ولد وبنت وزمن
مشى الولدُ مهموماً إلى حيث لا يعرفه، بعد أن تألم كثيراً لما حصل بين أبويه اللذين يحبهما حبّاً لا مثيل له، ولم يكن حزنه السرمدي المتصاعد في لجاه أغنية حزينة مليئة بالأمل، متزاحمة بأشياء أخرى لا يدرك كنهها…
في الطريق سحَّ على خديه الندى الجميل الذي كفه بباطن كفه، وأنطلق بلا توقف، يرنو إلى غيمات موزعة بلا انتظام في سماء ذلك اليوم اللاهث، وراح يتابع كل ما حوله بتروّ مستشرفا ما يحدث في هذا العالم المزدحم، قادتهُ لمعة، فكرة ما، إلى أن يدخل السينما. أن ذلك الشجار العنيف الذي توتر إلى حدّ دامٍ، جعلهُ بلا حول. فماذا سيقول في أبويه؟. صراخهما تصاعد إلى كلمات بذيئة نبهت كل الجيران، فاقتحموا بيتهم، دون استئذان. وجد نفسه ينزل درجات قاعة العرض ومن حوله أضواء تتلا مع. صوت أم كلثوم كان حزيناً باكياً كصوت أمه.. عصيٌّ ذلك التذكر المتداخل بين كل هذهِ المواقف المخزية.. شجار كل مرة لم يتجاوز الكلمات الحادة التي تبادلاها كحصةٍ يومية، تنتهي بزوال المؤثر. ولكن شجار اليوم تصاعد إلى عواصف من لفح حار جداً… أكثر حرارة من الصيف اللاهث، أثناء انقطاع التيار الكهربائي، وجد نفسه يختنق في المقعد الفارغ، فراح يتأمل دوائر الدخان، التي تتصاعد من أفواه متفاوتة، تزفر اللهب بقوة، مثلما يزفرها أبيه، إذ كل مرة يجعلها تخرج من كوة بالغة الوهج.. يخافها الولد، فينكمش في مقعده، كطفلٍ صغرهُ الخوف، وسحقه كطحينٍ ناعم، فراح يقاوم بعينيه اللامعتين، دموعاً كرجت مستعدة للانزلاق على خديه، وفضحه مرة أخرى، وأخذ ينظر إلى ما حوله، والدمع الشفاف شوهّ الصفاء الذي يرتجي..كانت (أم كلثوم) تبكي لغرام لن يعود، وصوتها يخرج عفياً، متوا شجا بالأنين.
رأى فتاتاً انطلقت تنزل الدرج بغنج متواضع.. شعرها النازل على كتفيها يناديه، يجذبه.. يالها من بنت جريئة؟.. تحول خلفها كالمسحور ماسحاً الدمع، معدلاً أكمامه منطلقاً إلى فراغها الجميل، ينزل الدرجات خلفها بخفة عصفور.. كان الضوء يقل تدريجياً، وبدأ الصفير يتعالى من أفواه حادة قبل أن تجلس لمحها، بعد أن اصبح على مقربه منها. ولم تكن فتاة، بل كانت فتىً بشعر اصفر طويل.