زمن ما.. كان لي
أزمة البطل مكابرة جماعية لاستيعاب الهموم
إسماعيل إبراهيم عبد
بغداد
مما يرشح القصص ان تكون تمريناً لكتابة قص خاص، فما يسمي بالخاطرة الانشائية تتحول لديه الي رسالة موجهة نحو داخل آسر من الممكنات المقيدة وما هو شعري مندث في ما هو قصصي، وما هو روائي أخذ له ركنآ في زاوية لرواية قصيرة.حتي ومضات القص الشعري وجدت طريقها الي تكنيكه السردي.. لكن اخطر المظاهر النسيجية التجريبية ما إحتوته قصصه الثلاث.. (زمن ما.. كان لي)، وقصة بساتين القلب..إني بكِ مقيم زمنا، وقصة فاصلة زمن.. حيث قنَن قصدانيته بشخصانية بالغة الدقة، واستعرض فيها المعرفة اللغوية، والرايبرتاج، المثيولوجيا، الاخبار، جماليات التصور، الموسيقي، الشعري، الفلسفي، التصوفي، حد وصل به الي التضمين المباشر.. لعل هذا التنويع سيقلل اهمية التكثيف، ويتيه الهدفية.. لكن هذا لم يحدث، فقد امتازت قصصه علي قدرة وعي لغوي يستثمر قوي السرد بمجانسة توافقية بين هدفية الغرض وتقانية التنفيذ !!
زمنٌ ما..كان لي/ مجموعة قصصية/ محمد الأحمد/ دار الشؤون الثقافية/ بغداد/2007 م
سنأخذ نموذجآ معوضآ عن المجموعة، قصة ((زمنٌ ما..كان لي)) لنبين خصائص القص لدي (محمد الأحمد).. تبدأ القصة (كنت قبل اليوم في زمن آخر غير هذا الذي تشاركوني فيه هذه الحكاية، سأسميه بما يرق لي ان اسميه، (كونه زمني).. عند المتابعة المتأنية نجد القص يمس ادق تفاصيل الحالة الاجتماعية والسياسية دون ان يلج الذاتية الفائضة ابدآ.. يشير في موضع لاحق (فللرواية التي نويت ان ارويها عبر اسطر مزقها القلق). وهذان الموجهان سيكوّنا جسرنا نحو فهم اولي لمبررات تقنياته ودلالات انساقها.. حيث يستثمر القوي السردية ضمن حدود القصدانية المظهرية والفكرية بطريقة تخصه رغم شيوع وسائدها.. نشير لبعضها :
(1)الفعل= الحدث = مرحلة القص الاولية:
(بقيتُ قلقآ اُتابع صوت المذيعة=هي المذيعة، صوتها منفذي الوحيد للحوار وصوغ الاحداث = الافتتاح الاولي للبدء بالقص.
(2)التقصيص= السرد= دلالة التعدد التأويلي/ مثلما في/
كانت الحكاية التي نويت ان احكيها،تطير فوق صوت الديك الصباحي الذي كنت اشتاق اليه/
حيث ان هذه الجزيئة من القص حدث يعمق الاحساس بالتقصيص الدرامي،
بمقدَرات حكاية شهريار= وهي تساوي نسيجي بين قوي الروي السردي
وقوي الافعال الزمنية الحدثية = والتي تساوي التأويلات التالية:
هي حكاية تسربت من البشر الي الكائنات غيرالعاقلة، مثل صوت ضاع فوق صياح الديك الصباحي.
هي رواية احجم عن قولها راويها في اخر لحظة بعد ان بقي يحكيها حتي صياح الديك في الفجر.
هي حكاية اراد راويها ان يحكيها بدلا من شهرزاد، لكن الحكاية تمردت عليه لأنه لايملك صوت الديك الذي يعلن انبلاج الصباح.
(3) التنميط = فونيمات الاتجاه الموجي = ذروة سطحية للأحداث.
مثلما في/ لا أستطيع نسيان الثقب الصغير الذي أحدثته الرصاصة الناعمة بصدر عازف الكمان في ليال موحشة، لايحتملها حتي ذئب.. خذلتنا تلك الفتحة الصغيرة التي كانت بحجم الدرهم، وقد خرجت من الظهر بحجم برميل النفط.
وعلي الأساس التنغيمي يمكن ان اسطرها بتشطير موجي بالشكل التالي/ لا أستطيع / نسيان الثقب/ الصغير الذي/ أحدثته الرصاصة/ الناعمة/ بصدر عازف/ الكمان في/ ليالي موحشة/ لايحتملها/ حتي الذئب../ خذلتنا تلك/ الفتحة الصغيرة/ تلك التي/ كانت بحجم الدرهم/ وقد خرجت من الظهر / بحجم برميل النفط/ .
ولو بدلنا الكلمات بأرقام لأصبح التتابع يأخذ هذا النظام.
1/2/2/2
1/2/2/2
1/2/2/2
2/3/3
إن هذا التنميط بالتوالي اعلاه يصيغ تموجاً شبه قصدي يلائم نظاماً افتراضياً لفونيمات كلامية مما يساعد علي تأصيل الفعل الانفعالي للنص ويحيله نوعاً من نظام سطحي لذروة حدثية.. أي أن التنميط = فونيمات الاتجاه الموجي = ذروة سطحية الأحداث.
3 ــ الخلط التراكمي للاداء المعنوي: جرّب القاص خلط الخبر بالحادثة بالقصيدة البؤرية، بالتراكمات النفسية بالحالة الوجدانية، بالهموم الاجتماعية والسياسية وحتي الفلسفة والتصوف.. لننظر ملياً بهذا الخليط علي ص140 من السهل أن نجمع المئات من تعريفات (الشكل)، و(البنية) من كتابات النقّاد والأستطيقين المعاصرين لاظهار مابينها من تناقض يبلغ شدته حداً يجعل تركها أفضل.(أُحاول أن أغلي دمي العتيق، وأُفجر ذلّي والأهم لي ليس سوي كسر حصاري، [واستباحة عدوي الوشي من جيلي.. أبتكر زمناً لمعشوفتي كي لا أرغي في اللهو الغريب.. أقول ما أقول بدراية وأحلم ما أحلم دون وشاية).. أرنو الي المذياع الذي سكت كقطعة خانعة.. بعد أن قذفته بمنفضة السجائر. وأنا أُغمغم كوحش يائس.. تريدني أيها اللعين التخلي عن عرش الحكاية.إذن هذه طريقته التراكمية التي وسمّتْ قصته (زمن ما.. كان لي).. بل ان هناك أجزاء يضيع فيها الخيط السردي تماماً، دون أن يخل ذلك بمنطق التتام السردي النهائي.
4 ــ الاستشراقية الأبصارية :ضمن هذه التقنية يختلط العمل الصياغي فنياً وفكرياً بمحتوي إنائي واحد هو النبؤة كنص محايث لمقاطع البؤَر الحدثية مثلما في (ينهض أحدُ القتلي من رخامه ليوزع قرنفل الوعي)، ان سكتتَ عما تراه تستطيع نوماً هانئاً) غراب الليل يأتي من الأقاصي.. كابوس رعب يلفني بجناحين سوداوين ناعقاً ليقوض نبوءتي .
5 ــ التوزيع الأُفقي للاحداث : تتوزع أحداث القصة علي أفق من (31) احدي وثلاثين بؤرة حدثية، لمجمل المساحة الكلمية المؤلف من (3000) ثلاثة الاف كلمة تقريباً، مما يشير الي أن الإحداث تتنامي وفق تنميط أُفقي، وهو ما يحيل الي نوع متسام من النغم ذلك هو (نغمية الفكر) أي توليد نوع من النغم الفكري الذي ينظم تعاقب قوي السرد (الوصف، والحركية الايقاعية، الدراما )، وهذه الأفقية بمثل تلك الدلالة (الحدث = العرض = السرد) أفقياً، لم يمارسه إلا عدد قليل من الكتّاب الجريئين لأن الفشل فيه وارد كثيراً.
6 ــ آثرية الموضوعة الانفعالية : وهذه الثانية من إجتراحات القص النصي يضع بها كاتبها شمولاً للقضايا الجماعية في بوتقة الذات المأزومة الحاملة لكل نقائض الحالات النفسية، يجعلها حالة موحدة من الفعل السلوكي يصّاعد فيه الانفعال الي حد الهوس والتماهي في الذات الجماعية مع حركية تصاعدية لدراما الداخل في النفس المضطربة بفعل أمراض الآخرين. حيث نلمس أن البطل يصير بديلاً تخليصياً عنهم يتسامي بذاته لتتسامي ذواتهم بما يشبه الدعوة الايدولوجية لكنها مخففة ومقنعة..
اذن حالة الأزمة الخاصة للبطل هي مكابرة جماعية لاستيعاب الهموم الكــــــــبري (نص ص 157) (ألون متداخلة.. ظلال متسلسلة.. تدرجات ضوئية متواصلة بتواتر متصاعد.. تتداخل الإذاعات وتكشف عن مدي الخيبة القاتمة. (اضحك من الجمل الإنشائية التي تنسُلُ من بعضها)، والاحتجاجية الأُخري، تكشف عن بعض اللعبة.. ثمة حرب اخري بين مؤسسة استثمار النفط والإيرادات الاخري، وسينتصر النفط علي حامله، (حامل الهوي تعبُ).
هي إذن ستُ مناورات متداخلة وصفّت العقلية القصصية المبرمجة القصدية والفطرية صاغت المجمل النهائي للقصة (العنوان) ونراها هي نفسها التي برمجت بقية القصص!... ونري أن قدرة التوصيل استوعبت مضامير حركية القصد. لكن بشخصانية المميزات المذكورة..
بغداد
الأحد، 23 آب، 2009