجة الكتابة في قصص (الحلم بوزيرة) لمحمد الأحمد والصادرة عن دار الشؤون– 2010 بوصفها علامة سيميائية دالة عن المرحلة التي انتجت فيها من (شتاء 96) أبعد زمن فيها الى (2010) اقرب زمن فيها وهو زمن طباعتها، بمعنى، انها تتبلور ضمن رؤية تاريخية للنص محكومة بأربع عشرة سنة فيها الكثير من التحولات المعرفية والسياسية ساعدت على صياغة درجتها، وفي الوقت ذاته هي مثال واضح لما ينتج من كتابات راهنة في الساحة الثقافية في العراق ، واعني بذلك هي مثال من خلال افضل نصوصها الدالة ( فضاء كله دم ، الدروب التي لا تتصل بطريق، نهض الاب ، ليلة اخرى، حكاية الاسرة، المقامة ( 3 ، 4 ، 5 ) من قصة خمس مقامات في السياسة والجوع ).
واللافت في الامر ان وعي انتاج كتابة مغايرة، حاضر في نصوص المجموعة من خلال لغتها الصريحة او من خلال التكنيك الشكلي فيها، ويتضح ذلك في النص الاخير من المجموعة (النص علم العلوم ومنه يجتاف العصر) الذي هو سرد خاص بتجربة الكتابة عند القاص " ان الكتابة قد تطوف حروفاً متناثرة بين جزيئات الكتاب، مؤثرين ان نجمع الدم والموقف فلا نحيد عن عزمنا اللبيب الا بالكتابة المتفجرة كالدم الخارج نزفاً من جرح عميق " ص116 وهو ما يؤكد المهمة الاكتشافية للكتابة للواقع الذي انتجت فيه والبحث الدؤوب عن الحرية، يقول الراوي الممسرح في قصة (خسارة متأزمة بالفقدان) التي تكشف لغتها واسلوبها فكرة التداخل بالاجناس في الكتابة الادبية: " انا الروائي ونصوصي متداخلة بحصافة الحرية التي اكتبها، ابتكرها. فلا عجب من الشعر الذي تمتلئ به حريتي، بالقص الذي تبتكره مخيلتي" ص113 في كتابها النقدي المهم (الكتابة: تحوّل في التحوّل) تطرح الناقدة اللبنانية (يمنى العيد) الاسئلة الآتية: كيف تبني الكتابة في حاضر يبنيها أو يهدمها فيشكل الهدم موضوعاً يبنيها؟ كيف يتكوّن النص الكتابي في ظل سلطة تمحو وتهدم كل شيء؟ كيف للدوال ان تتشكل وتولد نسق قولها حين تعيش المدلولات حالة التكسر والموت واحتمالات الولادة المرتجّة؟ وهي اسئلة تتحدد اصولها المعرفية في الذات المنتجة للكتابة وتأثرها فعلياً بمرحلة انتاجها في ظل واقع نصي يكون علاماته اللغوية بتجاذب مع واقع معيش ، وهذا هو العمل التحريضي للكتابة الذي يؤكد الناقد (عبد الله الغذّامي) بشأنه انه فعل مضاد مع الذات، لأن الكتابة عمل انتقائي يصطفي من الفعل والذاكرة (الكتابة ضد الكتابة – ص7 ) لذلك ومن خلال هذه الذات المفعمة بالذاكرة بوعي وقصدية أم لا، جاء عدد النصوص في الحلم بوزيرة (14) قصة وهو يتناسب ويتساوى مع الزمن الذي يقدمه السرد ( زمن الانتاج) (14 سنة) .
في قصة (فضاء كله دم) يتلقى القارئ قصة هادئة محايدة تعالج موضوعتها باسلوب رومانسي لعلاقة عاطفية وهي علاقة من طرف واحد ممثلة بشاب اعتيادي يعشق زميلته في العمل على غير علم منها، ويتخذ لهذه الحادثة البسيطة شكل الراوي الممسرح في العمل الذي يروي حكايته اليومية، ويدوم ذلك على مساحة خمس وحدات سردية مروية بأسلوب ذاتي استرجاعي يفرض زمناً سردياً منحنياً، غير ان الوحدة السردية المتكررة على مدار زمن سرد الحكاية الاصلية تؤدي انقلاباً واضحاً فيها، حيث يتحول معها الراوي الى سارد معاين عن بعد يرتدي جلباب الوظيفة الايديولوجية "الاخبار في التلفاز اكثر سرعة ودوياً، وتتناقض متضاربة.. كأنها تتذابح" ص7-9-11-13 حيث يتحول الراوي الذي يخبر الاحداث الى السارد الذي يوجه القارئ نحو قناعة معينة ارتبطت هنا بالوضع الامني السيئ الذي ينبئ عن كارثة حقيقية، مما يحيل الى هزيمة وانهيار امام ظرف خارجي لا يمكن التصالح معه لأنه مرتبط بنمط الوجود الذي ترتبط به قصدية العمل وهو منتج ضمن سياق وضعي محدد ثقافياً، لذلك تغدو هذه الوحدة السردية المكررة (4 مرات) بوصفها بناءً سمفونياً ما إن يتركه النص حتى يعود اليه كونه نغماً اساسياً لا يمكن التخلي عنه، ليرسخ الشعور بالهزيمة التي تمنى بها الشخصيات، وهو ما ينكشف فيما بعد على انفجار مدوٍ واشلاء متناثرة في الفضاء وموت للحبيبة (رمز الامل)، ولكي يُنجح القاص القالب الفني الذي اختاره لقصته، وهو قالب معبر بشكل جيد عن الوضع الفوضوي في المجتمع وثقافة المرحلة التي انتج فيها النص، وازن بين شكلي الصوت الذي يقدم الاحداث في موقعه وشكله وبين اسلوب تقديم الشخصية، فمرة يؤكد على الحركة الذهنية للبطل ومرة اخرى تقابلها يؤكد على الحركة الجسدية لشخصية الفتاة وكأنه يحاول ان يجمع لقطتين معاً واحدة عن قرب واخرى عن بعد ، وهذا بناء فني دعم القصة كثيراً في التعبير عن حيرة الشخصيات وعدم توازنها.
ومرة اخرى يكرر النص لغة الفعل الماضي، والكتابة التي لا تواجه الحاضر المعيش في قصة (الحلم بوزيرة) التي يبدأها الراوي هكذا " كأنني استخرجتها من طيّ الذكريات" ص15 حيث يدل المشهد الايروسي شديد الصراحة فيها ليس على ضياع الانسان وهربه من واقع مرير فقط، بل على الحلم بالحرية التي طال انتظارها ليتأكد ذلك في نهاية القصة عندما نكتشف الوهم والهوس الذي تعيش من خلاله شخصية بطل القصة (الكاتب) الحرية على الورق فقط، وهي واحدة من اهم مشكلات الفئة المثقفة في مجتمعنا "انتبهت الى الباب، انتبهت الى الشباك، وانتبهت الى الورقة، فلم اشعر بها الا مبللة، وانا عار مرمي بقرف على قارعة ساحل النسيان. وبدء حياة جديدة مع امرأة غيرها " ص21. وهو مشهد دال وصادم للقارئ لما فيه من معنى يؤكد الهزيمة وعدم القدرة على الفعل والتغيير لأن جلّ ما تقوم به هذه الفئة هو الكلام (الكتابة) فقط.
وهو فعل يتأكد مرة اخرى في نص (الدروب التي لا تتصل بطريق) وهو عبارة عن تأملات في الوجود الانساني، يخلو من حدث واضح يلم حبكته، انما فقط انثيالات حدسية برؤية سوداوية تسرد على لسان راوي القصة الذي يفقد الشعور بالمكان والزمان " لا شرق عندي ولا غرب أتأمل به بعدي عبر المكان والزمان معلق، ومهدم بالرعب" ص28 ثم يؤكد الراوي نوع الكتابة التي تسيطر على افكاره " بقيت اكتب ضعفي كإنسان وحيد" ص28. وهي لغة ترتبط بالموقف الوجودي للفئة المثقفة ورؤيتها للعالم، وهي تترسخ مرة اخرى بأسلوب تراجيكوميدي ساخر في قصة (الضحك) التي تحيل القارىء الى حادث واقعي يصور مقتل صحفية راحت ضحية العنف.
ان القصة القصيرة عند الاحمد تبدأ كما يؤكد (فرانك اوكونور) في حديثه المهم عن هذا النوع بأن لها ميزة شكلية تفرقها عن الرواية " ثابتة بعيدة عن الجماعة، ورومانتيكية، وفردية، ومتأبية" (الصوت المنفرد، ص 16) وهو ما اتضح في القصص الماضية ويتجسد اكثر في القصة المتماسكة (نهض الاب) التي تنطلق من هم فردي لسجين منعزل يعاني أزمة معينة لا يوضحها السارد، لكن لا يلبث السرد حتى يشرك القارىء بقضية هم جماعي لا تتوانى عن فضح الواقع وما فيه من تعسف واقصاء للآخر، ويفسر ذلك في شكل القصة التي يبنى زمنها على مرحلتين: الاولى في الماضي ويمثلها المقطع الاول من القصة "كالأمل نهض الأب العتيد" ص 29، والثانية في الحاضر ويمثلها المقطع الثاني من القصة " ولكنه الان اول مرة.. يبتعد عن الحائط.." ص 31 فانشطار وعي الشخصية بين زمنين هو في حقيقته علامة على عدم تمكن الشخصية من الانتماء الى واقع اجتماعي مستقر، لأنها كباقي شخصيات المجموعة ناتجة عن هيمنة لرؤية غير مستقرة للقاص تجاه المجتمع ترفض المصالحة وهذا ما هيمن بوضوح بأسلوب الكتابة في قصص (الحلم بوزيرة) لذلك بدأ يبحث عن الامل فيما هو غائب ، كما في قصته الجميلة الاخرى (ليلة اخرى) التي تتماثل في انتظار الامل والخلاص مع مسرحية بريخت (بانتظار غودو) إذ يمثل مشهد الانتظار في موقف الباص شاخصا واضحا على ايديولوجيا مهزومة، حيث يمكّن نسق التضمين القاص ان يجمع بؤر متناقضة لأشخاص مختلفين بأفكار وهموم متباينة يوحدهم انتظار الحافلة (الامل المفقود) " في مطلع الليلة الدهماء وقفت انتظارا اكثر من ثلثي الساعة يائسا من جدوى الانتظار" ص 39.
هذه الاحكام وغيرها نجدها ماثلة في تكوين الشكل القصصي المرتبط بقوة مع الظرف الاجتماعي والثقافي الذي ساهم في هذا التكوين، وهو ما نراه ماثلا في القالب الفني لقصص المجموعة الاخرى (جثة قد تأجل موتها)، (حكاية الآسرة)، (خمس مقامات في السياسة والجوع)، (خسارة متأزمة بالفقدان).
إذن نؤكد هنا مرة أخرى أنّ البناء الشكلي في قصص (الحلم بوزيرة) لمحمد الأحمد يمثل تناغما جماليا مع ما يحدث في واقع فئة اجتماعية هي الفئة المثقفة، فقد تعرضت هذه الفئة لهزات قوية غيرت رؤيتها للعالم نحو رؤية مهزومة لا أمل لديها سوى كتابات افراد عبروا بالضرورة عن همومها باسلوب خاص، فهل تستطيع هذه الفئة أن تحقق ذاتها وتغيّر خطابها الكتابي الى انتصار حقيقي؟ وهل تستطيع ان تصل الى مرحلة الكتابة المحايدة؟ هذا ما لا نستطيع ان نتكهنه حاليا لأننا بانتظار تغييرات حقيقية في أنساق البُنى المعرفية والثقافية للكتابة في مرحلتنا الراهنة.
جامعة ديالى- كلية التربية
02 آذار، 2011