.
الكون... قصيدة كبرى.
والحياة... قصيدة أخرى.
وكل يسير وفق نظام خاص به، تشرق الشمس صباحا، وتغيب مساء ويشتد حرها ظهرا... ونذهب إلى خدرها ليلا.
والقصيدة حياة تبدأ بالتكون منذ أن تخلق الفكرة في فكر الشاعر ثم توجد على لسانه وأوراقه... وتستمر بالنمو... وتكونها إنما يتم بالاضافة لتطورها وفق خط معين نسميه الخط النفسي.
فالانفعالات الانسانية عن الانسان السليم كما يقول أهل النفس وأصحاب هذا العلم تمر بسلسلة مراحل وهي معلومة معروفة وان تقدمت احدهما على الآخرى في بعض الأحيان أو تأخرت... لكن في النهاية هي الطريق الذي تسير فيه الانفعالات عامة.
والانفعالات النفسية بأشكالها واختلافها تسير وفق هذا الخط النفسي الذي هو يضمن طبيعية تسلسلها ويضمن وحدة متناسقة تسير عليها القصيدة في عمومها وخصوصها.
حيث أن القصيدة تعبر عن تجربة انسانية فهي أحرى أن تحكم وفق الخط النفسي وتحاكم على أساسه، فانتقال الشاعر من موضوع إلى موضوع ومن بيت إلى بيت يتم على أساس تسلسل الانفعالات، فعلى سبيل المثال نجد أن صاحب التجربة العميقة لا يبدأ الحديث عن تجربته مباشرة، إنما يمهد لهذا الحديث بما يشير إليه ويهيء نفس السامع له دون أن يبوح به، ثم يتابع بما يتناسب مع انفعاله، ولو ضحك أو بكى فإنما هو معبر عما في نفسه، لكن لا تجده يتحدث عن أمور الحياة وتقلبها ثم ينتقل إلى الحديث عن حالة الطقس...
وبما أن التجربة الانفعالية في عمومها تجمعها كما ثبت علميا مراحل تتسلسل دون إحداث فراغ بينها، وبما أنها تمثل النفس الانسانية التي يقول الشعر ما يحول فيها، فكان من الأولى عند الحديث عن أمر تقيم وصفه البنية الكاملة للقصيدة الشعرية خاصة وغير العربية عامة الأولى أن يعتمد الخط النفسي كنموذج لذلك.
أما ما يسمى الوحدة العضوية أو الموضوعية، فلا نرى أن أي منهما كاملة أو قادرة لتكون نموذجا يسير عليه القصيدة عند بنائها لأن تجربة الانسان ليست لحقر وفق أمر معين ولا موضوع معين... إنما تؤثر فيهما مؤثرات تجعل الخط النفسي أصلح كنموذج... فالوقوف على مكان أو طلل في قصيدة ما، لم يكن عبثا، إنما يمثل رمزا ومكانا أو مسرحا لآلاف الأحداث التي مرت فيه، وتركت أثرهما عميقا في نفس الشاعر، ووصف الشاعر للحجارة إنما هو حديث عن ذكريات تهمه، ويهتم بتفاصيلها، ووصف رحلته الطويلة إنما هو في ظاهره فروسية واستعراض لها وفخر بها، وفي باطنه ذكر أو تلميح للمعاناة التي كابدها في دربه للوصول إلى غرضه، وربما منعته من ذكرها غرة نفسه.
ومن الجدير ذكره أن جماعة النوارس الشعرية هي من أول من جاء بالخط النفسي وشرحه واعتمده كنموذج تبنى عليه القصيدة.