بقلم ظاهر شوكت البياتي

محمد الأحمد والتحديق في مرايا العراق المهشمة

عبر روايته (ورد الحب.. وداعاً)

المنشورة عبر الانترنيت على الرابط التالي:  www.iraqgate.net

قراءة بقلم: ظاهر شوكت البياتي



في ارض (تبتلع الحرية )، و(يتنفس الناس الكوارث) ويتقدم الواقع اللا معقول على الأسطورة في ظل -أيام ذاك- أسطورة القائد، والقائد الأسطورة، في ظل الحزب الأوحد القائم على نظام الأزمات، في هذه الأرض، معادلات (فريدة ومتميزة) كما صدقوا في هذه المرة اليتيمة- فالقائد الأسطورة ينهش الحواس والمشاعر وهو متربع على كرسيه دون حراك ويسمم انهار المعرفة والخير بنظراته، وبأنفاسه الحرى التي يفهمها المحيطون به، يحارب الكرامة بشراسة، إبداعات (الفيلق السابع) تنجح- غالبا- في تغيير الذائقة الجمالية في العيون والآذان والألسن والأحلام والأمعاء، فكل شيء يجب أن يعمّد بالدم إلا الكرسي (الضرورة)  يبقى مقدسا حتى في الأحلام، فانه هبة الله في ارض السواد، شعب السواد أصبح مشروعا دائما للشهادة التي يحدد مفهومها القائد عبر إسهاله الشعري يوميا وعبر(كذبته الرئاسية الكبرى) في ارض تتربى فيها أفاعي الفردوس في المؤسسات والبيوت بل تحت غطاء واحد يجمع زوجا مع زوجته، تسلم أحداهن (وثيقة مسجلة عن  زوجها بمباركة رجل من رجال الشرطة الذي دخل إلى بيتها عشيقا ثم خرج محتالا) في ارض يستمر النحت فيها في كل اتجاه صوره المبثوثة حتى في خلايا النمل، قادرة على(قمع أي تمرد) ويفقد الكثير توازنهم بدون الكوابيس (هل يمكن أن نتوازن بدون أي كابوس) وكثيرون صاروا لا يمكنهم التفكير بدون رقيب (لم أتعود أن أفكر دون رقيب يعد المليون الآفلة) هكذا تحولت السنوات الثلاثون إلى المليون لان الكثير صار يبحث عن جذور الرقابة في التاريخ العربي ليقدمها بحثا أكاديميا يستحق ارفع الجوائز من القائد لأنه يعزز نظرته (الفريدة ، والمتميزة) إلى (ما ينبغي أن تكون علية الحياة) في ارض يعتقد أهلها أنهم يستحقون ارفع الجوائز في (التحمل والمقاومة والانفصام) ويتمنون أن يأتي الناس من أقاصي الأرض (ليطلعوا على ما تبقى بين أعيننا) وهم يدركون أن صديقة الكاتب في بلاد ينبض فيها الشعر خبزاً وكرامة والحب اكتشاف للحياة وهنا ينبض الشعر خبزاً ومهانة والحب يعني مزيداً من الاستجابة للذل، هنا تتكدس الجثث في شعبان عام 1991 في مفارق الطرق دون أن تطلب (الصلاة من أحد) فهي (عبرة لمن أعتبر ومصيدة لمعرفة أهاليها)، وأهل القبعات واللفات يرقصون مرددين (عبّارة على الموت جنودك)، ويصحح القائد: (عبّارة على النصر جنودك)...

أنه النصر دائما صفة لاتفارق القائد (الأخ الأكبر) ولا نفارق شعبه العظيم. ثلاث وثلاثون دولة لم تسطع دحرنا ولم تجعلنا (نتبخر) رغم إخراجهم لنا صاغرين من الكويت في انسحاب (غير منظم ويأمر وبصوت الضرورة الذي أوصى جنده قبل الحرب ألا ينسحبوا حتى لو سمعوا الأمر بصوته)، فقد تفعلها أمريكا كما أدخلت أبن الشاه على القناة التي كان يتحدث من خلاها رافسنجاني... توهم (بارق آل حنطة) عبر مصداقية قائده العزوم، ولم ينسحب فشطره وأطعم الكلاب آخرين ممن أطلق حسرة خيبة... و(خيمة صفوان) نستنهض المؤرخ المرحوم (جواد علي) وعالم الاجتماع المرحوم (علي الوردي) ليكتبوا للأجيال القادمة في هذه الأرض تتحول الثوابت فيها إلى متغيرات بأمر الضروره

بين ليلة وضحاها فالدم نجس ومحرم كما قال تعالى ((أنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير....)) النحل 115 ولكن عبقرية الضرورة في هذه الأرض تتجاوز الثوابت لأنه كان يكره السكونية فيكتب القرآن بدمه، ويتسابق الكثير من أهل اللفات في مباركة ذلك.. هنا أتذكر مقولة للمرحوم (عبد الرحمن منيف):- حين كنت طالباً في الابتدائية، سألني المعلم: ماذا تتمنى أن تكون في المستقبل؟ قلت أريد أن أكون طياراً، ولكني حين كبرت وأدركت أن أصحاب اللفات يجبرون الجيوش على الهزيمة أدركت بأني كنت طفلاً أحمق.

