عن فاروق ناجي محمود

لنقرأ عن

رؤى سينمائية

قراءة بقلم: محمد الأحمد

حوت المجموعة القصصية الموسومة بـ (رؤى سينمائية) من سلسلة ثقافة ضد الحصار(تسلسل 51) .. للقاص (فاروق ناجي محمود) على أربع قصص قصيرة، تفاوتت في الأداء القصصي الجميل، ما بين تمكن في البناء (أمتار من رصيف شارع الخلفاء) ، و تخلخل في (ليال لؤلؤية-ص 21، النظرة الاولى- ص41)..

كتاب صغير الحجم امتلأ بباقة قصصية متميزة بعطرها، أعطاها عنوانها مفتاحاً جلي الوضوح عن أهم سمة من سمات القصة والتي يرتبط اسمها بتكنولوجيا الآلة، وميزها عن بقية المجامع القصصية التي صدرت في الآونة الأخيرة، كونها وسمت بـ السينما، فأضاف اسمها تشويقاً جذابا يجذب القارئ الى مساحة الاكتشاف، والى مقترح للقراءة بصيغة ما فرضها الشكل، وقننتها المساحة المحدودة، الممنوحة للكتاب، فالقصة السينمية اليوم تعتمد على قصة قصها علينا قاص ما، نقلتها لنا جمهرة من التقنيين، قال بهم قولنا الذي نجد فيه ما نريد قوله، وحوت في بنائها التقني على عمود حكائي يبرر لها ذاتها، ويصيّرها قصة لها حبكتها التي إجتذبت كتاب (السيناريو) ونقلت الى لغة التصوير التكنولوجي.

ففي قصة (أمتار من رصيف شارع الخلفاء) تحرك قلم القاص مثلما تتحرك عدسة (الكاميرا) السينمية التسجيلية في مساحة محددة بعدة أمتار على رصيف من شارع تجاري تحدد فيه الزمان بتقنين فيه التشكيل الجميل.. تجول القلم في ملامح الباعة، وفي ثنايا احلامهم بتناوب تعددت فيه المقاصد، فالقصة تعمل على الإيحاء اكثر مما تعمل على الإيضاح، وهذا من سماتها كفن قائم لذاته.. يتخطى الفنون برسوم موحية تتكامل معانيها لدى القارئ الذي يعرف مساحة تجواله، بين الكلمات المحسوبة للقصة الواحدة التي تعكس عالماً متكاملا يجري في نسق تطوله امكانية موهبة القاص في قص  قصته بما احتوى نصه من وقائع، و انعكاس للواقع، فالقاص المجيد (أي قاص) يدرك جيداً امكانية قصته التي يقصها على قارئ يبحث بوعي في حدود قرائته عن الكاتب الذي يضيف اليه اكثر مما يعرف، وبذلك يكون القارئ غير خاسر، ربما، لوقت ضيعه مع قصة لم تكن تساوي لفتة الفضول، فيخسر الكاتب فرصة التواصل مع القارئ، و ما اراده حسب إمكانيته الموضوعية في الفن الذي يمارسه بقدر إجادته المقنعة في الموضوع الذي (يتوقف على القوة الموحية، والحيوية للشكل القصصي كمحصلة متأثرة بالواقع، ومؤثرة) كما يذهب اليه الاستاذ الناقد (عباس عبد جاسم) في كتابه الموسوم قضايا القصة العراقية المعاصرة- ص77، فالقصة تجولت في أمتار معدودة كما تتجول الكاميرا، فحملت من المكان حيوية ناسه، وحركتهم الدائبة بتسلسل مقنع، حيث تأخذ من الصورة التي تلتقطها الصوت المعبر عنها، والرائحة، والطعم، وبقية الأمور الأخرى. كما نؤشر لصالح قصة (نظرة أمي الأمية- ص 19).. رغم قصرها، وجريانها السريع، فقد استطاعت أن تنقل إلى قارئها صورة متحركة بحيوية، لأجل أن تقول ما أمكنها القول بأحسن وجه يدعمه القص  الملتزم على التقتير المضني الذي مرّ به المثقف المتعلم حامل الشهادة الجامعية، في زمن الحصار بعد أن قضى مفتتح شبابه مكافحا من اجل نيلها، ويحقق بها طموحه بين أقرانه المتعلمين، ولكن الحصار القاتم هو الذي غير في المسارات، وقنن للإنسان مسارات آماله.  لقد تحدت بفعلها الجاد سلسلة (ثقافة ضد الحصار)  ضمن المشروع المتواصل العطاء لدار الشؤون الثقافية العامة في بغداد التي لم تتوان عن إعطاء الفرص المتكافئة للكتاب الذين أراد الحصار السقيم أن يقنن من طموحاتهم المشروعة، ولم ينجح بفضل تعاضد العراقيين بعضهم لبعض، فصيرت الهمّة بالانطلاق، دون توقف رغم شحة مكونات المواد الأولية للطباعة، فلم يزد الكتاب على الثمان والأربعين صفحة من القطع المتوسط، وبالورق الأسمر.

(فاروق ناجي محمود) تجربة نؤشر لها جديدها، وجديتها الطموح برغم ما ينقصها (مثلما ينقص لأية تجربة، ونثبت جدارة تغريبها التقني، ونحيّ كل من ساهم في إصدار تلك السلسلة النبيلة، التي مازالت تتحدى الحصار الغاشم على البلد الأبي.

‏الاثنين‏، 26‏ كانون الأول‏، 2005

Author's Notes/Comments: 

mu29@hotmail.com محمد الأحمد  


View alahmed's Full Portfolio
tags: