رحلة في خواطر رغدة عيد ..
بقلم / عبد الله عبد اللطيف
المحامي *
قراءة خواطر رغدة ليست صعبة، فخواطرها تنساب من قلمها كالهتان كحبات المطر التي تتساقط برفق، كلماتها تأخذك إلي دواخلها بكل يسر، ليس لديها ما تخبأه، تأخذك إلي عالمها البسيط، فهي تكتب بفطرتها، عبارتها سهله، ليس بها صنعة أو إحتراف، من هنا تكتسب مصداقيتها لدي من يطالعها، وأتصور أن رغدة حين تكتب لا تكون متأهبة أو مستعدة للكتابة، إنما قلمها يسير بها بتلقائية، وأتصور أيضا أنها لا تراجع ما تكتبه، هي دفقة شعورية خرجت منها إلي العالم الخارجي وفقط، تترك لمن يقرأها حرية التعامل مع تلك الدفقة الشعورية كما يشاء.
وكتابات رغدة لا تحمل قضية بعينها تطرحها بعمق وتناقش تفاصيلها بشكل متخصص، إنما همها الأول والأخير هو الإنسان بصفة عامة، الإنسان القابع داخلها، الإنسان القريب منها، حبيبا أو إبنا أو جارا أو زميلا أو صديقا، وهكذا هي نوع مطلوب علي ساحة الأدب والكتابة نفتقده أحيانا، ونتاجها يرضي فئة غير قليلة من القراء.
وفي هتان نجدها عاشقة صادقة في عشقها وكأن حبات المطر تنزل إلي قلبها ووجدانها بالرفق الذي يوافق روحا فترويهما حبا وحنانا حيث تقول :
" هتان أنت هتان ، جميل أنت فتان ، رقيق عذب تيقظ الأذهان ، تميل لك الأنفس والأبدان " .
وتستمر في وصفها الجميل لهذه اللوحة التي شكلها وجدانها ، حتي تصل إلي مبتغاها وهدفها وهو الإنسان حيث تختم لوحتها بقولها :
" نخلع حينها ثوب الحيوان ، ونلبس ثوب الطبيعة نؤكد الإنسان ، بفطرته وبكل الألوان " .
وتستغرب رغدة علي الإنسان أن يمارس فعل الظلم ، وتصف شعورها بالظلم قائلة :
" عندما ظلمت شعرت بظلام يعمي بصري ، ويرتعش له بدني ، ويرتجف منه قلبي ، إنه شعور بالحزن " ، .
وتستنكر أيضا علي الإنسان أن يرد الظلم بظلم فالمهم عندها :
" من ينتصر بحق لا بظلم وقوة ، من يستطيع الصمود لا الهروب من الواقع مهما كان مريرا " .
وتشعرك رغدة بإنسانيتها الرقيقة حين تصف نفسها :
" نفسي كزبد البحر تذيبها الشطآن ، وروحي كالإسفنج تنقبض بثوان ، " ساعتها تتوه وهي تحب التوهان " فما أجمل التوهان خاصة بين الغيطان، عن الغصن الريان ............ فتشعر أنك إنسان ".
هكذا تحب وتعشق التوهان في رموز الطبيعة الجميلة وتشعر بإنسانيتها حينذك .
وفي لحظة صدق مع نفسها تشتكي الزمن فهو في تلك اللحظة :
" زمن لا يطاع ولا يطيع " ،
وفي الأول والأخير تبقي الأنوثة غالبة علي رغدة ولكنها أنوثة عاقلة ورغم ذلك تبدي غيرتها علي حبيبها فترسل من وراءه عصفورتها لتراقبه وتخبرها عن تصرفاته مع الأخريات ولكنها تسترسل في وصف العصفورة :
" يغلب علي ريشها اللون البنفسجي بدرجاته المختلفة ، يتخلله الفستقي والأخضر الزيتي اللامع مع اللؤلؤي ، أرجلها نجوم ماسية وتغريدها تواشيح أندلسية............. ستسمه صوتك وتري إتجاه عينيك ، وتعود لي لتخبرني عنك وعن تصرفاتك مع الأخريات ، فهي عصفورة أليكترو زاجلية " .
ولكن غيرة رغدة ليس بها أنانية وتملكا فهي لا تطلب من حبيبها أكثر من أن " إستمر في تغريدك الذي سيتردد كالرنين علي أوتار قيثارتك خلالصعوده كل طبقة من طبقات الفضاء من حولك ، حتي يملأ الكون كله نغما جميلا صافيا " .
ورغدة من النوع الذي تتعامل مع أنوثتها ومشاعرها وحبها بحساب ، لا ترسم كل دفقاتها الشعورية في هذا الجانب كاملة ، هي تضع خطوط وملامح عامة وعليك أنت بإستنتاج التفاصيل ، حريصة في البوح عن مشاعرها ، لم تتعلم فن البوح بجرأة ، قد يكون ذلك راجعا إلي طبية المجتمع السعودي الذي تعيش فيه ، وحظ المرأة فيه ليس كبيرا فما بالك لو تعلق الأمر ببوحها عن مشاعرها أشعر أنها تكتبها بخجل .
وفي هذا الخصوص تعاتب حبيبها أو تعاتب قدرها أو تعاتب نفسها حيث تقول : " تأخرت .. نعم تبعثرت خطاي تأخرت ........ طارت أوراقي وتناثرت خطواتي ومحيت كلماتي وإندثرت ، كله لأنني تأخرت لا بل لأنني تبعثرت ........ كنت أود لو تفهمت ولكن للأسف كما هي أيامي دوما لا عليك لا عليك ".
لكنها توسع دائرة البوح وتعطي مجالا لمشاعرها أن تتدفق من خلال حروفها الهتان وتسجل ترددها في البوح لحبيبها بحبها له في تعارف كلما تقدمت خطوة نحو البوح تقولها وأحسبها نادمة علي ذلك :
" فجأة تقهقرت " ، .
عبارة كررتها نحو أربع مرات ، حيث نال التقهقر حظه في أربع سطور من إجمالي أحد عشر سطرا ، حيث تقول مثلا :
" تعرفت تعودت وما ندمت ..
تدللت تعففت وما تكلمت ،
وفجأة تقهقرت ،
كنت الفيصل وما زلت شطبت محيت ومزقت ،
وما غيرك تذكرت وسعدت بلقائك وتمنيت ،
وفجأة تقهقرت ،
حبك بقلبي حفرت وصورتك بعيني طبعت ،
تأنيت وفكرت يا بعد عمري قسوت ،
وفجأة تقهقرت ،
بكلمة ود تمنيت أرجع وأملك ما أمتلكت ،
يا بعد عيني تأخرت ،
وفجأة تقهقرت " ....
لا حظوا معي المد والجذر هنا الكر والفر في مشاعرها ، الإقدام والرجوع ، الرغبة والتردد ، هل تلاحظون النقهقر بعد شجاعة الإندفاع ؟؟؟؟؟؟
ولكنها تعترف في النهاية بأن حبيبها قد فهم ترددها علي وجه غير صحيح ، حيث تختم خاطرتها هنا بنبرة يملؤها الحزن والأسي تقول له :
" تحسب بإني نسيت وعن عمري تخليت ..
وأزدت كبريائي وتعاليت وما تدري وما ظنيت ..
بحبك وبغيرك ما إرتضيت وسأسعي وراءك ما حييت " .
وأظن أنها قالتها بعد فوات الآوان جاء ردها متأخرا أتصور ومن يدري من الممكن أن تستسلم وتتقهقر مرة خامسة .
ودونما تدري تكشف كتابات رغدة عن عاشقة تحمل عشقها بداخلها حين تغضب ممن تحب ، حيث تطلب منه ألا يزورها اليوم ، اليوم فقط في نظري ، حيث تقول :
"لا تزورني اليوم لا
فقد أحرقت كل صفحاتي
ومزقت كل قصائدي
ومسحت كل ذكرياتي
ولم يبق مني غير غلافي الضادي "
...................
وتسترسل في مذهبها هذا إلي أن نعرف طلبها منه ألا يزورها اليوم حيث تختتم خاطرتها هنا بإجابة :
قد تتكلم عثراتي
ووتتفوه أسراري
وتفضحني ذاتي
لا تزورني اليوم لا
فلا تندم لملاقاتي
فربما تكثر هفواتي
...............
وهكذا نعرف السبب .. تطلب عدم الزيارة ليس هجرا ولا جفاءا وإنما حرصا عليه ، لا تريده أن يراها في هذه الحالة ، تخبيء عنه عثراتها وأسرارها وذاتها ، تخشي أن تكثر هفواتها في اللقاء ، فتخسره .. وتضع نهاية لعشق هي حريصة عليه .