أن أرضاً تنتج أطباء يقطعون الأذان وشباباً يقيمون حفلات رقص وغناء حين ينفذون أحكام الإعدام بين أهليهم تنتج رعباً وبشاعة تجعل الكتاب يصابون بالذهول لحد الخرس فلا يستطيعون إلا الكتابة التوثيقية التقريرية في المرحلة الأولى لكيلا تفلت المشاهد منهم كما فعل من كتب (عشرة أيام هزت العالم) فكيف بكاتب يعي ويدرك مسبقاً أن التواريخ المسجوعة لانتهاء الحروب 8/8/1988مثلاً ليست وليدة صدفة وإنما هي مطبوخة هناك، وربما في الغرفة البيضوية؟.

وهو يعترض على عجالتها وعدم نضجها ويطرح البديل إن واقعاً مروّعاً مثل هذا يوهم الكاتب في أن يرحب بالدمار (الحرب وهي أقذر لعبة في تاريخ البشرية)- يرحب بالدمار متصوراً بغباء العالم الثالث أنه سيخلصه أو سيخلص الأجيال القادمة فيستعجل ليقول (ورد الحب) ويقول وداعاً للقهر ولكنها الخيبة مرة أخرى، فينتفض متشظياً ليقول مرة أخرى وداعاً للحرية وللكرامة وللإنسانية، ويعود إلى الإسطبل فرحاً ليأكل التبن، ويتبول واقفاً، ويترك مؤخرته مكشوفة للذباب وأشياء أخرى، فالقائد صار (يطلق من مسدسه الشخصي طلقات الاحتفال بالنصر للمرة المليون) لقد بقي في كرسيه- و(هذا هو النصر الأعظم)...

هكذا بصلب المسيح ثانية، وثالثة، ورابعة، ويصيح الوأد قيمة اجتماعية عليا.

إن الأدباء والكتاب يحتاجون إلى قرن كامل ليتمثلوا هذه التجارب ليتم صبها في قصص و روايات ناضجة مستكملة كل المقومات الفنية المؤثرة مثل رواية مكسيم غوركي (الأم)، أو تولستوي (الحرب والسلام)، أو مذكرات كازنتزاكي (الطريق إلى غريكو).. ((سألني الكاهن لماذا أنت حزين؟.. أجبته على الفور ولماذا يكون الغراب اسود))..

كان الكاتب عراقيا قحّاً، فلذا احتاج إلى 100 هامش يوضح فيها التعابير العراقية، وهذه السمة أصبحت من سمات القصة العراقية في هذه الفترة المظلمة التي بدأت في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، واعتقد انا – كذلك بحاجة الى هوامش الضر وره.

انه لمن الإنصاف أن أقول إن الكاتب عاش الاستلاب والتمزق حتى في أسلوب توثيق هذه الحقائق فعمد إلى عناوين متشابكة، مضطربة لا تمتاز بالتسلسل المنطقي، ولا التأنق الأدبي، فنقرأ المتشابه في (رأيت، وسمعت، وحلمت، أغنية، هامش، تعليق، كابوس..) محاولة منه للإمساك بأكبر عدد من المصائب والزلازل التي نزلت بهذه الأرض الطيبة، وأهليها في ظل (الضرورة)، وعبقريته يكتبها في ثلاثة أيام، فحسب.

إن إحداث ما كتب تدور في أذهان العراقيين طراً، وعلى ألسنتهم حين يجتمعون في أقبية خالية من عقارب السلطة، وربما امتلكوا معلومات عن مئات الألوف من حوادث قمعية فريدة ومتميزة.. كما كانوا يرددون، ولكن يبقى ل-(محمد الأحمد) قصب السبق في التدوين والتوثيق.. انه كان يتقدم بجرأة رائعة صوب الجحيم، وهو يعي ما يعمل في عمله الأدبي ألتوثيقي هذا من تقديم وتأخير، وإيجاز، وخرق لما تعود عليه الكثير في الكتابة.. فقد كان ثقيلاً جدا عندما بدأ، ولكنه أصبح مغريا بعدما استمر.

يستعمل الرمز والإيحاء في التفاحة التي تعفنت، وامتلاكه حصانا من خشب، وغراب المرأة الشهية الذي كان ينعق بلا حياء وبلا ملل... و حال النسوة اللواتي يشتكين من الحاجة إلى الارتواء الجسدي بعد ان ترك الأزواج بيوتهن ليقوموا بعمل سري جدا ومهم جدا، ذلك حماية ابن العم الملغوم في حله وترحاله، ناهيك عن شراكة (الجدعان) لكثير من الأزواج أثناء الحرب العراقية الإيرانية. كل ذلك بفضل هبة الله في الأرض.

إن ما كتبه (محمد الأحمد) وثيقة خطيرة ومادة دسمة ستبقى لسنوات تمكن الأدباء أن ينهلوا منها قصصا وروايات وشعرا، وربما سدوداً في وجه عبادة الأشخاص، وتسليط النكرات على رقاب الناس لسرقة الماء والهواء والذهب والنفط والعراق ببشره وبقره..



buqubawriters@yahoo.com









الاثنين‏، 10‏ أيار‏، 2004




Author's Notes/Comments: 

mu29@hotmail.com محمد الأحمد  


View alahmed's Full Portfolio
tags: