مرجعية خطاب صحراء بوذا
رؤية بقلم
محمد الأحمد
1
في الروايات البوليسية الرائعة التي كتبها (إيان فيلمنج) (Ian Fleming)وبطلها المغامر الشهير (جيمس بوند)..وجد أمبرتو إيكو (Umberto.Eco) ضالته التفسيرية، وأثبت بان للقارئ دوراً أخراً يستطيع من خلاله أن يعيد قراءة المعنى في أي زمان ومكان، ويمنحه النص كل ما يريد، وربما أكثر مما أراد الكاتب فسمى ذلك الذي يعطي معناه الجديد بالنص المفتوح (Open text)، والنص المغلق(end text). للنص البليد الذي لا ينفتح إلى ما يريد القارئ، وساهم بارت - ( Roland Barrettes) في جملة توضيحاته النقدية البديعية بما يسمى بالنص المقروء (Lisible) الذي يقدمه مؤلفه إلى القارئ ليتلقى منه ما يريده المؤلف إلى القارئ.. على عكس النص المكتوب (Scriptable) الذي يعتمد على براعة القارئ وحريته في استنباط ما أراده المؤلف وما لم يكشفه.. فيبقى النص المكتوب نصا يصلح إلى كل زمان ومكان، والغريب إننا كلما أوغلنا في القراءة.. أوغلنا في حققيه معاصرة، مرتبطة بعصرنا الراهن، اكثر من ارتباطها بعصرها آنذاك.. ولكن يدلك (اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة، ثم تجد لذلك المعنى دلالة إلى الفرض) .
أصبح درس القراءة الجديدة كسباحة عكس التيار، والكاتب المجيد يثبت بأنه يمرر رموزه، ويعيد خلق شخصياته، مبتكرا لها خطوطها البعيدة كل البعد عن المرجعية التاريخية (التي اطلعنا عليها في المراجع المتوفرة ) عن (البوذا-(Buddha فتكون شيقة، و شاقة الكتابة عن مغامرة كتابية موضوعها كتب فيه كبار الكتاب، وتلك تتطلب الإضافة بعد أدباء عظام كـ (هيرمان هيسه).. ذلك الذي اختص بدراسته، وكتب فيه.. ما لم نقرأه لرجل فهناك عدة أسماء تحمل اسم (البوذا) أخرها ما أقترحه لنا الكاتب (خضير ميري) في كتابه الموسوم (صحراء بوذا )..
شيقة لان الكتابة في نص يختلف عليه علماء التجنيس الأدبي يبقى منفردا بجدية تنتمي إلى عراق مبد عينا الأفذاذ لأننا مازلنا نبحث عن دقة المصطلح الذي يطلق على الشكل الكتابي، ونبقى مختلفين عليه حتى يترجم لنا، أو ينحت ما يروي ظمأنا ضمن التجنيس النقدي..
نقول :- لان المعلومات التي في سيرة (البوذا563-483 قبل الميلاد) من الاتساع ما يجعل حتى وصف ملامحه الرئيسية أمرا مستحيلا، قد تغيرت بمسيرة السنوات الحافلة بالامتداد التاريخي العريق، المليئة بمحبين الرجل (البوذا)، و كارهين .. فتغير التاريخ ما بين محب، وكاره.. صعب الفصل في ميل لا ميل. إذ تعد مجازفة جد خطيرة، خاصة عن شخصية قالت على مدى التأريخ قولا كثيرا في كل زمان، ومكان ..( يعني إن المؤرخ يحول الحدث، أي حدث، إلى مادة التاريخية، عندما يضعه في تسلسل زماني معين )، وفي هذا النص يتصل المبدع من أي أدراج تسلسلي مقنع، فبالعمل الرؤيوي قناعة لا تجعل قارئها أن يتخلى عن الخيوط أو هو الممدة أليه، وهو الشغوف بالاكتشاف. فيكن حذرا لان (الأقدمين من النوابغ الأسلاف لم يموتوا.وأن يكون مطلعا على الآداب الأوربية منذ هوميروس- بما فيه بلد الكاتب– تؤلف وحدة حية لأجزائها وجود موروث بمثابة الامتداد للماض، ويقاس كل نتاج بنسبة للتراث- ت.س.اليوت ) ونكون قد صغنا هذه المقدمة المرتبكة لتكون تمهيدا غير أكاديمي في قراءة لكاتب غير منهجي، غرضنا تدوين ملاحظات ذوقية ليست اكثر عن الكاتب، والكاتب. ذلك لأن العمل الفني (ليس نتيجة الشعور، ولكنه –أولا- نتيجة ذكاء، وفكر، وإرادة. قد يعتمد على الشعور والعاطفة، ولكن يتخذ منه الفنان موضوع تفكير، فتفقد العاطفة- بهذا التفكير،والتأمل – حدتها الذاتية التي كانت في البدء، ويفقد الشعور عنصر الاضطراب الذاتي، إذ أن من خصائص الفن تحقيق الفن تحقيق الشعور الذاتي )
2
(بوذا) التي تعني( المستنير)، كان اسمه الأصلي الأمير( سيدهارتا)…وهو رجل وسيم بن أحدا لملوك في شمال الهند، تجاور نيبال، نادى بجملة مبادئ موجهه لكل البشر، ولا تعترف بالفوارق على الإطلاق …. بتعاليم بوذا فيما يسمى ( الحقائق الأربع ) .. هي وصايا للتخلص من الأنانية، والشهوة تكون بسلوك الطريق ذا الصفات الثمانية وهي :-( الرأي الصحيح، الفكر الصحيح، الكلام الصحيح، العمل الصحيح، الجهد الصحيح، المسلك الصحيح،الحساب الصحيح، التأمل الصحيح)… اعتنقها (أشوكا) اعظم أباطرة الهند. وبواسطته انتشرت ثم امتدت إلى بلدان ما حولها… ك (الصين ، اليابان، كوريا، سيلان، وجنوب شرق آسيا… بورما، الملايو، و تايلند… الخ إن الحيلة البشرية بطبيعتها من الأنانية والشهوات، وتسبب عدم السعادة. و بـ (النيرفا) وتعني الاستئصال لأنانية الفرد وشهواته… ان إعادة طرح المفاهيم عن النفس البشرية بشكل الكتاب الذي بين أيدينا جاءت مغلفة باقتدار الكاتب المجيد،الذي يعي أداته الفاعلة في عمق حركة التاريخ، فكانت الوسيط الدقيق النافذ الى القارئ المنتخب بحرية ذوقه الذي يبحث فيه، ويمعن برؤيته بحثا عن صوته الذي أخذته حركية الازمنة، وبادلته المواقع في حيثياتها البالغة الإقصاء. عكف (البوذا) على تطهير الجسد بالصيام لمدة سبع سنين، ووجد إن الجوع المتوالي يؤثر على القدرات الذهنية فلم يكن ذلك إلا خيارا ذكيا ليعبر عن الجوع الذي مرّ به الفرد العراقي، المثقف الحساس، وما تلاها من أزمات بالغة، ويكفي بالعودة الى اقرب موسوعة مهما كانت مختصرة بأنها ستعطي القارئ وفرة من المعلومات المتواصلة،عن طبيعة هذه القطعة التاريخية و المساحة الفكرية التي يعتنقها الملايين من البشر. كديانة لها تعاليمها المستقلة ..فتكون تلك القراءة مفتاحا للدخول في أقانيم بوذا التي تفترض عاشقا منطقيا في مكان مفتوح غير مقيد ،مبتكرا الامتداد الحر على سطور مرهفة ممتلئة بحكمة خطاب موجه إلى قارئه بصيغة المضارع وتارة بصيغة الأمر..لم يقترب من الماضي بقدر عزمه على اختراق ما يريد فضة،بلغة عذبة… سريعة الوقع، متواصلة الهدير..ففي تلك الأقانيم مساحة، وفضاء مؤثث بالبرية ..حديث البعد عن زحمة المدن، وضجيجها..يمسك الراعي نايه، ويعزف رواه المجردة إلى الخضرة في الصحراء، والى الظلمة عن النور ..وجمال ما يراه الرسام، بعين تجرد الخطوط المتعامدة من التحامها، وتصير سحرا في الرؤية أن خطاب اليوم يثبت معرفيته ضمن نصه، فيصبح الحقيقة الأكثر ثباتا في الكشف عن ثقافة مبدعه، فرمة النص خطابا غير ساذج، وعرضة لتأويلات عدة.. تثبت الحيثيات في ذهن القارئ المتفتح كونه يدرك أساسيات حقيقية الإبداع، وللنص تفعيل من نافذة، أنه القرين الذي شاركه وطأة الحصار الغاشم الذي فرض على العراقيين أصحاب القضايا العادلة، فالقرين اكثر معرفة بشفرات النص (أي نص) وقد عرفنا (ميري ) كاتبا واعيا يستحق منا النظر الدقيق، وأية إزاحة للنص تعني خسارة فرصة لقراءة ممتعة.
أ.