وتكره رغدة أن لا يكون لها إختيار في عشقها تحب أن يخيرها حبيبها وأن يكون قرارها بإختياره من عندها هي ، وأن يكون إختياره لها من عنده هو ، تكره أن تفرض علاقة الحب بين قلبين لم يختارا بمحض إرادتهما بعضهما البعض ، ولا تحب رغدة أن يتجاهلها حبيبها ، تود لو تبقي ملأ عينيه ، هي كما وصفت نفسها مجنونة بخيالها ، فبعد أن تهدده بأنها لن تبحث عنه بين دفاترها وأقلامها ........ تنتظر قراره بقوله لها إختاري ..حينها تعطيه رحيق أزهارها .. هذا المعني سجلته في خاطرتها لن أبحث عنك وإليكم النص الكامل :
لن أبحث عنك بين دفاتري وأقلامي ،
لن أبحث عنك مهما كانت أقداري ،
لن أركض لا هثة فوق الجبل العالي ،
لن أهرول بين القمم والوادي ،
لن أصرخ وأناديك وقت الأسحار ،
لن أبحث عنك بين شطآن أفكاري ،
لن أحبو في الصحراء منقبة كمن يحفر الآبار بالأظفار ،
لن أبحث عنك لتركع تحت أقدامي ،
فإن كنت لا تعلم مقداري ،
لن أحتاج مثلك أيها المتعالي ،
لن أبحث عنك يا معذبي إن كنت تريد إذلالي ،
ولا تحاول قتل أشعاري ،
فدوما تتجدد أمالي ،
مجنونة أنا بخيالي ،
أحب دوما تحدي ذاتي ،
فكيف التحدي مع من هو ذاتي ،
إنبثقي يا شمسي ولا تختفي
وسنري من ينتصر علي الثاني ،
رأيتك بالأمس
وأنت تختفي عن أنظاري ،
رأيتك تتصدي لمعرفة أخباري ،
الآن أصبحت تقف خلف الأشجار ،
لا تخف لن أسحبك تحت ستاري ،
لن آخذك بالقوة لتتحكم بأفعالي ،
فأنت أميري وتاجي الماسي ،
لن أبحث عنك يا صندوق أسراري ،
يا حلمي العاجي ، يا معجم أفكاري ،
يا شعلتي وقت إنطفائي وسكون كياني ،
لن أحصل عليك بالإجبار ،
لأنني أريدك علمي ومنبري العالي ،
لأنك أسطورتي ومنبع أحلامي ،
بل سألملم خيوط ظلالي ،
وأمحي كل آثاري ،
وأنتظر قرارك أنت وقولك لي إختاري ،
حينها فقط أعطيك رحيق أزهاري "
أيضا هنا كر وفر في المشاعر بلغة أقرب إلي الشعر من النثر أو قل هو شعر منثور ، وهكذا تبدو لنا رغدة علي حقيقتها دفقة شعورية تنسكب بمداد يشكل حروفا وكلمات تنساب برفق علي الصفحة مثل الهتان يتساقط قطرة قطرة .
* محام وشاعر مصري elmohamy20@hotmail.com
عـــــــــــذراًًَ استاذ عبدالله
لقد تفهمت وجة نظرك
وعرفت انني اسات الفهم
وانك تقصد انها كاتبة ورائعة ومتمكنة ومبدعه
عذرا لسؤ الفهم
ودمت رائع
نور من الحقيقة
استاذي عبدالله عبداللطيف
ان ياخذك الكاتب الى داخلك ، صعبا جدا او ان يجعلك تقرا بين سطورة جزء من الحقيقة التي يعيشها الانسان ، من اصعب انواع الكتابة وان يجعلك تفهم مايكتب وان تنساب كلماته كما ذكرت بسهولة ومحملة بالمشاعر والاحاسيس من الصعب يا استاذي ان تلمس مشاعر الاخرين وان تخاطبها ومن الصعب ان يفهمك الاخرون
عندما يكون الكاتب له تاريخ طويل ناجح ةتواجد في الساحة الادبية والفكرية وتاتي وتقول يا استاذي
وتقول كتاباتها ليست احتراف من يا استاذي برايك المحترف ومن هو الكتب بنظرك وع ندما تقول انها لا تستعد للكتابة او تراجع فاستاذة رغدة تاريخ حافل بالقراءات والكتابات والنقد للاخرين وتاتي وتقول انها لاتراجع ولا تستعد من بنظرك
عندما تقول عن قضية الانسان ليست قضية محددة
ولا تطرحها بعمق وتفاصيل
اي عمق وتفاصيل وقضية تجدها يا استاذي في الرواية
كما ان يخاطبك الكاتب ويلمس همومك فهو يكتب بعمق وتفاصيل حياتك سطور تقراها في كتاباته
على اي حال استاذة رغدة عرفتها كطالبة في الدراسات العليا وكنت استاذتها ولكن يا سيدي تبادلنا الادوار اصبحت استاذتي وانا طالباتها رغدة تاريخ حافل بالعلم والثقافة والابداع الابداع الذي نفقدة في هذة الايام رغدة تذكرني بكتابانا الكبار العظماء
شكرا لريايك الذي اثار مشاعري وجعلني اسطرها لكل من يقرا لرغدة
اختك هيفاء
سلامي
رحلة في خواطر هتان للكاتبة رغدة عيد
بالبداية أعتبر الكتاب عبارة عن سرد وبوح أدبي أكثر منه خواطر.والخاطرة عادة لمبتدأ،أكثر منه أديب.بمعنى اختيار كلمة "خواطر "لا تتناسب مع الكاتبة.أيضا هناك جمل تومىء إلى عدم تمكن الكاتبة من ألأداة الأدبية بقولك "ليس بها صنعة أو إحتراف، من هنا تكتسب مصداقيتها لدي من يطالعها، وأتصور أن رغدة حين تكتب لا تكون متأهبة أو مستعدة للكتابة، إنما قلمها يسير بها بتلقائية، وأتصور أيضا أنها لا تراجع ما تكتبه"...فهذا يعني أن الكاتبة تكتب بعفوية وفطرة انسان يعيش حالة،وإن ذكرت في كتاباتها عن الوطن والمرأةوالجماجم برموزية وليس بعفوية كما تفضلت.قد تفتقد الكاتبة إلى البلاغة الأدبية في تركيب الجمل،وذلك يعود إلى رغبتهابالتعبير بلغة سهلة تعبر عن ما يجول ويختلج في أعماقها كإنسانة ،أو ربما لأنها لا تجنح كثيرا إلى الصور الشاعريةولا تمتلك الخبرة في تطويع اللغة وأدوات أدبية لتتمكن من النص ،فيصبح هو ما ابتدعته وأوجدت كمائن القدرة على التعبير الأدبي.لهذا لا يمكن أن نقول أن كتاباتها شاعرية وقصائد نثرية،لأن النثر أيضا له أدواته الخاصة وتمكن الكاتب بهذا المجال،إنما سردها جاء بشكل سرد يتوالى بسطور.لهذانطلق علي مثل هذا السرد الرمزي.
عشقها في"هتان"وصل إلى حد ترميزها لعشق معين ولم تبوح لقطرات المطر وهتان يا سيدي لا يعني قطرات المطر ،إنما يعني المطر الغزير.المهم أنها انتصرت في تصوير رسم حقيقة وواقع الظلم في انسانية كل منا.واستطاعت أن نتقله بما نثرت بذور المحبة والعشق للانسانية بتجرد.وبغض النظر لمن توجه سطورها إليه.
ونستشف من " فما أجمل التوهان خاصة بين الغيطان، عن الغصن الريان ............ فتشعر أنك إنسان ".
هكذا تحب وتعشق التوهان في رموز الطبيعة الجميلة وتشعر بإنسانيتها حينذك"أن التوهان عند رغدة هوالارتماء في حضن الطبيعة لإغماءة الروح في خضم هذا الكم الهائل من عتم الزمن.
" زمن لا يطاع ولا يطيع "
عود على بدء قلم الكاتبة رومانسي وليس أنوثي ،وهناك الكثير من الكتاب يملكون هذا الحس الرومانسي.برأي لا يوجد كتابة أنثوية وكتابة ذكورية،بقدر ما يوجد حس انساني يستشعر عذوبة أجواء تبعده عن واقع إلى عالم ما يريد ويحلم.
أوافقك الرأي بشأن أننا لم نتعلم ولا نعبر بجرأة بالبوح ،وهذا يعود إلى شخصية الكاتبة ذاتهاولحساسيتها المفرطة تجاه مجتمعها.لهذا فهي جنحت إلى الرمزية في سطورها والى الرومانسية في حروفها،علها تجد واحة تستظل بفيها من تقاليد مجتمع يعتبر البوح للمرأة مذلة!المد والجزر هنا يعني شيئا ما هو محاولة الكاتبة ضبط وتطويع مشاعرها لتجد الاستحسان عند الآخر ،الذي يرفض جرأة الكاتبة.وهذا اعتبره
يرجع إلى شفافية الكاتبة والخوف إن هي أباحت أن تخسر الرأي الآخر.لكن يبقى أن نقول،بالبداية والنهايةعندما نكتب،فإنما نترجم فكرا نود اطلاق العنان له،وإطلاق سراحه من قيد يقبع في أعماقنا.فلماذا لا نطلق العنان لأقلامنا لتخط ما تتدفق من أجله مشاعرنا! ولربما كما ذكرت البوح لديها، يعني أنها تفقد كبرياءها!فالعشق يا سيدتي لوطن بغض النظر من يجسده هو قمة الكبرياء وقمة الانسانية،فهذا ما تبقى من إنساينتنا فلما نرفض التعبير عنه؟!...وهو بقايا من بقايا أوراق مبعثرة ننشرها لتحيك نمنمات تتعانق مع المطر في محاولة للتصالح مع الحياة،فتجتاز المسافات لتخترق روح تداعب نسمات الألفة.
سوسن البرغوتي