الشعر والشاعر واللغة / اياد شماسنة



اللغة أحد أهم أركان العمل الشعري، لا يتم العمل إلا بوجودها، وهي إحدى مقومات الجمال في الشعر، اتقانها اتقان العمل، واضطرابها اضطراب العمل، والعمل عليهما والعلم بأسرارها سبب للتفوق، غير أنه ليس كل عالم باللغة شاعر، ولا الشاعر ينبغي أن يكون عالما لغويا، إنما من الضرورة أن يكون الشاعر على معرفة وثيقة بلغته وأصولها وقواعدها وما ينبغي وما لا ينبغي، فهو الذي يخلدها بشعره وآدابه وهو سادنها الذي يحفظها أبدا.

واللغة حروف وتكون كلمات تصطف وفق قواعد اللغة وأصولها لتكون الكلام فاللغة.

والحروف أصوات يرمز لها، وقد اتفق على هذه الرموز، وصنفت ووضعت لها اشارات مكتوبة.

ومن الجدير ذكره أن لكل حرف معنى، فعند اجتماع حرفين تتكون كلمة، والكلمة المجردة تبدأ من حرفين إلا ما شذ في بعض الأحوال، أما الحروف ومعانيها فيعرفها العارفون، هذا وقد تحددت معاني الكلمات ومدلولاتها باعتبار معاني حروفها فالنون

مثلا (ن) تدل على البروز من شيء، وهي تدل على مثل هذا في الكلمات التالية ( نبت، نبع، نبش) وتجتمع الحروف لتكون الكلام.

وللحروف أسرار اختلطت بين العلم والخرافة وبين الحقيقة والسحر، وفي الزمن الماضي برز ما يعرف بالسيمياء وهو متعلق بالحروف، ولسنا هنا في بحث هذا الموضوع.

أما الكلمات فمنها السهل السلس على اللسان الذي لا يجد حاجزا حتى دخل القلب فتأنس به الروح، أما الغريب فيذهب ويبقى ما تقبله الفطرة أولا والنفس ثانيا وما يوافق عليه العلم ثالثا.

وليس كل ما لم يألفه الناس غريبا، فمن طبع الناس النزوع إلى لغة سهلة مبتذلة أو ما يسمى بلهجة الشارع أو لغته ويتأثرون بالغريب والقريب والأليف والمألوف والوحشي، إنما على الشاعر بعلمه وخبرته اللغوية والجمالية أن يستعمل من لغته الألفاظ التي توصل المعنى كاملا غير منقوص دون الانقاص من جمال اللفظ، فجمال اللفظ له مدلول وكما أن المعنى له مدلول، والفرق بين مترادفات اللغة وإن تشابهت في المعاني فإنما تختلف في دقة المدلول، وموسيقاه التي تناسب معنى دون معنى، وموقعا دون آخر، ومقاما دون مقام.

أما اللغة بعمومها، فهي الألفاظ المتفق عليها الدالة على المعاني، وفي الشعر لا يغني لفظ عن لفظ، وإن ناب عنه في موضع، إلا أن اكتمال المعنى على النحو الأفضل لا يتم إلا بلفظ معين تحدده فوية الشاعر وتجربته.

وكما أن اللفظ ضروري لاكتمال المعنى، فإن المعنى يحدد اللفظ ويتطلب نغما موسيقيا يتوفر في اندماج لفظ معين داخل البيت الشعري.

وحتى تتم الجملة الشعرية داخل البيت الشعري، ينبغي أن تتكون الجملة حسب قواعد اللغة وأصولها أولا.

وثانيا حسب ما يقول القوم في ذلك المقام الذي فيه الشعر( أي كما قيل: يقال القول كما تقول العرب الأوائل، بلا عجمية) فيقدم المقدم في موضع التقديم ويؤخر المؤخر في موضع اتأخير من ناحية، وإن يفهم من القول إن صاحبه من أهل اللغة وقومها، ضمانا لتمييزها بين اللغات، في سائر الأزمان، من ناحية أخرىز

وللشعر ألفاظ تكون ما يسمى باللغة الشعرية، وهي ألفاظ تنتخب فطريا من اللغة الأم لمناسبتها للشعر لفظيا، ودلالة، وموسيقى، وألفظة، واللفظ الشعري يصلح في غير الشعر أما اللفظ الشعري فلا يصلح للشعر، وإن لم يتم تحديد وتمييز الألفاظ الشعرية عن غيرها، فإن خبرة الشاعر وسلامة ذوقه الشعري وسلامة لغته أولى باختيار الألفاظ  وتناسبها موسيقيا لتكون الجملة الشعرية فالبيت الشعري.

واللغة الشعرية تمهيد أولي لمطابقة موسيقى اللفظ الظاهرية من موسيقى البيت الشعري، كما تضيف بايقاعها المتنوع السليم نمط موسيقي جديدا كما في  ما يسمى بالقالب الشعري أو البديعي أي ما وضعه علم البديع.

ولكل ما تم ذكره ينبغي للشاعر أن يكون متمكنا من لغته أولا، بعيدا عن الخطأ ف قواعدها وأصولها، متقنا لأساليب القول، بارعا في اختيار الألفاظ ومناسبتها، وتوافقها لمقامات القول والمعاني، والغرض الشعري، قادرا على وضع اللغة كما تريد اللغة ضمن النمط الشعري وموسيقاه أولا  والموسيقى الظاهرة عن الألفاظ ثانيا كما يريد هو بحيث يظهر المعنى واللفظ والموسيقى والتأثير النفسي والتصويري كما تصوره الشاعر وأحس به قبل أن يقال.

View shamasnah's Full Portfolio
tags: