الوطن في ذاكرة رغده عيد .... بقلم / عبد الله عبد اللطيف
الحس الوطني أيضا هنا في كتابات رغده عيد هو حس فطري امتدادا لمذهبها في التعامل مع الحرف، نجدها مباشرة وتلقائية إلي حد بعيد، تتحدث عن الوطن من واقع انتمائها العروبي الواضح في كل كتاباتها، وفكرة الوطن في ذهنها ممتدة لتغطي كل ربوع الوطن العربي، لا تؤمن بطبيعتها بالقطرية أو يضيق مفهوم الوطن عندها إلي حدود دولتها القطرية وحسب، ولكن هذه الفكرة العروبية القومية أيضا لا تستند إلي أسس أيدلوجية وإنما تأتي في السياق الطبيعي للإنسان العربي الذي يستشعر أهمية القومية والوحدة العربية استشعارا وحدانيا ويشعر بصلات الدم العربي.
تناجي رغده الوطن في خاطرة بعنوان الوطن العربي بعد ضرب العراق ولبنان، وتتعامل مع الوطن بحنان بالغ وكأنه وليدها:
" أيها الوطن الغالي لا تبكي "
عبارة تشعرك فيها أن الوطن الماثل في ذهنيتها ليس إلا شخصا قريبا جدا منها، تمسح علي رأسه، تجفف دموعه، تحنو عليه، ليس هذا فحسب بل وتدافع عن وجوده ونموه وإزدهاره، لديها روح الفداء من أجل هذا الوطن الغالي حيث تسترسل قائلة:
" سأعطيك فكري ، دمي ، إبني ، لا لن أتركك تتمزق بيد العدو ، إن كان فسأعمل علي بنائك من جديد ، ألا تؤمن بأننا وحدة ، أصبر أيها الوطن العزيز " .
ويتضح أيضا البعد الديني في التعامل مع فكرة الوطن فيما كتبت، وأن فكرة الدين وحدها ليست أساس هذا الإنتماء ولكن تضيف إليها رؤية التراث والتاريخ الواحد:
" فمهما حاولوا فإن الله معنا ، لا تيأس لك جذور ، لك أصول ، لك منبت في كل أنحاء الأرض ، لك عرق في كل العصور ، لك نحن وكل عربي منك وإليك "
وتستطرد قائلة :
" أيها العراق الشقيق صرختك تنبع من قلوبنا وجرحك ينزف من دمائنا ، وبكاؤك هو دموعنا ، أشلاء طفلك وصلت بلادنا ، ...... والقهر تنهيدة خرجت من صدورنا "
لكنها تدرك حقيقة العجز العربي أو قل تلك الحقيقة فرضت نفسها عليها فأوردتها :
" والله لك وللأسف لا نستطيع غير الكلام ".
هنا نلاحظ الخطاب المسترسل النابع من فطرة الإنسان العربي الغير مستن إلا إلي الوجدان والشعور العام.
تتحدث رغدة عن الأم الثكلي الذي أستشهد إبنها علي بوابات القدس المحتلة وتدعو إلي التضامن ضد إسرائيل وتستنفر صقور العرب ضد العدو اللئيم.
وتستدعي رغده الوطن دائما في ذاكرتها وتشكو إليه ظلم وقع عليها، وتتساءل أمنبوذة أنا يا وطني ؟ ، ونستشعر حجم الظلم الذي تشعر به حين نقرأها هنا فهي لم تتوجه إلا للوطن تبثه الشكوى وتصرخ في وجهه حينا وتسترضيه حينا وتتهمه حينا لكنها في النهاية تقرر مواجهة الظلم وعدم التخلي عن الوطن بكلمات يملؤها الإصرار والتحدي وتبدأ مناجاتها بقولها :
" منبوذة أنا يا وطني بدون وجه حق
منبوذة أنا يا وطني لأنني لا أرضي لك الظلم
....................
منبوذة أنا يا وطني فأين أذهب
وأين أجد العدل
................ "
وتصرخ أكثر تستدعي الوطن وتشكو القهر :
" ضجرت من قهر الرجال يا وطني
فأين الإنسان ؟ وأين السلام ؟
وأين وطني ؟ يا وطني أين أنت ؟
.......................
ولا تزال تبحث عن الوطن :
" فهل تسمعني يا وطني ؟
أو أنك فعلا ذهبت
هل دفنت يا وطني هل إندثرت ؟
هل ضعفت يا وطني هل إنهزمت ؟
.....................
غير أنها سرعان ما تتمالك ذاكرتها وتتوحد بالوطن في لحظة :
أعرفك يا وطني فأنت أنا وأنا أنت
..........................
سأعمل لك يا وطني حتي لو خنقوا صوتي تحت الماء
حتي لو جعلوا جسمي أشلاء في الفضاء
حتي لو أحاطوا فكري بالدماء
سأكون لك وطنا يا وطني ولن أتخلي عنك "
هنا تكشف فكرة المؤامرة عليها وعلي الوطن من ناحية أخري مما يزايدون بإسم الوطن، وهي هنا لم تسعي نحو التوحد في الوطن وحسب وإنما ذهبت إلي أكثر من ذلك بإستبدال الأدوار حين أكدت أنها ستكون وطنا للوطن، فكرة ما إذا أصبح الوطن غريبا فهي ستكون له وطنا.
ويتسع مفهوم الوطن عند رغده ليشمل البعد الإسلامي فنجدها تكتب نداء من كوسوفو تتضامن فيه مع المسلمين الذين يتعرضون للذبح والقتل والتمثيل بجثث الأبرياء ولا تجد ملجأ ولا ملاذا لها إلا التوجه إلي الله ( فلا أمل لي إلا بالرحمن ، وترحموا علي إخوتكم ، إستعينوا بالإيمان ) .
وعندما تكتب الأرض والورد تتحدث عن أم الشهيد تتكلم بلسان حالها، هي أم الشهيد وتبكي بكاءها ولكن لها رؤية واضحة تتضح حين يجيئها صوت ابنها الشهيد يواسيها ويطلب الصبر لها تجيبه:
" أن لا تحزن بني أنا لا أبكي الشهيد ، ولكني أبكي زمن العبيد ، أخاف علي إخوتك ، أخاف علي وطنك وعدم تقدير تضحيتك ، أخاف أن يستمر الجهل ويتحكم الخوف برجولة أمتك "
فهي قلقة علي المستقبل وتحمل هم قضية الوطن وهذا يمثل مؤشرا لموقف سياسي من الأحداث التي تجري علي خارطة الوطن غير أنه موقفا عاما غير محدد الملامح إلا في سياقه العام وهذا يتفق مع مذهبها في الكتابة الذي يعتمد علي الفطرة والطبيعة العامة.
من سياق القراءة السابقة إتضح لنا أن الوطن يتجسد عند رغده في البعد العربي والبعد الإسلامي ، غير أنها لا تنسي أن تتكلم عن الوطن بمفهومه القطري وقد تتضح رؤيتها للوطن هنا مغلفة برؤية ثقافية وتاريخية ، فهي عندما تناولت في كتابتها الوطن السعودي ، كان ذلك من خلال الحديث عن الجنادرية ومئة عام علي توحيد المملكة ، وكلنا يعلم أن الجنادرية احتفالية ثقافية تهتم بإبراز الموروث الشعبي وتتسم بجذور تاريخية ، هنا أيضا تتسم مواقف الكاتبة مع الموقف العام المتوافق مع شخصيتها وفكرها وكتابتها منذ البدء قلنا أنها فطرية لا تحمل ولا ترتكز إلي أساس أيدلوجي تقول الكاتبة في وصف الحدث :
" الجنادرية يا وطني ثقافة يشار لك بها تاريخا ورمزا وفخرا لكل أبنائك، أولادك يا وطني سندا لترابك، فغني يا وطني طربا فاليوم يوم ميلادك، ...... "
وتستمر الكاتبة في العزف علي هذا الوتر حيث تصور الحدث المزدوج – مهرجان الجنادرية وذكري توحيد البلاد – تصوره عرسا ثقافيا ووطنيا بثنائيته المذكورة، فنري لغتها وخطابها يختلط بمشاعرها الخاصة حتي يخيل لنا أنها تشارك في هذا العرس برقصة من خلال حروفها حيث تواصل وتقول:
" وطني يا من عشقت هواءك، وتغزلت بسمائك، وراقصت نجومك، وداعبت ترابك، وتمايلت دلالا في أحضانك، احبك يا وطني وارتوي بمائك، واشقي ببعدك وأموت فداء لك ".
فقط قبل أن اختم حديثي هنا أود لو أشير أن جغرافيا الوطن تتشكل لدي الكاتبة علي مستويات ثلاث كما ذكرنا وهي القطر والعروبة والإسلام، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فالكاتبة وداخل نسيج الوطن تبرز هجرة العقول العربية خارج حدود الوطن إلي الغرب، وتتساءل لماذا تنجح هذه العقول العربية في الغرب وذلك من خلال المثل الذي تحدثت عنه وهو الدكتور أحمد زويل، الذي تفخر أنه من أبناء أمتنا، وهي قضية لو أخذت حقها من النقاش فهي من الأهمية بمكان وتلك برأيي من أبرز القضايا الوطنية، وتنتظر الكاتبة من تلك العقول العربية المهاجرة أن يقدموا عطائهم لوطنهم وأنها تثق في ذلك.
فضلا عن إثارة الكاتبة لتلك القضية فإنها تتحدث عن قضية وطنية بالغة الأهمية ألا وهي اللغة العربية وعلاقتها بالعلوم والتقنيات الحديثة من خلالها مقالها بعنوان العروبة والإنترنت، تتعامل هي مع اللغة برقة شديدة تحدثها قائلة:
" لغتي الحبيبة عروبتي العظيمة ، أعرف أنك حزينة ، لأنك مظلومة ، ومن أبناء عروبتك مقهورة ، ومن الغربي مخنوقة ، ومن الإنترنت مسلوبة ، ولكنك مصانة محفوظة وكالجواهر مدفونة " .
هكذا عرفت الوطن لدي الكاتبة رغده عيد، هو مجموعة من الأحاسيس والمشاعر الجميلة تتقاسمها الدوائر الثلاث فضلا عن قضايا هامة تتعلق بها، تحية لهذا القلم الذي أعطي للوطن من روحه ومن نقاءه ومن صادق مشاعره وأحاسيسه.