كتاب جديد في نقد السرد
غالبا ما يستهوي محلل السرد الدخول الى غابة شائكة، لا
تخلو ابدا من مخاطر، فالكتابة عنده عن كتاب، درس يريد اجادته باقتدار ولا سيما؛ قد
مرّ عليه في قاعة درسه طلاب احبوه، تعلم منهم الكثير قبل ان يعلمهم الكثير عن حب
السرد الشيق الشائك، فالحب عنده عناية فائقة بالمسرود قبل السارد، واحيانا العكس، فالمعرفة
التراكمية لا تاتي من الكتب، وحسب، اذ هي فكرة معروضة في قاعة الدرس، وتدعو
المناقشة، واحيانا المشاكسة، ثم تاتي افكارا متابعة من رؤوس صغيرة، لتشغل وتشعل
فكرة اخرى اكبر تصب بذات الموضوع لتحرره من التتابع والتراكم ليكون درسا شيقا
تفاعليا بين الطلبة كلهم والاستاذ (المايسترو) اذ يكتب السرد ليحلل ذاته، منطلقا
ككاتب، عازف مقتدر وجمهره، يكون في النص المكتوب قراء اخرين يديرون دفة موسيقاه
باتجاهات تضيء الكثير من عتماته.. التنوع يُغري القاريء، ولا سيما ايضا عندما يكون
فيه اضافة ما قد استعرضت ثقافة كتابها، فالنص المثقف هو وجه كاتبه كما يؤكد
(غلودمان)، حيث الارث الجاد غالبا ما يقف على معان جادة لن تمحى من ذاكرة الكتابة
بشكل عام، اذ حددت جملة (هارتمان) الشهيرة المعنى الدقيق (ركبت التاويلية وظيفتها
التشكيكية الجديدة على وظيفتها القديمة في انقاذ النص وفي ربطه، مرة ثانية، بحياة
العقل؛ وذلك من خلال حركة ساخرة او عابثة، ونظريات رئيسة تدعي تغلبها على ماهو ماض
وميت وزائف[1])،
فغابة السرد التي دخلها كتاب (اضاءات سردية) عن منشورات جامعة ديالى - للناقد (فاضل
عبود التميمي) كتابه النقدي الجديد (إضاءات سردية) مجموعة من القراءات التي عنت
بالقصة والرواية والنصوص السردية الأخرى. ففي مقدمته اوجز المؤلف: (يريد هذا
الكتاب أن يضيء قسما من النصوص السرديّة التي أنتجها المؤلف العراقي وهو يتمثل متن
الحياة تمثلا جماليّا غير بعيد عن جوهر الإشكاليّة التي يعيشها في وجوده الماثل
الى الوصف، والتعبير). والإضاءة التي
يرغب الكتاب في اعتمادها تتسع الى المزيد من (الإضاءات) التي تمتح من ضوء اللغة
اللامع في فضاء نصوص تقف عند العتبات، والمنعطفات مفتونة بصوغ الألم، والأمل وهما
يتداخلان سعة وضيقا في مجرّة تقترح سياقاتها غير هيّابة بما يحيطها من صلف، وتسفيه.
وهو ككتاب برمته لا يروي حكاية لأحد، ولا يجترّ حكايات سابقة، إنما يقف قريبا من
النصوص الجديدة، يفتش في سياقاتها عن بذرة قصّ، أو نبذة من سرد علّه يشعر بالدفء
الشتائي، أو يتجمل مرة أخرى بنصوصها التي تلتهب في فضاء الحياة: الحكاية، أو تدخل
فيه، أو تأخذ منه ملامح تشكّلها الجميل تاركا لقارئه ما خُبّئ تحت النصوص من روح
الإشتعال، ووهج التلقي، وهدفه تقديم رؤية نقديّة تبدأ من النص لتنتهي به محتفلة
باللغة تحليلا، وتأويلا من دون أن تحيل على شيء يربض خارجها، فاللغة برأي (رولان
بارت) هي التي تتكلم، وليس مؤلفها، أو الرواية، وضمير المتكلم؛ ولهذا يجب استنطاق
المتكلم الحقيقي، وليس مظاهره في غمرة الاحتفاء بالأدب الجديد، وتمثلاته النصيّة. (حيث
مصادرنا الدلالية محدودة، ولذلك، في حين نفتقر اليها لنستقل فكريا، نحن نكافح من
اجل ان نتخلص من التصنيفات التي تُبنُيننا وتسجنا من الداخل، ومها يكن عدد ونوع
الجواهر التي نصقلها، فاننا نخفق في أن نعيد اليها الشفافية، وهي تخفق في ان تعكس
وجوهاً غير وجوهنا)..
انفتح كتاب (إضاءات سردية) على (قراءة) مجموعة من (النصوص)
التي تنتمي إلى مظان مختلفة يوحدها (السرد) بتحولاته النصيّة العجيبة، ففي (إضاءات
القصة) قرأ الكتاب: (تليباثي) للقاص (هيثم بهنام بردى)، و(رماد الأقاويل)، و(الميتافيزيقي)
قصتي (فرج ياسين)، و(قطرة دم لاكتشاف الجسد) للقاص لؤي حمزة عباس، وقصص (الهولندي
الطائر) للقاص (علي عبد الأمير صالح)، فضلا عن قصة (الليلة الثانية بعد الأربعين)
للقاص (نبيل ودّاي).
أما في
(إضاءت الرواية) فقد قرأ الكتاب رواية (أرابيسك) للروائي علي عبد الأمير صالح،
و(بابا سارتر) للروائي علي بدر، و(محنة فينوس) للروائي أحمد خلف، و(رفسة حصان)
للروائي سالم شاهين، و(سبت يا ثلاثاء) للروائي زيد الشهيد، و(غسق الكراكي) للروائي
سعد محمد رحيم، و(المبعدون) للروائي (هشام توفيق الركابي)، فضلا عن رواية (اليوسفيون)
للروائي (حسن كريم عاتي)..
وكانت (إضاءات)
الكتاب الأخيرة قد انفتحت على قراءة نصوص أخرى قاسمها المشترك السرد على الرغم من
انتمائها الى نوع نثري مغاير: (الزبير:عين الجمل) نص المبدع محمّد خضير الذي يتأمل
تاريخ مدينة من عين ساردة منحازة الى المكان، و(كتاب القلادة) النص المفتوح الذي
أبدعه الشاعر (شيركو بيكه س) بلغة شعرية تنتمي الى سرد حياتي منغّم، فضلا عن
(منامات ابن سيّا) التي كتبها (محمد تقي جون) ممزوجة بسرد ينتمي الى صوت الإنسان
الرافض للبؤس، والظلام، فمرّ الكاتب على نصوص استهوته كناقد اكثر من غيرها،
لتقاربها الثقافي وتنوعها البنيوي والسيميائي مع ما يحمل من هموم، واشتغال. وتركت
مساحة شاسعة لنصوص اخرى مهمة لم يرها قريبة لانها في عمق العتمة البعيد، ولم يضعها
في مسار الضوء القريب، وإذ نبارك للدكتور فاضل صدور كتابه الجديد نبارك لجامعة
ديالى نزولها في ميدان النشر بعد أن امتلكت مطبعة (مستقلة) نأمل من هيئة التحرير
القائمة على امرها أن تنشر الإبداع الأدبي المتنوع، وطبع مسودات الأدباء، وان لا
يقتصر الأمر على نشر كتب أساتذة الجامعة وحسب.
السبت، 23 تشرين الأول، 2010