آلهة مغشوشة، غير مكترثة بالخطايا.. تشارك في ديمومة الكوابيس اللا مشروعة.. حلم الإنسان أن يحيا مستقرا، أمنا، ولكونها غير حقيقية تفعل العكس، تساهم في هدم البنى التحتية للإنسان، وتكسره بدلا من أن تقومه وترعاه مثلما هو يرعاها.
ب.
مراقصة الأرانب البرية تعني التعلم منها كيفية الخنوع، وعدم الخروج عنها مقررا له ان يكون..( عليكم بالخضراوات أيتها الأرانب فلستم من لحم ودم لتأكلوا اللحم )
تحولاته في غير مكان او زمان ، انه يتحول إلى غرفة تملؤها العزلة.. في صحراء تملؤها الغربة
هـ
ادخل في أحد فصوله الأخيرة تحويرا لاسم زوجة الكاتب ووجه الخطاب بوضوح .
3
تفاحة بنفسجية هي أطوار بوذا البهيجة.. ساحة عشق تتمرد عليها أبيات الغزل، فتكون البحر الضاحك بصوت كقرقعة أواني نحاسية، عقود من الأزمنة تغرق في ذلك البحر الذي توسط القلب الكبير، أو ظل البكاء؟
عندما يأرق السحر العاقر (أكان أولا الأول، أم كان الزمان الذي كان؟) أبعاد هي من فضاء يدور في فضاء دائر بسرعة قصوى.. تصعب على القارئ أن يمسك بحدود الخطوط التي تخطها ريشة فنية جرت دون عناء.. بقيت لوحدها كعربة الجنون التي تنقل الوقت إلى حتفه..منحدرة إلى أحلام سائلة كالحمم النازلة من البركان… هدايا مؤجلة الاستلام… احتفالات فنتازية جرت مجرى الدم في العروق، وصار الفاصل الحضاري الذي يتمثل كخط الأفق الذي تقاس من خلاله أبعاد اللوحة التي يرسمها الفنان بريشته المقتدرة… مقاطع مجترحة بفارق الجرأة، تبوح عن قلق إنساني يكبر كلما تتقدم الصفحات … تتمزق الكلمات لأشبع الصور التي يحملها المفزوع مما يفزعه… تطارد مخياته وتأخذ البقية بصورها.. التي التي تفيض دما وبارودا… صورة الحرب التي لم تفارق مخيلة الجندي الذي خاضها بكل عنفوانه،وصارت هوية جراحه التي لم تنتهي بعد… حيث لغم سينفجر بين اللحظات..في حثيثات هذه الفصول، أزمنة متفرقة… لأحوال ( البوذا)، وأسفاره… هي في حقيقتها أحوال الكاتب، وقبل أن تعلق على الغصن المكسور. أتذكر صورة، ولا أتذكر إنها صورة… ربما كانت صورة الصورة، ولم تكن هناك ملامح واضحة.. رغم إنها تشغل حيزا.. فلها مكانا ممتدا على أربع وخمسين ومائة صفحة من القطع المتوسط… صورة حاضر يعيد كتابة نفسه بتشكيل لوني جميل كقوس قزح… يحتاج مني (أنا قارئه) أن احلل ألوانه، وأنا بحدود محددة… فالنتاج الأدبي ( عمل حر كريم يتوجه به الكاتب إلى القارئ الحر الكريم، ليشارك القارئ في خلق ما يريده المؤلف، خلقا صادرا عن الحرية في معناها الإنساني) لم تكن إلا كتابة رؤية (البوذا) الجديد في الصحراء الجدب، والتكرار… إلا رؤية الرقيب الذي لم يطور أدواته النقدية فبقي على ما تعلمه أيام شبابه، وصار نتاجه متبلدا من التكرار، والاجترار لا يحتمل فتوحات العصر الشبابي المغامر، إنها ( كتابة رؤية) تمردت على ذاتها، الأجل ان تكون حاضرة لما سيحضر بعدها .
4.
في أية عملية نقدية، يكون الناقد قد وجد في العمل الذي تحت مجهره خطابه الذي يتمنى كتابته… نستحضر تلك النظرية المعنية بتجريد الوعي من أية تطورات ما قبلية سواء كانت فلسفية أم حسية، بتحليل الوعي قبل أن يستبطن الأشياء، لاجل أن يظهرها بشكلها الأخير..نكون قد وقفنا عند البوابة الحقيقة التي أردنا أن ندخلها المؤلف.
5.
تحيتي إلى بيت الشعر الفلسطيني ناشر النص الذي أنشأه (ميري) بكل إخلاصه، وحبه.
بعقوبة
الثلاثاء،آذار،2002